جدل مدونة الأسرة بالمغرب.. حين يكون صوت السياسيين صدى لخلاف المؤسسات
تاريخ النشر: 12th, March 2024 GMT
تفجر من جديد الجدل حول مدونة الأسرة بالمغرب، بعد أن حملت مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان (مؤسسة دستورية) مقترحات صدمت المؤسسة الدينية الرسمية ومكونات عريضة من المجتمع المغربي يتصدرهم الإسلاميون، إذ تسربت من مذكرة المجلس، مطالب تدعو إلى تجريم زواج القاصر، ومنع التعدد بشكل كامل، وإقرار المساواة في الإرث، وإلغاء الإرث بالتعصيب، وغير ذلك من المقترحات التي أخرجت إدريس خليفة، عضو المجلس العلمي الأعلى، وفي الوقت ذاته، العضو بالصفة داخل المجلس الوطني، عن صمته، مصرحا بمخالفة مذكرة هذا المجلس لأحكام الشريعة الإسلامية، وهو الموقف نفسه، الذي عبرت عنه السيدة عزيزة البقالي (إسلامية تحمل العضوية داخل المجلس)، منتقدة الطريقة التي تم بها إنتاج المذكرة، وعدم خضوعها لأي تداول داخلي.
الإسلاميون، وفي مقدمتهم حزب العدالة والتنمية، استثمر هذين الموقفين وخرج بتصريحات نارية تنتقد قيادة المجلس الوطني لحقوق الإنسان بجر المغرب إلى الفوضى، مهددا بتنظيم مسيرة مليوينة إن تم الاستجابة هذا المقترحات، وخرجت بذلك مدونة تعاند أحكام الشريعة الإسلامية.
هل المشكلة في تركيبة الهيئة المكلفة بإعداد مدونة الأسرة؟
عقب هذا الخلاف الحاد، والذي اخترق الهيئة من الداخل، بحكم أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان يعتبر هيئة شريكة للثلاثي المكلف بالإشراف على إعداد المدونة، والذي يمثل السلطات القضائية بالبلاد، أثير سؤال محوري يتعلق بالمنهجية إدارة الحوار، وتركيبة اللجنة وأدوارها وصلاحياتها، وما الدور الذي يضطبع به العلماء (المجلس العلمي الأعلى)، وهل يعتبرون مجرد هيئة شريطة لها نفس الوزن الذي للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، أم أن قصد التساوي في شراكة المؤسستين (أي المجلس الوطني لحقوق الإنسان والمجلس العلمي الأعلى) يعبر عن إرادة لجعل المطالب الحداثية بنفس وزن المقتضيات المتلائمة مع الشريعة، بحيث يكون دور العلماء هو محاولة تجسيرها عبر الاجتهاد الفقهي؟
عمليا، لم يكن الأمر سهلا، فخروج عضو المجلس العلمي الأعلى بالانتقاد أعطى إشارة واضحة عن عدم رضا مؤسسة العلماء الرسمية (المجلس العلمي الأعلى)، وعدم مباركتها لمحاولة تهميشها، وفرض مقتضيات تعارض أحكام الشريعة، وهو ما دفع منسق الهيئة السيد محمد النباوي، إلى القيام بزيارة لمقر المجلس العلمي الأعلى، ومحاولة طمأنته من خلال التصريح بالالتزام بالمرجعية التي حددها الملك، والتي تؤكد بأن المدونة الجديدة، لم تخرج عن أحكام الشريعة، بما يعني أن دورهم سيكون حاسما في الموضوع، وألا شيء يمكن ان يكر دون أن يبصم عليه المجلس العلمي الأعلى.
هذه التطورات، حركت المقارنة بين منهجية إعداد المدونة التي تم إقرارها سنة 2004، والمنهجية التي يتم اعتمادها اليوم، وطرحت تساؤلات عدة حول طريقة إدارة الحوار داخل الهيئة، وموقع المؤسستين الشريكتين، ودور العلماء في ذلك، وهل سيتم تجميع مقترحات المذكرات، وتركيبها، واختيار الأفضل منها، تم عرض المخرجات في نهاية الأمر على المجلس العلمي الأعلى للنظر في مدى مطابقتها لشريعة الإسلامية، أم سيتم قصر دوره على الاستشارة في قضايا مخصوصة، يثار بشأنها جدل حاد، أم سيتم تجاوز رأي هذه المؤسسة فيس القضايا التي يوجد فيها اختلاف فقهي، ويعمد في ذلك إلى إعمال منهجية الانفتاح على آراء الفقهية من غير المذهب المالكي دون استشارة العلماء في ذلك ما دام الأمر يتم ضمن دائرة الاجتهاد الفقهي؟
في الواقع، تبدو الانتفاضة الهادئة للعلماء في المغرب، وما تبعها من تحرك مدني وسياسي لدعم موقفهم، شكلا من اشكال الضغط لتصحيح المنهجية أو لفت الانتباه إلى الانحراف الذي يقع في عملها، بحكم أن المجلس الوطني تجاوز دوره كمؤسسة شريكة إلى مؤسسة تمارس الضغط لفرض وجهة نظر أقلية علمانية داخلها.
الخلاف المؤسسي الذي لم يكن متوقعا
كثيرون كانوا يتصورون أن الجدل حول مقترحات تعديل المدونة سيبقى منحصرا في الفضاء المدني والسياسي، وأن هذا الفضاء سيمارس بشكل طبيعي موجة من الضغط على عمل الهيئة حتى يضبط إيقاع واتجاه التعديل، بحيث يكون متناسبا مع قوة الضغط وحجمه.
ولم يكن أحد يتوقع في الحقيقة أن يتفجر النقاش داخل الهيئة التي كلفها الملك بالإشراف على إعداد مدونة أسرة جديدة على غرار المدونة التي تم إقرارها منذ عشرين سنة (2004)، فهذه الهيئة التي تضم ثلاثة مكونات قضائية (وزارة العدل، السلطة القضائية، النيابة العامة) مع مؤسستين شريكتين (المجلس الوطني لحقوق الإنسان، والمجلس العلمي الأعلى) أوكلت لها التعليمات الملكية أن تؤطر النقاش، وتديره، وتخلص إلى مدونة أسرة جديدة، ولم يكن أحد يتوقع أن يمتد إليها الخلاف، ويخترق صفوفها بحجم أكبر من الاختراق الذي يوجد في الساحة السياسية والمدنية نفسها، فالخلاف داخل هيئة ملكية معينة، قد يعني وجود خلاف داخل إرادات داخل الدولة أو عدم وحدة الموقف داخل مكونات الدولة ومراكز قواها، وأن تفجير الخلاف، يقصد منه ربما محاولة التماس الدعم في الفضاء السياسي والمدني لحسم الصراع، وهو السيناريو الذي لا تريد أي دولة أن يقع أو أن يخرج إلى العلن، فالحكمة تقتضي دائما أن تصل الدولة إلى ما تريد من خلال إرادة المجتمع، وذلك لا يكون إلا بأن يقع توافق بين مكونات الهيئة على صيغة خرجت من المذكرات المجتمعية التي أرسلت للهيئة، ويتحقق بذلك الهدفين، أي تحقيق إرادة الدولة وإرادة المجتمع أيضا، وفي الوقت ذاته إعطاء صورة عن تماسك هيئات الدولة حتى وهي تحمل قناعات مختلفة وتعاطى مع القضايا بمنهجيات مختلفة.
المتأمل في مسار الخلاف، يرى أنه لم يبق حبيس هذه الهيئة، بل صار له تداعيات خارجها، إذ تحول الصراع إلى الأحزاب السياسية، وذلك في شكل مبادرة مشتركة بين الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية (صف حداثي) وفي دينامية قوية وهجوم حاد من قبل إسلاميي العدالة والتنمية ضد المجلس الوطني لحقوق الإنسان، بل وضد حزب التقدم والاشتراكية الحليف السياسي السابق.ثم تساؤل عريض يطرح، عن الدفاع الذي جعل خرج عضو المجلس العلمي الأعلى، إدريس خليفة للإعلان عن موقف المنتقد لمذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان والذي وصل فيه حد وصفها بأنها مخالفة للشريعة، لتتبعه في ذلك النائبة البرلمانية السابقة في حزب العدالة والتنمية، عزيزة البقالي عضو المجلس الوطني، لتطعن في الطريقة التي تم بها إعداد مذكرة المجلس الوطني دون خضوعها للتداول الداخلي وتوسيع الاستشارة حولها، ليشكل كل ذلك، قاعدة صلبة، لهجوم إعلامي حاد قام به الأمين العام لحزب العدالة والتنمية ضد مقترحات هذا المجلس، محذرا من مؤامرات تحاك لتدمير الأسرة المغربية، ومهددا بتنظيم مسيرة مليونية فإذا ما مررت مقترحات المجلس الوطني وخرجت مدونة الأسرة مخالفة للشريعة الإسلامية؟
أين المشكلة؟ في الخلاف الحداثي الإسلامي، أم في الخلاف داخل مؤسسات الدولة؟
المعطيات السابقة الذكر، تزكي القراءة التي تذهب المشكلة لم تكن في الهيئة التي عينها الملك، والتي تضم مسؤولي السلطة القضائية الثلاثة، بالإضافة إلى مؤسستين شريكتين هما المجلس الوطني لحقوق الإنسان والمجلس العلمي الأعلى، وإنما حصلت المشكلة داخل المجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي أصدر مذكرة تتضمن مقترحاته، دون أن يكشف مضمونها لأعضائه ولا أن يوسع ويعمق الاستشارة حولها مما حرك بعض مكونات المجلس، وبشكل خاص، المجلس العلمي الأعلى الممثل بالعلامة إدريس خليفة، والأستاذة عزيزة البقالي للخروج للعلن، وانتقاد المذكرة بشكل قوي ومنظم، يحمل عنوانين اثنين: عدم طرحها للتداول الداخلي وعدم إحاطة لأعضاء بمضمون المذكرة، مع أنهم يملكون الصفة التي تؤهلهم لمناقشة المذكرة والمشاركة في إقرارها أو تعديلها أو حتى رفضها (قامت عزيزة البقالي بهذا الدور في النقد). وعنوان مخالفة المذكرة لأحكام الشريعة الإسلامية، فقاتم إدريس خليفة بهذا الدور، وذلك للتبرؤ من وثيقة، كان يفترض، بالاعتبارات الدستورية والتنظيمية، ألا تنسب للمجلس، دون أن يبصم عليها المجلس العلمي الأعلى بصفته عضوا فيها بالصفة.
الكثيرون تساءلوا عن شرعية تقديم المجلس الوطني لحقوق الإنسان لمذكرة تعديلية للمدونة وهو مؤسسة شريطة للهيئة، فالمنطق يفترض أن يحجم عن ذلك، لأنه بذلك يجعله يحمل قبعتين، قبعة الفاعل المدني الضاغط، والفاعل المسؤول عن إدارة الحوار وتوجيه مخرجاته.، كما يفرض من جهة مقابلة، إن كان هذا المجلس بالفعل يريد أن ينضج رأيا في الموضوع أن يشمل جميع مكوناته بالاستشارة، ويعمق التداول بالشكل الذي تعبر فيه المذكرة عن رأي مؤسسة دستورية، والحال، أن الطريقة التي خرجت بها مذكرة المجلس، توحي بوجود اختراق معين، أو للدقة، جهة تريد أن تجعل من مؤسسة دستورية ورقة ما لدعم مواقف خاصة ليست بالضرورة محل إجماع مجتمعي، وهو الأمر الذي فجر النقاش داخل الفضاء المدني والسياسي، وجعل المجلس الوطني لحقوق الإنسان بين كماشتين، كماشة الإسلاميين والمؤسسة الدينية الرسمية التي تنتقد عليه مخالفته للمرجعية التي حددها الملك في إعداد المدونة وخروجه عن مقتضى الحياد، وكماشة الهيئة التي فوجئت بسلوك مؤسسة شريكة يذهب في اتجاه تفجير كل شيء وعرقلة عمل الهيئة ومنعها من الوصول إلى أهدافها والتي حدد لها مدى زمني لإنهاء مهمتها تجاوزته عمليا (6 اشهر)
حين يكون صوت السياسيين مجرد صدى لخلاف المؤسسات
المتأمل في مسار الخلاف، يرى أنه لم يبق حبيس هذه الهيئة، بل صار له تداعيات خارجها، إذ تحول الصراع إلى الأحزاب السياسية، وذلك في شكل مبادرة مشتركة بين الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية (صف حداثي) وفي دينامية قوية وهجوم حاد من قبل إسلاميي العدالة والتنمية ضد المجلس الوطني لحقوق الإنسان، بل وضد حزب التقدم والاشتراكية الحليف السياسي السابق. فقد استثمر الأمين العام لحزب العدالة والتنمية فقرة وردت في مذكرة الحزبين، تتحدث عن رفع القيود عن الزواج (قيود الدين والجنس)، واعتبر هذه الصياغة خطيرة، لا تتضمن فقط إباحة زواج المسلمة من غير المسلم، بل تبيح الشذوذ الجنسي ما دامت مذكرة الحزبين تتحدث عن الجنس باعتباره قيدا ينبغي رفعه أمام الزواج.
في الواقع، ومع حدة هذا النقاش، واحتداد التلاسن بين المكونات السياسية بهذا الخصوص، فإن الحراك الجاري بين الفاعلين السياسيين يعبر عن القشرة التي تبدو على السطح، أما الجوهر، فهو الخلاف المؤسسي الذي أشرنا إلى مؤشراته سابقا، فخلاف البنيات المؤسسية هو الذي انعكس على الواجهة المدنية والسياسية، أي أن الخلاف الذي يوجد اليوم على مستوى الإرادات المؤثرة في البنيات المؤسسية، هو الذي يحرك الديناميات السياسية، ويجعلها تأخذ أحيانا طابعا حادا.
يؤكد ذلك أن ممثلي السلطة القضائية المعروفين بتمثيل الدولة في حيادها وفي الصفة التحكيمية لممثلها الأسمى (الداكي، البناوي)، قاموا بزيارة إلى المجلس العلمي الأعلى قصد التهدئة، وعبر السيد محمد عبد النباوي منسق الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة، والرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، في تصريح دال عن هذا القصد حين قال بأن المهمة التي تقوم بها الهيئة "مؤطرة بالمرجعيات التي تضمنتها الرسالة الملكية السامية، والتي دعت إلى عدم تحليل حرام، ولا تحريم حلال".
وسائل الإعلام سلطت الضوء على تصريحات الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، واعتبروا أنه يحاول أن يعيد التاريخ مرة أخرى، ويبني مجده السياسي بالاتكاء على قضية الأسرة والدفاع عن أحكام الشريعة، تماما كما فعل حزبه في السابق عندما واجه الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية التي تبنتها حكومة عبد الرحمان اليوسفي وحرك مسيرة مليونية في الدار البيضاء سنة 2000، شارك فيها علماء من المؤسسة الدينية، وانتهى الأمر إلى تشكيل الملك للجنة إعداد مدونة الأسرة بالتنصيص على ضرورة عدم مخالفة الشريعة الإسلامية.
لكن في الواقع، يصعب أن نتصور من حزب سياسي، لا يزال يحاول الخروج من أزمته، أن يبلغ به التقدير السياسي للتهديد في هذه الظروف الحساسية بتنظيم مسيرة مليونية، فالظن الغالب، أن أقصى ما فعله القائمون على هذا الحزب، أنهم شغلوا ذكاءهم السياسي، أو ربما وصلتهم معطيات دقيقة، تعكس توتر البنية المؤسسية بهذا الخصوص، ووجود إرادات داخل الدولة، تسعى إلى فرض وجهة نظر معينة، في مقابل إرادات أخرى تريد الالتزام بالحرف بتوجيهات الملك.
خلاف مؤسسي قديم متجدد
من الضروري في هذا السياق أن نشير إلى أن هذا الصراع المؤسسي ليس شيئا جديدا، فقد عرف له نظير في السابق، فالصراع الذي فجر مسيرتين شعبتين في كل من الرباط (مسيرة الحداثيين) والدار البيضاء (مسيرة الإسلاميين ومؤسسات الجبهة الدينية) سنة 2000 كانت وزارة الأوقاف طرفا أساسيا فيه، فقد كان وزير الأوقاف الأسبق، الراحل العلوي المدغري، بعلاقاته الوطيدة مع الإسلاميين، يقود المعركة من داخل المؤسسات، لحسم الصراع لجهة الانسجام مع الهوية الدينية للدولة، ولم تكن المساجد نفسها بعيدة عن هذا النقاش، فقد كانت الخطب تصب بشكل مباشر في نقد خطة إدماج المرأة في التنمية، وكانت وتيرتها تؤشر على رفض بعض مؤسسات الدولة لما تريد الحكومة الإقدام عليه في موضوع المرأة في علاقة بالتنمية.
في الواقع لم يتم استنساخ التجربة نفسها، بل سجلت فوارق في إدارة هذا الملف اليوم، فهناك ذكاء في إدارة الصراع من الإرادتين اللتين تتصارعان داخل بنية الدولة، فالذين يريدون من المدونة أن تقترب أكثر من الخط الحداثي، جعلوا من المجلس الوطني لحقوق الإنسان ورقتهم الرابحة بحكم صفته كشريك للهيئة التي تدير الحوار وتعد المدونة الجديدة بناء عليه، ووجدوا من الامتدادات السياسية والمدنية ذات النزعة الحداثية مجرد واجهة للدعم، أما الذين يريدون أن تبقى المدونة مؤطرة بالمرجعية الإسلامية، فقد لوحظ تغير كبير في المنهجية، فالوزارة الأوقاف غابت كهيئة منخرطة في الصراع، بل المجلس العلمي الأعلى نفسه، لم يظهر كهيئة رسمية منتقدة، وإنما تم تحريك عضو في هذا المجلس يحمل قبعين، عضويته في المجلس الأعلى، وعضويته في المجلس الوطني لحقوق الإنسان، بحيث كانت بؤرة الصراع هي المجلس الوطني، لا الهيئة. بطبيعة الحال، وهؤلاء يدركون أن الإسلاميين، ومؤسسات الجبهة الدينية، وهي الجهة الأكثر كثافة مجتمعي، مهيئة بشكل عفوي لدعم هذه المعركة، والذهاب بها إلى أبعد حدود.
على سبيل الختم
المؤشرات الحالية تفيد بأن المؤسسات التي تمثل إن جاز التعبير الوسط المؤسسي، أي الذين يمثلون حياد الدولة، والصفة التحكيمية لممثلها الأسمى، قامت بالدور وطمأنت كل الهيئات، وبشكل خاص المؤسسة الدينية، ووعدت بأن الصيغة التي ستخرج من بين يديها ستكون متلائمة مع أحكام الشريعة ومقاصدها، لكن، مع ذلك، هناك منطقة زوابع لا يمكن توقع ما سيحصل فيها، فالمنطقة التي توصف دائما بأنها منطقة الاجتهاد الفقهي، يمكن أن تحمل مقترحات خلافية تزيد من الاحتقان المجتمعي، فنسب ابن الزنا، والإرث بالتعصيب، وغيرها من القضايا التي يذهب الحداثيون إلى أنها غير مؤطرة بنص قطعي أو فيها اجتهاد فقهي واسع، يسمح لها باختبار اجتهادات أقرب إلى مقترحاتها، لن يكون من السهل تمريرها على مؤسسة العلماء، التي لا تزال إلى اليوم، تعتبر أن النسب مرتبط بالنواة ألأولى للمجتمع هي الزواج، وأنه دون الإلحاق من الزاني، لا يمكن بالمطلق منح النسب للأب البيولوجي، كما لا يمكن فتح الذريعة لإعمال البصمة الوراثية لتمكين ابن الزنا من النسب مع عدم وجود إقرار أو إلحاق، م ومثله قضية الإرث بالتعصيب، التي يعتبر العلماء أن إلغاءها هي مجرد معركة أولى، ترتب من أجل الحسم بشكل مطلق مع نظام الإرث في الإسلام.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير الجدل مدونة الأسرة المغربي المغرب جدل أسرة مدونة سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المجلس الوطنی لحقوق الإنسان المجلس العلمی الأعلى حزب العدالة والتنمیة الشریعة الإسلامیة المؤسسة الدینیة أحکام الشریعة مذکرة المجلس مدونة الأسرة الهیئة التی عضو المجلس هذا المجلس فی الواقع التی تم فی ذلک دون أن لم یکن
إقرأ أيضاً:
بلاغ الديوان الملكي: الملك يترأس جلسة عمل خُصصت لموضوع مُراجعة مدونة الأسرة
بلاغ الديوان الملكي:
ترأس صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، اليوم الاثنين بالقصر الملكي بالدار البيضاء، جلسة عمل خُصصت لموضوع مُراجعة مدونة الأسرة.
وتأتي هذه الجلسة في أعقاب رفع الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة، بعد انتهاء مهامها داخل الأجل المحدد لها، إلى جلالة الملك، تقريرا يتضمن أكثر من مائة مقترح تعديل، وبعد تفضل جلالة الملك أمير المؤمنين، بإحالة تلك المرتبطة منها بنصوص دينية على نظر المجلس العلمي الأعلى، الذي أصدر بشأنها رأيا شرعيا، وأيضا بعد قيام جلالته، أعزه الله، بالتحكيمات الضرورية بالنسبة للقضايا التي اقترحت فيها الهيئة أكثر من رأي، أو تلك التي تطلب الأمر مُراجعتها في ضوء الرأي الشرعي، والتي رَجح فيها جلالته الخيارات التي تنسجم مع المرجعيات والغايات المحددة في مضمون الرسالة الملكية السامية الموجهة إلى السيد رئيس الحكومة، وكذا تلك الواقعة في دائرة الضوابط المحددة لعمل الهيئة، وفي مقدمتها ضابط “عدم تحريم حلال ولا تحليل حرام”.
وخلال هذه الجلسة، قَدم السيد وزير العدل عبد اللطيف وهبي، بصفته عضوا بالهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة، بين يدي جلالة الملك، عرضا حول طريقة ومنهج عمل الهيئة، لا سيما ما تعلق منها بجلسات الإنصات والاستماع التي نظمتها، وأهم المقترحات التي انبثقت عنها، والتي ضمنتها في تقريرها المذكور، بالإضافة إلى الغايات المرجوة منها.
كما عَرَضَ السيد وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق، بصفته عضوا بالمجلس العلمي الأعلى، خُلاصات الرأي الشرعي للمجلس، التي قدمت التقعيد الشرعي الضروري لبعض مقترحات الهيئة، وفتحت “باب المصلحة” لإيجاد حلول مطابقة للشرع، بالنسبة لمقترحات أخرى. وهو ما شكل مناسبة لإبراز قُدرة الاجتهاد البناء على استنباط الأحكام الشرعية، ووسطية واعتدال المدرسة الفقهية المغربية، المستمدة أُسسها من الثوابت الدينية للمملكة.
وفي هذا الإطار، دعا جلالة الملك أمير المؤمنين، المجلس العلمي الأعلى، إلى مواصلة التفكير واعتماد الاجتهاد البناء في موضوع الأسرة، عبر إحداث إطار مناسب ضمن هيكلته، لتعميق البحث في الإشكالات الفقهية التي تطرحها التطورات المحيطة بالأسرة المغربية، وما تتطلبه من أجوبة تجديدية تُساير متطلبات العصر.
ولتوضيح المضامين الرئيسة لمراجعة مدونة الأسرة، فقد كلف جلالته، خلال هذه الجلسة، السيد رئيس الحكومة والسادة الوزراء، بالتواصل مع الرأي العام، وإحاطته علما بمستجدات هذه المراجعة، والتي ستسهر الحكومة، داخل آجال معقولة، على حُسن بلورتها وصياغتها في مبادرة تشريعية، طبقا للأحكام الدستورية ذات الصلة.
وبخصوص المبادرة التشريعية لمراجعة مدونة الأسرة، وما سيليها من مناقشة وتصويت بمجلسي البرلمان، فقد ذَكر جلالته، حفظه الله، بالمرجعيات والمرتكزات التي ستؤطرها، والمتضمنة في الرسالة الملكية السامية المذكورة، ويتعلق الأمر بمبادئ العدل والمساواة والتضامن والانسجام، النابعة من ديننا الإسلامي الحنيف، وكذا القيم الكونية المنبثقة من الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب.
كما أكد جلالة الملك، على ضرورة استحضار إرادة الإصلاح والانفتاح على التطور التي يَنْشُدها جلالته، من خلال إطلاق هذه المبادرة الإصلاحية الواعدة، بعد مرور عشرين سنة على تطبيق مدونة الأسرة، وضمان الحماية الحقوقية والاجتماعية والاقتصادية للأسرة، والنظر إلى مضامين المراجعة في تكامليتها، وأنها لا تنتصر لفئة دون أخرى، بل تهُم الأسرة المغربية، التي تشكل “الخلية الأساسية للمجتمع”، وهو ما يتطلب الحرص على بلورة كل ما تقدم، في قواعد قانونية واضحة ومفهومة، لتجاوز تضارب القراءات القضائية، وحالات تنازع تأويلها.
كما لفت جلالته، نصره الله، الانتباه إلى ضرورة العناية بكل المداخل الأخرى المدعمة والمعززة لمراجعة مدونة الأسرة، سواء عبر تدعيم تجربة قضاء الأسرة، ومراجعة النصوص التشريعية والتنظيمية ذات الصلة، في ضوء الأحكام الدستورية الجديدة، وإعداد برامج توعوية تُمكن المواطنات والمواطنين من الولوج إلى القانون، ومن استيعاب أكبر لحقوقهم وواجباتهم.
حضر جلسة العمل هاته رئيس الحكومة السيد عزيز أخنوش، ووزير العدل السيد عبد اللطيف وهبي، ووزير الأوقاف والشؤون الإسلامية السيد أحمد التوفيق، ووزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة السيدة نعيمة ابن يحيى.