الروائى ناص عراق: رمضان ارتبط فى أعمالى بنصر أكتوبر ورواية الأزبكية ولدت فى الشهر الكريم
تاريخ النشر: 11th, March 2024 GMT
الروائى الكبير ناصر عراق الفائز بجوائز كتارا والقائمة القصيرة للبوكر العربية يعتبر رمضان شهر البهجة والصفاء.
ويقول لـ«الوفد»:
يحتل الشهر الكريم فى ذاكرتى أكرم ركن، لكن تظل ذكرى حرب أكتوبر 1973 التى اندلعت فى العاشر من رمضان من أنبل تلك الذكريات وأكثرها عزة وفرحة، ففى ذلك الوقت كنت صبياً فخوراً بأشقائى الثلاثة الكبار، إبراهيم وفكرى وفوزى، الذين يكيلون للعدو الصاع صاعين على جبهات القتال.
وتمر الأيام، ويزورنا رمضان كل عام فأبتهج، ثم يغادرنا فأحزن، وأفرح بقدومه الرائع من قرن إلى آخر، حتى يتسلل هو وحرب أكتوبر إلى بعض رواياتى، فقد استرددت ذكريات الشهر الكريم وطقوسه الساحرة ونصر أكتوبر وحلاوته التاريخية فى روايات (أزمنة من غبار/ 2006)، وفى (نساء القاهرة. دبى/ 2014)، وفى (الكومبارس/ 2016).
أذكر أيضاً أن الشهر الكريم أهدانى بعض الحلول الفنية عندما كانت أحداث روايتى (الأزبكية/ 2015) تتعقد منى وتفقد انسيابها وسيولتها، فكنت أتوقف عن الكتابة مضطراً، والغيظ ينهش منى العقل والصدر والوجدان، لكن مع أجواء رمضان بطقوسه وعاداته وشعائره، أجدنى مبهوراً وأنا أتلقى الإلهام الروائى الجميل فى صباح رمضانى مشرق بالأمل والنعيم، وهكذا تتفكك العقدة الفنية التى أعجزتنى عن مواصلة الكتابة، وأرانى منكباً على أحداث الرواية من جديد مدججاً بابتكار فنى لافت، ومعززاً بلغة روائية متفردة كما أظن.
أذكر أيضاً أن فكرة رواية (الأزبكية) نفسها انبثقت فى عقلى فى لحظة رمضانية فارقة، إذ كنت أطالع فى نهار رمضانى رائق كتاب الشيخ الجبرتى الأشهر (عجائب الآثار فى التراجم والأخبار)، حيث ذكر أن نابليون بونابرت أصدر أمراً لجنوده عندما وصل بحملته إلى مصر عام 1798... يقول الأمر الغريب الذى صدر بناء على توسل شيوخ الأزهر وكبار تجار مصر المحروسة: (على جميع الجنود أن يقللوا سرعة الحمير وهم يمتطونها فى حارات القاهرة وأزقتها).
هذه الجملة القصيرة بدلالتها الاجتماعية والسياسية والنفسية هى التى أوحت لى بكتابة الأزبكية، التى ظللت عاكفاً عليها لمدة عامين كاملين، حتى نضجت واستوت وقرأها الناس.
أجل... رمضان شهر جميل استثنائى يشرح الصدر ويرطب الوجدان ويهذب النفس.
المصدر: بوابة الوفد
إقرأ أيضاً:
رمضان كريم
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
شهر رمضان له عبق خاص يميزه عن كل شهور السنة، يكفى أنه الشهر الذى أُنزِلَ فيه القرآن، والمسلمون يحتفون فى كل بقاع الدنيا بقدوم هذا الشهر احتفاءً كبيرًا، غير أن احتفاء المصريين واحتفالهم به يتخذ أشكالًا عجيبة وغريبة، سر غرابتها أنها تنطوي على تناقضات ومفارقات فجة، منها على سبيل الدلالة لا الحصر أن غالبية المصريين يتأهبون لاستقبال الشهر بتوفير ما لذ وطاب من المأكولات والمشروبات وبكميات كبيرة ترهق البطن والجيب معًا، رغم أن جوهر فريضة الصوم يتمثل فى العزوف عن شهوات النفس والبطن والغريزة.
يسلك المصريون المسلمون وكأنهم مقبلون على شهر «إفطار»، وليس شهر «صيام». أليس فى ذلك دلالة على أننا فى سلوكنا الدينى نغفل، بل نهمل الجوهر ونتمسك بالمظهر؟ وفقًا لما يحدث على أرض الواقع يمكننا أن نطلق على شهر رمضان «شهر المسلسلات» وليس «شهر العبادات» بسبب التفاف الناس حول التليفزيونات لمتابعة المسلسلات التليفزيونية الحافلة بالمشاهد الفاضحة والألفاظ والمصطلحات الشعبية القبيحة التي تتعارض مع أبسط القيم الأخلاقية والدينية التي يدعو إليها هذا الشهر الفضيل. هذا من ناحية، ومن ناحية أخري لو أن الملايين – بل المليارات – من الجنيهات التي أُنفقت على هذه المسلسلات؛ لو أنها أُنفقت على المستشفيات التي يلجأ القائمون عليها إلى التسول – عبر شاشات التليفزيونات - طوال شهر رمضان؛ لو أن هذه المبالغ الطائلة من المال صُرِفَت على كافة المستشفيات المصرية؛ لصارت فى وضع صحي عظيم.
اللافت للنظر، خلال نهار أي يوم من أيام رمضان، أن الواحد منا حين يصدر عنه ما ينم عن نفاد الصبر، نقول لبعضنا البعض: «معلهش.. أصله صايم!!»، وكأن الصيام يعطى رخصًة للمرء بارتكاب الأخطاء، فى حين أن الصيام يرقى بالنفس ويتسامى بها، فلا يصدر عن صاحبها إلا كل خير، أما نفاد الصبر وسرعة الغضب بحجة «أننى صائم»، فهى سلوكيات تتناقض تناقضًا تامًا مع الغاية الحقيقية لهذه الفريضة.
مشهد عجيب وغريب، ومؤسف فى الآن نفسه، نلاحظه جميعًا فى شهر رمضان خلال اللحظات التى تسبق أذان المغرب، نشاهد انطلاق السيارات فى شوارعنا بطريقة جنونية، الكل يسابق الزمن حتى لا يفوته الطعام حين يؤذن المؤذن، فى حين أن هذا المهرول قد فاته أن الهدف من الصيام هو الإحساس بألم الجوع الذي يعايشه الفقراء والمساكين طويلًا.
مشهد آخر نادرًا ما نراه في غير شهر رمضان، ونعنى به ازدحام المساجد بالمصلين حتى أن بعض الشوارع قد تُغلق بسبب كثافة عدد المصلين داخل المسجد، واضطرار عدد كبير منهم للجوء إلى الصلاة فى بحر الشارع.
هذا الإقبال المكثف لا نجده سوى فى رمضان، وكأن المعبود موجود فى هذا الشهر فحسب، وهذا فى ظنى تفكير أخرق، ينم عن عقلية سطحية، صاحبها «متدين موسمي» يتعبد موسميًا، إذا حل شهر رمضان صام وصلى، وإذا انقضى الشهر فلا صلاة ولا صيام!!
هل هكذا يكون التدين الحق؟ إنه تدين ظاهري، يتمسك صاحبه بالقشور، ويترك اللباب. إن كثيرًا مما نعانى منه مصدره التدين الظاهرى الذى يصل إلى حد الزيف.
حكى لى أحد الأشخاص أنه كان يرافق امرأة، وحدث أثناء زناه بها أن سمعت صوت الأذان فطلبت منه بحدة وصرامة أن يتوقفا حتى انتهاء الأذان ثم يكملا ما كانا يمارسانه.
انتبهت تلك السيدة لصوت الأذان، ولم تنتبه إلى كونها تمارس الفحشاء. تناقض فج فى السلوك ينبنى على تدين زائف لم يصل إلى شغاف القلب، ولم يمسس جوهر الروح!!.
أستاذ المنطق وفلسفة العلوم بآداب عين شمس