رمضان الحادي عشر يمر على آلاف المعتقلين في مصر.. فرحة غائبة وعادات مفتقدة
تاريخ النشر: 12th, March 2024 GMT
يمر رمضان الحادي عشر على آلاف الأسر المصرية من ذوي المعتقلين في غياب الفرحة بالشهر الكريم، وحرمان من العادات السنوية بداية من زينة الشوارع والإفطارات الجماعية وألوان الطعام والشراب، وصلاة التراويح؛ وغيرها من الأجواء الرمضانية.
ومع الانقلاب العسكري الذي قاده في 3 تموز/ يوليو 2013، رئيس النظام الحالي عبدالفتاح السيسي، (قائد الجيش حينها)، ضد الرئيس الراحل محمد مرسي؛ أطلق السيسي، حملة أمنية موسعة، واعتقل الآلاف من قيادات وأنصار جماعة الإخوان المسلمين، والمعارضين لنظامه، والذين تقدرهم منظمات حقوقية بنحو 60 ألف معتقل.
السيسي، أتبع حملته الأمنية، بمخالفات واسعة لحقوق الإنسان، بينها القتل خارج إطار القانون، والاخفاء القسري، والتعذيب، والمحاكمات أمام القاضي العسكري، وأمام محاكم استثنائية، مع حرمان المعتقلين من كافة حقوقهم التي يكفلها القانون في الدفاع عن أنفسهم، وهو ما كشفت عنها مئات التقارير الحقوقية.
وفي رصد قامت به "المنظمة العربية لحقوق الإنسان" حتى آذار/ مارس 2021، فإن عدد السجناء والمحبوسين احتياطيا والمحتجزين في مصر بلغ نحو 120 ألف سجين، بينهم نحو 65 ألف سجين ومحبوس سياسي.
"صبرنا نفذ"
"أم البراء"، تقول لـ"عربي21": "هذا هو رمضان الحادي عشر لزوجي في محبسه بعيدا عني وعن أسرته، حيث جرى اعتقاله في تشرين الأول/ أكتوبر 2013، بعد أن قضينا آخر رمضان سويا في اعتصام ميدان رابعة العدوية (28 حزيران/ يونيو حتى 14 آب/ أغسطس 2013)".
وتؤكد "بلغة الأرقام يعد هذا هو رمضان الحادي عشر، موضحة أن زوجها تركها وهي حامل في وليدها الوحيد، الذي ولد ووالده معتقل ولم يره إلا داخل السجون، ويقترب من عامه الحادي عشر، بالصف الخامس الابتدائي".
وتضيف: "في رمضانات السابقة كنت أعاني أشد المعاناة، وكنت لا آكل ولا أنام وأظل أدعو الله ألا يأتي يوم العيد إلا وهو معنا ولكن مرت رمضانات وأعياد كثيرة؛ ولكني الآن تعودت على طعم المرارة، خاصة مع ما تعرضت له طوال تلك السنوات من أزمات، ورغم ذلك مازال لدينا أمل أن يأتي رمضان وهو معنا".
وتوضح أنها تحلم بالفعل "في يوم واحد يجمعني وزوجي وابني على مائدة إفطار رمضانية في بيتنا أو حتى مائدة إفطار داخل محبسه"، مبينة أن "أملها في الله قائم، ولكن ليس لدي أمل في من يحكمونا وظلمونا طول تلك السنوات بلا ذنب".
وتلفت إلى أن "زوجها وخلال زيارتها الشهرية له، دائما تكون حالته النفسية سيئة، فقط طالت المدة ولا أمل يظهر في حل أو انفراجة أو إخلاء سبيل لهم، وقد تعبوا جدا، وتشعر أنهم لم يعودوا قادرين على التحمل، خاصة وأنه كل فترة يلوح أمل أمامهم ولكن بلا فائدة، ولا أملك إلا أن أحاول أن أذكره بجزاء الصبر والصابرين"، قائلة: "بيصبرونا وبنصبرهم".
وتضيف: "ولأن زيارة زوجي في النصف الثاني من رمضان، لا أكًل من التفكير فيما سأخذه له في الزيارة من طعام رمضاني، أو نواشف من سلع رمضان كالبلح والسوداني وغيره، ولا ينقطع دعائي وصغيري بأن يخرجوا ونجدهم يدخلون علينا بيتنا".
وتختم بالقول: "وتظل الأزمة الأكبر في حرمان ابني من أبيه، الذي كان من المفترض أن يصطحبه لصلاة الجماعة وفي التراويح ويقرأ له القرآن ويعلمه من تلاوته وأحكامه ويسرد عليه من قصصه وجميل آياته".
ودأبت السلطات على التعامل الأمني الغليظ مع المتظاهرين في جرائم شهدت قمتها بأعوام 2013، و2014، و2015، ثم في أيلول/ سبتمبر 2019 و2020، ما تسبب في تكدس رهيب للمعتقلين في السجون وأماكن الاحتجاز، وزيادة معاناتهم، ما دفع السيسي لبناء نحو 50 سجنا جديدا خلال 10 سنوات.
وفي 20 آب/ أغسطس 2018، قالت منظمة العفو الدولية إن "قمع حرية التعبير في عهد الرئيس السيسي، وصل مستويات مروعة، لم يشهد لها مثيل في تاريخ مصر الحديث"، كما أطلقت حملة تدعو إلى الإفراج فورا، ودون قيد أو شرط، عن المعتقلين.
"ألمي شديد"
من جانبها، تقول "أم محمد": "زوجي معتقل وابنتي معتقلة، وابنتي مهاجرة وزوجها وعيالها لم أرهم جميعا منذ سنوات، لذا فألمي في رمضان شديد، وفرحتي فيه منسية، وزادي فيه الدعاء بفك الكرب وعودة الغائبين، لا الطعام".
وتضيف: "زوجي أكمل 11 رمضان خلف الجدران، وهذا رمضان الخامس لابنتي المعتقلة، ورمضان العاشر لابنتي الكبرى وزوجها"، موضحة أن عقلها يكاد يغيب عنها بعض الأحيان، ويجدها الناس تتحدث مع ذاتها ولا حديث لها مع الناس إلا عن ابنتها التي كان من المفترض أن تتزوج وتنجب وتكون سعيدة في بيتها.
وتواصل السيدة المقيمة في إحدى أحياء العاصمة المصرية القاهرة: "أتوسل في كل زيارة حتى يتم إدخال بعض الدواء لزوجي، ولابنتي، وأقضي نصف الشهر في إعداد زيارة ابنتي والنصف الآخر في إعداد زيارة زوجي، وكلما رأيت زينة رمضان في الشارع أو أغاني رمضان أبكي وأتذكر كيف كنا نعلق زينة رمضان في شارعنا الضيق".
"نداء طفلة"
وعبر مواقع التواصل الاجتماعي وجه العديد من ذوي المعتقلين رسائل لذويهم تدعو على رأس النظام، وتطالب بالإفراج عنهم وتقدم لهم التهنئة وتعبر عن أمنياتهم بوجودهم معهم خلال الشهر الكريم، وبينها رسالة شديدة القسوة من نجلة الصحفي المصري أحمد سبيع، ذات السنوات السبع.
والسؤال: هل هناك أي استثناء قانوني يمكن به الإفراج عن معتقل ليوم واحد ليفطر مع أسرته؟، أو أن تفطر أسرته معه في محيط السجن أو بإحدى حدائقه، ضمن إفطار جماعي، للعتقلين؟.
"ضاعت الإنسانية"
وفي إجابته، قال المحامي والبرلماني المصري السابق، ممدوح إسماعيل: "يوجد في لوائح السجون ما يطلق عليه الزيارة الاستثنائية لظروف اجتماعية وضعوا لها شروطا منها تقديم طلب، وتوفر حسن سير وسلوك داخل السجن، وعدم الخطورة على الأمن، ثم بعد ذلك موافقة الجهة الأمنية".
السياسي المصري، أضاف لـ"عربي21": "لكن يبقى أن ذلك كله يتم عبر الابتزاز الأمني خاصة مع السياسيين مثال مع ما تم مع رجل الأعمال صفوان ثابت، والسماح بخروجه لجنازة زوجته".
وألمح إلى أن "الرجل رغم أن كل اتهاماته ملفقة ومعلومة للجميع إلا أنهم ظلوا يضغطون عليه لسرقة قلعة صناعته (جهينة)، مرة بالقبض على ابنه، ومرة بخروجه لجنازة زوجته، حتى يوافق على ماتم طرحه من ابتزاز أو سرقة ماله؛ وغير ذلك من الأمثلة كثير".
وأكد المحامي المصري، أنه "لو كان يوجد مثقال ذرة إنسانية حقا؛ ما ألحقوا التهم بكل هذا العدد من المعتقلين، ولا كانت المحاكمات صورية، ورغم أنه لا يوجد في القانون نص يسمح للمعتقلين بالخروج للإفطار، إلا أنه يجب تحقيق العدالة في تطبيق القانون بخروج من صدر له حكم براءة أو قرار إخلاء سبيل".
ولفت كذلك إلى ضرورة "تحسين المعاملة داخل السجون، واحترام أهاليهم في الزيارة، ووقف ما يتعرضون له من مضايقات وإهانات تجعلهم يبكون الليل والنهار، لذا فالموضوع في مصر أكبر من الخروج لزيارة إنسانية فالموضوع يمثل ضياعا تاما للإنسانية".
ويعاني المعتقلون السياسيون من أوضاع غير إنسانية أودت بحياة أكثر من 1000 معتقل معظمهم بسبب الإهمال الطبي، فيما رصدت "لجنة العدالة" ومقرها جنيف بسويسرا وفاة 6 حالات لمحتجزين سياسيا، واثنان لمتهمان بارتكاب جرائم جنائية، خلال العام الجاري، بينهم آخر حالة في 10 آذار/ مارس الجاري، لمحتجز على ذمة قضية سياسية، بسجن "أبو زعبل" بمنطقة المرج بمحافظة القليوبية.
"المنطق الأوحد"
وفي تعليقه، أعرب الكاتب والباحث المصري المهتم بشؤون المعتقلين عزت النمر، عن أسفه مما "يستدعيه السؤال من كل مرارات الحزن والغضب"، وفق تعبيره في حديثه لـ"عربي21".
وتساءل: "أي رؤية قانونية يمكن أن نستدعيها للإفتاء في هذا الواقع القاسي الكئيب؟"، مضيفا: "ولماذا نبحث عن استثناء قانوني يسمح للمعتقل أن يفطر مع أسرته ولو ليوم واحد في العام؟"، متابعا تساؤلاته: "هل نحتاج إلى استدعاء الاستثناء لتفطر أسرة المعتقل معه في محيط السجن؟".
النمر، أعرب عن أسفه للمرة الثانية خلال حديثه، من أن "الواقع والحالة المصرية أشد مرارة من أن نستدعي هذه الاستثناءات، والسؤال المر الذي يجب أن نؤوب إليه هو؛ هل هؤلاء الضحايا في أقبية السجون هم معتقلون بقانون حقيقي أم بقوانين استثنائية؟".
وواصل: "هل القضايا والمحاكم والقضاة الذين أسلموا هؤلاء إلى السجون تنتمي إلى القانون الجنائي أو الوضعي أو أي قانون يذكر؟، فضلا عن أن يحسبها عاقل إلى العدل".
وتساءل مجددا: "هل هؤلاء الأشراف متهمون بالأساس أو مدانون في الأصل، حتى نبحث لهم في القانون الوضعي أو الإنساني عن مخرج أو استثناء؟"، مؤكدا أن "المشهد برمته للأسف استثناء طافح من كل قيمة ومن كل قانون ومن أي إنسانية مهما تضاءلت".
وقال: "نحن ببساطة أمام قضاة مجرمون خونة، ومحاكمة قذرة، وسطوة سجون تستمد قوتها من جلاد قذر، قام بانقلاب على كل قوانين الأرض والسماء"، مضيفا: "سنظل نهتف بهذا الحق شاء من شاء وأبى من أبى، وهذه الحقيقة تلعن كل من تجاوزها كائنا من كان".
ويعتقد النمر، أن "القضية الواجبة على الجميع السعي لإحقاق الحق، وليكن السجن مكان للخونة والمزورين والمنقلبين بدءا بالسيسي وجنرالاته وليس انتهاء بقضاة الزور والبغي".
ويرى أن "هذا هو المنطق الأوحد لتعود الأمور إلى نصابها، وهذا هو السبيل الوحيد لخروج المعتقلين وإبراء ذمتهم والاعتذار الواجب لأسرهم وأطفالهم عن السنوات الإحدى عشر الماضية القاسية المريرة؛ وليس دون ذلك حبة خردل من قانون أو إنسانية أو أخلاق".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية المصرية السيسي مرسي الإخوان مصر السيسي مرسي الإخوان المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة رمضان الحادی عشر هذا هو
إقرأ أيضاً:
الجرب يفتك بمئات الأسرى الفلسطينيين في سجن إسرائيلي
قالت مؤسستان حقوقيتان فلسطينيتان إن مرض الجرب المعروف بـ"السكايبوس" يفتك بالأسرى الفلسطينيين في سجن النقب الإسرائيلي، والذين "يتعرضون لجرائم طبية ممنهجة وعمليات تعذيب على مدار الساعة".
وذكرت هيئة شؤون الأسرى والمحررين التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية ونادي الأسير في بيان مشترك أنه "من بين 35 معتقلا تمت زيارتهم من قبل المحامين في الأيام الماضية هناك 25 مصابون بمرض الجرب".
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2أمنستي تناشد الدول الأكثر ثراء نجدة الدول المنكوبة مناخيا بأفريقياlist 2 of 2بينهم فارون من لبنان.. شبكة حقوقية: 213 حالة احتجاز تعسفي بسوريا في شهرend of listوأضاف البيان "جميع من تمت زيارتهم خرجوا للزيارة معصوبي الأعين ومقيدي الأطراف، وجميعهم تعرضوا لعمليات إذلال وتنكيل من خلال عملية سحب مهينة تتم بحقهم وإجبارهم على الجلوس على ركبهم حتى الخروج من القسم".
وجاء في البيان أن "هذه عينة صغيرة عن المئات من الأسرى المصابين الذين يتعرضون لجرائم طبية ممنهجة وعمليات تعذيب على مدار الساعة من خلال استخدام إدارة السجون المرض أداة لتعذيبهم".
ويقدر عدد الأسرى الفلسطينيين في سجن النقب الإسرائيلي بنحو 3 آلاف أسير من أعمار مختلفة.
وذكر البيان أن "إفادات الأسرى جميعهم تضمنت تفاصيل قاسية جدا حول معاناتهم من المرض، دون تلقي أي نوع من العلاج ودون محاولة إدارة السجون معالجة الأسباب التي ساهمت وتساهم في استمرار انتشار المرض".
إجراءات عقابيةومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 اتخذت السلطات الإسرائيلية العديد من الإجراءات ضد الأسرى الفلسطينيين في سجونها، ومنها تقليص مواد التنظيف وأوقات الاستحمام وكميات الطعام وغيرها من الإجراءات، إضافة إلى اكتظاظ السجون مع الارتفاع الملحوظ في عمليات الاعتقال.
واستعرض البيان مجموعة من العوامل التي أدت إلى انتشار مرض الجرب بين الأسرى، ومنها "قلة مواد التنظيف وعدم تمكن الأسرى من الاستحمام بشكل دائم وانعدام توفر ملابس نظيفة، فمعظمهم لا يملكون إلا غيارا واحدا لعدم وجود غسالات، حيث يضطرون لغسل الملابس بأيديهم".
وأضاف البيان "كما تمنعهم إدارة السجن من نشرها (الملابس) كي تجف لذلك تبقى رطبة، الأمر الذي ساهم بشكل كبير في انتشار الأمراض الجلدية بين الأسرى، كما لا تستجيب إدارة السجن لمطالبات الأسرى المتكررة بتوفير العلاج أو حتى إخراجهم للعيادة".
وتضمّن البيان مجموعة من شهادات الأسرى -دون الإشارة إلى أسمائهم- قدموا خلالها تفصيلا لما يتعرضون له داخل السجون الإسرائيلية.
كما تضمّن البيان نموذجا لأوضاع الأسرى المرضى من خلال حالة الأسير عبد الرحمن صلاح (71 عاما).
وذكر أن صلاح "من جنين، وهو من الأسرى القدامى ومن محرري صفقة "وفاء الأحرار" المعاد اعتقالهم، ويعتبر من أسوأ الحالات المرضية في سجون الاحتلال، والذي يتعرض فعليا لعملية قتل بطيء".
وبحسب البيان، فإن صلاح "يعاني من ضعف شديد في النظر وضعف في السمع، إلى جانب مشكلات صحية عدة أخرى تفاقمت بعد الاعتداء الذي تعرض له في سجن (النقب) بعد الحرب على يد قوات (النحشون)".
وقال البيان إن الاعتداء على صلاح "تسبب له بنزيف جزئي في الدماغ وفقدان مؤقت للذاكرة، إلى جانب أعراض أخرى أثرت بشكل كبير على إمكانية تلبية احتياجاته الخاصة، حيث نقل في حينه إلى مستشفى شعاري تسيدك ثم إلى سجن الرملة، ومكث هناك فترة، ورغم حالته الصعبة أعادوه إلى سجن (النقب)، وقد أصيب الأسير صلاح بمرض الجرب الذي ضاعف معاناته التي لا توصف".
وتشير الإحصائيات الفلسطينية الرسمية إلى أن "عدد الأسرى في سجون الاحتلال بلغ أكثر من 10 آلاف و100، وذلك حتى بداية أكتوبر/تشرين الأول 2024، منهم 94 أسيرة و270 طفلا".