مجدي حسين يكشف لـعربي21 أوجه الاختلاف بين العدوان الحالي على غزة وما سبقه (شاهد)
تاريخ النشر: 12th, March 2024 GMT
وصف المناضل والكاتب الصحفي المصري، مجدي أحمد حسين، الملقب بشيخ الصحفيين، العدوان على قطاع غزة من قبل الاحتلال الإسرائيلي بأنه يختلف عن أي عدوان آخر مر على القطاع سواء من حيث طبيعة العدوان الذي شاركت فيه دول غربية وأمريكا أو على مستوى ردود الفعل العربية والإسلامية التي جاءت أقل من المتوقع.
وقال في لقاء صحفي مع "عربي21"، إن دول الجنوب مثل جنوب أفريقيا والبرازيل في أمريكا اللاتينية سبقتنا في تسجيل مواقف تتسق مع الإنسانية والعدالة، وكانت نموذجا يحتذى به في الدفاع عن القضية الفلسطينية ودفعتها للأعلى حتى رآها العالم.
ورأى أن عملية طوفان الأقصى كانت حتمية بعد سنوات من الحصار والتنكيل وخطط الإبادة بالبطيء بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، واستبقت الخطط الإسرائيلية بإنهاء الوجود الفلسطيني في القطاع، وقضت على أسطورة الجيش وكشفت الوجه القبيح للاحتلال.
وأعرب حسين عن اعتقاده أنه لا مستقبل للتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، وأن إسرائيل سوف تعاني من انهيار داخلي بعد وقف إطلاق النار في غزة، ولن تقبل بحل الدولتين لأن حكوماتها اليمينية المتطرفة هي المسيطرة على مقاليد الأمور.
أطلق سراح حسين في نيسان/ أبريل 2021 بعد 7 سنوات من الحبس على ذمة عدة قضايا، وهو أحد أبرز الصحفيين المعارضين في مصر منذ عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك الذي حكم البلاد 30 عاما قبل أن تطيح به ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011.
كان حسين (72 عاما) رئيس تحرير صحيفة "الشعب" الصادرة عن حزب العمل، وهو نجل السياسي الكبير أحمد حسين مؤسس حركة "مصر الفتاة" وعمه هو الكاتب الصحفي الراحل عادل حسين الأمين العام الأسبق لحزب العمل.
وتاليا نص الحوار كاملا:
زرت قطاع غزة في أزمة مشابهة قبل سنوات في زيارة قادتك إلى السجن.. ما الاختلاف بين العدوانين فيما يتعلق بمواقف دول الطوق مثل (مصر والأردن) والعالم؟
الفرق الكبير من حيث ملابسات العدوان على قطاع غزة، هناك مساندة أجنبية للاحتلال وتواجد للجيش الأمريكي على الأرض، هذه المرة الوضع مختلف تماما، بخصوص دول الطوق ملاحظتي الأساسية هو مسألة معبر رفح. في المرة الأولى كانت هناك أنفاق بين مصر وغزة لدخول المواد الغذائية، ودخلت من خلالها إلى القطاع عام 2008/2009، وفتح جبهات أخرى في الشمال والجنوب.
زيارتك إلى غزة انتهت إلى إقامة لبعض الوقت، برأيك ما هو سر صمود المقاومة، وهل تعتقد أنها فقدت حاضنتها الشعبية بسبب ويلات الحرب؟
بالعكس عندما ذهبت إلى هناك الشعب كله مع المقاومة، وفي كل مكان ذهبت إليه كان الناس يلتفون حول المقاومة بصورة كبيرة تتراوح ما بين 80% و90% ولم أسمع أحد يتكلم ضد المقاومة، لكن إذا افترضنا أن هناك معارضة 10% فهو أمر طبيعي.
في الأحوال العادية كان من الممكن أن يتركوا (الفلسطينيين) بلادهم ويهربوا من الحرب ولكن ما رأيته هو تمسك كبير بالأرض، الشعب في غزة ضمن الشعب الفلسطيني يضرب مثلا في الصمود والاستعداد للتضحية، والموت أصبح خبزهم اليومي دون أن تطرف لهم عين.
نقابة الصحفيين طالبت بعد مجزرة الجوعى بفك الحصار الإعلامي والسماح للصحفيين العرب والأجانب بالدخول لتغطية العدوان.. كيف يساعد ذلك في نقل الحقائق بل الكوارث الإنسانية ؟ وهل تعتقد أن توافق السلطات ؟ ولماذا ؟
دور الصحافة مهم للغاية من أجل نقل الحقائق ولعب دور كبير في تأليب الرأي العالمي ضد إسرائيل، وأتمنى السماح للصحفيين – حتى وإن استشهدوا – حتى يكونوا إلى جوار زملائهم في غزة، وأطالب بالسماح لهم بالذهاب، ومستعد أن أذهب إلى هناك رغم أنني اعتزلت العمل الصحفي لمشاركة الشعب الفلسطيني في مآسيه.
هل كانت تتمادى سلطات الاحتلال في عدوانها الغاشم على قطاع غزة لما يزيد عن 5 شهور لولا مواقف الدول العربية والمجتمع الدولي ؟ وكيف تراها ؟
لم يكن من الممكن أن تتمادى إسرائيل في العدوان من الحرب إلى الإبادة ثم المجاعة لولا تقاعس المجتمع الدولي، ومن الغريب أن القمة العربية – الإسلامية انعقدت في نوفمبر الماضي أي بعد شهر من العدوان وينص القرار على كسر الحصار وإدخال المعونات من معبر رفح، هذا أضعف الإيمان ولم يحدث حتى الآن، ولم تبادر أي دولة عربية أو إسلامية وتطلب من مصر رغبتها في تنفيذ نص القرار وكسر الحصار عبر معبر رفح، واكتفوا بتشكيل وفد من بعض الدول لزيارة الدول الكبرى بمجلس الأمن ولم يفعلوا شيئا، بينما الموقف الشرعي الحقيقي هو المشاركة في صد العدوان عن غزة بموجب فتاوى الأزهر.
هل تعتقد أنه لا سبيل لمقارعة جيش الاحتلال ومواجهته عربيا أم أن المعركة هي كما يقول الإعلام العبري نيابة عن الدول العربية التي لا ترغب في وجود نموذج حماس؟
حديث الإعلام العبري بشأن هذه المسألة ليس هو الشيء الجوهري، لكن المشكلة أن بعض البلاد العربية ترى العلاقة مع إسرائيل ضرورية في إطار العلاقة مع أمريكا، كنت اقترحت اقتراحا خياليا، أن يقوم وزراء دفاع الدول العربية ومعهم تركيا والدول الإسلامية المعنية بالاجتماع وتوجيه ضربة واحدة تحذيرية بأن المدنيين خط أحمر لكان تغير الواقع، وقد ثبت أن الجيش الإسرائيلي يقهر ويقهر وهو في حالة انهيار، واستطاعت المقاومة توجيه ضربات موجعة للاحتلال.
كيف ترى الدور المصري فيما يحدث حاليا في غزة وهل أثر موقف السلطة من حركة حماس في هذا الدور؟
لا أعتقد ذلك، على العكس السلطة في مصر اتخذ موقف موضوعي ومعظم المحللين المرتبطين بالنظام يقولون كلام معقول ومتجاوز للحساسيات ومؤيد للمقاومة، ولكن أرى أن قيد اتفاقية كامب ديفيد أخذ حجما أكبر حجمه، وهو القيد الأساسي، لكن مصر اتخذت موقف جيد في أزمة البحر الأحمر ورفضت المشاركة في ضرب الحوثيين رغم أنها الأكثر تضررا بسبب تأثير ذلك على قناة السويس ربما يخفف ذلك من تقصير مصر في موضوع عدم فتح معبر رفح إلا بإذن إسرائيل وهذا لا يليق بمستوى وحجم مصر قائدة المنطقة العربية.
ما تفسيرك للحراك الشعبي العربي حبيس التلفاز، هل تم فرض دور المشاهد عليه على عكس الشعوب الغربية ؟
الشعوب الغربية سبقتنا في تسجيل موقف إنساني، ولدينا حالة ذهول مما يحدث في أمريكا وغرب أوروبا ولكن في بداية الحرب المظاهرات في مصر لم تكن قليلة، وخرجت في عدد من الدول مثل المغرب وتركيا والعراق والأردن واليمن حدث ولا حرج، هناك بلا شك قبضة أمنية في عموم البلدان العربية تمنع الغضب من الانطلاق، لكن الجمهور استبدل ذلك بالمقاطعة وأدى أداء مذهلا في مقاطعة الشركات الأمريكية والغربية لم تحدث في أحداث سابقة وتسببت في خسائر كبيرة وتراجع الأرباح، وشاهدنا مقاطعة الأسر للمشروبات والمأكولات الشهيرة، الشعوب افتقدت القائد الحقيقي.
صورة تعبيرية للحوار
هل ترى أن المقاومة هي السبيل الوحيد لتحرير الأرض وأن المقاومة تحارب نيابة عن جميع العرب والمسلمين؟
نعم، لا سبيل للتحرر إلا بالمقاومة، هناك فجوة تكنولوجية بيننا وبين إسرائيل، لأنها تحصل، وهي لديها صناعة حربية متطورة، على أعلى تكنولوجيا في العالم من أمريكا والدول الغربية، ومن هنا المقاومة تستطيع أن تناضل بمنهج حرب العصابات والحرب الشعبية والتي أخذت شكل الأنفاق.
في الوقت الذى تقف أمريكا والدول الغربية مع الكيان في هذه الحرب كيف ترى تقاعس الأمة العربية والإسلامية عن نصرة أهل غزة؟
هذه كارثة لا مثيل لها بالتاريخ، وقرار الأمة العربية الإسلامية لم ينفذ، ويجب ألا يظل معبر رفح تحت سيطرة إسرائيل، وعندما قالوا سوف نرسل سفنا حربية لم تأت، تركيا تتحدث عن مراكب منذ عدة شهور لم يصل منها شيء، هناك خذلان كبير، وكل الأنظمة التي تخاذلت وتركت النساء والأطفال يذبحوا لن يمر ما فعلوه دون محاسبة، وأرجو أن يتحركوا، نحن لا نريد الدخول في حروب ولكن لا تزال أمامهم فرصة لرفع الموقف المخزي.
هل ترى أن قطار التطبيع سيستمر رغم ما حدث وأن هناك دول تنتظر دورها بعد انتهاء الحرب لكي تقوم بالتطبيع مع الكيان؟
لا أعتقد ذلك، سوف تكشف الكثير من الأسرار بعد الحرب، وسوف تعاني إسرائيل من انهيار داخلي، مع من سوف يقومون بالتطبيع، إسرائيل في النزع الأخير، هل سيقومون بالتطبيع مع الهواء، يجب التطبيع مع الشعب الفلسطيني، بل ينبغي سحب السفراء على غرار بعض الدول غير العربية مثل بعض دول أمريكا اللاتينية، أعتقد أنه لا مستقبل للتطبيع كما أنه لا مستقبل لإسرائيل في الجيل المقبل.
صورة تعبيرية للحوار
كيف ترى دور دول كجنوب أفريقيا والبرازيل فى ظل التخاذل العربي والعالمي الحالي؟
بالطبع قامتا بأدوار كبيرة، وجنوب أفريقيا فجرت قنبلة محكمة العدل الدولية في وجه إسرائيل، مع أن دور محكمة العدل دور ادعائي ولن توقف إسرائيل لكن هذا الدور مهم جدا ويجيش الرأي العام العالمي. ومواقف دول أمريكا اللاتينية تعطي مصداقية لقضيتنا، دولة بحجم البرازيل بنصف حجم أمريكا الجنوبية عندما يأتي الصوت من بعيد يكون له تأثير كبير، وينبغي أن تكون علاقتنا مع الجنوب أكبر وأوثق من العلاقات مع أمريكا والغرب الأوروبي، على الدول العربية إعادة النظر في علاقاتها مع تلك الدول التي أيدت ودعمت الحرب على أهلنا في غزة.
ترى هل تغير الموقف المصري تجاه القضية الفلسطينية مع تغير الرؤساء وما الذي طرأ عليه؟
لا توجد اختلافات كبيرة، ولكن اللافت في هذه الحرب هو تحكم إسرائيل في معبر رفح أثناء العدوان. في عهد مبارك ذهبت إلى هناك عبر الأنفاق، لكن عموما فإن اتفاقية كامب ديفيد قيدت الجميع فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، ودون الدخول في التفاصيل هذا الكيان الدموي يجب قطع العلاقات معه الذي يصف جميع الناس "بحيوانات"، ما الذي أفادتنا به إسرائيل سوى تصدير الأمراض والمجازر، هذا استعمار استيطاني وسوف يزول كما زال كل استعمار في كل دول العالم، والمقاومة الفلسطينية سوف تحول دون أي إبادة.
ترى هل توافق إسرائيل على قيام دولة فلسطينية خاصة أن "نتنياهو" يرفض ذلك هو ومجموعته وكلام "بايدن" في النهاية لا يسري عليه وهو قريبا خارج السلطة في الانتخابات القادمة وربما يأتي صديق نتنياهو المقرب ترامب؟
لا أعتقد ذلك، ومسألة حل الدولتين وهم وخداع، يتحدثون عن هذا الحل منذ عقود للاستهلاك الإعلامي منذ صدور القرار 242، لا أحد يؤمن بقيام الدولة الفلسطينية في إسرائيل والذي كان يقبل الحديث عنها هو اليسار (حزب العمل) وهو الآن غير موجود على الساحة السياسية ولا تأثير له، والتيار الغالب هو اليميني المتطرف، كل إسرائيل أصبحت تابعة له، لن يوافق على عودة القدس للفلسطينيين أو فك المستوطنات وإقامة دولة في الضفة الغربية أو كما يسمونا يهودا والسامراء وقطاع غزة بالتالي هو مشروع وهمي، والحل المنطقي هو تحرير كل أراضي فلسطين المحتل.
صورة تعبيرية للحوار
كيف ترى طوفان الأقصى بعد مرور نحو 150 يوما من الحرب والمجازر؟
طوفان الأقصى كان حتمي، لأن غزة كانت تباد "بالتقسيط"، وكانت هناك خطط لإبادة غزة وحزب الله في جنوب لبنان، ما يجري في غزة منذ الحصار هو إبادة بشكل تدريجي، إسرائيل تتخوف من الصواريخ التي بحوزة المقاومة في الجنوب والشمال والتي تهدد الكيان الإسرائيلي. الحقيقة طوفان الأقصى أحدث نتائج أكبر من توقعات الكيان، وكانت مشكلة إسرائيل أنها أضعف من تقديرات الجميع بل أضعف من تقديرات حماس، ولو كانوا يعلمون ذلك لكانوا اجتاحوا باقي غلاف غزة بعشرات الآلاف، وطوفان الأقصى أثبت هشاشة هذا الكيان الذي نعمل له ألف حساب.
أخيرا ماذا عن كتابك الأخير محمد علي من التبعية للاستقلال والتنمية وماذا تقصد بهذا العنوان؟
أنا مهتم بتجربة محمد علي في الاستقلال الاقتصادي عن الغرب وليس عن الدولة العثمانية واستطاع الرجل أن يبني صناعة وطنية مصرية خالصة وأصبح ينافس الغرب ويكتسح الأسواق ويحقق فائض في ميزان المدفوعات والميزان التجاري.
هل يمكن أن تحكي تجربتك في إيجاز عن تجربتك الخاصة بدخول غزة في عهد مبارك عبر الأنفاق وما الهدف منها؟
دخلت في نفق صغير جدا إلى غزة وكان أمرا مؤلما وصعبا ودخلت زحفا، وكان النفق غير مجهز وبدون علم حركة حماس نفسها وكان النفق لا يخصها أو يتبعها، وكانت الأنفاق كثيرة في هذا الوقت، وزحفت لمسافة طويلة، ولكني وصلت سالما.
هناك استقبلوني بحفاوة وتعرفت على ما يحدث في قطاع غزة من كوارث بسبب العدوان الإسرائيلي وزرت كل فصائل المقاومة تقريبا، وفي طريق عودتي اخترت الرجوع من معبر رفح، حتى أثبت أن زيارة غزة ممكنة، ولكن تم الحكم علي عسكريا بالسجن سنتين، وتم حبسي المدة كاملة دون أي تخفيض، لكن في سبيل غزة كل شيء يهون، ولم أتوقع أن تحبسني السلطات المصرية، ولم أندم على الزيارة لأني كانت أريد إثارة قضية حصار غزة بشكل كبير ونجحت في ذلك، وقضيت نصف عمري في السجون وفيها ألفت أفضل كتبي.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية مقابلات المصري غزة الاحتلال مصر غزة الاحتلال مجدي حسين المزيد في سياسة مقابلات مقابلات مقابلات مقابلات مقابلات مقابلات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الشعب الفلسطینی الدول العربیة طوفان الأقصى إسرائیل فی قطاع غزة معبر رفح کیف ترى فی غزة أنه لا
إقرأ أيضاً:
محمد الشلالدة لـعربي21: العدل الدولية ستوجّه صفعة لإسرائيل قريبا (فيديو)
قال وزير العدل الفلسطيني السابق، الدكتور محمد الشلالدة، إن جلسات المرافعة الشفوية التي تُعقد أمام محكمة العدل الدولية تُمثل "معركة قانونية مفصلية وهامة جدا للشعب الفلسطيني"، منوها إلى أن "(العدل الدولية) ستوجّه صفعة لإسرائيل وللفكر الصهيوني قريبا".
وأضاف، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، أن "الرأي الاستشاري المرتقب من المحكمة سيصدر قريبا، وسيكون له أبعاد قانونية واسعة، حيث سيعزّز الجوانب القانونية للقضية الفلسطينية، وعلى رأسها حق تقرير المصير، وسيُدين الإجراءات الإسرائيلية، بما فيها تعطيل الأونروا وبناء المستوطنات وضم الأراضي".
وشدّد الشلالدة على أن "رغم كون الرأي الاستشاري غير مُلزم، إلا أنه يحمل وزنا قانونيا وسياسيا وأخلاقيا كبيرا"، مشيرا إلى أن "هذا الرأي يصدر عن أعلى جهاز قضائي في منظومة الأمم المتحدة، بطلب من أعلى هيئة تمثيلية فيها، الجمعية العامة".
وتابع: "القيمة القانونية لهذا الرأي الاستشاري تكمن في كونه وثيقة توثق جرائم الاحتلال، وتكشف عن نظام الفصل العنصري الذي تمارسه إسرائيل، ما يُعد صفعة قانونية قوية للفكر الصهيوني، ويُمهّد لمساءلتها ومحاسبتها جنائيا ومدنيا، بما يشمل التعويض وجبر الضرر".
وبدأت محكمة العدل الدولية، الاثنين، بمدينة لاهاي الهولندية جلسات استماع تستمر أسبوعا لمناقشة الالتزامات الإنسانية لإسرائيل تجاه الفلسطينيين، بعد مرور أكثر من 50 يوما على فرضها حصارا شاملا يمنع دخول المساعدات إلى قطاع غزة الذي دمرته الإبادة الإسرائيلية منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
وأعلنت المحكمة أن جلسات الاستماع الشفوية في نطاق العملية ستعقد بين 28 أبريل و2 مايو/ أيار الجاري.
وفي 9 نيسان/ أبريل المنصرم، أعلنت "العدل الدولية" وهي الجهاز القضائي الرئيسي بالأمم المتحدة، أن 40 دولة (ليس بينها إسرائيل) و4 منظمات دولية وإقليمية أعربت عن نيتها المشاركة في المرافعات الشفوية أمام المحكمة في مدينة لاهاي بهولندا.
وعن الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل بتهمة الإبادة الجماعية، قال وزير العدل الفلسطيني السابق إن "القضية تتقدم أمام المحكمة الدولية بخطى قانونية ثابتة، لكنها تحتاج إلى وقت طويل لإثبات الركن المادي والمعنوي للجريمة، أي نية إسرائيل في القضاء على جزء من الشعب الفلسطيني، وهذا النوع من القضايا قد يستغرق نحو عامين".
وبشأن رؤيته لموقف الدول العربية والإسلامية من دعوى جنوب أفريقيا، أعرب الشلالدة عن تقديره لكل دولة دعمت القضية، داعيا الدول التي لم تنضم بعد إلى "مراجعة مواقفها والاصطفاف مع الحق الفلسطيني والعدالة الدولية"، مشيرا إلى أن الانضمام لتلك الدعوى "يُشكّل دعما سياسيا وقانونيا كبيرا".
وتاليا نص المقابلة الخاصة مع "عربي21":
ما أثر وقيمة ما يُعقد الآن في محكمة "العدل الدولية"؟
بدأت قبل أيام جلسات المرافعة الشفوية أمام محكمة العدل الدولية، بمشاركة دول العالم، لبحث طلب الرأي الاستشاري المُقدّم من الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتستمر هذه الجلسات على مدار خمسة أيام.
وتكتسب أهمية قانونية كبيرة كونها تُمثل معركة قضائية مفصلية وهامة جدا للشعب الفلسطيني ودولة فلسطين ضمن إطار القانون الدولي.
القضية تسلط الضوء على التزامات إسرائيل، باعتبارها قوة احتلال، تجاه منظمات الأمم المتحدة، وخاصة بعد إقرار الكنيست الإسرائيلي قانونا يحظر عمل وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).
وبالتالي، فإن طلب الرأي الاستشاري من محكمة العدل الدولية يعكس رفضا قانونيا من المجتمع الدولي للإجراءات الإسرائيلية التي تستهدف تعطيل عمل الأونروا في الأراضي الفلسطينية المُحتلة.
من المتوقع أن يصدر الرأي الاستشاري للمحكمة قريبا، وسيكون له أبعاد قانونية واسعة، وسيؤكد ليس فقط على العلاقة بين الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية، بل سيعزّز العديد من الجوانب القانونية المتعلقة بالقضية الفلسطينية، وفي مقدمتها حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير.
ما توقعاتكم للقرار الذي ستصدره محكمة "العدل الدولية"؟
القرار محسوم جدا؛ فهناك 44 دولة تدعم الموقف الفلسطيني، ومن بينها تركيا التي لها كل الشكر والتقدير على دورها البارز والفعّال في تقديم المرافعات القانونية، سواء الشفوية أو المكتوبة.
كما تشارك أربع منظمات دولية بارزة، مثل جامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، إلى جانب هيئات أخرى. هذه المرافعات تهدف في المقام الأول إلى نصرة القانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني، وقانون حقوق الإنسان.
الرأي الاستشاري الذي ستُصدره محكمة العدل الدولية يأتي في سياق مُماثل لما صدر في عام 2004 بشأن جدار الفصل العنصري، وكذلك الرأي الاستشاري الذي صدر العام الماضي حول الاحتلال طويل الأمد للأراضي الفلسطينية، تلك القرارات أكدت عدم مشروعية الاحتلال الإسرائيلي، وعدم قانونية الضم والاستيطان.
كما سيتناول هذا الرأي الاستشاري قضية بالغة الأهمية، وسيعزّز العديد من المبادئ القانونية التي تؤكد على الأبعاد القانونية للقضية الفلسطينية، وعلى رأس هذه المبادئ يبرز حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، مع تحميل إسرائيل، بصفتها سلطة قائمة بالاحتلال، المسؤولية القانونية الدولية عن الجرائم المُرتكبة ضد الفلسطينيين، بما في ذلك جرائم الحرب، والإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية.
لكن ما ستصدره محكمة "العدل الدولية" مجرد "رأي استشاري غير مُلزم" مثل آراء استشارية سابقة لم يتم تطبيقها.. ما تعقيبكم؟
من منظور القانون الدولي، يُعد الرأي الاستشاري الذي تصدره محكمة العدل الدولية، أعلى جهاز قضائي عالمي في إطار الأمم المتحدة، ذا قيمة قانونية وسياسية ودبلوماسية مهمة جدا في القانون الدولي.
هذه الآراء الاستشارية تصدر عن أعلى سلطة تشريعية تُمثل 173 دولة في الأمم المتحدة، والذي طلب الرأي الاستشاري ليس مجلس الأمن الذي يُمثل فقط 15 دولة، لذلك تُعتبر آراء المحكمة ذات أهمية قانونية تتجاوز حتى الأحكام القضائية العادية.
تتمتع محكمة العدل الدولية باختصاصين: اختصاص قضائي واختصاص استشاري. ومن هذا المنطلق، أرى أن للرأي الاستشاري قيمة قانونية بالغة الأهمية لأنه يكشف نظام الفصل العنصري الإسرائيلي، ويوجه صفعة قانونية للفكر الصهيوني في الأراضي الفلسطينية المُحتلة.
لهذا الرأي الاستشاري دور حاسم في مساءلة إسرائيل ومحاسبتها، سواء عبر دعاوى فردية أو دعاوى جماعية مُقدمة من الشعب الفلسطيني، كما يمكن من خلاله تحميل إسرائيل المسؤولية الجنائية الفردية والشخصية، بالإضافة إلى المسؤولية المدنية التي تشمل جبر الضرر والتعويض للشعب الفلسطيني. وباعتبار إسرائيل شخصا من أشخاص القانون الدولي، فإنها تتحمل هذه المسؤوليات بموجب القانون.
إذن، هذا الرأي الاستشاري ليس مجرد وثيقة قانونية هامة لفلسطين فقط، بل يُمثل سندا رئيسيا لحركات التحرر في العالم أجمع.
لماذا تتلكأ محكمة "العدل الدولية" في إصدار حكمها بأن ما يجري في غزة هو "إبادة جماعية"؟
أولا: محكمة العدل الدولية تختص بمساءلة الدول، في حين أن المحكمة الجنائية الدولية تختص بمساءلة الأفراد، وبالتالي تُسجل للدول التي رفعت أو انضمت إلى الدعوى ضد إسرائيل، مثل جنوب أفريقيا وتركيا، مواقفها القانونية المهمة، خاصة وأنها قدمت مرافعات وأدلة جنائية جديدة تدعم القضية الفلسطينية.
القضية المتعلقة بجرائم الاحتلال الإسرائيلي تسير بشكل متدرج أمام محكمة العدل الدولية، لكنها تتطلب وقتا طويلا لإثبات الركن المادي والمعنوي المتعلق بجريمة الإبادة الجماعية، وإثبات نية إسرائيل القضاء على جزء كلي أو فعلي من الشعب الفلسطيني، وهو ما قد يستغرق مدة سنتين، ويتوقع في نهاية المطاف أن يصدر حكم قضائي لصالح الشعب الفلسطيني، بإدانة إسرائيل بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية، ويُلزمها بجبر الضرر والتعويض.
كما يمكن استثمار هذه الدعوى المرفوعة من قِبل جنوب إفريقيا أمام المحكمة الجنائية الدولية لتحميل إسرائيل -بصفتها سلطة قائمة بالاحتلال- المسؤولية الجنائية الفردية الشخصية أمام القضاء مُمثلا في المحكمة الجنائية الدولية، والدليل على ذلك إصدار مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع السابق، يوآف غالانت، في هذا الشأن.
لكن ألا ترى أن هناك بطئا في أداء محكمة "العدل الدولية" بخصوص هذه القضية؟
أرى أن محكمة العدل الدولية هي محكمة قانون بامتياز؛ إذ لم تقتصر على إصدار رأي استشاري واحد، بل سبق لها أن أصدرت آراء استشارية أخرى، مثل الرأي المتعلق بجدار الفصل العنصري، والرأي حول الاحتلال طويل الأمد، وقد أجابت بكل صراحة عن هذ الجانب، واليوم يُطرح هذا الرأي الاستشاري أمامها.
وأرى أن محكمة العدل الدولية لا تتأثر بأي ضغوط خارجية، سواء من الولايات المتحدة الأمريكية أو إسرائيل، وقضاة المحكمة معروفون بالاستقلالية والنزاهة، ويؤدون عملهم بعيدا عن أي تأثير سياسي.
كذلك تتمتع المحكمة الجنائية الدولية بمصداقية عالية، حيث يتم انتخاب قضاتها من قِبل الجمعية العامة ومجلس الأمن، ويُمثلون جميع الدول الأطراف في المحكمة. لذا، لا أرى أي تأثير أو تلكؤ في عملها؛ فهي تدرس القضايا حتى تأخذ أبعادها القانونية بشكل جاد.
الرأي الاستشاري أو الحكم القضائي الذي تصدره محكمة العدل الدولية لا يخدم الشعب الفلسطيني فقط، بل يُمثل مرجعية قانونية وأخلاقية لكافة حركات التحرر في العالم وللبشرية جمعاء.
كيف تنظر لموقف الدول العربية والإسلامية من الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل؟
هذه الخطوة تُمثل تطورا قانونيا وسياسيا ودبلوماسيا بالغ الأهمية، حيث تعكس التضامن العربي والإسلامي والدولي مع الشعب الفلسطيني، ومناصرة الدول المحبة للقانون لحقه في تقرير المصير، والتي تُسجّل موقفا مُشرّفا يُحتذى به على الساحة الدولية، وعلى رأس هذه الدول تركيا.
هذا التضامن لا يخدم القضية الفلسطينية فقط، بل يمثل انتصارا لسيادة القانون الدولي وتعزيز العدالة الدولية، وتطبيق مبدأ العدالة الجنائية الدولية.
لذا، أدعو الدول العربية والإسلامية، وكذلك الدول المحبة للسلام، إلى الانضمام إلى الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي، كما أدعو هذه الدول إلى التصديق على النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
كما يجب على هذه الدول أن تعترف بمبدأ الاختصاص القضائي العالمي، الذي يتيح محاكمة ومحاسبة إسرائيل أمام القضاء الوطني لأي دولة؛ فوفقا للمادة 146 من اتفاقية جنيف الرابعة، تلتزم الدول بسنّ تشريعات جزائية تُجرّم ارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية، بغض النظر عن مكان وقوع الجريمة أو جنسية مرتكبها.
كيف تُفسّر عدم انضمام بعض الدول العربية والإسلامية إلى دعوى جنوب أفريقيا حتى الآن؟
نحن كشعب فلسطيني، وكمواطنين وضحايا للانتهاكات الإسرائيلية، نعرب عن شكرنا العميق لكل الدول التي انضمت إلى الدعوى ضد الاحتلال الإسرائيلي، ولتلك التي لم تنضم بعد ولكن نأمل أن تعيد النظر في موقفها.
إن انضمام المزيد من الدول لهذه الدعوى سيخلق ثقلا قانونيا وبُعدا جديدا لتفعيل الآليات القانونية والقضائية الدولية، بما يتيح ملاحقة السلطة القائمة بالاحتلال أمام القضاء الوطني والإقليمي، مثل المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، والمحكمة الأمريكية لحقوق الإنسان، والمحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب.
ونحن كفلسطينيين نأمل أن تسارع هذه الدول إلى الانضمام وتفعيل الالتزامات الدولية تجاه الشعب الفلسطيني.
كما أكدت الآراء الاستشارية الصادرة عن المحاكم الدولية على ضرورة عدم تقديم أي دعم أو مساعدة للسلطة القائمة بالاحتلال في أنشطتها غير المشروعة، مثل الاستيطان، والضم، وبناء الجدار، وغيرها من الجرائم المُرتكبة بحق الشعب الفلسطيني، وخاصة أن بعض الدول لا تزال مستمرة في ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية بشكل غير مباشر من خلال دعمها اللا محدود لإسرائيل بالأسلحة والذخائر، لا سيما في ظل ما يحدث في قطاع غزة من استمرار لهذه الجرائم.
نود أن نخص بالشكر دولة نيكاراغوا التي رفعت قضايا ضد ألمانيا، مُتهمة إياها بالتواطؤ في جرائم الإبادة الجماعية عبر تزويد إسرائيل بالأسلحة والذخائر، مما يجعلها شريكة في هذه الجرائم.
كما ندعو الدول الأخرى أن تحذو حذو الدول التي انضمت إلى قضية جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، والتي صدّقت على النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وأبدت التزاما بتحقيق العدالة الدولية ومساءلة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية.
ما الذي يمنع هذه الدول من الانضمام إلى دعوى جنوب أفريقيا وفق تقديركم؟
هذه أمور سياسية تتعلق بالدول باعتبارها أشخاصا من أشخاص القانون الدولي، كما أن لكل دولة مصالحها الثنائية والإقليمية والدولية، وهو ما يجعل قرارات الانضمام أو المشاركة في القضايا الدولية ضمن نطاق سلطتها التقديرية. وبالتالي، لا يمكن للشعب الفلسطيني أن يفرض على أي دولة موقفا معينا، لأن ذلك قد يُعتبر تدخلا في الشؤون الداخلية.
ومع ذلك نأمل ونناشد هذه الدول أن تتجاوز المصالح الضيقة، وأن تقف ليس فقط إلى جانب حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير وتحقيق حقوقه المشروعة، بل أيضا إلى جانب دعم وتطبيق مبادئ القانون الدولي والإنساني وميثاق الأمم المتحدة، واحترام الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي أجمعت عليها الأسرة الدولية.
هناك قواعد عرفية آمرة في القانون الدولي مُلزمة لكل الدول سواء انضمت إليها أم لم تنضم. ورغم ذلك، فإن إسرائيل حتى الآن لا تعترف بتطبيق اتفاقية جنيف الرابعة على الأراضي الفلسطينية المُحتلة.
علما بأن الرأي الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية أكد ضرورة عقد مؤتمر دولي لإلزام إسرائيل بتطبيق اتفاقية جنيف الرابعة، لكن -مع الأسف- الاجتماع الذي كان مقررا للأطراف السامية الموقعة على الاتفاقية قد تم تأجيله.
كيف تقيم مجمل الجهود الرامية لمحاسبة إسرائيل أمام المحاكم الدولية؟
حتى الآن، تستمر إسرائيل في ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، بالإضافة إلى جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية التي تُرتكب في الضفة الغربية ومدينة القدس.
كما تتعمد إسرائيل انتهاك الممتلكات الثقافية والدينية بشكل صارخ، مثل الاعتداءات المتكررة على كنيسة القيامة، والمسجد الإبراهيمي، والمسجد الأقصى في مدينة القدس. هذه الانتهاكات تخالف اتفاقية لاهاي لعام 1954، وما زلنا نشهد بطئا واضحا في تفعيل آليات القانون الدولي، مما يعكس سيادة "قانون القوة" بدلا من "قوة القانون".
ومع الأسف الشديد، يتم استخدام حق النقض (الفيتو) من قِبل الولايات المتحدة الأمريكية بشكل متكرر لإعاقة حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، سواء في تقرير المصير أو في محاسبة إسرائيل كقوة قائمة بالاحتلال.
وإسرائيل التي أُنشئت بموجب قرار أممي (قرار التقسيم)، تتهم الأمم المتحدة بالفساد ومعاداة السامية، بينما لم تلتزم بالشق الثاني من قرار التقسيم الذي ينص على قيام دولة فلسطينية.
الدول التي اعترفت بقرار التقسيم مُلزمة بالاعتراف بتطبيق الشق الثاني منه، وهو إقامة دولة فلسطينية مستقلة. وهناك آليات دولية قائمة، مثل لجنة التوفيق الدولية، التي تعمل على تطبيق حق العودة والتعويض واستعادة الممتلكات.
كما أن هناك لجنة مُشكّلة منذ عام 1948 برعاية الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وتركيا ضمن لجنة التوفيق الدولية، تهدف إلى تسهيل عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى بيوتهم ومنازلهم.
ما أبعاد وطبيعة الضغوط التي تمارسها بعض الجهات على محكمتي العدل الدولية والجنائية الدولية؟
تتعرض محكمة العدل الدولية لضغوط غير مسبوقة من قِبل الولايات المتحدة الأمريكية، وبعض الدول هدّدت قضاة المحكمة بعدم منحهم التأشيرات أو الحصانات والامتيازات الدبلوماسية.
هذا السلوك يُمثل انتهاكا صارخا لمبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة والاتفاقيات الدولية ذات الصلة، وبالرغم من هذه الضغوط، نلاحظ بوضوح وجود ازدواجية وانتقائية في التعامل مع القضايا الدولية.
هذه القضية ليست مسؤولية الشعب الفلسطيني وحده، بل هي مسؤولية المجتمع الدولي الذي يجب أن يعيد النظر في الإصلاحات الإدارية والقانونية والهيكلية داخل أروقة الأمم المتحدة، وخاصة تعزيز صلاحيات الجمعية العامة للأمم المتحدة عندما يتم استخدام حق النقض (الفيتو) بشكل تعسفي في مجلس الأمن الدولي، مما يؤدي إلى إخفاقه أو عجزه عن معالجة قضايا تهدّد الأمن والسلم العالمي.
للأسف الشديد، فشل المجتمع الدولي، مُمثلا في الأمم المتحدة، في حل القضية الفلسطينية وفي إلزام إسرائيل بتنفيذ التدابير المؤقتة التي أصدرتها محكمة العدل الدولية بشأن قطاع غزة. وهذا الفشل يعكس تقاعسا دوليا واضحا في التعامل مع الجرائم الإسرائيلية المستمرة.
وفي ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي، يبقى حق المقاومة مشروعا للشعب الفلسطيني، استنادا إلى المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة التي تكفل حق الدفاع عن النفس، وهو الحق الذي تستند إسرائيل إليه لتبرير اعتداءاتها.
هل هناك اختراق إسرائيلي لمحكمتي "العدل الدولية" و"الجنائية الدولية"؟
أولا، قضاة محكمة العدل الدولية يتم انتخابهم ويؤدون القسم الرسمي أمام المحكمة، وهؤلاء القضاة يتمتعون بالنزاهة والاستقلالية والحيادية، وعلى الرغم من أنهم يُنتخبون من قِبل الدول، إلا أنهم عند أدائهم لمهامهم يُمثلون ذواتهم ولا يتبعون لأي جهة سياسية.
ولا أرى أي تأثير سياسي على هؤلاء القضاة، والدليل على ذلك هو إصدار آراء استشارية، كما في القضية التي رفعتها دولة جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، والتي لا تزال مستمرة في الإجراءات القانونية.
وبالنسبة لقضاة المحكمة الجنائية الدولية، فإنهم أيضا يُنتخبون من قِبل جميع الدول الأطراف وعددهم 18 قاضيا، بينما قضاة محكمة العدل الدولية وعددهم 15 قاضيا يُنتخبون من قِبل الجمعية العامة ومجلس الأمن، وبالتالي من المستبعد أن يكون هناك أي تأثير مباشر على هذه الهيئات القضائية.
وأود التأكيد على نقطة بالغة الأهمية: المحكمة الجنائية الدولية هي محكمة قانون وليست محكمة سياسية، وكذلك محكمة العدل الدولية، هذه المحاكم تحكمها مبادئ وأعراف القانون الدولي والمعاهدات الدولية والقواعد الآمرة، وهي التي تحدد طبيعة الأحكام والقرارات الصادرة عنها سواء كانت محكمة العدل الدولية أو الجنائية الدولية.
لماذا لم يتم تفعيل الاختصاص القضائي العالمي ضد إسرائيل إلى الآن؟
من هذا المنبر المحترم، الذي يُعنى دوما بدعم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، أوجّه دعوة إلى دول العالم أجمع، وأخص بالذكر الدول العربية والإسلامية، وكذلك البرلمانات العربية والإسلامية، والدول المحبة لتطبيق القانون الدولي، بأن تسنّ في تشريعاتها الجزائية مبدأ الاختصاص القضائي العالمي.
هذا المبدأ لا يمنح فقط الشعب الفلسطيني كضحايا الحق في ملاحقة إسرائيل ومقاضاتها أمام المحكمة الجنائية الدولية، بل يتيح لنا أيضا مقاضاة إسرائيل أمام أي قضاء جنائي وطني، لكن الأساس هنا هو الاعتراف بهذا المبدأ أولا.
وأخص بالذكر القضاء البريطاني، والقضاء الألماني، والقضاء الإسباني، والقضاء البلجيكي، حيث توجد نصوص قانونية تعترف باختصاص القضاء العالمي.
لماذا نطالب بمحاكمة إسرائيل أمام القضاء البريطاني أو الإسباني؟، ولماذا لا يتم مساءلة مجرمي الحرب الإسرائيليين أمام القضاء الوطني العربي والإسلامي في هذه الدولة أو تلك، بدلا من أن يتمتعوا بحرية التنقل بين العواصم والدول دون محاسبة.
كيف ترى قيام الوزير الإسرائيلي المتطرف، إيتمار بن غفير، بإصدار قرار بإغلاق مكاتب صندوق ووقفية القدس في القدس الشرقية؟
هذا الإجراء يُمثل تصرفا عنصريا، ويؤكد أن إسرائيل تمارس سياسة الفصل العنصري (الأبارتهايد). ومن هذا المنبر، أدعو الجمعية العامة للأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية إلى وصم هذه الدولة كدولة فصل عنصري، حتى يتم فرض عقوبات وجزاءات عليها، كما حدث مع دولة جنوب أفريقيا عندما كانت تمارس سياسات التمييز والفصل العنصري ضد السود.
بالإضافة إلى ذلك، فإن إغلاق وقفية صندوق القدس، وهي واحدة من المؤسسات الوطنية الفلسطينية العاملة في مدينة القدس، يُعتبر انتهاكا واضحا لاتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949. هذه الوقفية تقدم خدمات إنسانية وتعليمية لأبناء شعبنا في مدينة القدس، وبالتالي فإن إغلاقها يُشكّل خرقا للقانون الدولي.
لذا، يجب تفعيل الآليات القانونية والقضائية الدولية لتحميل إسرائيل، كسلطة قائمة بالاحتلال، المسؤولية الجنائية الفردية والشخصية بموجب القانون الدولي، وضمان محاسبتها على هذه الانتهاكات.