لجريدة عمان:
2025-04-17@17:07:34 GMT

الرجاء التأكد من ربط حزام الأمان..

تاريخ النشر: 12th, March 2024 GMT

(1)

وحده منظر الطائرة، وهي تُحلق في السماء؛ المنظر الأشد دهشة عندي. لذلك فإنّ تكرار الأسئلة من نوع: هل تقدر الطائرة بمفردها الرجوع إلى الوراء؟ ما قوة الشاحنة التي تجرّها إلى الخلف؟ كيف يتصرّف المرء الذي يخاف من الأماكن المرتفعة في حال احتاج إلى استخدام دورة المياه، عند دخوله في مكان ضيق جدا؟ ماذا لو كانت هناك امرأة حامل، وولدت في الطائرة دون وجود طبيبة أو أحد يجيد تقديم المساعدة على توليد طفل؟ ماذا ستُسمي تلك الأم طفلها؟ ماذا سيكون الشعور إذا جرى اختطاف الطائرة أو أنها قد فقدت مسارها؟

(2)

ما الذي يجب أن آخذه معي في حقيبة السفر ذات العشرين كيلو أو الخمسة والعشرين كيلو؟ يستند ذلك إلى نوع المكان الذي سأذهب إليه، إن كانت بلدا في الخليج، فستكون كومة من العبايات السادة والملونة والدراعات وثياب الإقامة في غرفة الفندق، أما إذا كانت بلدا عربيا على المتوسط، أو على المحيط، فالثياب سوف ستختلف بزاوية 180 درجة، لكن الأغلب أنها ستضم بناطيل الجينز، والقمصان الطويلة فوق الركبتين، وكذلك بعض الكماليات الصغيرة التي تضيف شيئا نسبيا من الفرح الداخلي كالأكسسوارات مثلا.

(3)

فكرت كثير المرات قبل إعداد أيّ حقيبة للسفر: ما الذي يجب أن أتخلى عنه؟ كتب في النقد.. قواميس في المسرح.. بعض المراجع لمشروعات أفكار لم أنهِ كتابتها.. دفتر اليوميات؛ ضحكتُ بيني وبين نفسي، متسائلة هل اليوم هناك من يسجل يومياته في دفتر؟ ألم نستعض عن الدفاتر والأوراق بالهواتف الخلوية النقّالة المندسة في جيوبنا وحقائبنا؟ ألم ينته زمن الورق!.

المهم في الموضوع، عندما أفكر في كتب النقد العامة التي لا أستطيع التخلي عنها وأنا مسافرة، مثل: «قاموس المسرح» لباتريس بافي، أو «دليل النقد الأدبي» لميجان الرويلي وسعد البازعي، أو «موسوعة النظرية الأدبية المعاصرة» لإيرينا مكاريك، لجأت إلى طريقة ميسرة جدا، سهلّت لي أخذ كلّ ما أحتاجه من كتب ومجلدات تصل إلى مجلدين أو ثلاثة، وهي تصوير كلّ ما أحتاجه في المكتبة الكائنة في الحي التجاري للموالح في نسخة ملف PDF، وهكذا تمكنت من توفير مَبلغ كبير من المال كنت سأضطر إلى إنفاقه في شحن الكتب، وهكذا سأتمكن من شراء بعض الهدايا مثلا إذا كنتُ لا أريد التفكير في تقليل مصاريف السفر.

واحدة من المواقف الطريفة التي لا أنساها، عندما نسيتني نائمة في الطيارة القادمة من بغداد. توقفت الطائرة في مطار الدوحة ترانزيت لمدة ساعة، وكان علينا مغادرتها بسرعة للحاق بالطائرة الأخرى التي ستقل المسافرين إلى مطار مسقط الدولي.

كنتُ وقتها مصابة بالحمى، بالضرورة غير قادرة على السفر، فحينما سألتني المضيفة في مطار بغداد قبل صعودي إلى الطائرة إذا ما كنت قادرة على تحمل السفر، قلتُ لها بثقة نعم. لكنها سألتني: أنت دخلت إلى المطار على كرسي عجل، وكنت تستفرغين، ويجب عليك إحضار تقرير من عيادة المطار أنك قادرة على صعود الطائرة. بالطبع بعدما سمعتُ حديثها سارعت بالذهاب إلى عيادة المطار، وفحصني الطبيب، ووجد حرارتي عالية وضغطي منخفضًا جدا، ويجب أن ألغي السفر والمكوث ليومين أخريين في المدينة حتى يستقر حالي. لكنني قلت للطبيب: لا أستطيع البقاء هنا، مشتاقة لأهلي وبلدي، فما كان إلا أن حقنني إبرة، وكتب لي علاجا، ونصحني بشرب مادة عالية مرتفعة بالسُكر، ونفذتُ ما طلبه، واستطعت بذلك الصعود إلى الطائرة والنوم فيها بهدوء.

لم أكن على دراية أن الأمر سيصل معي إلى حد نسياني لنفسي نائمة في مقعدي، إذ عندما أفقتُ رأيت نفسي أُدفعُ بجسدي دفعا للحاق بالطائرة التي سأذهب فيها إلى مسقط، وعندما نظرتُ إلى خلفي، بدا ممر الطائرة أشبه بأنبوب طويل للغاية، آخره مضيفتان واقفتان تثرثران دون أيّ اكتراث لعملهما، لم يوقظاني أبدا، لكنني سمعتُ صوتا أنثويا كنتُ قد تعرفت عليه في مطار بغداد، كانت صاحبة الصوت تقول لي: استيقظي يا دكتورة نحن متأخرون، علينا اللحاق بالطائرة المتجهة إلى المغرب، في أمان الله.

كانت تلك الجملة جرس إنذار، جعلتني أنهض وأجري مسرعة لألحق طائرتي، فوجدتني مع مجموعة من النساء المريضات يقف أمامنا موظف أجنبي، ويحمل بيده ملفا يؤشر بقلم على كل اسم، ناولته التذكرة وقرأها بسرعة، وعلى الفور دون تردد تكلم في جهاز صغير يحمله بسرعة كبيرة، فإذا بسيارة تقلني بسرعة مماثلة إلى داخل المطار، لأجدني أجلس فوق كرسي متحرك يدفعه الموظف دفعا، ويصعد بي في المصعد، لأغادره بعد توقفه في طابق لا أذكر رقمه إلى سيارة أخرى، فتسير بي السيارة في داخل المطار تسير هي الأخرى بين المسافرين بجنون، ما شغلني في حينها لم تكن الحمى ولا تبعاتها، بل شغلني البحث عن هاتفي الثاني ذي العدسة الفائقة لأصور به المشهد وأوثقه؛ كأنني في مغامرة داخل فيلم ما. توقف موظف المطار بالسيارة عند مصعد آخر، ليتسلمني موظفا يختلف عن السابق في لون ثيابه الرسمية، وأخذني إلى حيث كاونتر للحجز.

تقدم الموظف من موظفة شركة الطيران، وأخذ يشرح لها، ويُريها تذكرتي، فكانت تنظر إليَّ بشفقة ورثاء، وبعد نقاش بينهما، انتهى بي الأمر إلى النوم في غرفة المسافرين وانتظار رحلة الطائرة المتجهة في الصباح إلى مطار مسقط.

غادر الموظف ذو البدلة الجميلة، وقال لي قبل أن يغادر: عليك بالنوم، أمامك ساعات طويلة حتى يطلع النهار. بعد انصرافه، ذهبت إلى موظفة كاونتر شركة الطيران أطلب شيئا أشربه أو طعام آكله، فأشارت إلى المكان المقابل، ثم ساعدتني للجلوس، وأحضرت لي علبة الماء 250 لترا.

أخذت أتقدم نحو غرفة استراحة المسافرين، فرأيت الكل نياما، جلست فوق الكرسي، وتمددت ولأنني خشيت أن تفوتني الطائرة بسبب ارتفاع الحرارة، لم أهنأ بالنوم، كانت عيناي مفتوحتين بإرهاق، حتى أُعلن عن موعد إقلاع الطائرة المتجهة إلى مسقط.

(4)

لم أعد أفكر بحقيبة السفر، ولا في كتب النقد، ولا النظريات التي أُشغلُ نفسي بها في أوقات الفراغ، فعندما أخذت الطائرة تسير فوق المدرج، وترتفع نحو السماء شيئا فشيئا، وأعلنت مضيفة الطائرة إعلانها: «الرجاء من جميع الركاب الجلوس في أماكنهم والتأكد من ربط حزام الأمان»، كدتُ أن أغيب مجددا، وأدخل في النوم. تأكدتُ أن الحزام في وضع الأمان، وَأَنَّ قَدَمي في مكانهما، وأن الحمى ما تزال ترافقني، وأن حقيبتي الكبيرة في الشحن بداخلها كل أمتعتي، وأن حقيبة السبعة كيلو التي بداخلها اللابتوب موجود فيها فلاش الميموري الحلزوني الشّكل، وبداخلها المراجع والكتب والقواميس والبحوث والمقالات والصور الشخصية وأغلفة كتبي وملفات لأفكار مخطوطة لم أنته من كتابتها، قلت لنفسي فلتنامي بهدوء إذا كنتِ متأكدة أن الأمور طيبة، وأن هناك من يستقبلكِ في المطار فلا داعي للقلق، فأسندت رأسي إلى الكرسي، ومددته إلى الخلف أكثر، ونظرت إلى جناح الطائرة، وهو يكاد أن يختفي في السُحب، وسرحتُ في منظر عجلاتها التي أدخلها الطيّار، وفكرتُ في فكرة كيف احتضنت العجلات مكانها في جوف ذلك الجسم الهائل المُحلّق الآن في السماء، ثم تأملتُ المكان من حولي والفضاء كله وقلتُ لنفسي: الآن عليك ألَا تفكري في أشياء غريبة، وألا تسألي عن الخطوط العامة لسيناريو عريض يبدأ بامرأة تلد في الطائرة دون مسعف مختص، أو حال مسافر لديه خوف من الأماكن الضيقة، فهذه الأفكار ينطبق عليها قول الله تعالى في محكم كتابه: (يا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تَبْدُ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ)، تلك الأمور العجيبة التي يتداخل فيها الواقع مع الخيال، اليقين مع الشّك ستوقعك في تعب شديد، فابعدي عنك شبح الحمى، فليس لها وجود أبدًا، لا في مطار بغداد الدولي، ولا في مطار الدوحة الدولي، وحاذري التفكير في اللغة والأدب والنقد.

آمنة الربيع باحثة أكاديمية متخصصة في مجال المسرح

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی مطار

إقرأ أيضاً:

أرنب يتسبب فى ذعر ركاب طائرة أمريكية| ماذا حدث؟

واقعة غريبة أدت إلى هبوط طائرة اضطراريا إذ اشتعلت النيران في محرك طائرة بعد اصطدامها بحيوان أثناء إقلاعها من مطار دنفر الدولي بولاية كولورادو الأمريكية، مما دفع الطيارين إلى الهبوط اضطراريا فماذا حدث؟.

نيزك أم شهاب.. كرة نارية فى السماء تثير الجدل.. لماذا تحولت لـ نكات على الإنترنت؟خدمة جديدة للتحويل الدولي للأموال.. تعرف على الدول المتاحةهبوط اضطراري بسبب اصطدام أرنب

وانتشرت مقاطع فيديو لطائرة مدنية في الجو تنطلق منها ومضات متكررة من اللهب من أحد محركاتها، بعد وقت قصير من إقلاعها من مطار دنفر بولاية كولورادو الأمريكية.

وجاء فى تسجيلات مراقبة الحركة الجوية "يونايتد 2325، يبدو أنك تحصل، من حين لآخر، على انفجارات صغيرة من اللهب تخرج من المحرك الأيمن.. "نعتقد أننا فقدنا محركنا الأيمن".

توثق تسجيلات صوتية من موقع LiveATC طاقم الطائرة يطلب فحص الطائرة بحثًا عن حريق في المحرك، ويقال لهم إنه أرنب تم امتصاصه في المحرك.

قالت إدارة مطار هيثرو في بيان إن طائرة بوينج 737-800 التابعة لشركة يونايتد إيرلاينز والمتجهة إلى كندا والتي كانت تحمل 153 راكبا وستة من أفراد الطاقم هبطت بسلام يوم دون الإبلاغ عن أي إصابات.

وكانت الطائرة من طراز بوينج 737-800 تقل 153 راكبا وستة من أفراد الطاقم.

حالات هبوط اضطراري بسبب تصادم الحيوانات

لم تكن تلك الواقعة فريدة من نوعها بل سبق  وحدثت حوادث تصادم خاصة الطيور، بالطائرات، حيث سُجِّلت نحو 20 ألف حادثة اصطدام عام 2023، وفقًا لتقرير صادر عن إدارة الطيران الفيدرالية.

 وتسببت حوادث الاصطدام بالحيوانات البرية في مقتل 76 شخصًا وتدمير 126 طائرة بين عامي 1988 و2023 في الولايات المتحدة.

وروي الركاب تفاصيل اصدام أرنب بالطائرة وحالة الرعب التى سيطرت علىهم حيث كان هناك انفجار عكسي صادر من المحرك كل بضع لحظات، تلته كرة نارية ضخمة خلفه، ثم بدأ الذعر يدب في جميع ركاب الطائرة.

عودة الرحلة بسلامة إلى دنفر

وقالت شركة يونايتد في بيان "عادت رحلتنا من دنفر إلى إدمونتون (UA2325) بسلام إلى دنفر للتعامل مع هجوم محتمل للحياة البرية".

وقالت شركة الطيران إن الركاب واصلوا رحلتهم إلى إدمونتون على متن طائرة جديدة.

تعد هجمات الحيوانات البرية شائعة حيث أفادت إدارة الطيران الفيدرالية بوقوع أكثر من 20 ألف هجوم في الولايات المتحدة العام الماضي.

من بين هذه الحوادث، سُجِّلت أربع حوادث اصطدام أرانب فقط، إحداها في مطار دنفر الدولي، وفقًا لإدارة الطيران الفيدرالية. والغالبية العظمى منها حوادث اصطدام طيور.

مقالات مشابهة

  • أرنب يتسبب فى ذعر ركاب طائرة أمريكية| ماذا حدث؟
  • منع معتمرين من السفر في المطارات المصرية.. ما القصة؟
  • لحظة تاريخية في تركيا: وزير تركي يعلن بدء الانطلاق الرسمي
  • دبي الدولي يحصد جائزة التقدير في السلامة
  • اللجنة العليا للتفتيش الأمني تتفقد مطار بورسعيد
  • «مطار الشارقة»: تجديد اعتماد برنامج تجربة العملاء للمستوى الثاني
  • مطار محمد الخامس يفتتح فضاءات جديدة للمسافرين المغادرين (صور)
  • إعادة حقيبة مسافر بعد شهرين من تركها في مطار الشارقة
  • إغلاق مطار البصرة الدولي مؤقتًا بسبب سوء الأحوال الجوية وتصاعد الغبار
  • الحرب تحوّل مطار الخرطوم إلى مقبرة طائرات