لجريدة عمان:
2025-02-02@08:16:28 GMT

الإسلام وأهل الكتاب.. النشأة الإبراهيمية

تاريخ النشر: 11th, March 2024 GMT

رمضانَ الجاري.. أعرض فيه خمسة مقالات عن العلاقة بين الإسلام وأهل الكتاب، كثيرون كتبوا حول هذه العلاقة، بيد أن كتاباتهم مستمدة من التراث اليهودي والمسيحي والإسلامي، أو بالتحليل التأريخي وفقًا لرؤية أيديولوجية مركبة من حقول معرفية مختلفة، وقليل مَن انطلق مِن النص القرآني الخالص.

المقال.. يقرأ هذه العلاقة من القرآن وحده، فإن قلتَ: أليس أيضًا هذا اجتزاء معرفي؟ قلتُ: عملي هذا.

. ليس تكوين رؤية ناجزة عن الموضوع، وإنما هو محاولة فهم الوضع القائم زمن النبوة، وأزعم بأننا كنا نقرأ القرآن بمعتقداتنا لا بما نطق به القرآن، ولعل هذه القراءة تضعنا على سكة الوعي بالنص الديني.

وجد نبي الإسلام محمد بن عبدالله في بيئة بها أكثر من ديانة، وكان أكثرها تأثيرًا والأقرب للتوحيد -مع الحنفاء- اليهودية والنصرانية، فلم يعمل على القطيعة العقدية التامة معهما، كما فعل مع الوثنية، وإنما بنى على معطياتهما باعتبارهما رسالات أوحي لأنبيائها من عند الله.

اليهودية والنصرانية.. تقدمان نفسيهما بأنهما تنتسبان إلى النبي إبراهيم، ليس باعتباره مرسلًا من الله فحسب، وإنما أيضًا باعتباره أبًا دمويًا ينتسب إليه بنو إسرائيل بكونهم حاملي الرسالة الإلهية من بعده، والمتمثلة في التوراة والإنجيل.

ومن المهم أن أبيّن بأن هناك فرقًا بين النصرانية؛ وهي الجماعة المنتسبة لدين المسيح في جزيرة العرب وما جاورها، وتتبع غالبًا المذهب النسطوري، وقت تنزُّل الوحي، وهؤلاء انقرضوا بمرور الزمن، إما بدخولهم الإسلام، أو بتحولهم إلى مذاهب أخرى.

وبين المسيحية؛ وهي المذاهب التي حصلت فيها تحولات عقدية بيّنة في الدولة الرومانية لتنشأ منها الكاثوليكية والأرثوذكسية، وأخيرا البروتستنانية.

ومن نافلة القول: إن اليهود لا يعترفون بالإنجيل لعدم اعترافهم بنبوة عيسى بن مريم، والنصارى يعترفون بالتوراة باختلاف بين طوائفهم في قبول بعضها ورفض الآخر، كما أن مفهوم النبوة في اليهودية يختلف عنه في الإسلام، وقد اعتمدت هنا المفهوم القرآني.

معتقد أهل الكتاب.. احتكار النبوة في نسل إسحاق بن إبراهيم، ولا يعترفون بها في غيرهم، ومن إسحاق كان يعقوب المعروف بـ«إسرائيل»، وعُرِف أبناؤه بالأسباط وهم اثنا عشر سبطًا كوّنوا بني إسرائيل، ولكنهم كانوا يعترفون بأن للنبي إبراهيم ابنًا أكبر من إسحاق هو إسماعيل، ومن المفترض أن ينال هو «العهد النبوي» بعد أبيه، إلا أنهم أبعدوه لأن أُمَّه -كما يعتقدون- أَمَة.

هذا معتقد يقوم على أساس عرقي بحت، اصطفاهم بأن يكونوا «شعب الله المختار»، وقد عالج القرآن هذا المعتقد بتقرير الآتي:

- اعتماد إبراهيم «إمامًا للناس»، بما يتجاوز الأبوة النَسَبية والاحتكار الديني والديانة المنغلقة بالشعب الإسرائيلي، الحاصل في اليهودية: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً) البقرة:124 .

- تجريد العهد النبوي من الارتباط النَسَبي الذي اعتقده أهل الكتاب، فهو ليس حكرًا على نسل محدد، فعندما يفسد هذا النسل فليس لهم عند الله عهد: (قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) البقرة:124 . فـ(اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ) الأنعام:124 .

- رغم أن القرآن جرّد «الأبوة الإبراهيمية» من العنصرية النَسَبية التي اعتقدها بنو إسرائيل، إلا أنه -باعترافهم بأن إسماعيل هو الابن الأكبر للنبي إبراهيم وأب للعرب- أكد على هذه الأبوة للعرب أيضًا: (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْل) الحج:78 .

- إبراهيم.. لم ينزل فلسطين وحدها، وإنما نزل كذلك مكة، وله فيها مقام: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ، فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) آل عمران:96-97 .

- نزّه القرآن إبراهيم من الطائفية الدينية، فهو ليس يهوديًا ولا نصرانيًا، واستبدل بذلك الإسلام الحنفي: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ، هَأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ، مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلَا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) آل عمران:65-67 .

وكل أنبياء بني إسرائيل من سلالته هم مسلمون: (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) البقرة:132 . سيتحول الإسلام لدى المسلمين كذلك إلى «طائفة دينية»، لكن ليس هنا محل الحديث عن ذلك.

- كسر القرآن احتكار أهل الكتاب النبوةَ، فالنبوة.. بدأت من النبي نوح السابق على إبراهيم، ثم وجد أنبياء من بعد نوح وقبل إبراهيم، وهناك أنبياء عرب كصالح وشعيب وهود، بل هناك أنبياء لم يقصصهم الله، وبالتالي؛ محمد نبي يوحى إليه كأنبياء بني إسرائيل: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورا، وَرُسُلا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً) النساء:163-163 .

- بتجريد إبراهيم من اليهودية والنصرانية، وتقرير أن التوراة والإنجيل أنزلتا بعده، وأن الإسلام هو دين الأنبياء؛ لأنه دين إبراهيم، فإن أولى الناس به مَن اتّبعه، ومَن اتّبع الإسلام الحنفي «ملة إبراهيم» كالنبي محمد وأتباعه: (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا) آل عمران:67 .

- مع ذكر القرآن تفضيل بني إسرائيل على العالمين؛ لأن النبوة تسلسلت فيهم، إلا أنه نفى عنهم كونهم «شعب الله المختار»، فهم.. منهم المحسن والظالم كغيرهم من البشر: (وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّا مِنَ الصَّالِحِينَ، وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ) الصافات:112-113 ، ولذلك؛ أنكر الله عليهم اتكالهم على «التفضيل النَسَبي»، فما هم إلا بشر كغيرهم: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ) المائدة:18 .

وخلاصة «النشأة الإبراهيمية» التي تربط بين الإسلام وأهل الكتاب، ظهرت بوضوح في كون إبراهيم أبًا أعلى للنبي محمد، وأنه كان حنيفًا مسلمًا، ولم يعترف القرآن بالتوراة والإنجيل مرجعًا لمعرفة النبي إبراهيم للمحاجة فيه، بل اعتبر من يقرر حقيقة إبراهيم هو الوحي الذي يأتي إلى الأنبياء؛ ومنهم النبي محمد.

وقد اقتصر القرآن في قصة إبراهيم لتأكيد هذه العلاقة على وجوده في مكة لرفع قواعد البيت، والتي رفعها هو وابنه إسماعيل، ولم يذكر القرآن صراحة بأن الذبيح هو إسحاق، فتخلخل الطرح التوراتي بهذا الشأن، واختلف المسلمون فيمن هو الذبيح بين إسماعيل وإسحاق، بل غلب التصور لديهم بأنه إسماعيل: (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ ... وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّا مِنَ الصَّالِحِينَ) الصافات:102-112 . ولم يحكِ القرآن عن وجود إبراهيم في فلسطين، لتترسخ صورته في مكة التي بها بيت الله، وجعله أساس التوحيد.

وهكذا.. لم ينفِ القرآن علاقة بني إسرائيل بالنبي إبراهيم، فهم أهل الكتاب؛ التوراة والإنجيل، لكنه نقل محوريته منهم إلى «العرب الأميين»، ولذلك؛ وصف النبي إبراهيم بأنه «أُمَّة»: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً) النحل:120 ، لتصح نسبة النبي محمد إليه، ويلزم بني إسرائيل اتباعه: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ) الأعراف:157، وستتحول «الأمية» التي يلمز بها أهلُ الكتاب العربَ: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ) آل عمران:75 ، إلى منقبة لهم: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) الجمعة:2 .

خميس العدوي كاتب عماني مهتم بقضايا الفكر والتاريخ ومؤلف كتاب «السياسة بالدين»

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: النبی إبراهیم بنی إسرائیل أهل الکتاب آل عمران

إقرأ أيضاً:

سر العلاقة بين الشوعيين واتباع محمود محمد طه

هل سأل أحدنا عن السر في الإلفة بين الشيوعيين واتباع محمود محمد طه؟!
للإجابة على هذا السؤال ينبغي العودة إلى الوراء قليلا في تاريخ السودان الحديث، هناك سنجد الآتي:
فى عام 1955 كتب محمود محمد طه كتاب “أسس دستور السودان” وصدر الكتاب قبيل استقلال السودان، ونادى فيه مؤسس الفكر الجمهوري إلى إنشاء (جمهورية رئاسية، فدرالية، ديمقراطية، واشتراكية).
وقبيل ختام ذات العام -في نوفمبر- جاء انقلاب الفريق إبراهيم عبود، وتم حل جميع الأحزاب السياسية. فكتب محمود محمد طه خطابا وجهه إلى الرئيس عبود، أرفق معه كتابه أسس دستور السودان، وطالبه بتطبيق مقترحه بإقامة حكومة (ديمقراطية، اشتراكية وفدرالية)، وتم تجاهل طلب محمود، فواصل نشر أفكاره متنقلا في أرجاء السودان وفي المنتديات العامة. وخلال عامي 1966-1967 أصدر الرجل ضمن رسائله/كتبه العديدة، ثلاث منها ضمنها مرتكزات الفكر الجمهوري، وهي:
– الرسالة الثانية من الإسلام.
– طريق محمد.
– رسالة الصلاة.
ومن هذه المصادر الموثوقة لديهم سأورد تلك الركائز التي يقوم عليها الفكر الجمهوري:
1- إيجاد الفرد البشري الحر (الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر ويعمل كما يقول).
2- إقامة المجتمع الصالح (وهو المجتمع الذي يقوم على المساواة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية).
* المساواة الاقتصادية: وهي تبدأ بالاشتراكية وتتطور نحو الشيوعية.
* المساواة السياسية: وهي تبدأ بالديمقراطية النيابية المباشرة وتنتهي بالحرية الفردية المطلقة، حيث يكون لكل فرد شريعته الفردية.
* المساواة الاجتماعية: حيث تمحي فوارق الطبقة واللون والجندر والعقيدة.
3- محاربة الخوف.. “والخوف من حيث هو الأب الشرعي لكل آفات الأخلاق ومعايب السلوك (ويعني هنا مخافة الله)، ولن تتم كمالات الرجولة للرجل وهو خائف، ولا تتم كمالات الأنوثة للأنثى وهي خائفة في أي مستوى من الخوف وفي أي لون من ألوانه، فالكمال هو السلامة من الخوف” رسالة الصلاة، ص 62.
* يقول محمود: (الشيوعية تختلف عن الاشتراكية اختلاف مقدار، فكأن الاشتراكية إنما هي طور مرحلي نحو الشيوعية، ولقد عاش المعصومُ الشيوعية في قمتها) الرسالة الثانية ص 147.
4- يقول محمود: (إنهم سوف يحكمون ـ في حال وصولهم للحكم – بالشريعة الإنسانية التي أدناها القانون الدستوري الذي جوهره رفع الوصاية عن الرجال والنساء ـ كما يقولون.
5- يكرر محمود بأنه (ليس في القرآن قانون دستوري، ويركز كذلك على أن الشريعة الإسلامية إنما قامت على الوصاية، وحيث كانت الأمة قاصرة كان النبي وصيًا حتى على الرجال، فإن الرجال بدورهم ـ وعلى ضوء قصورهم ـ كانوا أوصياء على النساء، وأنه جاء الآن لرفع هذه الوصاية عن الرجال والنساء بعد أن وصل النساء إلى مستوى الرسالة الثانية التي جاء بها).
– يقول: (لقد تلقى النبي عليه السلام رسالته عن الله بواسطة جبريل، وسمى هذه الحالة ـ حالة تلقى الرسالة عن طريق الوحي ـ حالة الإدراك الشفعي، حيث يكون النفخ من الخارج، والخوف هنا يكون حاضرًا).
6- الدين ـ في نظره ـ هو الصدأ والدنس وذلك كله كان بسبب الكبت الذي جرى منذ نشأة المجتمع البشري والذي لا يزال يجري، وقد قام في ظل الأوهام والخرافات والأباطيل التي صحبت علمنا بالله وبحقائق الأشياء وبما يكون عليه الواجب عليها نحو أنفسنا ونحو الله ونحو الجماعة.
– يقول بأن مستوى شريعة الأصول هو مستوى الرسالة الثانية من الإسلام، وهي الرسالة التي وظف حياته للتبشير بها والدعوة إليها.
– يزعم بأن محمدًا ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو الإنسان في سائر أمته، إذ كانت له شريعة خاصة قامت على أصول الإسلام وكانت شريعة أمته تقوم على الفروع.
إنتهى
ألا تدل هذه الركائز بأن الفكر الجمهوري ليس سوى (تفريغ) للاسلام من داخله؟!..
وللعلم فإنني لم اتطرق إلى عقيدة وحدة الوجود التي يتخذها محمود مرتكزا، ولعلي أفرد لذلك مقالا منفصلا إن شاء الله.
من هذه الركائز تظهر جلياً نقطة الالتقاء بين الشيوعية والفكر الجمهوري.
فمنابت الشيوعية تحكي عن تربة لافظة وشانئة للدين من حيث الأصول الفكرية اعتقادا وممارسة ومظهرا، ومعلوم بداهة أن أيما فكر ينبت في بيئة كهذه يظل يحمل ذات الصبغة والمرادات، مهما تقاربت الأغصان وتلونت الاوراق وتشكلت العراجين وتباينت الثمار.
فمن منا ينسى عبارات مثل (الدين افيون الشعوب)؟، ولإن لم تسمعها أجيال اليوم فقد سمعناها من أفواه شيوعيي الأمس سنين عددا، وإذا خَفَتَ الصوتُ منهم بهذا الشعار فإن انكارهم للزكاة وهي الركن الثالث من الإسلام معلوم، وكذلك رفضهم لآيات الميراث، ولعمري إن قراءة في كتابات صاحب الطير المهاجر صلاح أحمد إبراهيم رحمه الله -بعد طلاقه للفكر الشيوعي والحزب-، وكذلك اعترافات راحلنا صاحب الخطى المكتوبة أحمد سليمان المحامي رحمه الله في كتابه الثمين مذكرات شيوعي اهتدى وسواها من كتابات المهتدين؛ ليعلم القارئ يقينا سعي الفكر الشيوعي إلى محاربة الاسلام جهارا نهارا منذ نشأته.
ولكن:
هل يستطيع الحزب الشيوعي السوداني التصريح والإعلان عن منهجه هذا ومراده في مجتمع يتجذر فيه الإسلام بيقينياته وسلوكه ومظهره؟
بالطبع لا…
اذن لابد من البحث عن واجهة ومظلة يفعلون ذلك من خلالها…
هذه الواجهة وتلك المظلة هي محمود محمد طه وفكره الجمهوري.
فالفكر الجمهوري محسوب على الإسلام، لما فيه من استشهاد بالقرآن الكريم -وان اقتصر على المكي منه فقط-، وكذلك استشهادهم ببعض أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وإن كان المحمود في التقائهما أنهما بلا قواعد تذكر، وبذلك يصدق فيهما المثل السوداني الشهير اتلم التعيس علي خايب الرجا وصفا للمّتهما.
عادل عسوم

adilassoom@gmail.com

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • تفكيك خطاب الإقصاء والتكفير في كتاب "الفرقة الناجية.. وهم الاصطفاء".. جديد الدكتور محمد بشاري في معرض الكتاب
  • علي جمعة: حب الله ورسوله وأهل بيته من أركان الإيمان
  • معارك ثقافية فى ذاكرة الكتابة المصرية.. «الشعر الجاهلي» و«الفن القصصي فى القرآن» و«أولاد حارتنا» كتب أثارت الجدل بأفكارها الجريئة
  • سر العلاقة بين الشوعيين واتباع محمود محمد طه
  • جناح الأزهر بمعرض الكتاب يقدم لزواره سلسلة "حقيقة الإسلام" بـ 14 لغة
  • جناح الأزهر بمعرض الكتاب يقدم لزواره سلسلة حقيقة الإسلام بـ14 لغة
  • جناح الأزهر بمعرض الكتاب يقدم لزواره سلسلة «حقيقة الإسلام» بـ14 لغة
  • إبراهيم الهدهد: الفاسد لن ينجو من عذاب الله
  • إصدار جديد بالصينية.. جناح الأزهر بمعرض الكتاب يقدم كتاب «مقومات الإسلام» للإمام الطيب بـ 15 لغة
  • إصدار جديد باللغة الصينية.. جناح الأزهر بمعرض الكتاب يقدم مقومات الإسلام