ما أن يحل شهر رمضان على الكون فان كل الكائنات تشعر بتغيير يطرأ علي مظاهر ومكامن حياتها يتعلق بشعورها فجأة بالراحة والطمأنينة والسكينة لما يحمله هذا الشهر من أسرار ربانية وطاقات ايجابية تسخر بقدرة الله وسائر نعمه لتغمر كل الكائنات، ولما كان الإنسان الذي خلقه الله في الأرض خليفة له من اجل طاعته وعبادته بعد أن ميزه الله وخصه بما لم يخص به غيره وقبوله بتحمل الأمانة التي رفضتها كل الكائنات فكان هو الأجدر بالعبادة والطاعة والقيام بكل ما كلفه به الله في الأرض من أوامره ونواهيه ومنها صيام شهر رمضان الذي يأتي في موعده من كل عام ليحمل له خلال أيامه كل تلك المظاهر الربانية ومن فضائل النعم ومضاعفة الأجر والثواب خلال أيامه ليكون فرصة ومنة عظيمة من الله للمسلم للفوز بجنته وقضاء تلك الأيام في راحة وعبادة واعتمار داخلي لتكون له بمثابة الزاد والزواد خلال باقي شهور العام.
ولهذا كان لشهر رمضان المبارك فضل عظيم ومكانة كبيرة في الإسلام، فصيامه هو فرض عين على كل المسلمين وركن هام من أركان الإسلام ومن مظاهره وفق معظم الأحاديث النبوية المحققة انه تفتح خلاله أبواب السماء وأبواب الجنة، وتغلق أبواب جهنم، وتُسَلسل وتُصَفَّد الشياطين، وفيه ليلةً تُعتبر من أعظم ليالي العام وهي ليلة القدر التي يغفر الله لعباده المسلمين فيها الخطايا، وتُغسل فيها ذنوبهم لأن في صوم وقيام هذه الليلة الكثير من الأجر كما ورد في الحديث الشريف عن الرّسول عليه السلام مَن قام ليلةَ القدرِ إيمانًا واحتسابًا، غُفِرَ له ما تقدَّمَ من ذنبِه، ومَن صام رمضانَ إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدَّمَ من ذنبِه، كما أن فيه صلاة لا تُقام إلا خلاله فقط وتسمى صلاة القيام وما لها من فضائل ووظائف نفسية وروحانية تغبط صاحبها بسعادة وإرادة لا توصف ولا تقارن، لما لا وقد خصّ الله تعالى هذا الشهر الكريم بأن أنزل فيه القرآن على نبيّه محمد عليه السّلام، وهو الأمر الذي ورد في الآية الكريمة: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ، ولكل تلك المظاهر وغيرها فان كل الكائنات تشعر بجمال وأسرار وروحانيات هذا الشهر وبما يحمله من الكثير من مظاهر جمال الكون وروعة وسعادة الحياة خلاله عن سائر أشهر العام حتى تمنت الأمة المحمدية لو كانت السنة كلها رمضان، ولفضله هذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بقدومه ويذكرهم بفضل بركاته وهالاته، ويحثهم علي أن يعدوا له عدته من العبادة والطاعة و الاستقامة على أمر الله تعالى بدافع حرصه وحبه لامته.
إن هذا الشهر من أوله إلى آخره هو شهر النفحات الربانية والمنح الإلهية التي تتنزل على بني أدم ويعم السلام والوئام وتعم السكينة والهدوء لتغمر خلاله الخليقة، حتى إن الكون كله ليتناغم مع طبيعة هذا الشهر من الطمأنينة وراحة البال ليصبح رمضان هو شهر البركات والرحمات والخيرات والنور التي يعجز الحامدون عن أداء شكرها، فبدايته رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النيران، كما أخبرنا النبي صلوات الله وسلامه عليه، فهو موسم للطاعة، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يستعجل قدومه ويدعو الله بقوله: اللهم بلِّغنا رمضان لاستعجال الطاعة، لأنه ص لم يحرص على استعجال الزمن حرصه على رمضان، لما للشهر الكريم من فضائل وخصوصية، ولهذا من الواجب علينا نحن أبناء الأمة الإسلامية ألا نخرج منه بعد كل تلك المظاهر الربانية والبركات والروحانيات التي تغمرنا وتحيط بنا إلا وقد وعينا هذا الدرس العظيم بحيث يصبح له مردود علينا في سائر معاملاتنا وتأملاتنا ومظاهر حياتنا ومنها تهذيب النفوس والأخلاق، وتسخير الطاقات نحو الخير ونحو كل ما هو ايجابي وأفضل تجاه كل ما في هذا الكون بعد كل هذا الجود والفضل الرباني الذي اختصنا به الله دون غيرنا من الأمم، فاللهم تقبل منا رمضان، وأعنا على صيام نهاره وقيام ليله على النحو الذي يرضيك عنا.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: شهر رمضان صيام شهر رمضان جمال الكون الكائنات شهر رمضان هذا الشهر
إقرأ أيضاً:
حكم من مات وعليه ديون وماله محجوز عليه.. الإفتاء توضح التصرف الشرعي
اجابت دار الإفتاء المصرية سائل يقول: توفي رجل وعليه ديون، وله مال محجوز عليه من دائنين بمقتضى أحكام. فهل المال المحجوز عليه يعتبر من مال المتوفى؟ وإذا كان يعتبر من ماله فهل يقدم فيه مصاريف التجهيز والتكفين والدفن على قضاء الديون؟ وهل يدخل في التجهيز والتكفين إقامة ليلة المأتم يصرف فيها أجرة سرادق وفراشة؟ وما هو الكفن اللازم شرعًا؟
لترد دار الإفتاء موضحة، أنَّ الظاهر أن هذا المال المحجوز يبقى على ملك المدين إلى أن يصل إلى الدائنين؛ ولذلك لا يبرأ المدين من الدين إلا بوصول هذا المال إلى الدائن أو وكليه في القبض، ولو اعتبر ملكًا للدائنين بمجرد الحجز، واعتبر مَن في يده المال وكيلًا عن الدائنين قبضه كقبضهم لبرئت ذمة المدين بقبض مَن في يده المال مع أن الظاهر خلاف ذلك، وحينئذٍ إذا لم يصل هذا المال إلى الدائنين ووكلائهم في القبض في حياة المُتوفَّى كان ملكًا للمتوفى واعتبر تركة عنه بموته، وإذ كان هذا المال تركة عن المتوفى وهي مستغرقة بالدين فالواجب تقديمه في هذا المال هو تجهيزه إلى أن يوضع في قبره، وتكفينه كفن الكفاية وهو ثوبان فقط، ولا يكفن كفن السنة وهو ثلاثة أثواب ممَّا يلبسه في حياته إلا برضاء الدائنين، وما صرف زيادة عن ذلك من أجرة سرادق وفراشة وثمن قهوة.. إلخ لا يلزم ذلك في مال المُتوفَّى وإنما يلزم به مَن صرفه ومَن أذنه بالصرف من الورثة، وبهذا عُلِم الجواب عن السؤال متى كان الحال كما ذُكِر.
حكم من مات وعليه دين يصعب سدادهورد إلى دار الإفتاء المصرية، من خلال منصة الفيديوهات "يوتيوب"، سؤالاً تقول صاحبته: زوجي مات وعليه دين وأنا وأولادي يصرف علينا والدي.. فما حكم هذا الدين؟
وقال الدكتور محمود شلبي أمين الفتوى بدار الإفتاء، إن دين المتوفى يسدد مما تركه حال رحيله عن الحياة سواء أموال أو عقارات أو قطعة أرض وغيرها، أما وإن مات ولا يملك شيء فأمر هذا الدين إلى الله سبحانه وتعالى.
وأجاب شلبي على السائلة:" والدك يصرف عليكي أنت وأبنائك جزاه الله خيرا، وليس عليكي أي شيء في أمر الدين طالما لا تستطيعن السداد".
حكم من مات وعليه دينقال الدكتور مجدى عاشور، المستشار العلمى لمفتى الجمهورية، ردا على سؤال حكم من مات وعليه دين: يجب على كل من استدان أو أخذ قرضاً لابد أن ينوى نية صحيحة ويعقد العزم على أن يسد هذا الدين ما دام يستطيع، ومن مات وعليه دين فعلى ورثته أن يقضوا هذا الدين عنه لأن هذا الدين هو فى رقبة هذا المدين الذى مات والنبي صلى الله عليه وسلم بيًن أن الميت مرهون بدينه ولم يصل النبي صلى الله عليه وسلم على رجلاً عليه دين عندما سأل عليه دين قالوا ديناران فقال صلوا أنتم عليه، وفى حديث أخر (نفس المؤمن مُعلَّقة بدَيْنِه حتى يُقْضَى عنه).
وأشار الى أن من مات وعليه دين ولم يستطيع أن يقضيه ولم يكن له أحداً يقضي هذا الدين وكان ينوى فى حال حياته أنه سيقضي هذا الدين فإن الله عز وجل بفضله يتحمل عنه هذا الدين.
حكم من مات وعليه دين
قال الشيخ أحمد ممدوح، أمين الفتوى بدار الإفتاء، إنه يجب على الورثة المسارعة إلى قضاء ديون ميتهم مما ترك من المال، إن كان ترك مالًا.
وأضاف «ممدوح» في إجابته عن سؤال: «إذا توفي شخص مدين ولا نعلم الدائن هل يجوز إخراج صدقة بنية سداد الدين؟»، أنه في هذه الحالة يجوز إخراج صدقة بنية سداد الدين.
وأوضح أنه إذا مات المسلم وعليه ديون وترك أموالًا فأول عمل يقوم به ورثته هو تجهيزه وتكفينه والصلاة عليه ودفنه، ومن ثمَ تسديد ديونه، وبعد ذلك إنفاذ وصيته إن كان قد أوصى، وبعد ذلك يوزع باقي المال على الورثة، وينبغي أن يعلم أن نَفْسَ المؤمن إذا مات تكون معلقةً بدينه حتى يقضى عنه، كما ورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ» رواه الترمذي (1078).