القضايا البحرية التي ترغب دول «الآسيان» بالحديث عنها
تاريخ النشر: 12th, March 2024 GMT
ترجمة: أحمد بن عبدالله الكلباني -
أطلق وزير الخارجية الأسترالي «بيني وونج» بيانا تحذيريا لزعماء دول جنوب شرق آسيا خلال الأسبوع الماضي، وجاء فيه: «إن هذه المنطقة معرضة لصراع مدمر فيما يتعلق ببحر الصين الجنوبي، إذا لم تتخذ الصين إجراءات تعزز ضماناتها القانونية والدبلوماسية».
وقال كذلك: «إن المنطقة تشهد بالفعل الكثير من الأعمال التي تزعزع الاستقرار، كما أنها أعمال مستفزة وقهرية»، وإضافة إلى ذلك «هناك أعمال تفضي بممارسات غير آمنة» في كلٍّ من الجو والبحر، ولم يصرح بذلك الوزير بشكل مبطن، بل كان صريحا بالإشارة إلى تصرفات الصين الأخيرة في بحر الصين الجنوبي.
ويثير ذلك مخاوف العديد من الدول في المنطقة، وخاصة فيتنام والفلبين، جراء الممارسات التي تقوم بها الصين في بحرها، وهذا ما يثير تساؤلات حول رفض الصين حكم «محكمة التحكيم الدائمة» في عام 2016 -والذي قالت فيه: إن ادعاءات بكين حول حقوقها التاريخية في بحر الصين الجنوبي «لا أساس لها قانونا»- والتي استندت فيه على القوانين البحرية الدولية في مسعى للحفاظ على الطرق التجارية البحرية المفتوحة بين الدول.
وانتقدت الفلبين خلال الأسبوع الماضي كذلك «العمليات الخطيرة» التي تقوم بها بكين في بحر الصين الجنوبي، وقد أكد الرئيس الفلبيني «فرديناند كاركوس جونيور» بعدم تنازل بلاده للصين عن «بوصة» تلك المنطقة التي تقع في المياه المتنازع عليها.
كما وقّعت كل من أستراليا والفلبين مؤخرا اتفاقية تنص على زيادة مستوى التعاون البحري بين البلدين، وقد يفضي ذلك إلى إجراءات مشتركة من التمرينات العسكرية الدفاعية في بحر الصين الجنوبي.
ورغم ذلك لا يبدو أن جميع رؤساء المنطقة يجمعون على أن ما تفعله الصين يشكل تهديدا عليها، وما يدلل على ذلك ما صرح به رئيس الوزراء الماليزي «أنور إبراهيم» بشأن ما يسمى «رهاب الصين»، قائلا: إنه إذا كانت هنالك مشكلات بين الولايات المتحدة وأستراليا مع الصين فلا ينبغي فرض تلك المشكلات على جنوب شرق آسيا.
ومما لا شك فيه أن المنافسة الحادة بين القوى العظمى -الولايات المتحدة والصين- تبرر الخطط الاستراتيجية من دخول أستراليا في جنوب شرق آسيا، ولا تعني هذه الأثناء التي تتزايد فيها التعاونات البحرية بين دول المنطقة، أن هناك اتفاقًا جمعيا على إبراز القضايا التي لها تأثير على استقرار وسلامة وأمن المياه الإقليمية في المنطقة، وبشكل خاص بحر الصين الجنوبي.
إن دول جنوب شرق آسيا تتمتع بوجود مصالح وأنظمة سياسية وأولويات استراتيجية مشتركة ومتنوعة، وقد اتفق رؤساء العديد من الدول الصغيرة والمتوسطة في مختلف أنحاء العالم على أنهم لا يرغبون أن يُخيَّروا بين الولايات المتحدة الأمريكية وبين الصين.
كما لا تقوم جميع تلك الدول بأخذ احتياطاتها بنفس الدرجة، ولكن على أستراليا أن تركز جهودها في بناء شراكات حقيقية مع دول جنوب شرق آسيا، وذلك من تلقاء نفسها، وليس أن تعتمد قراراتها على «التهديدات الخارجية المزعومة»، وعليها تحديد القضايا المشتركة المهمة بين جميع الأطراف ومحاولة معالجتها.
وفي قمة «الآسيان» وأستراليا التي عقدت الأسبوع الماضي، على سبيل المثال، اقترحت دول جنوب آسيا مقترحا يتمثل في «إنشاء منتدى بحري خاص»، من ضمن الخطط أن يناقش هذا المنتدى التحديات الأمنية في المياه الإقليمية، منها أنشطة «المنطقة الرمادية» -والمنطقة الرمادية بحسب تعريف الولايات المتحدة هي منطقة التفاعلات التنافسية بين الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية والتي تقع بين ثنائية الحرب التقليدية والسلام- إلى جانب العديد من القضايا مثل مفهوم الاقتصاد الأزرق، وتحسين الاتصال البحري، وضمان الممرات البحرية المفتوحة، وتعزيز تطبيق القوانين الدولية المشتركة.
وركزت القمة كذلك على الأفراد، لفهم قضاياهم وخاصة أفراد التجمعات الساحلية والسكان الأصليين في المنطقة، ويشكل هذا الموضوع أهمية؛ لأن 70% من سكان جنوب شرق آسيا يعيشون على الساحل، وهم يواجهون بشكل متزايد تحديات في سبل العيش بسبب تغير المناخ وانخفاض الإنتاج السمكي والموارد الطبيعية الأخرى، ولا يعد هذا الموضوع جديدا، فقد طرحت هذه القضايا في قمم «الآسيان وأستراليا» مرارا، لذلك تولي المجموعة اهتماما كبيرا فيما يتعلق بمشكلات الأفراد إلى جانب المشاكل السيادية والبحرية في بحر الصين الجنوبي.
ومثالا على هذا الاهتمام، فقد أصدرت «الآسيان» قبل مدة بيانا حول التوقعات البحرية، وأشار البيان بشكل خاص إلى أهمية هذه المنطقة بالنسبة للتجارة الدولية والأمن الغذائي وأمن الطاقة والتنوع الحيوي البحري.
ومن الطبيعي أن تصل أهمية الأمن البحري إلى هذا المستوى، وأن يطرح هذا الموضوع في الأجندة الدبلوماسية بين الدول، وهذا يعني أن المخاوف بشأن الأنشطة التي تمارسها الصين هي مخاوف حقيقية، ذلك من الطبيعي والمهم، ومن ذلك أن تركز أستراليا والدول المجاورة لها في الشمال على مجموعة كبيرة من القضايا المرتبطة بالمحيطات والتي تنال نفس درجة الاهتمام ببحر الصين الجنوبي، ومن تلك القضايا حماية خطوط الواردات في المياه المفتوحة، ومحاولة الحد من التلوث خاصة من المواد البلاستيكية التي تؤثر على الشعاب المرجانية وبالتالي على الحياة البحرية، وكذلك دعم الصيد المستدام وتطبيق القوانين المنظمة لذلك، ومكافحة تهريب البشر وتجارة المخدرات والأسلحة، والبحث عن معالجات لأزمة تغير المناخ ومنسوب مياه البحر.
تلك القضايا التي أسلفنا ذكرها هي قضايا أقل حساسية من تلك المرتبطة بالسياسة، وقد تفتح هذه الملفات مزيدا من التعاونات بين البلدان، كما أن تلك القضايا ستساهم في الجلوس على طاولة البحوث العلمية والبحثية وتفتح أفق التبادل المعرفي، فالكثير من هذه القضايا عابرة للحدود، وتتطلب في أحيان كثيرة عملا مشتركا.
وأخيرا، فإن التحديات كبيرة، وكذلك فرص التعاون كبيرة أيضا، وتحقيق التعاون البحري بطريقة صحيحة سيساهم بلا شك في دعم حقوق الإنسان وتوفير سبل العيش الكريم للملايين من السكان في جميع أنحاء المنطقة.
ريبيكا سترينج مديرة مؤسسة «لا تروب آسيا» وأستاذة في جامعة «لا تروب»
نقلا عن آسيا تايمز
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی بحر الصین الجنوبی الولایات المتحدة جنوب شرق آسیا دول جنوب
إقرأ أيضاً: