الجزيرة:
2025-03-31@09:10:40 GMT

كيف يبدو واقع المهن التراثية والتقليدية في سوريا؟

تاريخ النشر: 12th, March 2024 GMT

كيف يبدو واقع المهن التراثية والتقليدية في سوريا؟

 دمشق- لم تكن المهن التراثية والحرف التقليدية في سوريا محصّنة ضد تداعيات الحرب، ففي ظل الظروف الاقتصادية والأمنية الصعبة التي تشهدها البلاد منذ ما يربو على عقد، تعاني هذه المهن من تراجع غير مسبوق مرتبط بظروف الإنتاج والسوق، مما يجعلها اليوم مهددة بالاندثار.

وكشف رئيس اتحاد الحرفيين في محافظة اللاذقية جهاد برو، في تصريح حديث لصحيفة الوطن المحلية، عن تراجع إنتاج الحرف والمشغولات اليدوية بمختلف أنواعها بنسبة 50% ضمن المحافظة، معتبرا ارتفاع تكاليف مستلزمات الإنتاج وزيادة ضرائب الدخل أسبابا مباشرة لهذا التراجع.

من جهته، قال رئيس الجمعية الحرفية لصناعة الحلويات في دمشق بسام قلعجي، في تصريح لصحيفة غلوبال المحلية الشهر الماضي، إن أكثر من نصف الحرفيين الحلوانيين توقفوا عن الإنتاج وتحولوا إلى العمل بمهن أخرى بسبب انخفاض الطلب وعدم كفاية الأرباح.

تصريحات متعاقبة تكشف واقع الحرف التراثية والتقليدية السورية التي باتت تئنّ تحت وطأة التدهور الاقتصادي الذي تعاني منه البلاد.

الحرف التراثية والتقليدية السورية باتت تئنّ تحت وطأة التدهور الاقتصادي الذي تعاني منه سوريا (الجزيرة)

هذا الوضع دفع آلاف الحرفيين إلى إغلاق ورشهم ومحالهم والتحول لأعمال أخرى، أو الهجرة ونقل أعمالهم إلى خارج البلاد، وسط تهديد فعلي باندثار العديد من المهن التراثية والحرف اليدوية التقليدية التي تشكّل قطاعات حيوية من القطاعات الاقتصادية في البلاد وجزءا لا يتجزأ من هويته الحضارية.

فما أبرز أسباب هذا التراجع؟ وكيف ينعكس على الحياة الاقتصادية في البلاد؟

غياب الدعم والمنافسة غير المتكافئة

يقول أنطون (42 عاما)، وهو حرفي دمشقي ومالك سابق لورشة صناعة موزاييك في ريف دمشق، إن كفاحه لسنوات للإبقاء على ورشته مشرعة الأبواب تنتج وتبيع ما يكفي لدفع أجور العاملين فيها لم يكن مجديا.

ويضيف في حديث للجزيرة نت: "حاولت جاهدا الحفاظ على الورشة والعاملين فيها لأطول فترة ممكنة، لكن الغلاء المستمر في أسعار الخشب (المحلي والمستورد) بصورة غير موائمة، والانقطاع الطويل للتيار الكهربائي (16_18 ساعة يوميا)، وانخفاض الطلب على الموزاييك في السوق المحلية والخارجية، كلها عوامل أجبرتني على تسريح العاملين، ولاحقا إلى إغلاق الورشة بعد انقضاء أشهر لم أستلم خلالها سوى طلبيتين".

وبالإضافة إلى تلك العوامل، يرجع أنطون سبب انخفاض الطلب على الموزاييك "الأصلي" وغيرها من المشغولات اليدوية والمصنوعات التراثية (نحاسيات، دمشقيات، أنتيكا، منسوجات) إلى:

واقع السوق في الوقت الراهن في ظل غياب السياح. تراجع الطلب الخارجي على السلعة نتيجة انقطاع العلاقات التجارية مع الأسواق الخارجية. هجرة الوسطاء والتجار وبالتالي انخفاض التصدير. منافسة غير متكافئة. تراجع الطلب الخارجي على السلعة أثر في الحرف التراثية والتقليدية السورية (الجزيرة)

ومع تحوّل المنتجات التراثية إلى سلع "أكثر من كمالية" بالنسبة إلى السوريين الذين يعانون من ضعف القدرة الشرائية (متوسط الرواتب الشهرية نحو 20 دولارا)، وغياب الدعم للحرفيين والتوعية بأهمية وأصالة هذه المنتجات من قبل الاتحادات الحرفية والجهات الحكومية، يواجه حرفيو سوريا تحديات كبرى للاستمرار في حرفهم.

وبالرغم من عدم توفر أرقام دقيقة حول أعداد الحرفيين الذين دفعتهم  ظروف العمل إلى الهجرة خارج البلاد، إلا إن رئيس اتحاد حرفيي دمشق علي قرمشتي كشف، في حوار مع موقع كليك نيوز الإخباري المحلي، العام الماضي، أن نسبة الحرفيين الدمشقيين المهاجرين أصبحت مرتفعة جدا لا سيما من شريحة الشباب.

سياسات اقتصادية واجتماعية طاردة

وإلى جانب العوامل الاقتصادية المباشرة التي أدّت إلى تراجع الحرف التراثية خلال الأعوام القليلة الماضية متمثلة بارتفاع أسعار المواد الأولية، وسوء الواقع الخدمي، وتراجع حركة البيع والشراء، كانت هناك عوامل غير مباشرة أضرت بهذه الحرف.

ويرى الخبير الاقتصادي السوري يونس كريّم أن أزمة الحرفيين بدأت منذ عام 2008 بعد تعرضها لضغوطات كبيرة بحكم تغيّر التوجه الاقتصادي العام في البلاد.

واقع عمل الحرف التراثية بعد عام 2011 أصبح أعقد وأصعب (الجزيرة)

ويقول كريّم في حديث للجزيرة نت: "منذ عام 2008 وضعت السلطات يدها على أماكن انتشار هذه الصناعات نظرا لأهمية موقعها الجغرافي، والعمل على تغيير معالمها لصالح مستثمرين أثرياء، أو تقديمها كهبات للدول التي تسعى دمشق إلى إقامة علاقات ثنائية معها"

ووفق الخبير فإن واقع عمل الحرف التراثية بعد عام 2011 أصبح أعقد وأصعب مع "استمرار اعتماد النظام سياسات اقتصادية واجتماعية تضيّق على أصحاب هذه الحرف، وتستبعد عنهم الدعم، وتستملك أماكن انتشارهم، إلى جانب توقّف المعارض وصعوبة المشاركة بفعاليات خارجية بسبب المواقف السياسية للنظام.

ويوضح كريّم أن التفكك الأسري والاجتماعي الذي يعاني منه السوريون نتيجة الهجرة الواسعة النطاق خلال العقد الأخير، كانت سببا مضافا من أسباب تراجع هذه الحرف التي "اعتمدت على التوريث بين أجيال العائلة الواحدة كتقليد اتبعه الحرفيون السوريون منذ زمن بعيد".

من الكيلو إلى القطعة والقطعتين

يبدو أن بعض المهن والحرف التقليدية في خندق واحد مع الحرف التراثية في حربها ضد الاندثار، حيث يعاني أصحاب حرف تقليدية عديدة لا تقلّ أصالة عن تلك التراثية، ولا سيما الحلوانيين من ارتفاع تكاليف المواد الأولية الداخلة في الإنتاج، وارتفاع تكاليف حوامل الطاقة، والخسارات المتتابعة على خلفية عزوف المواطنين عن شراء الحلويات العربية الفاخرة المرتفعة الثمن.

أكثر من نصف الحرفيين الحلوانيين توقفوا عن الإنتاج وتحولوا إلى العمل بمهن أخرى (الجزيرة)

يقول صهيب (55 عاما)- صاحب محل حلويات في منطقة الجزماتية في دمشق، للجزيرة نت: "تنقضي أيام دون أن نبيع ما مجموعه كيلو من مختلف الأصناف، ومنذ سنتين أصبح كساد البضائع في المحل ظاهرة مألوفة لنا، ولولا مواسم الأعياد، وبعض المناسبات والأفراح التي تقام هنا وهناك، لكنا أغلقنا منذ أمد بعيد".

ويضيف الحلواني الدمشقي في حديث للجزيرة نت: "انخفضت أرباحنا، وأرباح معظم محال الحلوانيين في دمشق بنسبة كبيرة منذ بداية الأزمة الاقتصادية في البلاد".

ويشير الحلواني إلى أن سعر الكيلو من بعض أصناف الحلويات العربية قد تجاوز الـ400 ألف ليرة مؤخرا، مضيفا: "وهو ما لا قدرة للسوريين على شرائه، ولذلك أصبحنا نتبع أساليب بيع نعتمد فيها على الكميات القليلة، فنبيع البقلاوة والبلورية والمشكَّل والآسية والمبرومة وغيرها من الأصناف بالأوقية والحبة (القطعة) والحبتين للحفاظ على حركة البيع، وعدم انقطاع الزبائن عن محلنا".

وعن أسباب توقف حلوانيين في دمشق عن العمل وهجرة كثيرين منهم إلى خارج البلاد، يقول الحلواني الخمسيني: "إن الأسباب كثيرة تبدأ من الضرائب السنوية الكبيرة غير المنسجمة مع تكاليف التشغيل المرتفعة والأرباح المنخفضة، ويضاف إليها الارتفاع الكبير في أسعار الكهرباء التجارية والمحروقات اللازمة لتشغيل المحال والمعامل، والزيادة الهائلة بأسعار المواد الأولية، وارتفاع أجور العمال، وعزوف الزبائن عن شراء هذه الحلويات إلا بالمناسبات".

الاندثار التدريجي للحرف التقليدية شكل ضربة موجعة للاقتصاد السوري (الجزيرة) ارتفاع الأسعار

وارتفعت أسعار المواد الغذائية والمكسرات وغيرها من مكوّنات الحلويات العربية بنسب متفاوتة في الآونة الأخيرة، حيث بلغ سعر كيلو السمن الحيواني 150 ألف ليرة ( دولار يعادل نحو 2511 ليرة)، بينما ارتفع سعر كيلو الفستق الحلبي الحب إلى 300 ألف، وسعر كيلو الجوز إلى 120 ألفا.

وسجلت أسعار الحلويات الشعبية كالبرازق والمعمول في أسواق دمشق، بحلول رمضان الفضيل، أسعارا تتراوح بين 100 و130 ألف ليرة للكيلو الواحد، في حين تراوحت أسعار الحلويات المتوسطة والفاخرة من قبيل "البلورية" و"المشكّل و"كول وشكور" و"عش البلبل" و"البقلاوة"  بين 250 و500 ألف للكيلو الواحد وهو ما يعادل راتب موظف سوري في القطاع العام.

وأرجع رئيس الجمعية الحرفية لصناعة الحلويات بسام قلعجي، هذا الارتفاع بأسعار الحلويات إلى رفع الحكومة الدعم عن المشتقات النفطية، مما أدى إلى ارتفاع التكاليف مباشرة بنسبة 150%، مشيرا إلى أن رفع سعر الكهرباء بنسبة 5 أضعاف سيؤدي إلى زيادة سعر نحو 650 منتجا.

وأكد قلعجي، عبر تصريح لصحيفة الوطن المحلية الشهر الماضي، أن العدد الأكبر من الحرفيين الحلوانيين هاجروا، وكانت وجهتهم الأولى هي الجزائر وتتبعها ألمانيا.

وكان قد كشف رئيس الجمعية الحرفية لصناعة الحلويات، في مارس/آذار من العام الماضي، عن إغلاق 70% من ورش صناعة الحلويات متأثرة بالأزمة الاقتصادية وضعف الإقبال على شراء الحلويات والمرطبات.

ضربة موجعة للاقتصاد

ويشكّل هذا الاندثار التدريجي للحرف التقليدية ضربة موجعة للاقتصاد السوري، ويقول الخبير الاقتصادي يونس كريم " لقد شكلت هذه الحرف على مر عقود أكبر حاضنة للعمالة السورية، وكانت نسبة مساهمتها في الاقتصاد قبل عام 2011 تتراوح بين 40 إلى 50%".

وهو ما يذهب إليه الباحث ووزير النفط السوري الأسبق مطانيوس حبيب، في ورقة بحثية بعنوان "القطاع الخاص في سوريا" (2005)، عندما يشير إلى أن القطاع الصناعي الخاص في سوريا اتجه للاستثمار بالمهن الحرفية خوفا من سياسات التأميم سواء في عهد الوحدة السورية-المصرية (1958- 1961)، أو بعد ثورة الثامن من مارس/آذار (1967) مما جعل الاستثمار بالحرف سمة أساسية من سمات القطاع الخاص في سوريا.

شكلت الحرف اليدوية السورية مساهمة بنسبة تتراوح بين 40 إلى 50% في الاقتصاد السوري قبل عام 2011 (الجزيرة)

بينما يؤكد كريم على أن أزمة العاملين في الحرف التقليدية من حلوانيين وغيرهم تعود إلى ما قبل عام 2011، وتحديدا إلى الفترة الممتدة بين عامي 2007 و2009 حيث كانت هناك "محاولة من قبل النظام للضغط على أصحاب المهن التراثية والحرف التقليدية عبر إجبارهم على دفع الضرائب، وإبعادهم عن مراكز المدن لصالح المستثمرين الكبار".

ويعتقد يونس كريم أن اندثار هذه الحرف تدريجيا سيكون له آثار سلبية على الاقتصاد السوري لدورها في "توفير فرص عمل تفوق تلك التي توفرها المعامل الكبيرة ولتميزها بسهولة التشغيل والإنجاز، والقدرة على الانتشار.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رمضان حريات

إقرأ أيضاً:

السفارة الأميركية في سوريا تحذر من تزايد مخاطر وقوع هجمات  

 

 

دمشق - حذرت سفارة الولايات المتحدة في سوريا رعاياها من تزايد مخاطر وقوع هجمات خلال عيد الفطر في الأيام المقبلة.

وقالت السفارة في بيان نشرته على موقعها الإلكتروني مساء الجمعة إنّ "وزارة الخارجية الأميركية تحذر المواطنين الأميركيين من تزايد خطر الهجمات خلال الاحتفال بعيد الفطر، والتي قد تستهدف السفارات والمنظمات الدولية والمؤسسات السورية العامة في دمشق".

وأضاف البيان أنّ "أساليب الهجوم قد تشمل... مهاجمين أو رجالا مسلّحين أو استخدام عبوات ناسفة"، من دون تفاصيل إضافية.

ولا تزال الأوضاع الأمنية في سوريا غير مستقرّة منذ إطاحة الرئيس السابق بشار الأسد في كانون الأول/ديسمبر، في أعقاب حرب استمرّت حوالى 14 عاما، اندلعت بعد قمع عنيف لاحتجاجات مناهضة للحكومة في العام 2011.

ونصحت واشنطن مواطنيها بعدم التوجّه إلى سوريا "بسبب المخاطر الكبيرة للإرهاب والاضطرابات المدنية والخطف واحتجاز الرهائن والصراع المسلّح والاعتقال التعسّفي"، وفق البيان. وكانت السفارة قد أوقفت أنشطتها في سوريا في العام 2012.

وقال مصدر دبلوماسي فرنسي السبت إن "رسائل وجهت إلى المواطنين الفرنسيين الموجودين حاليا في سوريا حول ارتفاع خطر الإرهاب".

وقال موظف في هيئة تابعة للأمم المتحدة طلب عدم الكشف عن هويته "وصلت إلى موظفي منظمات دولية تعمل في سوريا رسائل بريدية تحذيرية من أماكن التجمعات (مع ضرورة) اتخاذ اجراءات الحيطة والحذر خلال الاسبوع المقبل".

وكانت سوريا التي دمّرتها الحرب لسنوات معقلا لعدد لا يحصى من الجماعات المسلحة والمقاتلين بمن فيهم جهاديون.

وتواجه السلطات الانتقالية في سوريا مهمة شاقة تتمثل في الحفاظ على الأمن في بلد متنوع إتنيا ودينيا.

وقالت وزارة الداخلية السورية السبت إن قواتها دهمت "أحد أوكار فلول النظام البائد في حي الوعر بحمص" في وسط البلاد، "كما عثرت على أسلحة ومتفجرات كانت مُعدَّة لتنفيذ عمليات إرهابية في المنطقة".

والشهر الماضي، أوقفت السلطات شخصا يشتبه في أنه قيادي في تنظيم الدولة الإسلامية بتهمة التخطيط لتفجير مزار شيعي قرب دمشق.

وكانت المرة الأولى التي تعلن فيها السلطات السورية الجديدة أنها أحبطت هجوما للتنظيم المتطرف.

استولى تنظيم الدولة الإسلامية على مساحات شاسعة من الأراضي السورية والعراقية في السنوات الأولى من الحرب الأهلية السورية، وأعلن "دولة الخلافة" عبر الحدود عام 2014.

وتمكنت قوات سوريا الديموقراطية بدعم الولايات المتحدة من هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية إقليميا عام 2019، لكنّ الجهاديين ما زالوا يتحركون في البادية الشاسعة.

Your browser does not support the video tag.

مقالات مشابهة

  • لأول مرة في تاريخ سوريا.. أداء صلاة العيد في القصر الجمهوري
  • سوريا: الحكومة الجديدة تضم وجوها قديمة وأقليات.. ما هي رسالة الشرع؟
  • أميركا تحذر من هجمات محتملة في سوريا الأيام المقبلة
  • السفارة الأميركية في سوريا تحذر من تزايد مخاطر وقوع هجمات  
  • تحذير أميركي من هجمات بعيد الفطر في سوريا
  • السفارة الأمريكية في دمشق تطالب المواطنين الأمريكيين بمغادرة سوريا فورا
  • السفارة الأمريـ.ـكية في دمشق تدعو رعاياها إلى مغادرة سوريا فورًا
  • امريكا توجه مواطنيها في سوريا بالمغادرة فورا.. تحذير من السفر!
  • أمريكا تحث رعاياها في سوريا على مغادرة البلاد بشكل فوري
  • إقبال ملحوظ لأهالي دمشق على شراء الحلويات هذا العيد مقارنة بالأعوام السابقة