تنقُل البرهان بين طرابلس والقاهرة أرسل عدة رسائل حول تقلب الرياح الإقليمية الداعمة للجيش السوداني من جهة ومخاوف المحاور من أثر التنظيم الإسلامي وسيطرته على قرار الجيش من جهة أخرى.

التغيير: نيروبي: أمل محمد الحسن

بعد 10 أشهر من اشتعال حرب الـ 15 من أبريل الماضي، تقدمت ليبيا الرسمية بمبادرة لجمع الأطراف المتقاتلة، الأمر الذي أثار الكثير من التساؤلات حول الدور الذي يمكن أن تلعبه الجارة الغربية، التي تعاني من الانقسامات من جهة، وعدم السيطرة على حدودها مع السودان من جهة أخرى.

ولا شك في أن استقرار السودان أمر جوهري بالنسبة لدول الجوار بشكل عام وبالنسبة لليبيا بشكل خاص.

وكانت تقارير الأمم المتحدة أشارت إلى وجود مقاتلين سودانيين ضمن قوات مرتزقة في ليبيا إلى جانب تلقي الدعم السريع مساعدات عسكرية ولوجستية عبر مسارات تمتد بين ليبيا والحدود الغربية للسودان.

وأوضح التقارير أن القوات المسلحة العربية الليبية التي تسيطر عليها عائلة “حفتر” شاركت بعض عناصرها في نقل الذخائر والأسلحة لقوات الدعم السريع بعد وقت قصير من اندلاع الصراع في السودان في أبريل من العام الماضي.

دور بالوكالة

من جهته، قال أستاذ السياسات الخارجية بالمركز الدبلوماسي، عبد الرحمن أبو خريس، لـ«التغيير»، إن الانقسامات التي تعانيها ليبيا ترجح أن الدور الذي تحاول القيام به في السودان هو “دور بالوكالة” لصالح دولة أخرى.

وهو الأمر الذي اتفق معه الصحفي بقناة ليبيا الأحرار يوسف النعمة، الذي رجح، في مقابلة مع «التغيير»، أن تكون تلك الدولة المعنية هي الولايات المتحدة الأمريكية التي تسعى لحماية مصالحها في المنطقة وتخوفا؛ مما يعرف ب”الفيلق الروسي” وهي جماعات مسلحة أساسها مقاتلو (فاغنر) إلى جانب جماعات مسلحة أخرى تتخذ من ليبيا نقطة انطلاق نحو عدد من الدول الأفريقية.

من جهة أخرى قالت مصادر فضلت حجب اسمها، لـ«التغيير»، إن بعض الجهات تحاول أن تقديم الدعم للجيش السوداني عبر دولة ليبيا، مع صعوبة مرور هذا الدعم عبر الحدود بسبب أنها لا تقع  تحت سيطرة ليبيا الرسمية بشكل كامل.

ارتكزت هذه المصادر على اللقاء الذي جمع “البرهان” مع الزعيم الإسلامي، الصادق الغرياني” مشيرة إلى أن دعماً من دول إسلامية يفضل المرور عبر دولة وسيطة، حتى لا تثير تلك الخطوة حفيظة المجتمع الدولي.

وبينما أشارت المصادر إلى دولتي (مصر وتركيا) دون تقديم أي أدلة على هذا الاتهام؛ إلا أن بعض الأخبار التي جرى تداولها في وسائل الإعلام الليبية تشير إلى تطور هائل في العلاقات بين هاتين الدولتين وطرابلس.

فبعد زيارة البرهان بأيام قليلة حطت طائرات الخطوط المصرية في مطار “مصراتة” بتاريخ الأول من مارس الجاري في رحلة تعد هي الأولى بعد غياب استمر 10 سنوات.

من جهة أخرى، وفي ذات التاريخ؛ وقعت ليبيا وتركيا مذكرات تفاهم عسكرية فيما تنتشر قوات من الجيش التركي في قواعد جوية وبحرية في غرب ليبيا منذ عام 2020 عقب نجاحها في إخراج قوات حفتر من جنوب طرابلس.

علاقة وجودية

بالنسبة لليبيا، فإن استقرار السودان مسألة وجودية ترتبط باستقرارها سياسياً وأمنياً وفق الصحفي يوسف النعمة الذي أشار إلى وجود المرتزقة السودانيين الذين يقومون بعمل نقاط تفتيش تعرف بـ”البوابات” في مناطق الجنوب الشرقي والجنوب الغربي للدولة.

وأشار الصحفي يوسف النعمة، إلى أن إجراء الانتخابات أو توحيد السلطات يعتمد على خروج هؤلاء المرتزقة.

وأكد صعوبة توحيد السلطات في مناطق لا تسيطر عليها القوات الليبية، الأمر الذي يدفع بالحكومة الشرعية للتحرك للقاء طرفي الصراع من أجل المحافظة على استقرارها.

من جهة ثانية، فإن النعمة أشار إلى تدفق اللاجئين السودانيين الذين بلغ عددهم حسب التقارير المحلية في مدينة الكفرة إلى أكثر من 40 ألف لاجئ في مدينة عدد سكانها الأصليين 70 ألفاً.

وأضاف “ليبيا تعتبر منفذاً للهجرة غير الشرعية” الأمر الذي يثير مخاوف أمنية لدى الدولة.

استدعاء القاهرة

بعد مغادرته ليبيا؛ زار قائد الجيش السوداني القاهرة، الأمر الذي وصفه مراقبون بأنه “استدعاء” من الحكومة المصرية التي ربما أثار قلقها لقاء البرهان للزعيم الإسلامي “الغرياني” في طرابلس إلى جانب علاقة الجيش بالإسلاميين وهو الأمر الذي تحدث عنه عدد من الباحثين والأكاديميين المصريين.

وقال القيادي بحزب المؤتمر السوداني، مهدي رابح، لـ«التغيير»، أن مصر تشعر بالتهديد من إمكانية تحول السودان إلى مركز لمليشيات إسلامية متطرفة حال انزلاقه للفوضى. مشيراً إلى وجود مثل هذه المليشيات حالياً، حيث تعتبر كتيبة “البراء بن مالك” مثالاً لها.

وأضاف رابح، بأن إعادة حكومة الأمر الواقع للعلاقات مع إيران يعيد تموضع السودان في محور عدائي للقاهرة.

وأكد وجود تغييرات ملموسة في مواقف القاهرة مؤخراً وهو الأمر الذي أظهرته اللقاءات التي عقدها وفد «تنسيقية تقدم»، الذي يترأسه عبد الله حمدوك بالعاصمة المصرية مؤخراً.

وأعرب عن أمله في أن يكون التغيير في السياسات المصرية تجاه حرب السودان استراتيجياً وتطوراً في العقلية السياسية المصرية، وليس موقفا تكتيكيا.

وأشار إلى أن القاهرة تبحث باستمرار عن نفوذ كبير في السودان لرعاية مصالحها المرتبطة بحصص المياه وسد النهضة.

إلى جانب أن القاهرة تعتقد أن سيطرتها على السلطة في السودان بدعم حليفها “البرهان” يمكنها من تجاوز قضايا كبيرة مثل “قضية حلايب”.

وشدد رابح على ضرورة تغيير القاهرة لمفاهيمها الخاطئة التي تعتبر أن أي نجاح سياسي نحو التحول الديمقراطي مهددا للسلطة في مصر. وأي نجاح اقتصادي في السودان مهددا لحصتها في مياه النيل.

ودعا لضرورة أن تستوعب القاهرة أنه لن يكون هناك بديل للتحول الديمقراطي في السودان وعليها أن تحاصر الجنرالين لوقف الحرب ودعم حكومة مدنية.

وعلق القيادي بالمؤتمر السوداني على انتقال البرهان بين طرابلس والقاهرة بأنه يبحث عن تحقيق حلم والده بالبقاء في السلطة حتى وإن كان ذلك على ركام السودان المدمر.

وأضاف “كل ما يحدث في السودان بالنسبة للبرهان متغيرات لثابت وحيد هو بقاؤه في السلطة”.

معسكرات إريتريا

على الرغم من صدور شائعات تتحدث عن إغلاق الحكومة الإريترية لمعسكرات التدريب العسكرية التابعة للحركات المسلحة وبعض الجهاديين المنسوبين للتنظيم الكيزاني؛ إلا أن مصادر مطلعة أكدت استمرار هذه المعسكرات.

وقال مصدر مطلع فضل حجب اسمه لـ«التغيير»، إن هناك 5 معسكرات تدريب حول معسكر “ساوا” الشهير، مشيراً إلى أن معلوماتهم حول الأعداد التي تتلقى التدريب هناك تشير إلى نحو ألفي مجند.

وكانت تقارير إعلامية أشارت إلى شروع حركتي تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي والجبهة الشعبية للتحرير والعدالة، بقيادة الأمين داؤود في تدريب مقاتلين من مناطق متفرقة من السودان أبرزها غرب دارفور وشرق السودان في إريتريا.

وقالت التقارير إنه إلى جانب مناوي وداوود تشارك كل من قوات تحرير شرق السودان التي جرى تأسيسها مؤخراً، ومؤتمر البجا القومي بقيادة موسى محمد أحمد، ومؤتمر البجا المسلح بقيادة عمر محمد طاهر إلى تدريب مقاتلين هناك أيضاً.

وعلى الرغم من تأكيد وجود المعسكرات داخل العمق الإريتري؛ إلا أن مصدراً مطلعاً قطع بأن المستقبل القريب سيشهد استبعاداً أرترياً لهذه المعسكرات.

واستند المصدر الذي تحدث لـ«التغيير»، في ذلك على أن الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس الإريتري أسياس أفورقي للقاهرة، مؤكداً أن التغييرات التي حدثت في العلاقة بين القاهرة وأبوظبي ستؤثر في موقف أسمرا.

وقال المصدر المطلع إن ما يحدث داخل الحدود الإريترية هو مجرد استفادة من حالة اللادولة التي تمر بها البلاد، بما في ذلك عمليات بيع الوقود.

وشدد  على أن الموقف الرسمي لأفورقي يعتبر موقفاً داعماً للتفاوض. وأضاف “أفورقي أعلن دعمه لمنبر جدة في أكثر من مناسبة”.

الوسومالسودان ليبيا العلاقات السودانية الإيرانية حرب الجيش والدعم السريع علاقات السودان الدولية

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: السودان ليبيا العلاقات السودانية الإيرانية حرب الجيش والدعم السريع من جهة أخرى الأمر الذی فی السودان لـ التغییر إلى جانب إلى أن

إقرأ أيضاً:

الثالوث الذي دمر حميدتي

تظلّ دراسة الخصائص الشخصية والنفسية للقادة- مدنيين كانوا أم عسكريين، متفقين معهم كنا أم مختلفين- أمرًا مهمًا يكتسب أهمية قصوى في سياق الحاجة لمعرفة توجهاتهم وطرق تفكيرهم، وهو ما يساعد على القراءة والتنبّؤ بخطواتهم اللاحقة وبكيفية تعاملهم مع المواقف والأحداث.

وحين تكون الشخصية محل الدراسة، مؤثرة في حياة الناس سلبًا أو إيجابًا تزداد أهمية ذلك، فعلم النفس حول سلوك وسمات القادة الفعّالين، يكشف كيف يؤثر القادة على مواقف أتباعهم وسلوكياتهم وأدائهم.

تلك كانت مؤشرات الدراسات الاجتماعية والنفسية حول القادة، وهنا نحن أمام حالة ربما يعجز حتى علم النفس الحديث عن سبر أغوارها وتناول شخصيتها التي حطّت رحالها على عجل في المشهد السياسيّ والعسكريّ السوداني، فهي بلا تاريخ ولا حيثيات مقنعة لتتصدر كلّ هذا المشهد، ولتلعب كل هذه الأدوار الخطيرة والمدمرة.

إنها شخصية قائد مليشيا الدعم المتمرد السريع محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي، ومن خلال هذا المقال تلمس نشأتها في بواكير حياتها الأولى ليتضح من غير عناء أن شخصيته كانت أقرب (للمادة الخام) التي لم تُستصلح خامتها بالتطوير ولم تكتسب قيمتها بالإضافة.

فهو لم ينل حظًا وافرًا من التعليم، فقط مجرد إنسان بدوي بسيط على سجيته اكتسب شيئًا من طبائع البادية، حيث يولد الناس هناك أغلبهم أذكياء بالفطرة وشجعان بالميلاد، تطغى فراستهم على خوفهم وصدقهم على كذبهم، ورعايتهم للعهود على خيانتهم لها، بهذه الشخصية (الخام) وبكثير من الطموح القاتل الناتج عن الحرمان، ولج حميدتي المدن ودخل العواصم، ثم رأى الحضر وأهله لتختلط عليه الأمور متناسيًا البادية وأهلها، ومتخلّيًا عن طبائعها.

إعلان

وحول أخلاق أهل البادية يرى ابن خلدون أنها في المجمل مكان لجملة من الفضائل الإنسانية فيقول: (البدو أقرب إلى الخير من أهل الحضر وإن البادية أصل العمران، والأمصار مدد لها)، ثم يرى في كتابه أن الحضارة (تضعف من يملك أسبابها، ويستسلم لنعيمها، فتفسد الحضارة طبعه، ويستولي عليه الترف، فيفسد ويضمحل). وفي فصول أخرى، يبدأ ذمَّه لبعض حالات البداوة، وانتقاصه من شأنها.

بهذه الخصائص الشخصية والأوصاف النفسية دخل الجنرال في الدنيا الجديدة بكل تعقيداتها وتشعباتها العصية على مدارك فهمه وقدرة استيعابه، هناك حيث عِلية القوم وأكابر الناس، وحيث القادة العسكريون الحقيقيون تملأ النجوم والنياشين أكتافهم، تفتح لهم الأبواب وتصطف لهم طوابير الشرف، فيها رأى أصحاب المال والأعمال وخالط الأثرياء واحتك بالعوائل الغنية. 

في هذا العالم الجديد حيث مباهج الحياة ومغرياتها، دخل الجنرال في متاهة عميقة من الحوار العنيف بينه وبين نفسه، يحاورها ويستمع لصداها وهو يريد أن يكون كلَّ هذا؛ قائدًا عسكريًا عظيمًا كتفًا بكتف مع الجنرالات عبود وسوار الذهب والنميري والبشير والبرهان، ورأسماليًا كبيرًا يكنز الأموال ويحتكر الأعمال، يشيد المصانع ويناطح الأثرياء، يريد أن يصبح زعيمًا سياسيًا ضخمًا له من الأتباع ما يبزّ الترابي وآل المهدي وآل الميرغني.

باختصار، إنه يرغب في أن يكون كل شيء وبأقصى سرعة. فإذا كان قد وجد الطريق سالكًا نحو مقعد الرجل الثاني في الدولة، فلمَ لا يكون الأول فيصبح رئيسًا للسودان، كل السودان بمثقفيه ونخبه وعلمائه وجامعاته، بتاريخه ونضالاته، من لدن مملكة سنار وسلطنة دارفور إلى المهدية وجمعية اللواء الأبيض، ومنذ مثقفي نادي الخريجين ولحين مأثرة رفع الأزهري والمحجوب لعلم دولة 56 على سارية الاستقلال.

لِمَ لا، وقد اجتمع له ما لم يجتمع لغيره؛ المال والرجال، والسلاح والنفوذ، وفوق هذا وذاك الوهم الذي بلغ به حدًّا جعله يعتقد أن أي شيء في السودان قابل للبيع والشراء، الذمم والمواقف، الرجال والنساء، ما دام أن مناجم ذهبه لا تنضب، لقد وصل حمدان إلى نقطة اللاعودة.

إعلان

هذه الشخصيات المتعددة في جلباب حميدتي والتي تعيش داخل نفسه سوّلت له أمره وصنعت تلك الشخصية الجديدة المتخلقة (الهجين) التي تمسي هنا وتصبح هناك، تصالح اليوم وتعادي غدًا، تدخل في هذا الحلف وتنشئ غيره، تقول الشيء وتفعل ضده.

الشخصية الهجين هذه كانت أسيرة لثلاثية الجهل والمال والطموح، فاندفعت وانتفخت للحد الذي قادها لتنفجر على نفسها، ظن حمدان أن بمقدوره أن يتملك السودان بأرضه وشعبه وتاريخه، وأنه سيتوج نفسه أميرًا عليه.

كانت تلك سمات شخصيته المزهوة التي عبر عنها بعد يومين من اندلاع الحرب بكل غرور الدنيا وصلف العالمين حين قال: (البرهان ما عندنا معاه كلام، يسلم بس، وكان ما سلم بنستلمه).

كان حميدتي في داخله مفتونًا بالنخبة السودانية بوعيها وتاريخها وأرستقراطيتها وأمجادها وبأسلوب حياتها، واجتهد ما وسعه الجهد في مجاراتها، وعندما رأى نفسه صفرًا في مكيال التعليم وميزان الثقافة امتلأ حقدًا عليها، وراح يتعالى بالنياشين الكذوبة على كتفه ويظهر ذلك الحقد في تصريحه الشهير قبيل الحرب مهددًا سكان العاصمة الخرطوم: (لو قامت الحرب، عماراتكم السمحة دي إلا تسكنها الكدايس)، يقصد القطط.

كما قال الدكتور مصطفى محمود: فإن أشق الحروب هي حرب الإنسان مع نفسه، وهذا عين ما فعله حمدان بنفسه، من النعيم إلى الجحيم، ومن سعة الدنيا إلى ضيقها، من الاستحواذ على كل شيء إلى لا شيء.

ومن عجب أن المباهج ومغريات المدن لم تنسِه البادية وحدها، بل أنسته حتى طباعها التي جُبلت على مكارم الأخلاق، حين خاض حربه بلا أخلاق ولا مكارم، لم يكن حمدان ومرتزقته رجالًا ولا فرسانًا حيث خاضوا حربهم بأكثر درجات الجبن والنذالة، حرب الاستباحة لأملاك الناس والتعدي على حقوقهم وحرماتهم، هكذا كانت حرب الجنجويد من النوع البشع الغارق في الرذائل.

الآن أكملت حرب الجنجويد على السودانيين عامها الثاني، وهي تمضي نحو خواتيمها، إلى طردهم وإنهاء أسطورة حميدتي، الذي لم يتمكن من استلام البرهان ولا من حكم السودان، بل انتهى إلى مصير غامض ما بين هارب متخفٍ من ميدان المعركة إلى ميت لا وجود له إلا من خلال فيديوهات قصيرة، يعتقد أغلب السودانيين تهكمًا أنها مفبركة من إنتاج الذكاء الاصطناعي، بهدف خديعة جنوده بأن القائد معهم وبينهم في ميادين القتال يخوض المعارك.

إعلان

لم يحقق حميدتي شيئًا، ولم ينجح في شيء إلا الهزيمة واكتساب كراهية السودانيين ولعناتهم التي ستلاحقه حيًا وميتًا، فمشاعرهم الغاضبة لن تغفر تلك الآلام وذلك البؤس الذي صنعه بهم، فهي لم تتفق مجتمعة على أمر كاتفاقها على كراهية حميدتي ومليشياته، للدرجة التي تحولت إلى مزاج شعبي ومجتمعي عام لن ينساها السودانيون، ولن تطويها الأيام.

انتهى حميدتي إلى كونه ظاهرة صوتية، تظهر من حين لآخر عند كل هزيمة كبيرة يلحقها به الجيش السوداني، يبدو فيها دائمًا في حالة مزاجية سيئة، يكيل الشتائم والسباب على الجميع بطريقة أقرب للتشنج والتوتر، ثم يُمَنِّي ما تبقى معه من مرتزقة بنصر قريب لكنه لا يأتي أبداً.

ولأن حميدتي لا يملك مشروعًا واضح المعالم، سياسيًا أو فكريًا، غير تلك الخطابات الارتجالية التي تندرج تحت بند الكلام الدارج الذي يقال أمام الناس وفقًا لما يطلبه المستمعون، والذي يقابله عادة الناس كفاصل درامي يلعب فيه حميدتي دور البطل المهرج، فقد كان وِفَاضُ القائد خاليًا من أن يقدم مشروعًا متكاملًا يوازي أحلامه العريضة ورغبته الجامحة في حكم السودان.

المشروع الوحيد عند حميدتي هو مشروعه الشخصي القائم على الطموح الجامح، وحتى هذا كان أمرًا هلاميًا بلا سيقان أو هوية محددة تمكنه من التنفيذ، فغاب بالتالي مشروعه بغيابه هو كقائد، وانتهى كل شيء، الأحلام والأماني والقوات التي لا تُقهر ولا تخسر، وتبقت جزر المليشيا معزولة ومقهورة، تنتظر مصيرها المحتوم بالموت والهلاك.

كان ذلك هو مشروع حميدتي الهلامي، الذي ما استقرت له وجهة، ولا عُرف له مؤيدون، سوى من تم شراؤهم بحفنة معدودة من المال، سقط هذا المشروع بسقوط صاحبه، وشيِّع أتباعه ملفوظين من المجتمع السوداني السليم.

انتهى حميدتي، وانتهت قواته، وبقي السودان، رغم ما به من جراح غائرة، وحريق ورماد، إلا أنه سينهض ويحلق في الفضاءات من جديد، كما يفعل طائر الفينيق، معلنًا عودته للحياة مرة أخرى، فإرادة الشعوب الحرة لا تنكسر، وعزائمها الأبية لا تخور.

إعلان

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • قصة سانماي فيد الذي استحوذ على نطاق غوغل مقابل 12 دولار وكافأته الشركة
  • على طريق الانعتاق من الهيمنة المصرية «16 – 20»
  • حميدتي غير مؤهّل لا أخلاقيّا ولا سياسيّا ولا عقليّا لقيادة التغيير
  • مصر للطيران تنقل بعثة المنتخب الوطني إلى المغرب
  • ليبيا تدين «الهجوم الإرهابي» الذي استهدف موكب رئيس الصومال
  • مدير المركز الألماني السوداني للسلام: ما يجري تبادل أدوار بين”البرهان وحميدتي” وليس حربا
  • على طريق الانعتاق من الهيمنة المصرية (16 – 20)
  • الثالوث الذي دمر حميدتي
  • المسند: بداية موسم الخماسين التي تصاحبها الرياح والعواصف الترابية
  • قراءة تحليلية فيما ورد في الدستور الإنتقالي لجمهورية السودان 2025