الساحل الأفريقي والتحالف العسكرى الجديد ضد الحركات الإرهابية.. تغيير طريقة الاعتماد على القوى الخارجية لمواجهة الإرهابيين
تاريخ النشر: 12th, March 2024 GMT
تعد منطقة الساحل الأفريقى واحدة من المناطق الأكثر التهابا فى العالم نتيجة تمركز عدد ليس بالقليل من الجماعات والحركات الإرهابية والمتطرفة، هذا إلى جانب عدد ليس بالقليل من العصابات الإجرامية والجريمة المنظمة، ما كان سببا فى إعلان قادة جيوش النيجر ومالى وبوركينا فاسو المنضوية فى إطار تحالف «دول الساحل»، فى نيامى عن تشكيل قوة مشتركة لمحاربة التنظيمات الإرهابية التى تشن هجمات فى الدول الثلاث.
وقال رئيس أركان القوات المسلحة النيجرية الجنرال موسى صلاح برمو فى بيان صدر بعد اجتماع مع نظيريه فى نيامي، إن القوة المشتركة لأعضاء تحالف دول الساحل ستبدأ النشاط فى أقرب وقت ممكن للتعامل مع التحديات الأمنية فى منطقتنا.
وفى بيان بثه التليفزيون ٦ مارس ٢٠٢٣، قال بارمو: إن «قوة العمل الجديدة ستعمل فى أقرب وقت ممكن لمواجهة التحديات الأمنية»، لكنه لم يقدم مزيدًا من التفاصيل حول حجم القوة أو صلاحياتها.
وأكد الجنرال برمو: «نحن مقتنعون بأنه من خلال الجهود المشتركة لبلداننا الثلاثة، سننجح فى تهيئة الظروف للأمن المشترك".
وشدد على أن «الجيوش الثلاثة تمكنت من تطوير مفهوم عملياتى سيجعل من الممكن تحقيق الأهداف فيما يتعلق بالدفاع والأمن فى الأراضى الشاسعة للدول الثلاث".
وتفاقم العنف فى المنطقة، الناجم عن القتال المستمر منذ ١٠ سنوات مع جماعات إرهابية مرتبطة بتنظيمى «القاعدة» و"داعش".
ووفقًا لتقارير أمريكية قتل فى العام الماضى أكثر من ٨٠٠٠ شخص فى بوركينا فاسو وحدها، ووصل العنف إلى أعلى مستوياته فى عام ٢٠٢٣، مع ارتفاع عدد الوفيات الناجمة عن الصراع فى منطقة الساحل الوسطى بنسبة ٣٨ بالمئة مقارنة بالعام السابق.
وكانت النيجر ومالى وبوركينا فاسو قد شكلت تحالف دول الساحل فى سبتمبر الماضي.
وأعلنت الدول الثلاث فى نهاية يناير الماضى أنها ستنسحب من الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا «إيكواس".
وفى الأسبوع الماضي، قتل ١٧٠ شخصًا على الأقل فى سلسلة هجمات إرهابية فى شمال بوركينا فاسو، وفقًا للمدعى العام على بنجامين كوليبالي.
وقال كوليبالي: إن «فريقًا من مكتب المدعى العام زار القرى المتأثرة، حيث شهدوا آثار سلسلة من الهجمات الضخمة فى إقليم ياتينجا".
وفى الأسبوع الماضى أيضًا، لقى ٢٩ مصليًا حتفهم فى هجومين منفصلين على كنيسة ومسجد. وتنشط العديد من الجماعات الإرهابية فى شمال بوركينا فاسو، ومن بينها جماعات موالية لتنظيمى «داعش» و«القاعدة".
المصالح المتبادلة
ويشكل هذا التحالف خروجا كبيرا عن الماضي، عندما كان يتم الاعتماد على الدول الأخرى لمحاربة الإرهاب. والآن تريد هذه الدول الأفريقية أن تأخذ زمام المبادرة فى مكافحة هذه المشكلة وأن تتمتع بقدر أكبر من الاستقلال فى هذا الصدد.
وقد شاركت دول مختلفة مثل الولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا فى وحدات فى منطقة الساحل وفى بعثات، على سبيل المثال، من قبل الاتحاد الأوروبي، للحفاظ على النظام ومنع نشاط المنظمات الإرهابية والإجرامية فى المنطقة.
خطوة مهمة
اتخذت هذه الدول خطوة مهمة بعدما هددت هذه الجماعات الإرهابية جميع أنحاء منطقة الساحل الوسطى التى تعانى من الهجمات الإرهابية والأنشطة الإجرامية التى تمارسها العصابات المنخرطة فى جميع أنواع العمليات غير المشروعة، بما فى ذلك الاتجار بالبشر.
وقطعت هذه الدول علاقاتها مع الشركاء الآخرين، مثل: فرنسا والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (ECOWAS) التى دعمتها فى هذه الحرب ضد الإرهاب من أجل تشكيل اتفاق خاص بها فيما بينها والبحث عن حلفاء آخرين.
ويكشف التحالف الجديد عن تغيير فى طريقة الاعتماد على القوى الخارجية لمواجهة الإرهابيين، والتحول من الاعتماد على فرنسا إلى الرهان على دور لاعبين جدد فى المنطقة مثل روسيا فى هزيمة المتطرفين من خلال مجموعة فاجنر، شركة عسكرية خاصة فى خدمة الكرملين مسئولة عن مساعدة الجيوش المحلية وتدريبها على أنشطة حرب العصابات، كما أشار العديد من المحللين.
يرى العديد من الخبراء أن روسيا ستشرف على تشكيل وتنظيم هذه القوة، مما سيضفى شرعية على وجودها فى هذه الدول ويوضح دور روسيا الذى كان غامضا إلى حد ما بسبب الوجود العسكرى المزعوم لمجموعة فاجنر فى القارة الأفريقية.
قد يكون لدى كل من روسيا والصين فرص تجارية كبيرة فى القارة الأفريقية، التى تتمتع بموارد طبيعية ومعدنية كبيرة تهم هذه الدول والتى يمكن أن تزود مختلف البلدان الأفريقية بموارد معينة.
وأشار كيستر كين كلوميجا، الباحث فى الشئون الأفريقية، فى تقرير نشرته مجلة Modern Policy إلى أنه "بالنظر إلى عدم الاستقرار المزمن فى معظم أنحاء أفريقيا والاهتمام القوى بالحصول على المعدات العسكرية لمعالجة المشاكل الأمنية المتزايدة، فقد تم تهيئة ظروف سوق قوية لروسيا". التى تسمح لها بتنويع صادراتها من الأسلحة إلى أفريقيا.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: منطقة الساحل الاعتماد على هذه الدول
إقرأ أيضاً:
يقظة القارة العجوز.. نهاية «عائد السلام» في أوروبا وتكاليف إعادة التسليح.. الدول ذات شبكات الأمان الاجتماعي الواسعة تواجه صعوبات في مجالات الرعاية الصحية والمعاشات التقاعدية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
استفادت الدول الأوروبية لعقود مما يُعرف بـ«عائد السلام» - وهى فترة انخفاض الإنفاق الدفاعى التى أتاحت للحكومات توجيه مواردها نحو برامج الرعاية الاجتماعية، والنمو الاقتصادي، وتطوير البنية التحتية. ومع ذلك، يبدو أن حقبة ما بعد الحرب الباردة التى شهدت ضبط الإنفاق العسكرى تقترب من نهايتها. فمع تزايد التهديدات الجيوسياسية التى تواجهها أوروبا، لا سيما من روسيا، تجد القارة نفسها عند مفترق طرق، مُجبرة على التفكير فى إعادة التسليح فى وقت تعانى فيه أنظمة الضمان الاجتماعى من ضغوط شديدة.
نهاية حقبة
فترة انخفاض الإنفاق الدفاعى فى أوروبا، والتى كانت سمة مميزة لحقبة ما بعد الحرب، تتلاشى بسرعة. فالدول الأوروبية، التى تمتعت طويلًا بالأمن تحت حماية الولايات المتحدة، تجد نفسها الآن فى خضم تحول استراتيجى مدفوع بتهديدات الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب بتقليص دعم حلف شمال الأطلسى (الناتو). ردًا على ذلك، يناقش القادة الأوروبيون علنًا زيادة ميزانيات الدفاع إلى مستويات غير مسبوقة منذ الحرب الباردة، حيث دعا البعض إلى إنفاق يصل إلى ٣.٥٪ من الناتج المحلى الإجمالى فى العقد المقبل.
ووفقًا لحسابات صحيفة فاينانشال تايمز، فإن الحفاظ على الإنفاق الدفاعى عند هذه المستويات من عام ١٩٩٥ إلى عام ٢٠٢٣ كان سيتطلب من دول الاتحاد الأوروبى تخصيص ٣٨٧ مليار دولار إضافية سنويًا للدفاع. على سبيل المثال، كانت المملكة المتحدة ستحتاج إلى ٣٥ مليار دولار إضافية سنويًا، وهو ما يعادل تقريبًا الإنفاق العام السنوى للبلاد على الإسكان والمرافق المحلية.
تحول فى الأولويات: أشار مارك زاندي، كبير الاقتصاديين فى موديز أناليتيكس، إلى أن "عوائد السلام" سمحت لأوروبا بتحرير موارد اقتصادية يمكن استخدامها لاحقًا للاستثمار الخاص وتوسيع شبكات الأمان الاجتماعي. ونتيجة لذلك، شهدت أوروبا نموًا ملحوظًا فى الحماية الاجتماعية، حيث ارتفعت حصة الإنفاق الحكومى على الخدمات الاجتماعية من ٣٦.٦٪ عام ١٩٩٥ إلى ٤١.٤٪ بحلول وقت الجائحة. كان هذا التحول جليًا بشكل خاص فى دول مثل ألمانيا وفرنسا، حيث تجاوز إنفاق الرعاية الاجتماعية بكثير إنفاق الولايات المتحدة.
ومع ذلك، فإن التحول نحو زيادة الإنفاق الدفاعى يطرح خيارات صعبة على الحكومات الأوروبية. فعكس مسار عقود من ضبط الإنفاق العسكرى يتطلب إما تخفيضات فى الإنفاق الاجتماعى أو زيادة فى الاقتراض، وكلاهما ينطوى على تحديات سياسية واقتصادية كبيرة. وكما يتضح من الاحتجاجات فى فرنسا على إصلاحات المعاشات التقاعدية، غالبًا ما قوبلت محاولات كبح الإنفاق الاجتماعى بمقاومة شعبية كبيرة.
تصاعد التوترات الجيوسياسية والحاجة إلى إعادة التسليح: إن العامل المحفز لهذا التحول هو بيئة أمنية عالمية متغيرة. فمع تزايد حزم روسيا فى عهد الرئيس فلاديمير بوتين، تواجه أوروبا تهديدات أمنية جديدة تتطلب ردًا عسكريًا أقوى. وقد دفع تحول تركيز الرئيس الأمريكى السابق بعيدًا عن أوروبا القارة إلى إعادة النظر فى استراتيجياتها الدفاعية والاضطلاع بدور أكثر استقلالية فى أمنها.ومع ذلك، يحذر اقتصاديون مثل كلاوس فيستيسن، من بانثيون ماكرو إيكونوميكس، من أن القدرات الدفاعية الأوروبية ليست على مستوى المهمة. على مر السنين، تضاءل عدد الأفراد العسكريين، حيث انخفض عدد القوات المسلحة البريطانية إلى النصف بين عامى ١٩٨٥ و٢٠٢٠. كما انخفض الإنفاق الدفاعى للاتحاد الأوروبى نسبةً إلى الناتج المحلى الإجمالى على مدى العقود القليلة الماضية. وعلى الرغم من الزيادات الأخيرة فى الإنفاق، فإن الوصول إلى المستويات اللازمة لمواجهة التهديدات المتزايدة سيتطلب التزامًا ماليًا كبيرًا.
التحدى المالي
فى عام ٢٠٢٤، بلغ الإنفاق الدفاعى للاتحاد الأوروبى ما يُقدر بـ ٣٢٦ مليار يورو، أى حوالى ١.٩٪ من الناتج المحلى الإجمالي، ارتفاعًا من ٢١٤ مليار يورو فى عام ٢٠٢١. تُعد هذه الزيادة علامة إيجابية، لكن تقديرات الزيادة اللازمة فى الإنفاق الدفاعى لا تزال كبيرة. تتوقع جولدمان ساكس زيادة قدرها ١٦٠ مليار يورو سنويًا، بينما تشير بانثيون ماكرو إيكونوميكس إلى نطاق يتراوح بين ٢٣٠ مليار يورو و٤٦٠ مليار يورو سنويًا.
يكمن التحدى الرئيسى فى تمويل هذه الزيادات الهائلة. ففى حين أن الدول التى تتمتع بمرونة مالية أكبر، مثل ألمانيا، قد تتمكن من اقتراض المزيد، فإن دولًا أخرى مثل إيطاليا، التى تبلغ نسبة الدين العام إلى الناتج المحلى الإجمالى ١٣٧٪، ستواجه صعوبات هائلة. قد تُحمّل دافعى الضرائب فى نهاية المطاف تكلفة إعادة التسلح، مع احتمال مواجهة أنظمة الضمان الاجتماعى تخفيضات لإفساح المجال للإنفاق الدفاعي.
الإنفاق الاجتماعي
يتجلى بوضوح التوتر المتزايد بين الإنفاق الدفاعى والاجتماعي. يجادل غونترام وولف، الزميل البارز فى معهد بروغل، بأن الواقع الجديد سيشبه مستويات الإنفاق العسكرى فى ثمانينيات القرن الماضي، مما يعنى تنازلات صعبة فى الميزانيات العامة. فى المملكة المتحدة، أُعلن بالفعل عن تخفيضات فى المساعدات الخارجية كجزء من جهود لزيادة الإنفاق الدفاعى إلى ٢.٥٪ من الناتج المحلى الإجمالى بحلول عام ٢٠٢٧، مع زيادات إضافية مخطط لها بعد ذلك. أما بولندا، استجابةً للضغوط الأمريكية، فقد تجاوزت بالفعل هدف حلف شمال الأطلسى (الناتو) بتخصيص ٤.٧٪ من ناتجها المحلى الإجمالى للدفاع.
ستواجه الدول ذات شبكات الأمان الاجتماعى الواسعة، مثل فرنسا وألمانيا، قرارات صعبة للغاية. فمع شيخوخة السكان وتزايد الطلب على الرعاية الصحية والمعاشات التقاعدية، سيكون خفض الإنفاق الاجتماعى لصالح الدفاع محل جدل سياسي.
بينما تتطلع أوروبا إلى مستقبلها الدفاعي، سيتعين اتخاذ قرارات بشأن الاقتراض وخفض الإنفاق والضرائب. وقد اقترحت بعض الحكومات، مثل حكومة ألمانيا، رفع حدود الاقتراض للإنفاق الدفاعي. بل واقترحت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إعفاء بعض أشكال الاقتراض من قواعد الديون الصارمة للاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، وكما يوضح جاك ألين رينولدز، الخبير الاقتصادى فى كابيتال إيكونوميكس، تواجه الحكومات معضلة صعبة: إما زيادة الاقتراض، والمخاطرة باستياء مستثمرى السندات، أو خفض الخدمات العامة، مما قد يثير ردود فعل عنيفة من الناخبين.
★فاينانشيال تايمز