بعد الكشف عن زيارة مرتقبة لتبون.. أبرز المحطات في العلاقات الفرنسية الجزائرية
تاريخ النشر: 12th, March 2024 GMT
يُصرّ القادة الذين تعاقبوا على الحكم في كل من فرنسا والجزائر على أن العلاقات بين بلديهما “وثيقة وتاريخية”، إلا أنها مرت بعدة محطات عاصفة منذ استقلال الجزائر عن المستعمر السابق في العام 1962.
وتحظى الزيارات المتبادلة بين رؤساء الجزائر وفرنسا باهتمام خاص، كونها تُترجم حالة العلاقة بين البلدين في هذه الفترة أو تلك.
وكما كان الحال مع الرؤساء السابقين، شكلت زيارة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إلى الجزائر سنة 2022، ما بدا وكأنه سعي متجدد لإعادة ربط أواصر المودة بين عاصمتي الضفتين.
لكن تأجيل زيارة الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، لباريس لأكثر من مرة غذّت تكهنات بوجود ركود في تلك العلاقات.
ومع إعلان قصر الإليزيه الفرنسي، الاثنين، أن تبون سيقوم بزيارة دولة لفرنسا “بين نهاية سبتمبر وبداية أكتوبر” المقبلين، يبدو أن هناك إرادة لإعطاء نفس متجدد للعلاقة بين باريس والجزائر رغم ما شهدته من محطات مزعزعة خلال الفترات السابقة.
وتدعم العلاقة بين فرنسا والجزائر روابط إنسانية واقتصادية وثقافية قوية. لكن التوتر في نوفمبر 2021 حول مسألة الذاكرة وأزمة التأشيرات، يعكس طبيعتها غير المستقرة، ومراحل التقارب والتوترات المتناوبة.
في الآونة الأخيرة، يبدو أن المناخ هو مناخ المصالحة. فقد أكدت زيارة ماكرون للجزائر في أغسطس 2022 على تعزيز التعاون بين البلدين في مجال الطاقة، وشددت على الرغبة المشتركة في المضي قدما في مسألة الذاكرة.
في مارس 2003، وقع الرئيس الفرنسي، جاك شيراك في الجزائر العاصمة مع نظيره الجزائري الراحل عبد العزيز بوتفليقة “إعلان الجزائر” الذي نصّ على “شراكة استثنائية” من أجل تجاوز “ماضٍ لا يزال مؤلما.. ينبغي عدم نسيانه أو إنكاره”.
لكن إصدار قانون حول “الدور الإيجابي للاستعمار” شوه العلاقات بين الجزائر وباريس في فبراير 2005.
وصرح بوتفليقة أن هذا القانون يكشف عن “عمى عقلي يكاد يصل إلى الإنكار وتحريف التاريخ”.
وبعد عام، تم إلغاء القسم المثير للجدل من القانون بمرسوم. لكن الجزائر اشترطت اعتذارا رسميا عن الجرائم التي ارتكبت في ظل الاستعمار لتوقيع معاهدة صداقة.
في نهاية 2007، ندد الرئيس نيكولا ساركوزي أثناء زيارته إلى الجزائر، بالنظام الاستعماري بدون أن يعتذر ودعا الجزائر إلى “التطلع إلى المستقبل”.
وفي نهاية 2012، اعترف خلفه، فرنسوا هولاند في زيارة رسمية بـ”المعاناة التي ألحقها الاستعمار الفرنسي” بالشعب الجزائري.
2020.. تجدد العلاقات الاقتصادية
عقدت اللجنة الاقتصادية الفرنسية الجزائرية المشتركة (كوميفا) في الجزائر العاصمة يوم 12 مارس 2020 برئاسة مشتركة.
ووفق قصر الإيليزيه، فقد أتاح اللقاء تناول جميع القضايا المتعلقة بالتعاون الاقتصادي والتجاري الذي يربط البلدين.
وقال بيان للإليزيه حول مشكلة ملف الذاكرة بين البلدين “بناء على توصيات تقرير ستورا حول ذكريات الاستعمار وحرب الجزائر الذي قدمه إليه في 20 يناير 2021، اعترف رئيس الجمهورية، في 2 مارس من نفس السنة، بمسؤولية فرنسا في التعذيب والانتهاكات. وفي 9 مارس 2021، قرر تسهيل رفع السرية عن أرشيفات حرب الجزائر.
2021.. أول رئيس فرنسي يحيي ذكرى مظاهرات جزائريين
في 16 أكتوبر 2021، كان الرئيس ماكرون أول رئيس دولة فرنسي يحيي ذكرى أحداث 16 أكتوبر 1961، وبالمناسبة، تم تسليم رفات بشرية لأربعة وعشرين جزائريا كانت محفوظة في المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي (MNHN)، إلى الجزائر في 3 يوليو 2020.
و16 أكتوبر هو اليوم الوطني للهجرة في الجزائر، وهو يخلد ذكرى مظاهرات 17 أكتوبر 1961 في باريس، “وهي مجازر شاهدة على بشاعة الاستعمار الفرنسي، فضحت ممارساته الإجرامية وأبانت بالمقابل عن تلاحم أبناء الشعب الجزائري داخل الوطن وخارجه واعتزازهم بهويتهم وتمسكهم بوحدتهم”، وفق تقرير لوكالة الأنباء الجزائرية بالخصوص.
2021 أزمة التأشيرات
خلال زيارته للجزائر عام 2022، أكد ماكرون أنه سيعمل على “شراكة جديدة من أجل الشباب ومن خلالهم” تشمل قبول ثمانية آلاف طالب جزائري إضافي للدراسة في فرنسا ليرتفع إجمالي عدد الطلبة الجزائريين المقبولين سنويا إلى 38 ألفا.
جاء ذلك بعد أن أعربت الجزائر كما تونس والمغرب عن امتعاضها لتقليص عدد التأشيرات الممنوحة لمواطنيها لدخول التراب الفرنسي.
وكانت مسألة التأشيرات قد سمّمت العلاقات بين الدولتين بعدما قرّرت باريس في سبتمبر 2021، تقليص عدد تأشيرات الدخول التي تمنحها لرعايا الدول الثلاث، وهدفت من وراء هذا الإجراء إلى الضغط على حكومات هذه الدول للتعاون معها في مكافحة الهجرة غير الشرعية وتسهيل استعادة مواطنيها الذين يُطردون من فرنسا.
2022 زيارة تاريخية.. ومعضلة “الاعتذار”
تشكل مسألة ذاكرة الاستعمار الفرنسي في القرن التاسع عشر وحرب الاستقلال الجزائرية (1954-1962) إحدى النقاط الحساسة الكبرى في العلاقة بين باريس والجزائر، وقد تسببت بخلافات عديدة في السنوات الأخيرة.
وخلال زيارته للجزائر في عام 2022، دعا ماكرون، إلى “شراكة جديدة” مبنية على الشباب وديناميكية الجالية من أجل إحياء “قصة الحب” التي تربط فرنسا بالجزائر.
وعند إرساء المصالحة بينهما خلال تلك الزيارة، أعلن ماكرون ونظيره الجزائري تشكيل لجنة مشتركة من المؤرخين “للنظر معًا في هذه الفترة التاريخية” من بداية الاستعمار (1830) وحتى نهاية حرب الاستقلال (1962)، “بدون محظورات”.
لكن ماكرون استبعد تقديم أي اعتذار كما تطالب الجزائر.
وقال “في ما يتعلق بمسألة الذاكرة والمسألة الفرنسية الجزائرية، كثيرا ما أسمع دعوات إلى الاختيار بين الفخر والندم” مؤكدا ” أنا أريد الحقيقة والاعتراف وإلا لن نمضي قدما أبدا”.
في هذا الصدد، قال الرئيس الجزائري “يجب على فرنسا أن تحرّر نفسها من عقدة المستعمر والجزائر من عقدة الاستعمار”.
2022.. “الإنزال” الفرنسي بالجزائر
في أكتوبر من عام 2022، توجّهت رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيت بورن، برفقة حوالي 15 وزيراً، إلى الجزائر لإبرام اتفاقات حول مشاريع اقتصادية و”شراكة متجدّدة”.
ووصفت الصحافة وقتذاك تلك الزيارة بـ”الإنزال الحكومي” بالجزائر نظرا للعدد الكبير من الوزراء الذين رافقوا بورن إلى العاصمة الجزائر.
وكان استحضار قضية الاستعمار الفرنسي وحرب التحرير الدموية قد أثار خصومة حادّة بين البلدين في خريف العام 2021، بعد تصريحات لماكرون عدل عنها بعد ذلك.
2023.. أزمة أميرة بوراوي
في فبراير من عام 2023، برزت أزمة دبلوماسية جديدة بسبب مساعدة القنصلية الفرنسية في تونس الناشطة الفرنسية الجزائرية أميرة بوراوي على السفر إلى فرنسا.
ورغم صدور قرار يمنعها من مغادرة الجزائر، دخلت بوراوي إلى تونس في الثالث من فبراير، قبل أن يوقفها الأمن التونسي أثناء محاولتها ركوب رحلة جوية في اتجاه باريس.
وتمكّنت أخيراً من السفر إلى فرنسا في السادس من فبراير رغم محاولة السلطات التونسية ترحيلها إلى الجزائر.
واعتبرت الجزائر وقتها، أنّ سفرها إلى فرنسا يشكّل “عملية إجلاء سرية وغير قانونية” تمّت بمساعدة دبلوماسيين وأمنيين فرنسيين، واستدعت سفيرها في باريس سعيد موسي للتشاور.
بعدها، “طوى” الرئيسان تبون وماكرون هذه الأزمة، و”اتّفقا على تعزيز قنوات الاتصال.. لمنع تكرار هذا النوع من سوء التفاهم المؤسف” وفق الإليزيه، وعاد السفير الجزائري إلى باريس.
وجاء ذلك خلال اتصال هاتفي بينهما لإزالة “سوء التفاهم”.
وأميرة بوراوي طبيبة تبلغ من العمر 47 عاما، عُرفت عام 2014 بمشاركتها في حركة “بركات” ضد ترشح الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة لولاية رابعة.
وسُجنت في العام 2020 بتهم عديدة ثم أطلق سراحها في الثاني من يوليو 2020. لكنها تواجه حكما بالسجن لمدة عامين بتهمة “الإساءة” للإسلام بسبب تعليقات نشرتها على “فيسبوك”.
وكانت زيارة تبون مقررة أولا بداية مايو 2023، لكنها ارجئت إلى يونيو من العام نفسه، في ظل خشية الجزائريين من أن تؤثر فيها سلبا تظاهرات الأول من مايو في باريس، احتجاجا على إصلاح قانون التقاعد في فرنسا، بحسب مصادر متطابقة.
ومذاك، لم يؤكد الرئيس الجزائري زيارته لباريس، بينما قام بزيارة دولة لروسيا لم تنظر إليها فرنسا بارتياح، قبل أن تعلن الاثنين عن أن الزيارة مبرمجة قبل نهاية السنة الجارية.
الحرة
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: الفرنسیة الجزائریة الاستعمار الفرنسی بین البلدین إلى الجزائر
إقرأ أيضاً:
الجزائر تدافع عن قرارها بطرد 12 موظفا في السفارة الفرنسية
دافعت الجزائر، مساء الإثنين، عن قرارها "السيادي" بطرد 12 موظفا في السفارة الفرنسية، محملة وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو "المسؤولية الكاملة" عن هذا التوتر الجديد في العلاقات بين البلدين.
وأكدت وزارة الخارجية الجزائرية، في بيان، أن الدولة اتخذت "بصفة سيادية قرارا باعتبار 12 موظفا عاملين بالسفارة الفرنسية وممثلياتها القنصلية بالجزائر والمنتمين لأسلاك تحت وصاية وزارة الداخلية لهذا البلد، أشخاصا غير مرغوب فيهم مع إلزامهم بمغادرة التراب الوطني في غضون 48 ساعة".
وأوضح المصدر أن هذا القرار "يأتي على إثر الاعتقال الاستعراضي والتشهيري في الطريق العام الذي قامت به المصالح التابعة لوزارة الداخلية الفرنسية بتاريخ 08 أبريل 2025، في حق موظف قنصلي لدولة ذات سيادة، معتمد بفرنسا".
وأضاف أن "هذا الإجراء المشين والذي يصبو من خلاله وزير الداخلية الفرنسي الى إهانة الجزائر، تم القيام به في تجاهل صريح للصفة التي يتمتع بها هذا الموظف القنصلي ودونما أدنى مراعاة للأعراف والمواثيق الدبلوماسية وفي انتهاك صارخ للاتفاقيات والمعاهدات ذات الصلة".
وأشار البيان إلى "هذا الوزير الذي يجيد الممارسات القذرة لأغراض شخصية بحتة، يفتقد بشكل فاضح لأدنى حس سياسي. إن القيام باعتقال مهين لموظف قنصلي محمي بالحصانات والامتيازات المرتبطة بصفته ومعاملته بطريقة مشينة ومخزية على شاكلة سارق، يتحمل بموجبه الوزير المذكور المسؤولية الكاملة للمنحى الذي ستأخذه العلاقات بين الجزائر وفرنسا في الوقت الذي بدأت فيه هذه العلاقات دخول مرحلة من التهدئة إثر الاتصال الهاتفي بين قائدي البلدين والذي أعقبته زيارة وزير خارجية فرنسا إلى الجزائر".
وأكدت الجزائر أن "أي تصرف آخر يتطاول على سيادتها من طرف وزير الداخلية الفرنسي سيقابل برد حازم ومناسب على أساس مبدأ المعاملة بالمثل".