ترجمة: أحمد بن عبدالله الكلباني -

أطلق وزير الخارجية الأسترالي «بيني وونج» بيانا تحذيريا لزعماء دول جنوب شرق آسيا خلال الأسبوع الماضي، وجاء فيه: «إن هذه المنطقة معرضة لصراع مدمر فيما يتعلق ببحر الصين الجنوبي، إذا لم تتخذ الصين إجراءات تعزز ضماناتها القانونية والدبلوماسية».

وقال كذلك: «إن المنطقة تشهد بالفعل الكثير من الأعمال التي تزعزع الاستقرار، كما أنها أعمال مستفزة وقهرية»، وإضافة إلى ذلك «هناك أعمال تفضي بممارسات غير آمنة» في كلٍّ من الجو والبحر، ولم يصرح بذلك الوزير بشكل مبطن، بل كان صريحا بالإشارة إلى تصرفات الصين الأخيرة في بحر الصين الجنوبي.

ويثير ذلك مخاوف العديد من الدول في المنطقة، وخاصة فيتنام والفلبين، جراء الممارسات التي تقوم بها الصين في بحرها، وهذا ما يثير تساؤلات حول رفض الصين حكم «محكمة التحكيم الدائمة» في عام 2016 -والذي قالت فيه: إن ادعاءات بكين حول حقوقها التاريخية في بحر الصين الجنوبي «لا أساس لها قانونا»- والتي استندت فيه على القوانين البحرية الدولية في مسعى للحفاظ على الطرق التجارية البحرية المفتوحة بين الدول.

وانتقدت الفلبين خلال الأسبوع الماضي كذلك «العمليات الخطيرة» التي تقوم بها بكين في بحر الصين الجنوبي، وقد أكد الرئيس الفلبيني «فرديناند كاركوس جونيور» بعدم تنازل بلاده للصين عن «بوصة» تلك المنطقة التي تقع في المياه المتنازع عليها.

كما وقّعت كل من أستراليا والفلبين مؤخرا اتفاقية تنص على زيادة مستوى التعاون البحري بين البلدين، وقد يفضي ذلك إلى إجراءات مشتركة من التمرينات العسكرية الدفاعية في بحر الصين الجنوبي.

ورغم ذلك لا يبدو أن جميع رؤساء المنطقة يجمعون على أن ما تفعله الصين يشكل تهديدا عليها، وما يدلل على ذلك ما صرح به رئيس الوزراء الماليزي «أنور إبراهيم» بشأن ما يسمى «رهاب الصين»، قائلا: إنه إذا كانت هنالك مشكلات بين الولايات المتحدة وأستراليا مع الصين فلا ينبغي فرض تلك المشكلات على جنوب شرق آسيا.

ومما لا شك فيه أن المنافسة الحادة بين القوى العظمى -الولايات المتحدة والصين- تبرر الخطط الاستراتيجية من دخول أستراليا في جنوب شرق آسيا، ولا تعني هذه الأثناء التي تتزايد فيها التعاونات البحرية بين دول المنطقة، أن هناك اتفاقًا جمعيا على إبراز القضايا التي لها تأثير على استقرار وسلامة وأمن المياه الإقليمية في المنطقة، وبشكل خاص بحر الصين الجنوبي.

إن دول جنوب شرق آسيا تتمتع بوجود مصالح وأنظمة سياسية وأولويات استراتيجية مشتركة ومتنوعة، وقد اتفق رؤساء العديد من الدول الصغيرة والمتوسطة في مختلف أنحاء العالم على أنهم لا يرغبون أن يُخيَّروا بين الولايات المتحدة الأمريكية وبين الصين.

كما لا تقوم جميع تلك الدول بأخذ احتياطاتها بنفس الدرجة، ولكن على أستراليا أن تركز جهودها في بناء شراكات حقيقية مع دول جنوب شرق آسيا، وذلك من تلقاء نفسها، وليس أن تعتمد قراراتها على «التهديدات الخارجية المزعومة»، وعليها تحديد القضايا المشتركة المهمة بين جميع الأطراف ومحاولة معالجتها.

وفي قمة «الآسيان» وأستراليا التي عقدت الأسبوع الماضي، على سبيل المثال، اقترحت دول جنوب آسيا مقترحا يتمثل في «إنشاء منتدى بحري خاص»، من ضمن الخطط أن يناقش هذا المنتدى التحديات الأمنية في المياه الإقليمية، منها أنشطة «المنطقة الرمادية» -والمنطقة الرمادية بحسب تعريف الولايات المتحدة هي منطقة التفاعلات التنافسية بين الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية والتي تقع بين ثنائية الحرب التقليدية والسلام- إلى جانب العديد من القضايا مثل مفهوم الاقتصاد الأزرق، وتحسين الاتصال البحري، وضمان الممرات البحرية المفتوحة، وتعزيز تطبيق القوانين الدولية المشتركة.

وركزت القمة كذلك على الأفراد، لفهم قضاياهم وخاصة أفراد التجمعات الساحلية والسكان الأصليين في المنطقة، ويشكل هذا الموضوع أهمية؛ لأن 70% من سكان جنوب شرق آسيا يعيشون على الساحل، وهم يواجهون بشكل متزايد تحديات في سبل العيش بسبب تغير المناخ وانخفاض الإنتاج السمكي والموارد الطبيعية الأخرى، ولا يعد هذا الموضوع جديدا، فقد طرحت هذه القضايا في قمم «الآسيان وأستراليا» مرارا، لذلك تولي المجموعة اهتماما كبيرا فيما يتعلق بمشكلات الأفراد إلى جانب المشاكل السيادية والبحرية في بحر الصين الجنوبي.

ومثالا على هذا الاهتمام، فقد أصدرت «الآسيان» قبل مدة بيانا حول التوقعات البحرية، وأشار البيان بشكل خاص إلى أهمية هذه المنطقة بالنسبة للتجارة الدولية والأمن الغذائي وأمن الطاقة والتنوع الحيوي البحري.

ومن الطبيعي أن تصل أهمية الأمن البحري إلى هذا المستوى، وأن يطرح هذا الموضوع في الأجندة الدبلوماسية بين الدول، وهذا يعني أن المخاوف بشأن الأنشطة التي تمارسها الصين هي مخاوف حقيقية، ذلك من الطبيعي والمهم، ومن ذلك أن تركز أستراليا والدول المجاورة لها في الشمال على مجموعة كبيرة من القضايا المرتبطة بالمحيطات والتي تنال نفس درجة الاهتمام ببحر الصين الجنوبي، ومن تلك القضايا حماية خطوط الواردات في المياه المفتوحة، ومحاولة الحد من التلوث خاصة من المواد البلاستيكية التي تؤثر على الشعاب المرجانية وبالتالي على الحياة البحرية، وكذلك دعم الصيد المستدام وتطبيق القوانين المنظمة لذلك، ومكافحة تهريب البشر وتجارة المخدرات والأسلحة، والبحث عن معالجات لأزمة تغير المناخ ومنسوب مياه البحر.

تلك القضايا التي أسلفنا ذكرها هي قضايا أقل حساسية من تلك المرتبطة بالسياسة، وقد تفتح هذه الملفات مزيدا من التعاونات بين البلدان، كما أن تلك القضايا ستساهم في الجلوس على طاولة البحوث العلمية والبحثية وتفتح أفق التبادل المعرفي، فالكثير من هذه القضايا عابرة للحدود، وتتطلب في أحيان كثيرة عملا مشتركا.

وأخيرا، فإن التحديات كبيرة، وكذلك فرص التعاون كبيرة أيضا، وتحقيق التعاون البحري بطريقة صحيحة سيساهم بلا شك في دعم حقوق الإنسان وتوفير سبل العيش الكريم للملايين من السكان في جميع أنحاء المنطقة.

ريبيكا سترينج مديرة مؤسسة «لا تروب آسيا» وأستاذة في جامعة «لا تروب»

نقلا عن آسيا تايمز

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی بحر الصین الجنوبی الولایات المتحدة جنوب شرق آسیا دول جنوب

إقرأ أيضاً:

حزب المصريين: زيارة ماكرون لمصر تعكس أهمية دورها المحوري في القضايا الإقليمية

ثمن المستشار حسين أبو العطا، رئيس حزب المصريين، عضو المكتب التنفيذي لتحالف الأحزاب المصرية، زيارة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، لمصر ولقائه الرئيس عبد الفتاح السيسي، موضحًا أن توقيت القمة الثلاثية المُرتقبة التي ستجمعه مع الرئيس السيسي والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني شديد الأهمية من أجل مناقشة الأزمات التي تمر بها دول المنطقة خلال الفترة الأخيرة، وخاصة القضية الفلسطينية ومحاولات الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني فرض التهجير القسري للفلسطينيين على الدولة المصرية، الأمر الذي واجهته القيادة السياسية بكل حسم.

وقال «أبو العطا»، في بيان اليوم الأحد، إن زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لمصر تأكيد واضح وصريح على الثقة الكبيرة التي تحظى بها الدولة المصرية والقيادة السياسية على الساحتين الإقليمية والدولية، باعتبارها أحد أهم مراكز الثقل السياسي بالمنطقة، ويؤمن المجتمع الدولي بقدرة مصر على صناعة التوازن في الملفات الإقليمية، موضحًا أن القيادة السياسية المصرية مُمثلة في الرئيس السيسي تبذل جهودًا مضنية وغير مسبوقة من أجل تحقيق الوقف الفوري لعملية إطلاق النار في قطاع غزة، وضمان حماية المدنيين، وبكل تأكيد يُبرهن التحرك المصري الدبلوماسي بالتعاون مع الأطراف الإقليمية والدولية على التزام مصر التاريخي بدعم الحقوق الفلسطينية المشروعة.

وأضاف رئيس حزب المصريين، أن انعقاد القمة الثلاثية المُرتقبة في مصر يكشف عن ثقة المجتمع الدولي في دورها المحوري وقدرتها على قيادة جهود إرساء السلام والاستقرار الإقليمي، مشيرًا إلى أهمية الملفات المطروحة خلال القمة والتي يأتي على رأسها الأوضاع في سوريا وليبيا والسودان وفلسطين، وتُمثل بدورها تحديات جسام تستلزم وبشكل عاجل التنسيق المُكثف بين الدول الفاعلة.

وأوضح أن القمة المُرتقبة ستفتح بدورها آفاقًا جديدة لتعزيز التعاون المشترك مع فرنسا والأردن في ملفات تحقيق التسوية السياسية للأزمات، ودعم إعادة الإعمار، ومواجهة التدخلات الخارجية التي تُهدد وحدة وسيادة الدول العربية، مؤكدًا أن زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لمصر تأتي في وقت بالغ الأهمية، لا سيما في ظل ما يشهده قطاع غزة من كارثة إنسانية غير مسبوقة، فضلًا عن تصاعد الغضب الشعبي والقلق الدولي من تدهور الأوضاع في القطاع، مشيرًا إلى أن التحرك المصري الفرنسي الأردني المشترك يستهدف بما لا يدع مجالًا للشك إحداث اختراق حقيقي في ملف قطاع غزة.

وأشار إلى أن القمة الثلاثية تحظى بأهمية شديدة لأنها تنعقد بين ثلاثة أطراف على تماس مباشر مع القضية الفلسطينية سياسيًا وجغرافيًا، وتُمثل فرنسا قوة أوروبية كبرى لها وزنها داخل الاتحاد الأوروبي ومجلس الأمن، بينما تتمتع مصر والأردن بثقة الجانب الفلسطيني، وهو ما يجعل من هذا التحالف الثلاثي أداة ضاغطة وفعالة على المستوى الدولي لوقف المجازر التي يشهدها قطاع غزة يوميًا، موضحًا أن هذه القمة تتسم بالتناغم وتناسق الرؤى بين المشاركين، منوهًا بأن الدولة المصرية أصبحت صاحبة اليد العليا في جهود التهدئة من خلال إدارتها الفعالة للملف الأمني والإنساني على الحدود، الأمر الذي يجعل صوتها مسموعًا في كل المحافل الدولية.

ولفت إلى أن فرنسا تنظر إلى مصر باعتبارها بوابة الاستقرار في الشرق الأوسط وإفريقيا، مؤكدًا أن نجاح هذه القمة المُرتقبة قد يُشكل بداية لتحول حقيقي في المواقف الدولية تجاه الوضع في غزة، ويضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته تجاه حل الدولتين، مشيرًا إلى أن مصر تسعى جاهدة وبكل ما أوتيت من قوة إلى الوصول إلى حلول واقعية تحفظ أمن الجميع وتُعيد للشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة في إقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

«حزب المصريين»: الممارسات الإسرائيلية البربرية في غزة لن تنجح في فرض واقع جديد ترغبه قوى الاحتلال

حزب المصريين: مصر لن تسمح بتصفية القضية الفلسطينية مهما كانت الإغراءات

حزب المصريين: زيارة رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي لمصر خطوة هامة في تعزيز التعاون الدولي

مقالات مشابهة

  • ترامب: الصين التي تنهار أسواقها كسبت ما يكفي عبر استغلالنا
  • أحمد الشرع يزور الإمارات وتركيا
  • حزب المصريين: زيارة ماكرون لمصر تعكس أهمية دورها المحوري في القضايا الإقليمية
  • كل ما ترغب بمعرفته عن بخاخ أفوجين
  • الكشف عن الدولة العربية التي قدمت دعما لحملة القصف على اليمن
  • رحلة إلى القطب الجنوبي تُطيح بمساعد الرئيس الإيراني
  • نذر مواجهة بين تركيا واسرائيل في سوريا بعد قصف قواعد ترغب بها أنقرة
  • واشنطن ترسل حاملة طائرات نووية ثانية إلى الشرق الأوسط.. ماذا نعرف عنها؟
  • عمسيب: إذا كانت الحركات المسلحة لا ترغب في التوجه إلى الفاشر يجب عليها (..)
  • أوروبا تعلن عن حقبة جديدة في العلاقات مع آسيا الوسطى