صلاة التراويح سنةٌ نبويةٌ في أصلها عُمَريَّة في هيئتها، سَنَّها سيدُنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأمته في شهر رمضان المعظَّم؛ فقال: «شَهْرٌ كَتَبَ اللهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، وَسَنَنْتُ لَكُمْ قِيَامَهُ» رواه ابن ماجة من حديث عبد الرحمن بن عوفٍ رضي الله عنه.

آراء الفقهاء في حكم تعيين النية في صلاة التراويح

وهي شعيرةٌ عظيمةٌ من شعائر الإسلام ثَبَتَ فضلُها وجزيلُ ثوابها والترغيبُ في أدائها في أحاديث كثيرة؛ منها ما رواه الشيخان في "صحيحيهما" عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ».

قال الإمام النووي في "شرح صحيح مسلم" (6/ 39، ط. دار إحياء التراث العربي): [قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا» معنى إيمانًا: تصديقًا بأنه حقٌّ مقتصدٌ فضيلتُهُ. ومعنى احتسابًا: أنْ يريدَ -أي الصائمُ- اللهَ تعالى وَحدَهُ، لا يقصد رؤيةَ الناس ولا غيرَ ذلك مما يخالف الإخلاص. والمراد بقيام رمضان: صلاة التراويح، واتفق العلماء على استحبابها] اهـ.

المراد بتعيين النية في صلاة التراويح

المراد بتعيين النية: قصد المسلم بقلبه أداء العبادة مقترنًا بفعلها.

وعلى ذلك فتعيين النية لصلاة التراويح معناه: أن يقصد المسلمُ بقلبه أداءَ هذه الصلاة المسمَّاة بـ"التراويح"، ويكون هذا القصد مقترنًا بفعلها.

وعكسه: إطلاق النية، ومعناه: عدم التعيين القَلْبِي لهذه الصلاة، وإنما ينوي مطلق التنفل بالصلاة من غير تحديد. انظر: "نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج" لشمس الدين الرملي (1/ 455-458، ط. دار الفكر بيروت)، و"الغرر البهية في شرح البهجة الوردية" لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري (1/ 84، ط. المطبعة الميمنية)، و"السراج الوهاج على متن المنهاج" للإمام الغمراوي (ص: 41، ط. دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت).

هل تاركها يأثم؟.. اعرف الحكم الشرعي لـ صلاة التراويح خلال شهر رمضان بث مباشر.. شعائر صلاة التراويح من جامع عمرو بن العاص

وقد اختلف الفقهاء في حكم تعيين النية في صلاة التراويح:
فذهب الشافعيةُ وبعضُ الحنفية، وهو المذهب عند الحنابلة: إلى اشتراط تعيين النية فيها، وإلا صارت نفلًا لا سنة التراويح.
قال العلامة ابن نجيم الحنفي في "البحر الرائق شرح كنز الدقائق" (1/ 293، ط. دار الكتاب الإسلامي): [(قوله: ويكفيه مطلق النّية للنفل وَالسنة وَالتراوِيحِ) أمّا في النّفل فمتَّفقٌ عليه؛ لأنّ مطلق اسم الصلاة ينصرف إلى النفل؛ لأنّه الأدْنى؛ فهو متيَقّنٌ، والزيادة مشكوكٌ فيها.. وأمّا في السنّة والتراويح؛ فظاهر الرواية ما في "الكتاب" كما في "الذخيرة" و"التَّجْنِيسِ" وجعله في "الهداية" هو الصحيح وَفي "المحيط": أنّه قول عامّة المشايخ. وفي "مُنْيَةِ الْمُفْتِي" وَ"خِزَانَةِ الْفَتَاوَى": أنّه المختار، ورجّحه في "فتح القدير"، ونسبه إلى المحقّقين بأنّ معنى السنة: كونُ النَّافلةِ مُواظبًا عليها من النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد الفريضةِ الـمُعَيَّنةِ أو قبلها، فإذا أَوْقَعَ المصلِّي النافلة في ذلك المحلِّ صدق عليه أنه فعل الفعلَ المسَمَّى سُنةً.. وذكر قاضِي خان في "فتاوِيه" في (فصلِ التَّراويح): اختلافَ المشايخِ في السُّنن والتراويح. والصحيح أنها لا تَتَأدَّى بنيةِ الصلاة وبنيةِ التطوع؛ لأنّها صلاٌة مخصوصةٌ؛ فتجب مراعاةُ الصِّفة للخروجِ عن العُهْدةِ؛ وذلك بأن يَنْويَ السنةَ أو متابعةَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "روضة الطالبين وعمدة المفتين" (1/ 334، ط. المكتب الإسلامي): [وينوي التَّراويح أو قيام رمضانَ، ولا يصحّ بِنِيَّةٍ مُطْلَقَةٍ، بل ينوي ركعتين ركعتين من التراويح في كلّ تسليمةٍ] اهـ.
وقال الشيخ مصطفى بن سعدة السيوطي الحنبلي في "مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى" (1/ 563، ط. المكتب الإسلامي): [(وتُسَنّ) صلاةُ التراويح (جماعةً)؛ لأن عمر رضي الله عنه جمع النّاس على أُبَيِّ بن كعْبٍ رضي الله عنه، فصلّى بهم التراويح (يُسَلّم من كل ثنتين) بنية التراويح في أوّل كلّ ركعتين. (وفي رواية لـ) الإمام (أحمد تُشْعِرُ بالوجوب)، أي: وجوب نية التراويح؛ على الصحيح من المذهب. (بِنِيَّتِهَا) أي: التراويح (في أوّل كل ركعتين)] اهـ.
وذهب المالكية إلى أنها تصح بمطلق النية؛ لأنها من النوافل، والنوافل تتأدَّى بمطلق النية؛ قال الإمام القرافي المالكي في "الذخيرة" (2/ 138، ط. دار الغرب الإسلامي): [النوافل على قسمين: مقيَّدةٌ، ومطلقةٌ. فالمقيَّدة: السننُ الخمسُ: العيدان، والكسوفُ، والاستسقاءُ، والوترُ، وركعتا الفجر؛ فهذه مقيدةٌ: إما بأزمانها، أو بأسبابها؛ فلا بد فيها من نية التعيين؛ فمن افتتح الصلاة من حيث الجملة ثم أراد رَدَّهَا لهذه لَمْ يَجُزْ. وأَلْحَقَ الشافعيةُ بهذه قيامَ رمضان، وليس كذلك؛ لأنه مِن قيامِ الليل، والمطلقة ما عدا هذه -أي السنن الخمس المقيَّدة- فيكفي فيها نيةُ الصلاة، وإن كان في الليل فهو قيام الليل، أو في قيام رمضان كان منه، أو في أول النهار فهو الضحى، أو عند دخول مسجد فهو تحيته، وكذلك سائرُ العبادات من صومٍ أو حجٍّ أو عمرةٍ لا يفتقر إلى التعيين في مطلقه، بل تكفي نيةُ أصل العبادة] اهـ.
وهو أيضًا مذهب الحنفية في المشهور عندهم وهو المفتى به في المذهب، إلا أنهم قالوا بـتعيينها احتياطًا؛ قال العلامة بدر الدين العيني الحنفي في "البناية شرح الهداية" (2/ 140، ط. دار الكتب العلمية): [(ثم إن كانت الصلاة نفلًا يكفيه مطلق النية، وكذا إن كانت سُنةً) ش: أي: وكذا يكفيه مطلق النية إن كانت الصلاة سُنةً؛ لأن السنة نفلٌ أيضًا؛ لكونها زيادةَ عبادةٍ شُرِعَت لتكميل الفرائض. وقوله: (سنة) يشتمل سائر السنن وكذا التراويح] اهـ.

وقال الإمام الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" (1/ 288، ط. دار الكتب العلمية): [وقال عامة مشايخنا: إن التراويح وسائر السنن تتأدَّى بمطلق النية؛ ولأنها وإن كانت سنةً لا تخرج عن كونها نافلةً، والنوافل تتأدَّى بمطلق النية، إلا أن الاحتياط أن ينوي التراويحَ أو سُنَّةَ الوقتِ أو قيامَ رمضان؛ احترازًا عن موضع الخلاف] اهـ.

وشددت الإفتاء بناءً عليه: فيصح شرعًا أداء صلاة التراويح بنيةٍ مطلقةٍ على ما ذهب إليه المالكية والمختار عند الحنفية، والأولى تعيينها خروجًا من الخلاف.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: صلاة التراويح الإفتاء صلى الله علیه وآله وسلم رضی الله عنه قال الإمام إن کانت

إقرأ أيضاً:

حكم من فاتته تكبيرة الإحرام مع الإمام في صلاة الجماعة.. مركز الأزهر يوضح

قال مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، إن أداء الصلاة على وقتها من أفضل وأحب أعمال المسلم إلى الله سبحانه، ولأدائها في المسجد جماعةً فضلٌ عظيمٌ، قال سيدنا رسول الله ﷺ: «مَنْ صَلَّى لِلَّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فِي جَمَاعَةٍ يُدْرِكُ التَّكْبِيرَةَ الأُولَى كُتِبَ لَهُ بَرَاءَتَانِ: بَرَاءَةٌ مِنَ النَّارِ، وَبَرَاءَةٌ مِنَ النِّفَاقِ». [أخرجه الترمذي]

وبيّن مركز الأزهر العالمي حكم من فاتته تكبيرة الإحرام مع الإمام في صلاة الجماعة، موضحًا:

- يُندب لمن تأخّر عن صلاة الجماعة أن يمشي بتُؤَدة وسكينة، لقوله ﷺ: «إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا تَأْتُوهَا تَسْعَوْنَ، وَأْتُوهَا تَمْشُونَ وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا». [أخرجه مسلم]

- من كبَّر ودخل في الصلاة مع الإمام قبل الرفع من الركوع، حُسِبتْ له ركعة، وإن لم يدرك القراءة.

- إذا أدرك المسلمُ الإمامَ وهو راكع أو ساجد أو جالس وأراد الدخول في صلاة الجماعة كبر تكبيرتين: تكبيرةً للإحرام -وهي واجبة للدخول في الصلاة-، ثم تكبيرةً أخرى للركوع أو السجود أو الجلوس.

- ما أدركه المسبوق مع الإمام يُعَدُّ أولَ صلاته، وما قضاه منفردًا هو آخرها، وعليه، يُشرع للمصلي -مثلًا- أن يترك قراءة السورة بعد الفاتحة في الركعتين الأُخريين في الصلاة الرّباعية، والركعة الأخيرة في صلاة المغرب.

تكبيرة الإحرام

- يُتابع المسبوقُ إمامه في كل أفعال الصلاة، ويبني على ما أدركه، ويتم صلاته، وإن اقتضى ذلك اختلاف هيئة صلاة المسبوق بعد تمامها، كاجتماع ثلاثة تشهدات أو أربعة في صلاة واحدة.

- من أدرك ركعة مع الإمام فقد أدرك الجماعة، قَالَ سيدنا رسول الله ﷺ: «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلَاةِ مَعَ الْإِمَامِ، فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ». [متفق عليه]، وهو قول المالكية، ومذهب جمهور الفقهاء على أن من أدرك شيئًا من الجماعة فقد أدرك فضلها.

- تُدرَكُ صلاةُ الجمعة بإدراك ركعة مع الإمام، فمن لم يدرك ركوع الإمام من الركعة الثانية صلَّى الجمعة ظهرًا.

- المسبوق في صلاة الجنازة يكبّر للإحرام، ويقتدي بالإمام في الانتقال من تكبيرة للتي تليها، بيد أنه يقرأ الفاتحة بعد تكبيرته الأولى، ويصلي على النبي ﷺ بعد الثانية، ثم الدعاء للميت بعد الثالثة، والدعاء لنفسه ولجميع المسلمين بعد التكبيرة الرابعة، ولا يُسلِّم مع الإمام، وإنما يتمّ ما فاته من تكبيرات على الهيئة المذكورة.

- من فاتته الركعة الأولى من صلاة العيد أتمّها بعد تسليم الإمام، إلا أنه يكبّر لها خمس تكبيرات.

اقرأ أيضاًهل الجماعة شرط لصحة صلاة الجنازة؟.. «الإفتاء» تجيب

أفضل الأعمال الصلاة على وقتها.. «الإفتاء» توضح تفسير الحديث

هل تجوز الصلاة خلف التليفزيون؟.. علي جمعة يُجيب

مقالات مشابهة

  • صلاة قيام الليل.. عدد ركعاتها وأفضل الأدعية وفضل قيامها
  • حكم من فاتته تكبيرة الإحرام مع الإمام في صلاة الجماعة.. مركز الأزهر يوضح
  • حكم من فاته تكبيرة الإحرام مع الإمام في صلاة الجماعة
  • تعرف علي مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 1-7-2024  في محافظة البحيرة
  • أنوار الصلاة على رسول الله عليه الصلاة والسلام
  • من فاتته الكثير من الصلوات وعجز عن ترتيب أكثرها.. كيف يرتبها في القضاء؟.. الشيخ “عبدالله المنيع” يوضح
  • هل يجوز أداء سنة صلاة الفجر بعد الفرض؟.. اعرف الحكم
  • ما هي أول صلاة صلاها الرسول؟.. الظهر أم العصر
  • هل تصح الصلاة في المساجد التي بها أضرحة؟.. «الإفتاء» تُجيب
  • تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 29-6-2024 في محافظة البحيرة