يمانيون../

المحاضرة الرمضانية الأولى للسيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي 01-09-1445هـ 11-03-2024م

الاثنين 1 رمضان 1445هـ 10 مارس 2024م

أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ

بِـسْـــمِ اللَّهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.

الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيم، وَتُبْ عَليَنَا، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمْ.

أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:

السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

إدراك شهر رمضان من جديد يعتبر فرصة ثمينةً ومهمةً ومتجددةً للإنسان، شهر رمضان المبارك بما فيه من بركات، وبما فيه من أجواء، تساعد الإنسان للانتفاع بهدى الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى” والتذكُّر، والخروج من حالة الغفلة، والانتباه إلى نفسه، إلى واقعه، إلى أعماله، يعتبر فرصةً عظيمةً للإنسان؛ لأنه يتهيأ فيه للإنسان من إصلاح نفسه، وتزكية نفسه، والسعي للرجوع إلى الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى” بالتوبة والإنابة، وكذلك الارتقاء في واقعه الإيماني، والأخلاقي، والنفسي، ما لا يتهيأ في غيره، بالبركات التي جعلها الله فيه، وبما يهيئه الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى” للإنسان، من أثر الصيام، والقيام، والأعمال الصالحة، وبالعطاء الذي من الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”؛ لذلك على الإنسان أن يدرك أهمية هذه الفرصة، وقيمة هذه الفرصة؛ حتى لا يهدر أيام شهر رمضان، ولياليه المباركة، من دون استفادةٍ منها واغتنامٍ لها.

الإنسان في هذه الحياة تطرأ عليه الكثير من المتغيرات، وهو في مسيرة الحياة من عامٍ إلى عام متغيرات في نفسه، وفي عمره، الصغير يكبر ويتحول إلى شاب، ويبدأ في مسيرة حياته على نحوٍ مختلف عمَّا كان عليه في طفولته، يتزوج، يصبح له عائلة، يتحمل مسؤوليات جديدة في هذه الحياة، يدخل في متغيرات كثيرة في واقعه النفسي وفي ظروف حياته، الشاب يتجه نحو الكهولة، ويخرج من مرحلة الشباب، بما كان فيها من طاقة، وقدرة، وقوة، وصحة، وبما كان فيها من نشاط، بما كان يمتلك فيها من طاقات، تتغير أحواله ويتجه نحو الكهولة، كذلك ما بعد الكهولة يخرج الإنسان إلى مرحلة الشيخوخة والهرم.

فالإنسان في مسيرته في هذه الحياة تطرأ عليه هذه التغيرات، على مستوى النفس، وعلى مستوى العمر، هذا إن استمر في مرحلة العمر إلى مرحلة الشباب، ثم إلى مرحلة الكهولة، ثم إلى مرحلة الشيخوخة، وإلَّا فالكثير من الناس يرحل من هذه الحياة ما قبل ذلك، الكثير من الناس يرحلون وهم في مقتبل العمر، البعض وهم في حالة الشباب، البعض في بداية الكهولة، كم من الناس يرحلون أفواجاً.

أيضاً فيما يتعلق بواقع الإنسان وأحواله، من اليسر والعسر، والصحة والمرض، تطرأ عليه الكثير من المتغيرات، والكثير من الناس قد ينتقل من حالة الصحة والنشاط والعافية، إلى المعاناة من أمراض مزمنة، تستمر معه في بقية حياته، ويصبح معانياً منها، من آثارها، من أضرارها، معاناة بأشكال متنوعة، بحسب نوعية تلك الأمراض والأعراض. أحوال الناس من فقرٍ وغنى تحصل فيها الكثير من المتغيرات، أحوال الناس من أمنٍ وخوف، تحصل فيها الكثير من المتغيرات.

وهكذا تطرأ على الإنسان الكثير في نفسه، في أحواله، في ظروف حياته، ثم في الواقع من حوله، الواقع من حول الإنسان كم تطرأ فيه من متغيرات كبيرة، ومتنوعة، ومتعددة، لها تأثيرها على الإنسان بشكلٍ أو بآخر.

لكن مهما كانت هذه المتغيرات، هي تأتي في إطار رحلة الإنسان ومسيرة حياته، والإنسان في مسيرة حياته وفي هذه الرحلة، بما يطرأ فيها من متغيرات، هو يسير إلى الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، مصيره الحتمي إلى الله “جلَّ شأنه”، {وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ}، هكذا يقول الله في القرآن الكريم، الإنسان يرى أنه لا يبقى في وضعية واحدة، ولا في حالة واحدة، بل يرى نفسه فعلاً في رحلة هذه الحياة ومسيرة هذه الحياة يتجه إلى هذا المنتهى: {إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى}[العلق: من الآية8]، إلى الله المنتهى، وإليه الرجعى، والمصير إليه “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، كما قال في القرآن الكريم: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ}[ق: الآية43]، الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى” هو الذي أحياك، هو الذي وهبنا هذه الحياة، في مسيرة هذه الحياة هو “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى” الذي يمنحنا ما يمنحنا، ويربينا، وينتقل بنا في أعمارنا، في أحوالنا، من الطفولة، وهكذا إلى الشباب، وثم وصولاً إلى نهاية هذه الرحلة في هذه الدنيا، للانتقال إلى الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، وإلى عالم الآخرة.

{إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ}: الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى” هو الذي يحيينا وهو الذي يميتنا، {وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ}: مصير الجميع إلى الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، مصير كل إنسان، مصير كل هذه المخلوقات، يقول “جلَّ شأنه”: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ}[آل عمران: من الآية28]، يقول “جلَّ شأنه”: {غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ}[غافر: الآية3]، يقول “جلَّ شأنه”: {وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ}[فاطر: من الآية18].

فمصير كُلٌّ منَّا إلى الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، ومسيرة حياته هي تتجه به إلى هذا المصير، والرحلة التي هي في هذه الحياة، يتنقل فيها الإنسان من حالٍ إلى حال، ومن مرحلةٍ إلى مرحلة، هي تتجه به إلى هذا المصير: إلى الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”.

ولذلك فإن الإنسان مهما كان معانداً، وعاصياً، ومغروراً، وغافلاً، ومبتعداً عن نهج الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”؛ أو كان مهملاً، وغافلاً، ومقصراً، ومتجاهلاً، ولا يلتفت بجديَّة إلى مستقبله المهم، إلى مصيره المهم، هذا لن يعفيه أبداً من هذا المصير، هو يتجه رغماً عنه إلى هذا المصير: إلى الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، مهما استحكمت به الغفلة، ومهما وصل به العناد والغرور، فحتمية الرجوع إلى الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى” لا مناص منها؛ ولذلك عندما قال “جلَّ شأنه”: {إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى}؛ ليذكِّرنا بهذه الحقيقة.

يقول “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”: {إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا}[يونس: من الآية4]، هل أحد يستطيع أن يستثني نفسه عن هذا المصير، عن هذا المرجع إلى الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”؟ هل هناك في هذه الدنيا أحدٌ من الناس، مهما كانت قدرته، مهما كانت إمكانياته، مهما كان موقعه، مهما كان يمتلك من وسائل الحماية لنفسه، هل يستطيع أن يستثني نفسه من هذا المرجع إلى الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، الكل، الجميع مرجعهم إلى الله، مصيرهم إلى الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، وجهتهم التي يتجهون إليها هي هذه الوجهة: إلى الله “جلَّ شأنه”: {إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ}[يونس: الآية4]، فالمرجع الحتمي للإنسان في مسيرته من هذه الحياة إلى الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، والمنتهى إليه، والمصير إليه؛ ليحاسب، ويجازي، ويثيب، ويعاقب؛ ولذلك فعلى الإنسان أن يدرك أنه لا مناص أبداً من هذا الرجوع إلى الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، ورجوع للحساب، للجزاء على الأعمال، كما قال “جلَّ شأنه”: {إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}[المائدة: من الآية105].

فالإنسان معنيٌ، إذا كان يريد الخير لنفسه، إذا كان يريد السلامة لنفسه، إذا كان يريد النجاة لنفسه، أن يتذكر مسؤوليته أمام الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى” تجاه أعماله، وأن الله رقيبٌ عليه، وأنه سيحاسبه ويجازيه، هذا التذكر للرجوع إلى الله، والاستشعار للرجوع إلى الله؛ لأن الإنسان لا يعرف بالتحديد متى سينتقل من هذه الحياة، متى هو موعد رحيله من هذه الحياة، في هذه الرحلة الحتمية إلى الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، في هذا المصير والمرجع إلى الله “جلَّ شأنه”، لا يعرف متى، فإذا كان يستشعر قرب لقاء الله “جلَّ شأنه”، ويتوقع هذا اللقاء، يتوقعه قريباً، هذا له أثره المهم على نفسية الإنسان، على إدراك أهمية ما يعمل، على الانتباه لما يعمل، على الحرص على أن يعمل الأعمال التي فيها نجاته، وفلاحه، وفوزه، وسلامته من عذاب الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”؛ ولهذا يقول الله “جلَّ شأنه”: {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ أَلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}.

فالاستشعار للرجوع إلى الله، والقرب للقاء الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، والتذكر لحتمية الرجوع والمصير إلى الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، له أهميته الكبيرة على الإنسان؛ فيدرك قيمة مثل هذه الفرص، مثل شهر رمضان، عندما يكون في هذه الفرصة، بما فتح الله فيها للإنسان من آفاق واسعة، وهيَّأ له أيضاً من الفرص العظيمة، التي يرتقي فيها على مستوى تربية نفسه، وتزكية نفسه، وعلى مستوى أن يحظى برصيدٍ عظيمٍ من العمل الصالح، وعلى مستوى التوبة، والرجوع، والإنابة إلى الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”.

من أهم ما ينبغي أن نركِّز عليه في شهر رمضان هو: الإقبال على هدى الله، وأن نفتح قلوبنا لهدى الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، من واقع الشعور بالحاجة إلى هدى الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”؛ لأن هدى الله في ما فيه من مضامين، في ما فيه من تذكير، إذا أقبلنا عليه، وفتحنا قلوبنا له، وأصغينا له، وشعرنا بحاجتنا إليه، فيه ما يفيدنا، فيه ما هو كما قال الله عنه: {شِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ}[يونس: من الآية57]، في هدى الله ما يشفي صدورنا، ما يعالج الكثير من الترسبات السلبية المؤثرة علينا، فيه ما تلين له القلوب، مع الإقبال، مع الرجوع، مع الاهتمام، فيه أيضاً ما يرسم لنا في مسيرة حياتنا الأعمال الصالحة، ويرشدنا إلى الصراط المستقيم، الذي يصل بنا إلى الغايات العظيمة في هذه الرحلة نحو الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”.

الإنسان في ظروف حياته قد يغفل، الغفلة حالة تحصل للإنسان، وينسى، ولكن إذا كان ممن يتفاعل مع التذكير، وينتفع بالتذكير، كما هو حال الإنسان المؤمن؛ فهو يخرج من حالة الغفلة، وإن غفل؛ فهي حالة عارضة بالنسبة له، لا تستحكم إلى درجة السيطرة التامة عليه، والاستمرار في حالة التيه الدائم؛ ولذلك يقول الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}[الذاريات: الآية55]، المؤمن ينتفع بالتذكير؛ للخروج من حالة الغفلة، للانتباه إلى ما لديه من تقصير، وكذلك لما عليه أن يعمل، لما يرشده الله إليه من الأعمال العظيمة والمهمة، التي فيها فلاحه، وفوزه، ونجاته، وصلاح حياته، ولها أهميتها بالنسبة إليه في الآخرة، ويستفيد أيضاً في الارتقاء الإيماني؛ ليرتقي في إيمانه أكثر وأكثر، وإلَّا فإذا كان الإنسان لا يتنبه، وبقيت علاقته بهدى الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى” علاقة روتينية اعتيادية، أصبح مسألة روتينية اعتيادية، فهي حالة خطيرة على الإنسان، لم يعد ينتفع بما سمع من الهدى، وما ذكِّر به من الهدى، من آيات الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”.

ولهذا يحذِّر الله “جلَّ شأنه” من هذه الحالة، حينما قال سبحانه: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ}[الحديد: من الآية16]، {أَلَمْ يَأْنِ}: إلى متى سيبقى الإنسان في حالة غفلة، في حالةٍ يتعامل فيها مع هدى الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى” تعاملاً روتينياً اعتيادياً، من دون تأثر، من دون انتفاع، من دون تفاعل، تفاعل بقلبه ومشاعره، يكون أثره في واقعه العملي، في اهتماماته العملية، {وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ}[الحديد: من الآية16].

في مقدِّمة ما يحرص الإنسان عليه من بداية شهر رمضان، هو: إصلاح علاقته مع هدى الله؛ ليكون ممن يتذكَّر، وينتفع، ويُقبِل بإصغاء على هدى الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، ويسعى للانتفاع بهدى الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”؛ لأن هذا- كما قلنا- هو شأن المؤمنين، كما بيَّن الله في القرآن الكريم، المؤمن ينتفع بالذكرى، {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}[الذاريات: الآية55]، تترك الذكرى أثرها على نفسه، على وجدانه، على مشاعره؛ لأنه بإيمانه قريبٌ من الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، علاقته إيجابية مع هدى الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، مع القرآن الكريم؛ ولذلك ينتفع، ويستفيد.

يقول الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى (9) سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى (10) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (11) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى (12) ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى}[الأعلى: 9-13]، الحالة خطيرة على الإنسان، إذا أصبح في واقعه لم يعد يتفاعل مع هدى الله، لم يعد يتأثر بهدى الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، بل يصل الحال بالبعض إلى درجة أن ينفر من سماع هدى الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، أن يفقد الرغبة لسماع الهدى بشكلٍ تام؛ ولذلك قد يصل به الحال إلى أن يمتنع عن أن يسمع هدى الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، ويوبِّخ الله من يصلون إلى مثل هذه الحالة في قوله “جلَّ شأنه”: {فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (49) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ}[المدثر: 49-51]، حالة خطيرة على الإنسان، الإنسان إذا وصل إلى هذه الحالة، معناه: أنه لم يعد يخشى الله، مات الإيمان في قلبه، ماتت الخشية من قلبه، أصبحت حالته الإيمانية تجاه الآخرة، تجاه وعد الله ووعيده، حالة ضعيفة جداً، أو حالة منتهية، تلاشت من قلبه، فالموضوع خطير.

ولذلك ينبغي على الإنسان أن يحرص هو على تهيئة نفسه ومشاعره، لتلقي هدى الله تعالى، والانتفاع به، الانتفاع بالتذكير في إصلاح ما لديه من خلل، في الانتباه لما هناك من أعمال ذات أهمية كبيرة، وأن يحذر من أن يصل إلى حالة الإعراض عن الهدى، التي تبدأ بعلاقة باردة مع هدى الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، تتلاشى فيها حالة التفاعل، حالة الإقبال، حالة الانتفاع، ثم تبدأ حالة النفور والوحشة، وانعدام الرغبة لسماع هدى الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، وعدم الرغبة حتى إلى سماع القرآن، أو تلاوة القرآن الكريم، ثم يتَّجه الإنسان اتجاهاً آخر في حياته والعياذ بالله.

يقول الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ}[الكهف: من الآية57]، حالة الإعراض هي الحالة التي يتَّجه الإنسان إليها بعد أن يفقد العلاقة الإيجابية مع هدى الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، بعد أن يقسو قلبه، بعد أن يفقد التأثر بهدى الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، والانتفاع من الذكرى، يتَّجه إلى حالة الإعراض عن هدى الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، فلم يعد ينتفع به، ولا يتفاعل معه، ولا يتأثر به، ولا يكون له أي نتيجة في واقعه العملي، كأنه لم يسمع، كأن في أذنيه وقراً، كما يشبِّه الله هذه الحالة في القرآن الكريم، فيصل الإنسان إلى حالة خطيرة جداً على نفسه، يظلم نفسه بذلك، ويتجه إلى إنسان ظلوم في هذه الحياة، منحرف عن تعليمات الله، عن توجيهات الله؛ لأن الإنسان إذا فقد ارتباطه بهدى الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، وفك هذه الصلة، وابتعد عن هدى الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، لم يعد يسمعه، لم يعد يتفاعل معه، لم يعد يتأثر به؛ فهو على المستوى العملي أيضاً على مستوى أعماله، التزاماته العملية، سلوكياته، تصرفاته، سيبتعد كما ابتعد عن السماع للهدى، عن التفاعل مع الهدى، عن الإقبال على الهدى، ففي الواقع العملي كذلك.

يبدأ الإنسان مع قسوة القلب، ومع البعد عن الهدى، والغفلة عن الهدى، يتَّجه في مسيرته العملية اتجاه المعرض عن هدى الله، عن آيات الله، عن تعليمات الله، عن توجيهات الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، فيتصرف بعيداً عن ذلك، لم يعد لديه إحساس بالمسؤولية تجاه ما يعمل، وأنَّه سيحاسب، وأنه سيجازى، وأنَّ عليه أن يعمل الأعمال الصالحة، وأن يرتبط في عمله ومسيرة حياته بهدى الله وتعليماته.

{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ}، والحالة فعلاً أيضاً حالة سيئة بالنسبة للإنسان؛ لأنه يسيء إلى الله حينما يتجاهل آيات الله ربه، الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى” هو ربنا، الخالق لنا، المنعم علينا، الرازق لنا، والذي إليه مصيرنا، لا مناص لنا من ذلك، إليه مرجعنا جميعاً، فالإنسان حينما يصل به الحال أنه لم يعد يتفاعل مع هدي الله، مع آيات الله، مع تعليمات الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، والله ربك المنعم عليك، فهذه حالة خطير جداً.

{وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ}، ينسى الإنسان المسؤولية تجاه ما يعمل، كأنَّ الحياة فوضى، كأنه لا حساب، ولا جزاء، ولا ثواب، ولا عقاب، كأنه ليس لأعماله آثارها ونتائجها عليه هو، جزءٌ من تلك الآثار والنتائج في هذه الدنيا، وجزءٌ منها وهو الكبير والأوفى في عالم الآخرة، التي هي عالم جزاء للأبد، عالم جزاءٍ للأبد، وجزاء كبير.

هذه الحالة إذا وصل فيها الإنسان، وتلاشت علاقته مع هدى الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى” على المستوى الإيجابي، وقسى قلبه، وأصبح معرضاً؛ يخذل والعياذ بالله، يخذل، ويسلب بالتوفيق؛ ولهذا يقول الله: {إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا}[الكهف: من الآية57]، مع الإعراض، مع التجاهل لهدى الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، مع الغفلة التي يتجه إليها الإنسان، ثم هو ذلك الذي ينفر، ولم يعد يرغب في أن يسمع هدى الله، ولا أن يذكَّر بآيات الله “جلَّ شأنه”، يخذل بشكلٍ تلقائي، أوتوماتيكي، قلبه يقسو، ثم يصل الحال في واقعه، في قلبه، في مشاعره، في سماعه أو موقفه من هدى الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، وكأن على قلبه أكنَّة، كأن على قلبه غطاء، مختومٌ على قلبه، يتحول الحال إلى مستوى خطير للغاية، فلا يصل إليه شيءٌ من نور الله، ولا من هدى الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، أصبح عليه غطاء، وأصبح مختوماً عليه والعياذ بالله.

حالة الصمم عن هدى الله، يتحوَّل الإنسان وكأنه أصم، يسمع وكأنه لم يسمع، لا يتفاعل، لا يتأثر نهائياً، فتكون النتيجة هي: {وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى}[الكهف: من الآية57]، الهدى الذي هو هدى للإنسان، نجاةٌ للإنسان، فوزٌ وفلاحٌ للإنسان، هدايةٌ له تصل به إلى الغايات العظمى، إلى الفوز العظيم، إلى السعادة الأبدية، إلى النجاة من عذاب الله، {فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا}[الكهف: من الآية57]، إصرار على العمى، إصرار على الضياع، على الضلال، على الاتجاه في الطريق المودي إلى الهلاك، إلى العاقبة السيئة، إلى نار جهنم والعياذ بالله، وهي حالة خطيرة جداً.

هذا النوع من العناد، من الغرور، من التمادي، من الإصرار على الإعراض، يستمر فيه الإنسان إلى أن يأتيه الموت، عندما يأتي موعد الرحيل من هذه الحياة، يستفيق لكن بعد فوات الأوان، بعد فوات الأوان، لم يعد لديه من فرصة ليصحح وضعيته من جديد، ليتذكر، لينتفع بالذكرى، ليُقبل على هدى الله وتعليماته، يدرك في اللحظة الأخيرة من هذه الحياة أنَّ الفرصة قد انتهت، يحاول أن يحصل على فرصة إضافية، فلا يمكنه ذلك، لا يتحقق له ذلك، {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ}[المؤمنون: 99-100]، فاتت الفرصة، لم يعد بالإمكان أن يحظى بفرصةٍ إضافية.

ثم في الآخرة، في الآخرة يتذكر الإنسان، بعد ذلك الغرور، بعد ذلك التمادي، بعد ذلك الإصرار على الإعراض، بعد تلك الحالة التي قد تصل به إلى درجة التكبر والعناد الشديد في ساحة الحشر، في مقام الحساب والسؤال، بعد القيامة، بعد قيام القيامة، يصل الإنسان إلى التذكر، ولكن يتذكر متأخراً جداً، بعد فوات الأوان، وبعد انعدام أي فرصة جديدة؛ ولذلك يقول الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”: {كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21) وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى}[الفجر: 21-23]، {وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى}، تذكَّر اليوم، اليوم تذكَّر، تذكَّر في هذه الحياة، تذكَّر وأنت في هذه الفرص العظيمة، التي تستفيد من التذكر فيها، الآن يمكنك أن تنتفع بالذكرى، وأن تستفيد بالتذكر، وأن تصحح وضعيتك العملية، وأن تسعى للارتقاء الإيماني.

لكن عندما تعاند الآن، عندما لا تصغي في هذه الفرص، في هذه الحياة التي وهبك الله إيَّاها، في هذه المواسم العظيمة البركات، وتصر وتعاند وتعرض؛ آنذاك لن تنتفع بالذكرى، لن تفيدك بشيء، لن تغيِّر شيئاً من تلك النتيجة الحتمية التي ستتجه إليها رغماً عنك، لا يمكنك أن تخالص نفسك منها، وأن تنقذ نفسك منها.

{وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ}، كان في الدنيا هناك التذكير الذي يذكِّرك بجهنم، ولديك الفرصة لأن تعمل ما يقيك من الوصول إلى جهنم، من عذاب الله الأكبر: جهنم، كنت تذكَّر في هذه الدنيا بآيات الله، فيها الحديث عن جهنم، عن أوصاف العذاب في جهنم، تُذكَّر بما يقيك من جهنم، ومن ذلك العذاب، بما تفوز من خلاله وتحظى برضوان الله، والنعيم العظيم في جنته، لكنك لم تتذكر، لم تلتفت، كان اتجاهك هو اتجاه الإعراض والغفلة، فآنذاك عندما يؤتى بجهنم، {وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ}، تراها وتسمعها وتتذكر آنذاك، احتجت إلى أن تراها رأي العين، رأي اليقين، من قريب، حينئذٍ لم تعد تنتفع بالذكرى.

{وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23) يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي}[الفجر: 23-24]، ها هي الفرصة أمامك الآن في هذه الحياة لتقدِّم لحياتك الأبدية، لمستقبلك الأبدي، لمصيرك في الآخرة.

أمَّا التذكر آنذاك، والتحسر، والندم؛ فلن يفيدك بشيء، التمني في ساحة الحساب، في ساحة المحشر، {يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي}، لم يعد ينفعك بشيء، {فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ}[الفجر: 25-26]، حينما يصلون إلى جهنم، يحترقون بين نيرانها، يعذَّبون بأنواع العذاب فيها، {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ}[فاطر: من الآية37]، أتت لك الفرصة الكافية في هذه الحياة، ولكنك أنت لم تنتفع؛ وحينذاك لم يعد يفيدك بشيء أن تتذكر، ولا أن تنتبه، ولا أن تتحسر، ولا أن تندم.

ولذلك نحن في هذه الفرصة الثمينة (في فرصة الشهر رمضان) علينا أن ندرك قيمتها وأهميتها، وأن نُقبِل على هدى الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى” بقلوبنا، وأن نصغي لهدى الله، وأن نتفهم هدى الله، أن نُقبِل على القرآن الكريم، أن ننتفع بالتذكير من خلال القرآن الكريم، أن نستفيد من البرنامج، الذي نسمع فيه هدى الله، وثقافة القرآن الكريم، وأن نحرص على أن نتأثر بذلك، أن نفتح قلوبنا لذلك، وأن نلتفت إلى واقعنا العملي من خلال ذلك؛ لأن الثمرة تأتي إلى الواقع العملي.

مشوارنا– إن شاء الله- في المحاضرات الرمضانية لهذا العام، سيكون ابتداءً بالحديث عن أهمية التقوى في محاضرتين، نتحدث فيها أيضاً عن الآخرة، ونقدِّم نماذج مما ذكره الله في القرآن الكريم عن ذلك، ثم سيكون المشوار بعد ذلك مع القصص القرآني، القصص في القرآن الكريم موردٌ عظيمٌ وغنيٌ بالهدى، وبالعبر، وبالدروس التي نحتاج إليها، ونستفيد منها، وهو مما قدَّم الله فيه الكثير من الهدى، الذي يفيدنا في هذه الحياة تجاه مسؤولياتنا، وما نواجهه في هذه الحياة من تحديات وأخطار، وأيضاً نستفيد معرفة الكثير من الحقائق المهمة، التي علينا أن نعرفها، مما يزيد في بصيرتنا، وفي وعينا، وفي توجهنا على أساس هدى الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، وفي حلِّ الكثير من مشاكلنا في هذه الحياة، القصص القرآني غنيٌ بالهدى، وبالعبر، وبالدروس العظيمة والمهمة.

إن شاء الله، بإذن الله، بتوفيق الله، بما يلهمنا الله، سنقدِّم الدروس القرآنية في المحاضرات في هذا الموسم المبارك، في هذا الشهر المبارك، من خلال القصص القرآني.

نَسْألُ اللَّهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيهِ عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهَدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّج عَنْ أَسرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.

وَالسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

#التقوى#السيد القائد عبدالملك بدالدين الحوثي#القصص القرآني#المحاضرة الرمضانية الأولى#شهر رمضان#هدى الله

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: فی القرآن الکریم القصص القرآنی من هذه الحیاة فی هذه الدنیا فی هذه الحیاة على هدى الله فی هذه الفرص على الإنسان الإنسان إلى مسیرة حیاته حالة خطیرة هذه الحالة هذه الرحلة الإنسان فی هذا المصیر هذه الفرصة ل الإنسان إلى مرحلة آیات الله على مستوى یتفاعل مع یقول الله شهر رمضان ى الإنسان فی الآخرة ما فیه من ت ع ال ى من الناس إ ل ى الل فی مسیرة مهما کان ما یعمل بعد ذلک فی حالة إذا کان هو الذی من حالة إلى هذا إ ل ى ال الله فی فیها من أنه لم من دون ه الله ولا أن الله ف ن الله لم یعد

إقرأ أيضاً:

نص المحاضرة الرمضانية الـ 13 للسيد عبد الملك بدر الدين الحوثي 1446هـ

الثورة نت/..

نص المحاضرة الرمضانية الـ 13 لقائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي 13 رمضان 1446هـ:

أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.

الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيم، وَتُبْ عَليَنَا، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمْ.

أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:

السَّـلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

في سياق الحديث على ضوء الآيات المباركة القرآنية من (سورة الشعراء)، في مقامٍ مهمٍ من مقامات نبي الله إبراهيم “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، وهو يسعى لهداية قومه، وإنقاذهم من الشرك، والاتِّجاه بهم إلى عبادة الله وحده “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وجدنا كيف أنه اتَّجه إلى استخدام أسلوبٍ، يختلف عن الأسلوب في المقام الذي تم الحديث عنه، على ضوء الآيات المباركة من (سورة الأنعام)؛ لِيُنَوِّع معهم الأساليب، ويعرض لهم أيضا المزيد من الحجج والبراهين، وكذلك ليعرض لهم الحقائق المهمة كذلك بطريقةٍ جديدة، وهدفه هو: السعي للوصول بهم إلى الهداية، وإلى إنقاذهم مما هم فيه من الضلال، والاتِّجاه بهم إلى عبادة الله وحده “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.

استخدم معهم أسلوب (الأسئلة التي تستنطق الحقيقة)، فبعد أن سألهم: {مَا تَعْبُدُونَ}[الشعراء:70]، وكان ردهم كما تلوناه في الآية المباركة: {قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ}[الشعراء:71]، وجَّه لهم أيضاً أسئلة تصل بهم إلى الحقيقة، عن أن تلك الأصنام غير جديرة إطلاقاً بأن يتوجَّهُوا إليها بالعبادة: {قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ}[الشعراء:72-73]، وهنا كان جوابهم يتضمن ضمنياً الاعتراف بأنها لا تسمعهم، ولا تنفعهم، ولا تضرهم؛ وإنما يعتمدون فقط في عبادتهم لها باعتبار أنها من موروثهم الاجتماعي، الذي ورثوه عن آبائهم، وكان فيهم رموز يعتمدون عليهم، ويتقبَّلون منهم كل أشكال الضلال، بما فيه هذا المعتقد.

حينها اتَّجه إليهم بموقفه الحاسم، بعد أن تبين- حتى لهم هم- أنهم لا يمتلكون أي حُجَّة، ولا برهان، يعتمدون عليه في عبادتهم لها، والتَّوجُّه بالعبادة لها؛ وإنما اتَّجهوا كموروث اجتماعي، ولكن المسألة خطيرة جدًّا، هي خرافة يتشبَّثون بها، وهم يدركون في أنفسهم بأنها مجرد جمادات، لا تنفعهم بشيء، لا تسمعهم، لا تمتلك الحياة، ليست متفاعلةً معهم بأي مستوى من التفاعل.

ولكنَّ الخطير جدًّا في هذا الموضوع هو: أنَّهم انصرفوا بذلك عن عبادة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” بمفهومها الشامل، بما في ذلك: الالتجاء إلى الله، والسير على نهجه وهديه؛ وهذا هو الخطر الكبير في ضلال الشرك وباطل الشرك:

أنه يصرف الإنسان عن الله، عن نهجه، عن هديه، يصرفه بشكلٍ كامل، انصراف تام، وهذه قضية خطيرة جدًّا.

إضافةً إلى أن ذلك تنكُّر لأكبر الحقائق، التي هي: أن الله وحده هو الإله، الإله الحق، الذي لا معبود بحقٍ إلا هو “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.

فهنا اتَّجه بالموقف الحاسم: {قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ}[الشعراء:77]، مسألة اعتمادهم على الإرث الاجتماعي في مسألة الشرك، وخطورتها الكبيرة، مسألة خطيرة؛ ولهـذا كانت براءته تشمل ما كان عليه أيضاً آباؤهم، وهم يتَّبعون آباءهم من باب العصبية، ومن باب الارتباط الاجتماعي، ومن باب التأثُّر بمن في آبائهم من رموز الضلال، ولكن لأن المسألة خطيرة جدًّا وجَّه هذا الموقف الحاسم، وأتى بهذا التعبير: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ}[الشعراء:77]، وكما قلنا في المحاضرة الماضية: هذا قمة البراءة عندما يعلن العداء.

واختار هذا التعبير: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي}؛ لأن معنى ذلك أنه سيسعى للتصدي لهذا الضلال والباطل، سيسعى لإزالته؛ لأنه يعمل من أجل ذلك: من أجل إزالة ذلك الباطل، واختار عبارة: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي}[الشعراء:77]، لماذا، مثلاً: لم يختر عبارة [فإنني عدوٌ لهم]، (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي)؟ وهنا فوائد متعددة لهذا الاختيار بنفسه في هذا التعبير.

عندما نتحدث عن مسألة العبادة لغير الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، فإن من أخطر ما فيها: أنها- كما قلنا- تصرف الإنسان عن نهج الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، بكل ما يترتب على ذلك من مخاطر كبيرة، وتُعرِّض الإنسان لغضب الله وسخط الله، فالعبادة لغير الله هي مصدر خطر كبير على الإنسان، وشر كبير على الإنسان، وعواقبها السيئة، وآثارها الخطيرة، كبيرة على الإنسان.

ولـذلك، ولأنها مصدر شر على الإنسان، يجب أن ينظر الإنسان إليها هذه النظرة: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي}[الشعراء:77]؛ لأن عبادتهم هي مصدر خطر، مصدر شر، وشيءٌ لا يمكن أن أتقبله على الإطلاق، هو باطلٌ فظيع، باطلٌ شنيع، فيه إنكارٌ لأكبر الحق والحقائق، تعدٍ على أكبر الحقوق، وفي نفس الوقت مصدر شرٍ كبير في الحياة؛ فلـذلك النظرة إليه كعدو، وخطر لابدَّ من التصدي له، والسعي لإزالته، فهذه مسألة مهمة جدًّا في هذا التعبير، يعني: ليست مسألة يمكن التأقلم معها، التغاضي عنها، تعتبر- مثلاً- تأثيراتها السلبية والسيئة في واقع الحياة محدودة.

{فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ}[الشعراء:77]، ونلاحظ كيف أن المسألة هي- فعلاً- عبادةٌ للعدو، عندما يتَّجه الإنسان بالعبادة لغير الله بكل ما يُشكِّله ذلك من شر، من خطر، من ضر، من مفاسد، من أضرار كبيرة جدًّا، فمعناه: أن الإنسان يتَّجه بالعبادة للعدو، وهذا هو سخافةٌ وحمقٌ، وفي نفس الوقت غباءٌ كبيرٌ، وضلالٌ رهيبٌ مبينٌ، الاتِّجاه بالعبادة للعدو، يعني: بدلاً من أن تعبد الله، الذي هو ربُّك، الخالق لك، المنعم عليك، ملك السماوات والأرض، ربُّ العالمين، الذي يجازيك، والذي إليه مصيرك، والذي يربطك به كل شيء- وسيأتي الحديث عن هذه المسائل، فيما ذكره نبي الله إبراهيم “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، وهو يعرض براهين ودلائل مهمة- يتَّجه الإنسان لِيُعَبِّد نفسه لمن؟ لعدو، لعدوه! حالة خطيرة على الإنسان، وغباء رهيب، وضلال مبين بكل ما تعنيه الكلمة، وخسارة على الإنسان، الإنسان يخسر بذلك، حينما يتوجَّه إلى عبادة العدو، مما يُشكِّل عليه ذلك من خطر.

ولهـذا ورد في القرآن الكريم قول الله تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ}[يس:60]، الشيطان عدوٌ لكم، كيف تتوجهون بالعبادة له عندما تجعلون طاعته فوق طاعة الله، وتطيعونه في معصية الله؟! حينها أنتم أعطيتموه ما لا ينبغي أن تعطوه إلَّا لله؛ لأن الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” هو ربُّنا الذي هو الجدير بأن نطيعه فوق كل طاعة، وأن تكون الطاعة له طاعةً مطلقة، فوق طاعتنا لأي أحد؛ فعبادة العدو غباءٌ، وضلالٌ، وخسارةٌ رهيبةٌ جدًّا.

والحالة المشابهة لذلك في واقع العرب اليوم: عندما يتَّجهون بالعبادة لأمريكا، كيف ذلك؟ عندما يجعلون أوامر أمريكا فوق أوامر الله، فوق كتاب الله، فوق تعليمات رسول الله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ”، عندما يتَّجهون إلى تحريف دينهم، في المناهج الدراسية، والخطاب الديني، من أجل من؟ من أجل أن يتأقلموا مع أمريكا ومع اليهود، ويحذفون ما يريد اليهود حذفه من الآيات القرآنية من المناهج الدراسية، ويقومون أيضاً بالتزييف للمعاني للآيات القرآنية ودلالاتها، بما يتناسب مع الأطروحات اليهودية؛ من أجل التطبيع، ومن أجل التأقلم مع الأمريكي والإسرائيلي، ومراعاة مشاعر اليهود.

فهم عندما يجعلون أمر أمريكا وإسرائيل واليهود فوق أمر الله، فوق دين الله، وفوق توجيهات الله، ويتَّجهون اتِّجاها معاكساً لمبادئ دينهم، حتى على مستوى الموالاة والمعاداة، حينما يوالون أعداء الإسلام، والله نهاهم عن ذلك: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}[المائدة:51]، فيخالفون أمر الله، ونهي الله، ويرمون بتوجيهات الله في كتابه الكريم عرض الحائط، ويتَّجهون باتِّجاه معاكس لذلك، فهذه هي من عبادة العدو، جعلوا أمرهم فوق أمر الله، جعلوا طاعتهم فوق طاعة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، يخشونهم أكثر من الله، {أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}[التوبة:13]، {فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}[آل عمران:175].

والذي يتأمل في وضع الأنظمة الرسمية في أغلبها، يجد أنهم يعيشون هذه الحالة: إنهم يخشون أمريكا وينسون الله، وإنهم يطيعونها فوق طاعتهم لله، ويجعلون أمرها فوق أمر الله، والتعليمات الصادرة منها، والإملاءات التي تقدمها، فوق القرآن الكريم، وما فيه من هدى وتعليمات من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وهذه خسارةٌ عليهم، لماذا؟ لأن أولئك أعداء لهم، وكل ما يوجهونهم به، وكل ما يأمرونهم به، فينصاعون لأوامرهم، هو مما فيه شرٌّ على العرب، وعلى الأنظمة نفسها، وعلى شعوبها وبلدانها، وما يؤدي إلى ذُلِّهم، وهوانهم، وضياعهم، لخدمة أعدائهم.

أمَّا ما يأتينا من الله فكله رحمة، هداية لما فيه الخير لنا في الدنيا والآخرة؛ لأن الله غنيٌ عنَّا، ثم هو ربُّنا الرحيم بنا، ليس عدواً لنا، عندما نستجيب له يمنحنا رحمته، رعايته، يَمُنُّ علينا من واسع فضله، ويحيطنا برعايته في النصر، والمعونة، والتأييد، والتسديد، ورعايته الواسعة، يخرجنا من الظلمات إلى النور؛ أمَّا أولئك فهم يخرجون الناس من النور إلى الظلمات، هم طاغوت بكل ما تعنيه الكلمة.

{فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي}[الشعراء:77]، فأولئك رموزهم من رموز الضلال، لا ينبغي أن يخلِّدوا الباطل من أجلهم، آباؤهم الأقدمون الذين كانوا منحرفين، لم يكونوا مهتدين؛ ولـذلك ليس لهم مبرر أن يتشبَّثوا بما قدَّموه لهم من الضلال، وأن يُخَلِّدوا الباطل من أجلهم، والباطل هو الطارئ في واقع البشر.

{إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ}[الشعراء:77]، ربَّ العالمين هو الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، شرحنا عن كيف كان يعتمد في خطابه لهم، أن يتحدث مثل ما ذكر في المقام السابق في الآيات المباركة من (سورة آل عمران)، كذلك استخدام عبارة (ربّ)؛ لأنه كان هناك حظر على استخدام كلمة (الله)، هو يريد أن يراعيهم هم؛ أمَّا من جانبه فهو يُصرِّح؛ ولـذلك عندما دخل في نقاش معهم، في الآيات السابقة من (سورة الأنعام)، كان صريحاً في الحديث عن الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.

{إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ}[الشعراء:77]، ولأن المقام المرتبط في مسألة الألوهية، هو مرتبط أيضاً بالربوبية، يعني: الذي له الحق أن نعبده هو ربُّنا، ربُّنا هو الله؛ لأنه المالك لنا، المنعم علينا، المربِّي لنا، الخالق لكل شيءٍ في العالم، فهو الربّ، المالك والمنعم.

{إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ}[الشعراء:77]، هم يعرفون أن ربَّ العالمين هو الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وهم لا يدَّعون لأصنامهم الربوبية المطلقة، وهذا كان من المعروف في واقع المشركين، يعني: يعتبرون أصنامهم آلهة محلِّية في معتقدهم الباطل، بل أحياناً على مستوى محدود جدًّا، يعني: أحياناً على مستوى منطقة معيَّنة، أو قبيلة معيَّنة معها صنم، وقبيلة أخرى معها صنم آخر، وليس عند القبيلة تلك إشكالية لماذا لا تعبد تلك القبيلة صنمهم هم، عادي عندهم الموضوع، الموضوع متعدد، هم يعتمدون مبدأ تعدد الآلهة، بل أحياناً على مستوى الأسر: أسرة معها صنم خاص بها، تعتبره آلهة لها في معتقدها الباطل، أسرة أخرى معها صنم آخر، ولا تؤمن بصنم تلك الأسرة… وهكذا، يعني: حالة فوضى، حوَّلوا مسألة الألوهية إلى حالة من الفوضى؛ فلـذلك هم كانوا يعتبرون أصنامهم آلهة محلِّية، يعني: في مستوى محدود.

بل أحياناً في مجال التخصصات، يعني: من المعروف عن الرومان، أنهم وصلوا في مرحلة من المراحل إلى أن كانت آلهتهم في معتقدهم الباطل أكثر من ثلاثمائة، ووزَّعوا عليها تخصصات كثيرة: إله الحب، إله العشق، إله النصر، إله الحرب، إله المطر، إله… حتى في نهاية المطاف تعبوا، تعبوا من كثرة ما وزَّعوا هذه المسألة: مسألة الآلهة والألوهية، وأصبحت فوضى إلى درجة لا تطاق في واقعهم، فتعبوا في الأخير من ذلك.

فهم يدركون عندما يقول: {إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ}[الشعراء:77]، أن الربوبية المطلقة- الذي هو “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” الله “جَلَّ شَأنُهُ”، هو ربُّ العالمين- أن ذلك ليس إلَّا لله، فهو الإله الحق، الذي لا معبود بحقٍّ إلَّا هو، يعني: هم يعترفون أن ربَّ العالمين هو الله، أن الذي له الربوبية المطلقة هو الله على العالمين جميعا، فهو “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” الإله وحده، الذي لا معبود بحقٍّ إلَّا هو؛ لأنهم يعترفون حتى هم أنَّه ربُّ العالمين، فعندما يأتي بهذا الاستثناء: {إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ}[الشعراء:77]، يعني: فأنا أتولاه، وأعبده وحده، أتوجَّه إليه بعبادتي له وحده “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.

ثم اتَّجه معهم إلى العرض المهم، لما يربطنا بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، أولاً: هو ربُّ العالمين، يعني: ربُّ الخلائق أجمعين، ربُّ هذا الكون بكله، والمالك له بأجمعه، فلماذا يتَّجه الإنسان بالعبادة لغيره، هذه قضية خطيرة، تَنَكُّرٌ لأعظم حق، اعتداءٌ على حق الله في العبادة، وفي نفس الوقت إساءةٌ إلى الإنسان عندما يُعَبِّد نفسه لغير الله، هذا لا يُشرِّفه، ثم في نفس الوقت أيضاً الإنسان بذلك ينصرف عن نهج الله، قضية خطيرة، يترتب عليها ضلال واسع، باطل كثير، يمتد إلى حياة الناس، يتحوَّل إلى إجرام، إلى طغيان، إلى مفاسد، إلى مساوئ، إلى رذائل… إلى أشياء كثيرة في الحياة، وشقاء عظيم في الدنيا والآخرة.

ما يربطنا بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” هو كل أساسيات ومتطلبات حياتنا، ووجودنا كذلك، وجودنا هو من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”؛ ولـذلك ليس للإنسان من مبرر أن يبحث له عن إلهٍ آخر، ما الذي تريده من الإله الآخر، الذي تريد أن تتَّجه بعبادتك إليه، فتتولاه، وتخشاه، وتخضع له، وتُعبِّر عن عبوديتك له، ما الذي تريده منه؟ الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” هو مصدر كل النعم، كل أساسيات حياتك، كل متطلبات حياتك، هي- أصلاً- مرتبطة بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، لا يمكن أن تكون من عند غيره.

ولـذلك أتى يُذَكِّرهم، وباستعراضٍ تأمُّلي؛ ليُبَيِّن لهم أن الله وحده هو الجدير بأن نتولاه، وأن نعبده، ونثق به، ونتَّجه إليه، وهو الربُّ الرحيم، العظيم؛ ولذلك أتى بهذا الاستعراض، الذي يعرض فيه هذه الحقائق؛ لِتُبَيِّن أنَّ كل شيء مهم هو يربطنا بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ولا مبرر للانصراف عنه.

{الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ}[الشعراء:78]، ابتدأ في سرد هذه النعم، والدلائل الواضحة على احتياجنا وافتقارنا إلى الله، وأنَّه الإله الحق “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، في مقابل أنَّ تلك الأصنام لا تسمع، ليس فيها حتى الحياة، أنَّ كل الكائنات لا تقدر على أن تكون في مستوى الألوهية، لا تمتلك الجدارة بذلك أبداً، كلها مفتقرة إلى الله، كلها ضعيفة، كلها محتاجة، كلها مرتبطة بالله في أسباب بقائها، وفي وجودها، وما يتصل بذلك، فالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” هو الخالق.

اختار نبي الله إبراهيم أن يعبِّر بهذا الأسلوب الشخصي، عندما قال بدءاً: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي}[الشعراء:77]، ثم: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ}[الشعراء:78-80]، مع أنَّ هذا لكل الناس، لكل الخلق، الله هو الذي خلقهم، والله هو الذي يهديهم، والله هو الذي يطعمهم، والله هو الذي يسقيهم أيضاً، فلماذا اختار أن يعبِّر بطريقة شخصية؟ هو يعبِّر لأسباب متعددة، منها: أنه يبيِّن لهم أنَّ هذه قناعة أنطلق منها، وإيمانٌ وتوجُّهٌ أنا على ثقةٍ منه، يعني: ليست مسألة أنه يريد أن يدفع بهم إلى شيءٍ هو بعيدٌ عنه، بل شيءٌ يثق به، يعتمد عليه، شيءٌ يرتضيه لنفسه، ويثق به لنفسه، ويتَّجه فيه بنفسه، وهذا ليطمئنهم على أنه يريد أن يدفعهم في الاتِّجاه الذي هو اتِّجاهٌ ارتضاه لنفسه، ليس أنه يريد أن يورِّطهم في اتِّجاه هناك، أو في قضية هناك، بل يتَّجه بهم فيما ارتضاه لنفسه، فيما يثق به كل الثقة، فيما يعتمد عليه هو، ويسير فيه؛ ليعزز الثقة بهذا الاتِّجاه الذي يدعوهم إليه، هذا واحدٌ من الأسباب.

كذلك نجد مثل هذا العرض أيضاً في مقامات أخرى، لأنبياء آخرين، لمؤمنين آخرين، ولأسباب أخرى يمكن أن نشير إليها إن شاء الله.

{الَّذِي خَلَقَنِي}[الشعراء:78]، الله هو الذي خلقني، فهو المالك لي، والمنعم عليّ، والذي خلق الجميع، كل المخلوقات والكائنات هو الذي خلقها.

نعمة الخلق في الوجود هي نعمةٌ كبيرة، وفي مسألة الإقرار بأنَّ الله هو الخالق، هذه مسألة يقرُّ بها المشركون عبر التاريخ، حتى في الاستبيان الذي في القرآن الكريم، يبيِّن هذه الحقيقة، لم يكونوا ينكرون أنَّ الله هو الذي خلقهم، بل يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}[الزخرف:87]، فهم يقرُّون بهذه الحقيقة: أنَّ الله هو الخالق، وهو “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” بما أنَّه الخالق هو المالك، هو المنعم، ونعمة الخلق نعمةٌ عظيمة، في مقدِّمة النعم أنَّ الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” خلقك، وهبك الحياة، وهبك الوجود، هو الذي أتى بك إلى هذا العالم أنت كإنسان.

ثم في نعمة الخلق للإنسان نعمٌ كبيرة، الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” قال عن خلقه للإنسان: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}[التين:4]، فالوجود بنفسه نعمة، والوجود بهذه الصورة، بهذه القدرات التي وهبك الله، بهذه النعم التي وهبك الله، هي نعمةٌ كبيرة، الخلق في أحسن تقويم نعمةٌ عظيمةٌ على الإنسان، ومن التكريم له أنَّه خلقه في أحسن تقويم، وما وهبك الله في خلقه لك من جوارح، من أعضاء، من حواس، من مدارك، من طاقات، من قدرات، من مواهب، هذا كله نعمةٌ عظيمةٌ عليك من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.

ولذلك الإنسان عندما يتأمل في نعمة الله عليه في خلقه له، فيما وهبه- كما قلنا- من جوارح، وأعضاء، ووسائل، يستفيد منها في حياته، من حواس، من مدارك… من غير ذلك، ويدرك كم أنَّ نعمة الله عليه عظيمةٌ جدًّا، وأنَّ كل نعمة مما خلق الله له، هي نعمة عظيمة مهمة، ذات أهمية كبيرة للإنسان في حياته، وفي شؤون حياته، لا تقدَّر بثمن، يعني: أغلى من كل سعر، فالإنسان عليه أن يدرك هذه الحقيقة، والله يذكِّرنا بهذه الحقيقة؛ باعتبارها نعمةً عظيمةً علينا: {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ}[الانفطار:6-8]؛ لأن الله خلق الإنسان في أحسن تقويم وأحسن صورة.

عندما يقارن الإنسان في تأملاته بين صورة الإنسان وشكله، وكيف عدَّل الله شكله وقوامه، يقارن مع بقية الحيوانات، وبين ذلك وبين بقية الحيوانات، يجد- فعلاً- أنَّ الله خلق الإنسان في أحسن تقويم، والإنسان لا يرتضي لنفسه شكلاً آخر، أو حالاً آخر غير ذلك؛ ولـذلك تعتبر عقوبات المسخ من أشد العقوبات، عندما مسخ الله من بني إسرائيل قردةً وخنازير، كانت عقوبة رهيبة جدًّا، رهيبة جدًّا، عندما حوَّلهم إلى أشكال حيوانات أخرى؛ لأن شكل الإنسان وخلقه مُمَيَّز جدًّا بين كل الحيوانات.

الآخرون لا يخلقون، كل من يتَّجه الناس إليهم بالعبادة من غير الله، ليسوا هم من خلقوهم، ولا خلقوا أي شيءٍ من الكائنات الأخرى؛ ولهـذا يُذَكِّر الله بهذه الحقيقة: {أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}[الرعد:16]، يقول لهم أيضاً في آيةٍ أخرى كذلك: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ}[الحج:73]، (ذُبَاب) لو اجتمعت كل معبوداتهم الزائفة لتخلق ذُبَاباً واحداً؛ لعجزت عن ذلك، فما بالك ببقية المخلوقات والكائنات.

فالله هو الخالق، وهو المالك المنعم، لأنه الخالق؛ هو المالك المنعم، المقتدر، الرحيم، العظيم، فكيف يتَّجهون بالعبادة لغيره “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”؟!

ولـذلك الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” لأنه الخالق؛ هو المالك المنعم، الذي يستحق العبادة وحده، الذي له حق الأمر والنهي في عباده، والتدبير لشؤون عباده، وهو الذي ينبغي أن يلتجئوا إليه بما يحتاجونه، بافتقارهم إليه؛ لأن كل الخير منه، ومصدر وجودهم وخلقهم هو “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، كيف يتَّجهون إلى غيره؟! يعني: ليس مجرد فاعل خير فيهم، ويريد أن يفرض نفسه فضولياً عليهم، ويدعوهم إلى عبادته، فيقولون: [أنت لا شأن لك بنا، لماذا تريد أن تفرض نفسك علينا وتطلب منا ذلك؟]، المسألة أنَّهم مملوكون له، وهو مصدر وجودهم “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.

{الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ}[الشعراء:78]، ونعمة الهداية نعمةٌ عظيمةٌ جدًّا، في صدارة النعم، والإنسان بعد خلقه يحتاج قبل كل شيء إلى الهداية، حتى قبل طعامه، وقبل شرابه، نجد في هذا العرض لنبي الله إبراهيم، أنَّه قدَّم الهداية حتى قبل قوله: {وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ}[الشعراء:79]، حتى قبل ذلك، ونجد أيضاً في آياتٍ قرآنية أخرى، أنَّ القرآن يُقَدِّم هذه النعمة قبل غيرها، أحياناً حتى قبل خلق الإنسان؛ من شدة أهميتها، ولشدة حاجة الإنسان إليها، {الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ}[الرحمن:1-3]؛ فلأهمية نعمة الهدى، وحاجة الإنسان إليها، وهي نعمة عظيمة ومهمة وأساسية جدًّا جدًّا جدًّا للإنسان، قدَّمها هنا حتى قبل الطعام والشراب.

الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” هو الذي يهدي، هو مصدر الهداية، {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ}[الشعراء:78]، هو عندما خلق الخلق لم يتركهم بدون هداية، لو تركهم بدون هداية؛ لما استطاعوا أن يتحركوا لأي شيءٍ في شؤون حياتهم على الإطلاق، لكانوا في حالة عناء رهيب جدًّا، ولما تمكنوا أصلاً من الاستمرار في الحياة ربما ولو لفترة وجيزة، أو صغيرة، أو بسيطة؛ لأن مسألة الهداية مسألة أساسية للإنسان، فنعمة الهداية أهميتها عظيمةٌ للإنسان؛ ولـذلك وردت في صدارة النعم، والإنسان يحتاج إليها بشكلٍ مستمر.

حاجة الإنسان للهداية هي حاجةٌ في كل مجالات حياته، ومرتبطةٌ بوجوده، يحتاج إليها احتياجاً كبيراً جدًّا؛ ولهـذا كانت هداية الله واسعة للإنسان، وفي جزءٍ من الهداية يشترك به مع بقية الكائنات الحيَّة، والحيوانات الأخرى، وجزء آخر للإنسان لاتِّساع حياته، واتِّساع شؤونه.

فهناك في البداية، في بداية الهداية الإلهية هي: الهداية الفطرية، بما غرزه الله في فطرة الإنسان، وهذه الهداية أيضاً لكل الكائنات الحيَّة، بمقدار دورها ومهامها في الحياة، وبحسب المقدَّر لها؛ ولـذلك يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى}[الأعلى:2-3]، {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى}[طه:50]، نجد كيف أهمية الهداية الفطرية للإنسان، والتي يحتاجها بعد وجوده، بعد أن تلده أمه مباشرةً قبل كل شيء؛ لأنه كيف سيتصرف لأسباب بقائه، في مسألة الغذاء، كيف سيعرف كيف يتغذى، كيف يرضع من أمه.

والشيء العجيب، الملاحظ لدى الكثير من المولودين من الناس مثلاً: أنه بعد ولادته يبدأ على الفور يبحث يُحَرِّك فمه، البعض حتى قبل أن يفتح عيونه، يُحَرِّك فمه يريد أن يرضع، ولولا هداية الله له، وإلهامه له بهذه الهداية الفطرية؛ لكان هناك مشكلة كبيرة في كيف يفهم أن يرضع، وأن يتقبَّل الرضاعة، وأن يَمُصَّ ثدي أمه ليرضع، لكانت هذه مشكلة كبيرة، لو كانت معتمدةً- مثلاً- على التلقين، والتفهيم، يقولوا له: [يا وُلِيد ارضع، اعمل كذا، سوِّي كذا…]، لما استطاعوا أن يفهموه بشيء؛ لأنه في مرحلة لا يتلقَّن فيها شيئاً، ولا يتقبَّل فيها أي تلقين، لكن بفطرة الله، بهداية الله الفطرية له، يُحَرِّك فمه يبحث عن ثدي أمه يريد أن يرضع؛ في الوقت الذي من المستحيل تفهيمه وتعليمه بكيفية الرضاعة، لولا أنَّ الله ألهمه وهداه لذلك.

للاستكمال عن موضوع الهداية كنعمةٍ عظيمة، وحاجةٍ ضرورية، يحتاج إليها الإنسان، وأنَّها من الله، وأنَّها مما يربطنا بالله، وأنَّها ليست من غيره، نُكْمِل الحديث- إن شاء الله- في المحاضرة القادمة عن ذلك.

نَسْألُ اللَّهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيهِ عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهْدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.

وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

مقالات مشابهة

  • (نص) المحاضرة الرمضانية الخامسة عشرة للسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي
  • شاهد| المحاضرة الرمضانية الخامسة عشرة للسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي (فيديو)
  • (نص + فيديو) المحاضرة الرمضانية الرابعة عشرة للسيد القائد 1446هـ
  • شاهد| المحاضرة الرمضانية الرابعة عشرة للسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي
  • نص المحاضرة الرمضانية الـ14 للسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي 1446هـ
  • (نص) المحاضرة الرمضانية الرابعة عشرة للسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي
  • مرايا الوحي: المحاضرة الرمضانية (14) للسيد القائد 1446
  • نص المحاضرة الرمضانية الـ 13 للسيد عبد الملك بدر الدين الحوثي 1446هـ
  • شاهد| المحاضرة الرمضانية الـ13 للسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي (فيديو)
  • (نص) المحاضرة الرمضانية الثالثة عشرة للسيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي 13 رمضان 1446هـ 13 مارس 2025م