لجريدة عمان:
2024-11-05@23:19:33 GMT

الرجاء التأكد من ربط حزام الأمان..

تاريخ النشر: 12th, March 2024 GMT

(1)

وحده منظر الطائرة، وهي تُحلق في السماء؛ المنظر الأشد دهشة عندي. لذلك فإنّ تكرار الأسئلة من نوع: هل تقدر الطائرة بمفردها الرجوع إلى الوراء؟ ما قوة الشاحنة التي تجرّها إلى الخلف؟ كيف يتصرّف المرء الذي يخاف من الأماكن المرتفعة في حال احتاج إلى استخدام دورة المياه، عند دخوله في مكان ضيق جدا؟ ماذا لو كانت هناك امرأة حامل، وولدت في الطائرة دون وجود طبيبة أو أحد يجيد تقديم المساعدة على توليد طفل؟ ماذا ستُسمي تلك الأم طفلها؟ ماذا سيكون الشعور إذا جرى اختطاف الطائرة أو أنها قد فقدت مسارها؟

(2)

ما الذي يجب أن آخذه معي في حقيبة السفر ذات العشرين كيلو أو الخمسة والعشرين كيلو؟ يستند ذلك إلى نوع المكان الذي سأذهب إليه، إن كانت بلدا في الخليج، فستكون كومة من العبايات السادة والملونة والدراعات وثياب الإقامة في غرفة الفندق، أما إذا كانت بلدا عربيا على المتوسط، أو على المحيط، فالثياب سوف ستختلف بزاوية 180 درجة، لكن الأغلب أنها ستضم بناطيل الجينز، والقمصان الطويلة فوق الركبتين، وكذلك بعض الكماليات الصغيرة التي تضيف شيئا نسبيا من الفرح الداخلي كالأكسسوارات مثلا.

(3)

فكرت كثير المرات قبل إعداد أيّ حقيبة للسفر: ما الذي يجب أن أتخلى عنه؟ كتب في النقد.. قواميس في المسرح.. بعض المراجع لمشروعات أفكار لم أنهِ كتابتها.. دفتر اليوميات؛ ضحكتُ بيني وبين نفسي، متسائلة هل اليوم هناك من يسجل يومياته في دفتر؟ ألم نستعض عن الدفاتر والأوراق بالهواتف الخلوية النقّالة المندسة في جيوبنا وحقائبنا؟ ألم ينته زمن الورق!.

المهم في الموضوع، عندما أفكر في كتب النقد العامة التي لا أستطيع التخلي عنها وأنا مسافرة، مثل: «قاموس المسرح» لباتريس بافي، أو «دليل النقد الأدبي» لميجان الرويلي وسعد البازعي، أو «موسوعة النظرية الأدبية المعاصرة» لإيرينا مكاريك، لجأت إلى طريقة ميسرة جدا، سهلّت لي أخذ كلّ ما أحتاجه من كتب ومجلدات تصل إلى مجلدين أو ثلاثة، وهي تصوير كلّ ما أحتاجه في المكتبة الكائنة في الحي التجاري للموالح في نسخة ملف PDF، وهكذا تمكنت من توفير مَبلغ كبير من المال كنت سأضطر إلى إنفاقه في شحن الكتب، وهكذا سأتمكن من شراء بعض الهدايا مثلا إذا كنتُ لا أريد التفكير في تقليل مصاريف السفر.

واحدة من المواقف الطريفة التي لا أنساها، عندما نسيتني نائمة في الطيارة القادمة من بغداد. توقفت الطائرة في مطار الدوحة ترانزيت لمدة ساعة، وكان علينا مغادرتها بسرعة للحاق بالطائرة الأخرى التي ستقل المسافرين إلى مطار مسقط الدولي.

كنتُ وقتها مصابة بالحمى، بالضرورة غير قادرة على السفر، فحينما سألتني المضيفة في مطار بغداد قبل صعودي إلى الطائرة إذا ما كنت قادرة على تحمل السفر، قلتُ لها بثقة نعم. لكنها سألتني: أنت دخلت إلى المطار على كرسي عجل، وكنت تستفرغين، ويجب عليك إحضار تقرير من عيادة المطار أنك قادرة على صعود الطائرة. بالطبع بعدما سمعتُ حديثها سارعت بالذهاب إلى عيادة المطار، وفحصني الطبيب، ووجد حرارتي عالية وضغطي منخفضًا جدا، ويجب أن ألغي السفر والمكوث ليومين أخريين في المدينة حتى يستقر حالي. لكنني قلت للطبيب: لا أستطيع البقاء هنا، مشتاقة لأهلي وبلدي، فما كان إلا أن حقنني إبرة، وكتب لي علاجا، ونصحني بشرب مادة عالية مرتفعة بالسُكر، ونفذتُ ما طلبه، واستطعت بذلك الصعود إلى الطائرة والنوم فيها بهدوء.

لم أكن على دراية أن الأمر سيصل معي إلى حد نسياني لنفسي نائمة في مقعدي، إذ عندما أفقتُ رأيت نفسي أُدفعُ بجسدي دفعا للحاق بالطائرة التي سأذهب فيها إلى مسقط، وعندما نظرتُ إلى خلفي، بدا ممر الطائرة أشبه بأنبوب طويل للغاية، آخره مضيفتان واقفتان تثرثران دون أيّ اكتراث لعملهما، لم يوقظاني أبدا، لكنني سمعتُ صوتا أنثويا كنتُ قد تعرفت عليه في مطار بغداد، كانت صاحبة الصوت تقول لي: استيقظي يا دكتورة نحن متأخرون، علينا اللحاق بالطائرة المتجهة إلى المغرب، في أمان الله.

كانت تلك الجملة جرس إنذار، جعلتني أنهض وأجري مسرعة لألحق طائرتي، فوجدتني مع مجموعة من النساء المريضات يقف أمامنا موظف أجنبي، ويحمل بيده ملفا يؤشر بقلم على كل اسم، ناولته التذكرة وقرأها بسرعة، وعلى الفور دون تردد تكلم في جهاز صغير يحمله بسرعة كبيرة، فإذا بسيارة تقلني بسرعة مماثلة إلى داخل المطار، لأجدني أجلس فوق كرسي متحرك يدفعه الموظف دفعا، ويصعد بي في المصعد، لأغادره بعد توقفه في طابق لا أذكر رقمه إلى سيارة أخرى، فتسير بي السيارة في داخل المطار تسير هي الأخرى بين المسافرين بجنون، ما شغلني في حينها لم تكن الحمى ولا تبعاتها، بل شغلني البحث عن هاتفي الثاني ذي العدسة الفائقة لأصور به المشهد وأوثقه؛ كأنني في مغامرة داخل فيلم ما. توقف موظف المطار بالسيارة عند مصعد آخر، ليتسلمني موظفا يختلف عن السابق في لون ثيابه الرسمية، وأخذني إلى حيث كاونتر للحجز.

تقدم الموظف من موظفة شركة الطيران، وأخذ يشرح لها، ويُريها تذكرتي، فكانت تنظر إليَّ بشفقة ورثاء، وبعد نقاش بينهما، انتهى بي الأمر إلى النوم في غرفة المسافرين وانتظار رحلة الطائرة المتجهة في الصباح إلى مطار مسقط.

غادر الموظف ذو البدلة الجميلة، وقال لي قبل أن يغادر: عليك بالنوم، أمامك ساعات طويلة حتى يطلع النهار. بعد انصرافه، ذهبت إلى موظفة كاونتر شركة الطيران أطلب شيئا أشربه أو طعام آكله، فأشارت إلى المكان المقابل، ثم ساعدتني للجلوس، وأحضرت لي علبة الماء 250 لترا.

أخذت أتقدم نحو غرفة استراحة المسافرين، فرأيت الكل نياما، جلست فوق الكرسي، وتمددت ولأنني خشيت أن تفوتني الطائرة بسبب ارتفاع الحرارة، لم أهنأ بالنوم، كانت عيناي مفتوحتين بإرهاق، حتى أُعلن عن موعد إقلاع الطائرة المتجهة إلى مسقط.

(4)

لم أعد أفكر بحقيبة السفر، ولا في كتب النقد، ولا النظريات التي أُشغلُ نفسي بها في أوقات الفراغ، فعندما أخذت الطائرة تسير فوق المدرج، وترتفع نحو السماء شيئا فشيئا، وأعلنت مضيفة الطائرة إعلانها: «الرجاء من جميع الركاب الجلوس في أماكنهم والتأكد من ربط حزام الأمان»، كدتُ أن أغيب مجددا، وأدخل في النوم. تأكدتُ أن الحزام في وضع الأمان، وَأَنَّ قَدَمي في مكانهما، وأن الحمى ما تزال ترافقني، وأن حقيبتي الكبيرة في الشحن بداخلها كل أمتعتي، وأن حقيبة السبعة كيلو التي بداخلها اللابتوب موجود فيها فلاش الميموري الحلزوني الشّكل، وبداخلها المراجع والكتب والقواميس والبحوث والمقالات والصور الشخصية وأغلفة كتبي وملفات لأفكار مخطوطة لم أنته من كتابتها، قلت لنفسي فلتنامي بهدوء إذا كنتِ متأكدة أن الأمور طيبة، وأن هناك من يستقبلكِ في المطار فلا داعي للقلق، فأسندت رأسي إلى الكرسي، ومددته إلى الخلف أكثر، ونظرت إلى جناح الطائرة، وهو يكاد أن يختفي في السُحب، وسرحتُ في منظر عجلاتها التي أدخلها الطيّار، وفكرتُ في فكرة كيف احتضنت العجلات مكانها في جوف ذلك الجسم الهائل المُحلّق الآن في السماء، ثم تأملتُ المكان من حولي والفضاء كله وقلتُ لنفسي: الآن عليك ألَا تفكري في أشياء غريبة، وألا تسألي عن الخطوط العامة لسيناريو عريض يبدأ بامرأة تلد في الطائرة دون مسعف مختص، أو حال مسافر لديه خوف من الأماكن الضيقة، فهذه الأفكار ينطبق عليها قول الله تعالى في محكم كتابه: (يا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تَبْدُ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ)، تلك الأمور العجيبة التي يتداخل فيها الواقع مع الخيال، اليقين مع الشّك ستوقعك في تعب شديد، فابعدي عنك شبح الحمى، فليس لها وجود أبدًا، لا في مطار بغداد الدولي، ولا في مطار الدوحة الدولي، وحاذري التفكير في اللغة والأدب والنقد.

آمنة الربيع باحثة أكاديمية متخصصة في مجال المسرح

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی مطار

إقرأ أيضاً:

الجسر الجوي الإغاثي السعودي إلى لبنان يتواصل بمغادرة الطائرة الإغاثية الثامنة عشرة

المناطق_واس

تواصل الجسر الجوي الإغاثي السعودي إلى الجمهورية اللبنانية الشقيقة، حيث غادرت مطار الملك خالد الدولي بالرياض، اليوم، الطائرة الإغاثية السعودية الثامنة عشرة متوجهة إلى مطار رفيق الحريري الدولي بمدينة بيروت والتي يسيّرها مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية.

وتحمل الطائرة على متنها مساعدات المملكة للشعب اللبناني الشقيق، وتحتوي على مواد إغاثية متنوعة تشتمل على مواد طبية وإيوائية إضافة إلى المواد الغذائية الأساسية.

يأتي ذلك انطلاقًا من الدور الإنساني الرائد، وتجسيدًا للقيم النبيلة والمبادئ الثابتة للمملكة العربية السعودية ممثلة بذراعها الإنساني مركز الملك سلمان للإغاثة بالوقوف مع الدول والشعوب المحتاجة والمتضررة في مواجهة الأزمات والصعوبات التي تمر بها.

مقالات مشابهة

  • لزيادة سعته .. مطار جدة يدرس مشروع إعادة تأهيل الصالة الجنوبية
  • المملكة: مغادرة الطائرة الإغاثية الـ19 إلى لبنان
  • في ظل عمليات السطو.. الدفاع والنقل توجهان بوقف الإستحداثات الإماراتية في مطار سقطرى
  • وصول الطائرة السعودية الـ19 لإغاثة الشعب اللبناني إلى مطار بيروت الدولي
  • الطائرة 19.. الجسر الجوي السعودي لإغاثة لبنان يواصل إرسال المساعدات
  • مغادرة الطائرة الإغاثية الـ19 بالجسر الجوي السعودي لمساعدة لبنان
  • اجتماع لتقييم سير العمل في مطار بيروت وسط العدوان الإسرائيلي
  • وصول الطائرة 18 من المساعدات الإغاثية السعودية إلى المطار
  • مغادرة الطائرة الإغاثية السعودية الـ18 إلى لبنان
  • الجسر الجوي الإغاثي السعودي إلى لبنان يتواصل بمغادرة الطائرة الإغاثية الثامنة عشرة