في إطار سعيه المتواصل لإثراء المشهد الثقافي، قدّم الأديب أحمد بن عبد الله الفلاحي عملًا جديدًا بعنوان «أجواء الأسئلة» وقد ضمّ هذا الكتاب الصادر عن دار الانتشار العربي مجموعة من الحوارات التي أجريت «للفلاحي» على مدى أكثر من أربعة عقود من قبل نخبة من المثقفين والأدباء البارزين حيث تكشف هذه الحوارات المتنوعة عن تعدد الأفكار والرؤى والمقاصد التي يطرحها الفلاحي ومحاوروه، حيث يتناولون قضايا ثقافية وفكرية متنوعة بعمق ورؤية ثاقبة، ويعكس الكتاب بذلك خبرة الأديب الغنية وانفتاحه على آراء مختلفة، فيما يمثل إضافة قيمة للمكتبة العربية يلاقي ترحيبا واسعا لدى المهتمين بالشأن الثقافي والفكري، ويفتح آفاقًا جديدة للنقاش والتأمل في قضايا معاصرة مختلفة.

تناولت هذه الحوارات جوانب مختلفة من القضايا الاجتماعية والفكرية والثقافية، فمنها ما كان ذاتيًا يتعلق بالشخص المحاور نفسه، حيث تم طرح أسئلة تدور حول نشأته وأنشطته وحركته وعلاقاته مع الآخرين، إلى جانب رحلاته وتنقلاته وذكرياته عن أيامه وأزمنته الماضية، ومنها ما تطرق إلى أحوال المجتمع وتقلباته، فضلًا عن شؤون الوطن ومساراته وإنجازاته والتوقعات المستقبلية له، كما تناولت هذه الحوارات قضايا الأمة العربية بانتصاراتها وخسائرها وأفراحها وهمومها، ولم تغفل هذه الحوارات الحديث عن الأدب والكتابة سواء على المستوى المحلي أو على مستوى الوطن العربي بأكمله، حيث تم استعراض حالات الازدهار والانحسار والتيقظ والانكماش التي شهدتها الساحة الأدبية.

ظلت حوارات الأديب أحمد الفلاحي مهملة ومنسية لفترة طويلة، ولم تكن محط اهتمام يدعو لاستحضارها وإبرازها للعلن، فقد اعتقد «الفلاحي» أن مهمتها انتهت بمجرد النطق بها، ولم تتضمن عناصر جديرة بإعادة النظر فيها وإحيائها من جديد، ووصفها بالتواضع بأنها أحاديث عادية لا تحمل عمقا استثنائيا أو رؤى ثاقبة تستدعي إعادة نشرها، مؤكدًا أنها مجرد أحاديث عابرة قيلت في لحظة معينة ثم ولت بعدها، ومر الزمن عليها فأغفلها وتجاوزها إلى ما هو أبعد منها، لكن عندما أعاد الفلاحي النظر في تلك الحوارات وتأملها، شعر بأنها قد تكون جديرة بالنشر في كتاب، ربما تضيف ولو القليل من الفائدة.

ومن بين تلك الحوارات حوار حول الشعر وأنواعه وأساليبه ومفاهيمه وحدوده يعد «الحوار الأول مع الأديب أحمد الفلاحي» وقد أجراه محمد الراوي، ونُشر في جريدة «الوطن» في منتصف عام 1979م. أما الحوار الثاني، فقد نشر أيضًا في أواخر ذلك العام، وأجراه الكاتب المصري محمد جبريل الذي كان يشغل منصب مدير تحرير جريدة «الوطن» آنذاك، ونشره في الجريدة نفسها، وقد عكس هذا الحوار أجواء تلك الفترة ومناخاتها الثقافية والتاريخية، متجسدًا الفكر العميق لجبريل. وفي يناير 1990م، كان الحوار الثالث مع إذاعة سلطنة عمان مع صالح العامري في برنامجه الإذاعي «وجوه وأسئلة» حول التطورات الحديثة في الشعر، وظهور ما أطلق عليه «قصيدة النثر»، وما رافق ذلك من قبول ورفض وجدل واختلاف، فضلًا عن الحديث عن الصحافة والثقافة وتجلياتها. أما الحوار الرابع، فكان مع الكاتب السوداني خالد عبد اللطيف الذي كان يشرف على الملحق الثقافي لجريدة «الوطن»، وقد تناول نقاطًا ثقافية وأدبية متعددة. وفي الحوار الخامس، جرى الحديث عن الشاعر الجواهري بمناسبة رحيله وذلك مع محمد اليحيائي في برنامجه التلفزيوني «أوراق ثقافية»، وكان الحوار السادس مع الدكتور أحمد درويش في تلفزيون سلطنة عمان أيضًا، وتمحورت المناقشة حول كتاب «تحفة الأعيان» وما تضمنه من محطات تاريخ عُمان وشخصياتها وأحداثها وتقلباتها. أما الحوار السابع، فقد دار حول قضايا ثقافية وإعلامية مع الكاتب المصري عاصم رشوان، ونشر في جريدة «الخليج» بالشارقة.

وهكذا توالت الحوارات متنقلة عبر سيرورة الزمن، تدور حول شؤون الحياة ومشاغلها، ومن أبرز تلك الحوارات، اللقاء مع المذيع المكرم محمد المرجبي حول بدايات الإذاعة العمانية وتأسيسها ونشأتها الأولى والعاملين فيها بعد افتتاحها، تلاه لقاء موسى الفرعي الذي توسع في استعراض أحوال البدايات وما تلاها حتى اللحظة الراهنة، كما تتبع الدكتور المعتصم المعمري في إذاعة «الوصال» مبحرًا في استكشاف الشذرات التي قد تكون متوارية في حياة مع الأديب أحمد الفلاحي، بالإضافة إلى حوارين مع سليمان المعمري وثالث اشترك فيه مع الروائي الراحل الدكتور عبدالعزيز الفارسي.

ولم يكن عاصم الشيدي رئيس تحرير جريدة عمان بمنأى عن هذه الحوارات، إذ غاص بأسئلته في الملحق الثقافي «شرفات»، متحريا في الجذور والفروع، ومن الحوارات اللافتة سعي ناصر الغيلاني لإدراك ما ظنه من المخفي والمستور، والذي نشره في مجلة «رسالة التربية». ومماثلًا لذلك، ما فعله يحيى بن سلام المنذري في استقصائه المنشور في مجلة «نزوى».

أما الحوارات الأخرى، فقد ناقشت مسائل وموضوعات متعددة، حيث سعت إلى تقديم الردود على استفسارات رأى أصحابها أهمية كشفها، فمنها ما تناول «المتنبي»، وكتاب «ألف ليلة وليلة» الشهير/ إضافة إلى الروائيين العالميين البارزين أمثال دوستويفسكي وتولستوي وديكنز وهيمنجواي وهيجو وغيرهم ممن أسهمت أقلامهم في ازدهار فن الرواية، إلى جانب الروائيين العرب البارزين كنجيب محفوظ وعبدالرحمن منيف والبشير الكوني وأمين معلوف وجمال الغيطاني وآخرين.

تناولت بعض الحوارات موضوع الكتب ومعارضها، وأهمية القراءة، إضافة إلى المشهد الثقافي العماني بكل ما فيه من نجاحات وإخفاقات، ومنها الحوارات ما كان حول أزمة الثقافة العمانية والعربية وتحدياتها وكيفية مواجهتها، إضافة إلى موضوعات التشاؤم والتفاؤل، والأمل والتردد، والجرأة والخوف، وطبيعة الحياة، وهجمات الموت المحزنة، كما ناقش «الفلاحي» في هذه الحوارات موضوع الحب بأفراحه ومعاناته، ودور الكاتب تجاه وطنه وأمته، وإلى أهمية القيم في المجتمعات، وواقع الأمة العربية ومستقبلها والمتغيرات العالمية وتأثيراتها، كما تناول التاريخ ومضامينه وأهمية الحفاظ عليه والاستفادة منه، ومصطلح التنوير والمشروع الذي يمثله، ولم تغفل تلك الحوارات الحديث عن مؤامرات القوى الكبرى المعادية والشعارات المضللة التي رفعت باسم «الربيع العربي» المنبثق من «الفوضى الخلاقة» التي دعت إليها وزيرة الخارجية الأمريكية في وقت سابق، كما تناولت الحوارات مسألة التعلق بالأوطان والأماكن والإحساس بها، والارتباط بالأصدقاء وخاصة المبدعين من الكتاب والشعراء والعاملين في المجالات الثقافية، فضلًا عن الصراع بين القديم والجديد، إضافة إلى ذلك ناقش «الفلاحي» الجمعية العمانية للكتاب والأدباء والكثير من المتقاربات والمتضادات.

بذلت هذه الحوارات جهدًا في الدوران حول هذه المسائل واستنباط مقاصدها ومراميها، وتفكيك عناصرها، وكشف ما يحيط بها. وقد ارتأى «الفلاحي» تقديم الأسئلة والأجوبة كما وردت من أصحابها لإطلاع القارئ عليها بكل ما تحمله من أفكار واجتهادات، دون الجزم بصواب أو صحة تلك الإجابات ومحاولاته للتوضيح، موقعًا المسؤولية على قائلها، سواء جانبت الصواب أو أخطأت، أو صادفت بعض النهج القويم كما يقول.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: هذه الحوارات الأدیب أحمد الحوارات ا إضافة إلى الحدیث عن

إقرأ أيضاً:

“الشارقة لصعوبات التعلم” يستعد لإطلاق برنامجاَ شتوياً لتنمية مهارات التفكير والإبداع لدى الطلبة

 

ينظم مركز الشارقة لصعوبات التعلم برنامجاً شتوياً تحت شعار “معاً نتعلم” في الفترة من 22 حتى 31 ديسمبر، ضمن المبادرات والفعاليات التي ينظمها المركز، بهدف تنمية القدرات الإبداعية للطلبة من ذوي صعوبات التعلم وتعزيز مهاراتهم الحياتية.
ويشتمل البرنامج الذي يستهدف للطلبة من ذوي صعوبات التعلم من عمر 13 – 20 عام، على مجموعة متنوعة من الأنشطة وورش العمل التطبيقية، حيث سيتعلم الطلبة فنون الرسم على اللوحات والشموع، وسيخوضون تجربة تعليمية تفاعلية تهدف إلى تعزيز مهارات التفكير المنطقي والإبداعي والابتكار من خلال تعلم المفاهيم الأساسية لعمل الروبوتات والبرمجة، بالإضافة إلى التدريب على وظائف تنفيذية مختلفة من خلال ورش عمل متخصصة مثل “فنون الرد” و “ألعاب تحديات التفكير”، والتي تهدف إلى التدريب على المرونة واستدامة الانتباه وتطوير قدرات المشاركين على التخطيط والتنظيم.
مدربون متخصصون
ويحظى البرنامج بمشاركة نخبة من المدربين المتخصصين الذين سيقدمون ورش العمل بأسلوب تفاعلي يشجع الطلبة على المشاركة والتعلم بفعالية وتعزيز دافعيتهم للتعلم، كما يتضمن البرنامج الذي يأتي بدعم من سفاري الشارقة وهيئة متاحف الشارقة أنشطة خارجية ورحلات ترفيهية وورش عمل متنوعة تهدف إلى تحفيز عملية التعلم لدى الطلبة بطريقة ممتعة وفعالة.
التزام بتقديم أفضل البرامج
وقالت سعادة الدكتورة هنادي السويدي مدير مركز الشارقة لصعوبات التعلم: إن المركز ملتزم بتقديم أفضل البرامج لتمكين ذوي صعوبات التعلم بالعمل على دمج الأنشطة الإبداعية في البرامج التعليمية نظرًا لأهميتها كأداة فعالة لتنمية مهارات الطلبة وتجاوز تحديات التعلم، مؤكدة أن البرنامج الشتوي يعكس هذا التوجه حيث تسهم الأنشطة الإبداعية في توسيع خيال الأطفال وتشجعهم على التفكير وتنمي لديهم حس الاستكشاف والتجريب ليتمكنوا من التعبير عن أنفسهم بطرق مختلفة وبناء ثقتهم بقدراتهم، مشيرة إلى حرص المركز على أن يظل دائمًا حاضنة للإبداع والابتكار من خلال تنظيم فعاليات وأنشطة ترفيهية هادفة تعزز المهارات الإبداعية والحركية لدى الطلاب لتمكينهم من اكتشاف مواهبهم وتطويرها إلى جانب تجاوز تحديات التعلم بثقة ومرونة.
وأضافت الدكتورة هنادي السويدي أن إطلاق البرنامج الشتوي يأتي تواصلًا لجهود المركز المستمرة على مدار العام وإيمانه بأن فئة ذوي صعوبات التعلم يمتلكون قدرات ومواهب كامنة تتطلب منحهم الفرصة للتعبير عن أنفسهم من خلال الأنشطة الإبداعية التي تسهم في تعزيز ثقتهم بأنفسهم وتنمية مهاراتهم في مختلف المجالات، مشيرة إلى أن أنشطة البرنامج الشتوي تساعد الطلاب المستهدفين على التواصل مع الآخرين وبناء علاقات اجتماعية إيجابية، مما يعزز اندماجهم في المجتمع، ويجسد سعي المركز لتقديم خدمات تدريبية متكاملة تساعد الطلاب على الاستفادة منها.
ويشمل البرنامج ورش عمل فنية متنوعة، منها الرسم على اللوحات، والرسم على الشموع، والروبوتيك، وفنون الردّ، وألعاب تحديات التفكير، بالإضافة إلى أنشطة التدريب على المرونة واستدامة الانتباه، وتطوير قدرات المشاركين على التخطيط والتنظيم.


مقالات مشابهة

  • في اليوم العالمي للغة العربية.. رحلة لغة الضاد التي توجت بحروف من نور تضيء بآيات القرآن الكريم وسياسة الاعتماد الدولي بعد سنوات عجاف
  • “الشارقة لصعوبات التعلم” يستعد لإطلاق برنامجاَ شتوياً لتنمية مهارات التفكير والإبداع لدى الطلبة
  • "لغة الحضارة والإبداع" اليوم العالمي للغة العربية تعرف على أهميتها
  • خالد الجندي يشرح أسرار البديهيات في القرآن ويكشف أبعاد جديدة لمعاني الآيات
  • في اليوم العالمي للغة العربية المجلس الأعلي للثقافة يحتفي بأحتفالية "من القلم إلي الخوارزمية..أصالة الحرف وحداثة الفكر "
  • أمير المنطقة الشرقية يكرّم الفائزين بجائزة الأحساء للتميّز في دورتها الثانية
  • الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم تستضيف ورشة عمل حول الأسئلة الشائكة
  • ورشة عمل للإفتاء حول منهجية الرد على الأسئلة الشائكة: الإلحاد نموذجًا
  • تعرف على الإعجاز العلمي في سورة «النمل» والإبداع في خلق الكائنات
  • أحمد موسى: الرئيس السيسي له رؤية لمستقبل الوطن لمواجهة التحديات الخارجية