يُصرّ القادة الذين تعاقبوا على الحكم في كل من فرنسا والجزائر على أن العلاقات بين بلديهما “وثيقة وتاريخية”، إلا أنها مرت بعدة محطات عاصفة منذ استقلال الجزائر عن المستعمر السابق في العام 1962.

وتحظى الزيارات المتبادلة بين رؤساء الجزائر وفرنسا باهتمام خاص، كونها تُترجم حالة العلاقة بين البلدين في هذه الفترة أو تلك.

وكما كان الحال مع الرؤساء السابقين، شكلت زيارة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إلى الجزائر سنة 2022، ما بدا وكأنه سعي متجدد لإعادة ربط أواصر المودة بين عاصمتي الضفتين.

لكن تأجيل زيارة الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، لباريس لأكثر من مرة غذّت تكهنات بوجود ركود في تلك العلاقات.

ومع إعلان قصر الإليزيه الفرنسي، الاثنين، أن تبون سيقوم بزيارة دولة لفرنسا “بين نهاية سبتمبر وبداية أكتوبر” المقبلين، يبدو أن هناك إرادة لإعطاء نفس متجدد للعلاقة بين باريس والجزائر رغم ما شهدته من محطات مزعزعة خلال الفترات السابقة.

وتدعم العلاقة بين فرنسا والجزائر روابط إنسانية واقتصادية وثقافية قوية. لكن التوتر في نوفمبر 2021 حول مسألة الذاكرة وأزمة التأشيرات، يعكس طبيعتها غير المستقرة، ومراحل التقارب والتوترات المتناوبة.

في الآونة الأخيرة، يبدو أن المناخ هو مناخ المصالحة. فقد أكدت زيارة ماكرون للجزائر في أغسطس 2022 على تعزيز التعاون بين البلدين في مجال الطاقة، وشددت على الرغبة المشتركة في المضي قدما في مسألة الذاكرة.

في مارس 2003، وقع الرئيس الفرنسي، جاك شيراك في الجزائر العاصمة مع نظيره الجزائري الراحل عبد العزيز بوتفليقة “إعلان الجزائر” الذي نصّ على “شراكة استثنائية” من أجل تجاوز “ماضٍ لا يزال مؤلما.. ينبغي عدم نسيانه أو إنكاره”.

لكن إصدار قانون حول “الدور الإيجابي للاستعمار” شوه العلاقات بين الجزائر وباريس في فبراير 2005.

وصرح بوتفليقة أن هذا القانون يكشف عن “عمى عقلي يكاد يصل إلى الإنكار وتحريف التاريخ”.

وبعد عام، تم إلغاء القسم المثير للجدل من القانون بمرسوم. لكن الجزائر اشترطت اعتذارا رسميا عن الجرائم التي ارتكبت في ظل الاستعمار لتوقيع معاهدة صداقة.

في نهاية 2007، ندد الرئيس نيكولا ساركوزي أثناء زيارته إلى الجزائر، بالنظام الاستعماري بدون أن يعتذر ودعا الجزائر إلى “التطلع إلى المستقبل”.

وفي نهاية 2012، اعترف خلفه، فرنسوا هولاند في زيارة رسمية بـ”المعاناة التي ألحقها الاستعمار الفرنسي” بالشعب الجزائري.
2020.. تجدد العلاقات الاقتصادية

عقدت اللجنة الاقتصادية الفرنسية الجزائرية المشتركة (كوميفا) في الجزائر العاصمة يوم 12 مارس 2020 برئاسة مشتركة.

ووفق قصر الإيليزيه، فقد أتاح اللقاء تناول جميع القضايا المتعلقة بالتعاون الاقتصادي والتجاري الذي يربط البلدين.

وقال بيان للإليزيه حول مشكلة ملف الذاكرة بين البلدين “بناء على توصيات تقرير ستورا حول ذكريات الاستعمار وحرب الجزائر الذي قدمه إليه في 20 يناير 2021، اعترف رئيس الجمهورية، في 2 مارس من نفس السنة، بمسؤولية فرنسا في التعذيب والانتهاكات. وفي 9 مارس 2021، قرر تسهيل رفع السرية عن أرشيفات حرب الجزائر.
2021.. أول رئيس فرنسي يحيي ذكرى مظاهرات جزائريين

في 16 أكتوبر 2021، كان الرئيس ماكرون أول رئيس دولة فرنسي يحيي ذكرى أحداث 16 أكتوبر 1961، وبالمناسبة، تم تسليم رفات بشرية لأربعة وعشرين جزائريا كانت محفوظة في المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي (MNHN)، إلى الجزائر في 3 يوليو 2020.

و16 أكتوبر هو اليوم الوطني للهجرة في الجزائر، وهو يخلد ذكرى مظاهرات 17 أكتوبر 1961 في باريس، “وهي مجازر شاهدة على بشاعة الاستعمار الفرنسي، فضحت ممارساته الإجرامية وأبانت بالمقابل عن تلاحم أبناء الشعب الجزائري داخل الوطن وخارجه واعتزازهم بهويتهم وتمسكهم بوحدتهم”، وفق تقرير لوكالة الأنباء الجزائرية بالخصوص.
2021 أزمة التأشيرات

خلال زيارته للجزائر عام 2022، أكد ماكرون أنه سيعمل على “شراكة جديدة من أجل الشباب ومن خلالهم” تشمل قبول ثمانية آلاف طالب جزائري إضافي للدراسة في فرنسا ليرتفع إجمالي عدد الطلبة الجزائريين المقبولين سنويا إلى 38 ألفا.

جاء ذلك بعد أن أعربت الجزائر كما تونس والمغرب عن امتعاضها لتقليص عدد التأشيرات الممنوحة لمواطنيها لدخول التراب الفرنسي.

وكانت مسألة التأشيرات قد سمّمت العلاقات بين الدولتين بعدما قرّرت باريس في سبتمبر 2021، تقليص عدد تأشيرات الدخول التي تمنحها لرعايا الدول الثلاث، وهدفت من وراء هذا الإجراء إلى الضغط على حكومات هذه الدول للتعاون معها في مكافحة الهجرة غير الشرعية وتسهيل استعادة مواطنيها الذين يُطردون من فرنسا.
2022 زيارة تاريخية.. ومعضلة “الاعتذار”

تشكل مسألة ذاكرة الاستعمار الفرنسي في القرن التاسع عشر وحرب الاستقلال الجزائرية (1954-1962) إحدى النقاط الحساسة الكبرى في العلاقة بين باريس والجزائر، وقد تسببت بخلافات عديدة في السنوات الأخيرة.

وخلال زيارته للجزائر في عام 2022، دعا ماكرون، إلى “شراكة جديدة” مبنية على الشباب وديناميكية الجالية من أجل إحياء “قصة الحب” التي تربط فرنسا بالجزائر.

وعند إرساء المصالحة بينهما خلال تلك الزيارة، أعلن ماكرون ونظيره الجزائري تشكيل لجنة مشتركة من المؤرخين “للنظر معًا في هذه الفترة التاريخية” من بداية الاستعمار (1830) وحتى نهاية حرب الاستقلال (1962)، “بدون محظورات”.

لكن ماكرون استبعد تقديم أي اعتذار كما تطالب الجزائر.

وقال “في ما يتعلق بمسألة الذاكرة والمسألة الفرنسية الجزائرية، كثيرا ما أسمع دعوات إلى الاختيار بين الفخر والندم” مؤكدا ” أنا أريد الحقيقة والاعتراف وإلا لن نمضي قدما أبدا”.

في هذا الصدد، قال الرئيس الجزائري “يجب على فرنسا أن تحرّر نفسها من عقدة المستعمر والجزائر من عقدة الاستعمار”.
2022.. “الإنزال” الفرنسي بالجزائر

في أكتوبر من عام 2022، توجّهت رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيت بورن، برفقة حوالي 15 وزيراً، إلى الجزائر لإبرام اتفاقات حول مشاريع اقتصادية و”شراكة متجدّدة”.

ووصفت الصحافة وقتذاك تلك الزيارة بـ”الإنزال الحكومي” بالجزائر نظرا للعدد الكبير من الوزراء الذين رافقوا بورن إلى العاصمة الجزائر.

وكان استحضار قضية الاستعمار الفرنسي وحرب التحرير الدموية قد أثار خصومة حادّة بين البلدين في خريف العام 2021، بعد تصريحات لماكرون عدل عنها بعد ذلك.
2023.. أزمة أميرة بوراوي

في فبراير من عام 2023، برزت أزمة دبلوماسية جديدة بسبب مساعدة القنصلية الفرنسية في تونس الناشطة الفرنسية الجزائرية أميرة بوراوي على السفر إلى فرنسا.

ورغم صدور قرار يمنعها من مغادرة الجزائر، دخلت بوراوي إلى تونس في الثالث من فبراير، قبل أن يوقفها الأمن التونسي أثناء محاولتها ركوب رحلة جوية في اتجاه باريس.

وتمكّنت أخيراً من السفر إلى فرنسا في السادس من فبراير رغم محاولة السلطات التونسية ترحيلها إلى الجزائر.

واعتبرت الجزائر وقتها، أنّ سفرها إلى فرنسا يشكّل “عملية إجلاء سرية وغير قانونية” تمّت بمساعدة دبلوماسيين وأمنيين فرنسيين، واستدعت سفيرها في باريس سعيد موسي للتشاور.

بعدها، “طوى” الرئيسان تبون وماكرون هذه الأزمة، و”اتّفقا على تعزيز قنوات الاتصال.. لمنع تكرار هذا النوع من سوء التفاهم المؤسف” وفق الإليزيه، وعاد السفير الجزائري إلى باريس.

وجاء ذلك خلال اتصال هاتفي بينهما لإزالة “سوء التفاهم”.

وأميرة بوراوي طبيبة تبلغ من العمر 47 عاما، عُرفت عام 2014 بمشاركتها في حركة “بركات” ضد ترشح الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة لولاية رابعة.

وسُجنت في العام 2020 بتهم عديدة ثم أطلق سراحها في الثاني من يوليو 2020. لكنها تواجه حكما بالسجن لمدة عامين بتهمة “الإساءة” للإسلام بسبب تعليقات نشرتها على “فيسبوك”.

وكانت زيارة تبون مقررة أولا بداية مايو 2023، لكنها ارجئت إلى يونيو من العام نفسه، في ظل خشية الجزائريين من أن تؤثر فيها سلبا تظاهرات الأول من مايو في باريس، احتجاجا على إصلاح قانون التقاعد في فرنسا، بحسب مصادر متطابقة.

ومذاك، لم يؤكد الرئيس الجزائري زيارته لباريس، بينما قام بزيارة دولة لروسيا لم تنظر إليها فرنسا بارتياح، قبل أن تعلن الاثنين عن أن الزيارة مبرمجة قبل نهاية السنة الجارية.

الحرة

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: الفرنسیة الجزائریة الاستعمار الفرنسی بین البلدین إلى الجزائر

إقرأ أيضاً:

الكرملين: لا نُعلق آمالًا على نتائج الانتخابات الفرنسية في تحسين العلاقات

أكد المتحدث باسم الرئاسة الروسية (الكرملين) دميتري بيسكوف، اليوم الاثنين، أن روسيا لا تعلق آمالا كبيرة على نتائج الانتخابات البرلمانية الفرنسية لتحسين العلاقات بين البلدين.

بيسكوف: لن نكشف عن تفاصيل رسائل بوتين وبايدن بشأن الأزمة الأوكرانية بيسكوف: ليس لزيلينسكي شرعية عقب 20 مايو

وقال بيسكوف- في تصريحات صحفية- "بالنسبة لروسيا من الأفضل بالتأكيد أن تخرج القوى السياسية اليسارية منتصرة بما يدعم الجهود الرامية إلى استعادة علاقاتنا الثنائية، لكننا حتى الآن لا نرى إرادة سياسية يتم التعبير عنها بوضوح من الجانب الفرنسي، لذلك لا نعتز بأي آمال كبيرة أو أوهام في هذا الصدد"، وذلك ردا على سؤال عما إذا كان الكرملين يرى أن فوز القوى اليسارية في فرنسا أفضل من انتصار اليمين، وفقا لما أوردته وكالة أنباء "تاس" الروسية.

وأفادت بيانات وزارة الداخلية الفرنسية، بأن تحالف (الجبهة الشعبية الجديدة) حصل على 182 مقعدا في الجمعية الوطنية المكونة من 577 عضوا بعد الجولة الثانية من الانتخابات التي جرت، أمس الأحد، أما المركز الثاني فكان من نصيب ائتلاف كتلة "معا" للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بحصوله على 168 مقعدا، أما ثالث أكبر فصيل فسيكون حزب التجمع الوطني اليميني الذي يضم 143 نائبا.

 

من هو زعيم ائتلاف اليسار الفرنسي جان لوك ميلانشون؟

فاز ائتلاف الجبهة الشعبية الجديدة المنتمي لتيار اليسار في فرنسا بأكبر عدد من المقاعد في الجولة الثانية من الانتخابات، ولكن دون تحقيق أغلبية مطلقة في البرلمان، حسبما ذكرت مراكز استطلاع بارزة.

 

وقال زعيم ائتلاف اليسار الفرنسي جان لوك ميلانشون، إن على الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون دعوة أحزاب اليسار الفرنسي لتشكيل الحكومة.

وأضاف ميلانشون بعد إعلان النتائج الأولية التي تشير إلى تقدم ائتلاف اليسار في الانتخابات الفرنسية أن "ماكرون تعرض للهزيمة وعليه أن يعترف بذلك".

من هو جان لوك ميلانشون؟

 يبلغ من العمر 72 عاما.

 انضم إلى الحزب الاشتراكي الفرنسي في عام 1976.

 شغل عدة مناصب داخل الحزب، وأصبح عضوا في مجلس الشيوخ الفرنسي في عام 1986.

 أسس حزبه الحالي فرنسا الأبية في عام 2016 قبل الترشح للرئاسة للمرة الثانية في انتخابات 2017.

 ترك مهنة التدريس والصحافة في السبعينيات، وشغل لفترة وجيزة منصب وزير تعليم في عهد رئيس الوزراء الاشتراكي ليونيل جوسبان، وفقما ذكرت "بي بي سي".

أصبح عضوا في مجلس النواب في سن 35 عاما، ومشرعا في الاتحاد الأوروبي في عام 2009.

 احتل المركز الثالث خلف إيمانويل ماكرون ومارين لوبان في الانتخابات الرئاسية لعام 2022، بحسب "يورونيوز".

ترشح ميلانشون للرئاسة الفرنسية ثلاث مرات:

2012: حصل على قرابة 11 في المئة من الأصوات في الجولة الأولى.

2017: حقق نتيجة أفضل، حيث حصل على حوالي 19.6 في المئة من الأصوات.

2022: حصل على حوالي 21.95 في المئة من الأصوات.

ويأتي تصدر الجبهة الشعبية الجديدة لنتائج استطلاعات الرأي مفاجأة كبيرة ستمنع حزب التجمع الوطني بزعامة مارين لوبان من تشكيل الحكومة.

وستمثل هذه النتيجة انتكاسة كبيرة لليمين المتطرف، الذي توقعت استطلاعات الرأي قبل الانتخابات فوزه بفارق مريح قبل أن يتعاون تحالفا اليسار والوسط من خلال سحب عشرات المرشحين من السباق الانتخابي لتوحيد الجهود في مواجهة التجمع الوطني.

وأظهرت استطلاعات رأي مستندة إلى نتائج أولية أن من المتوقع أن يأتي حزب التجمع الوطني في المركز الثالث.

وفي أول رد فعل له، وصف جوردان بارديلا زعيم حزب التجمع الوطني التعاون بين القوى المناهضة لحزبه بأنه "تحالف مشين" سيصيب فرنسا بالشلل.

مقالات مشابهة

  • الجمهورية الفرنسية الخامسة.. نظام سياسي أسسه ديغول وفرضته الثورة الجزائرية
  • فوز رواية هوارية بجائزة آسيا جبار للرواية في دورتها السابعة
  • روسيا تصعد حملاتها السيبرانية ضد باريس.. ما هي الأهداف؟
  • "الكرملين": لا نُعلق آمالًا على نتائج الانتخابات الفرنسية في تحسين العلاقات
  • الكرملين: لا نُعلق آمالًا على نتائج الانتخابات الفرنسية في تحسين العلاقات
  • الكرملين: لا نعلق آمالا على نتائج الانتخابات الفرنسية في تحسين العلاقات
  • مشاركة خاصة لـ أميرة سليم في احتفالات السفارة المصرية بفرنسا
  • 9 يوليو.. السوبرانو أميرة سليم تشارك في احتفالات السفارة المصرية بفرنسا
  • فيديو.. احتفالات في فرنسا بتقدم تحالف اليسار في الانتخابات
  • فيديو.. احتفالات في فرنسا بفوز تحالف اليسار في الانتخابات