لجريدة عمان:
2025-01-30@12:33:08 GMT

لأجل إعلام اجتماعي.. «الوسيط أهم من الرسالة»

تاريخ النشر: 11th, March 2024 GMT

لم يعد من الممكن الانصراف عن التطورات الهائلة التي تجذرت في السيسيولوجيا الجديدة والتي باتت تحيط بالظاهرة الاجتماعية وتعمل على الكشف عن دقائق الفعل الإنساني، وتبحث في طبيعة العلاقات التي تربط بين كل الفاعليات الاجتماعية كونها تحققت من جدارة «بينية» العلوم كدرس أبستمولوجي من غير المعقول الانسحاب من تبعاته أو التهرب من تجلياته، والحال كذلك فإن الخطاب الإعلامي تقوم وظيفته على تلخيص مضمون الحِراك الاجتماعي للكشف عن المنطق الداخلي والارتباطات المؤسسية المُحِيلَة أي نشاط لغوي إلى جُملة مفاهيم مُعاوِضة للبنى وجاعلة وظائفها أكثر محايثة للواقع وأنماطه المختلفة، وحاجتنا ماسة إلى محاصرة حالات الوثوقية في البنية الاجتماعية العامة والتي من مظاهرها تواضع إعلام الإنسان مما قد يقعد بعمليات التطور، ويجمّد الوعي ويطلق للتعصب والانكفاء علاماته المضيئة.

والخطاب الإعلامي يحمل في تجاويفه أغلب مظاهر الوعي الاجتماعي عابرًا بها من الصورة إلى الوظيفة، وقد توقف هذا الخطاب عن كونه مجرد ناقل إلى اعتباره جوهريًا في تتبع ورصد العلاقات بين البنى الاجتماعية المختلفة، وهذا هو مصدر المقولة الرائجة بأننا نعيش في «قرية كَونيَّة»، وهي عبارة دارجة في الأوساط العلمية والثقافية بعد الثورة التكنولوجية التي سهّلت عمليات الانتقال وَأَلغَت الحدود بين المجتمعات، ورغم أنها حققت هذا الفتح الكبير إلا أن مشكلة علاقة المعرفة بالهويات الاجتماعية المختلفة ظلت حاضرة وتضغط بتأويلها بصورة مستمرة، يحدث هذا مع تصاعد مدّ الليبرالية الجديدة والتي لم تكتف بصنع العالم على صورة واحدة بل انتهى جهدها إلى إعلان نهاية التاريخ البشري، وأن المتاح فقط هو إنزياحات جمالية مقهورة بالمعنى ومُطلَقْة الحريّة بقيّد اللفظِ لا الاختيار الحُر.

وفي ظل التعاظم الكبير الذي تمارسه التكنولوجيا في حياة الناس لم يعد الوسيط الإعلامي طامحًا إلى إعلان عمليات الإلغاء بل زادت حميّته ناحية اشتقاقات لا تسمح بالخصوصية مما جعل من الإعلام العالمي الجديد وبمختلف قوالبه طريقة لتفكيك التناسج الثقافي بل وتعدى طموحه إضعاف حقائق التنوع لصالح أغراض الوسيط المُحمل برسالة الآخر المطلق، وهذا ما حدا بالفيلسوف الفرنسي «ريجيه دوبريه -1940م» أن يعمل على اجتراح سُبل جديدة لمطاوقة المجال الذي تتحرك فيه المعرفة عبر/إلى المجتمعات، وهو يريد أن يفتح مسارات مفهومية أوصلت جهده إلى أن الشعار الكبير لنظريته حول الوسيط بالقول إن: «الوسيط أهم من الرسالة» وهو إذ يفعل ذلك فلأجل أن يلاحق التمددات المؤذية للخصوصيات الاجتماعية من قِبل اللّيبرالية وعقيدتها التي صارت أكثر ولعًا بالتنميط واكتسابها صفة العمومية بالقوة والتأثير، وهو ما بات يهدد المجتمعات المستهلكة للمعرفة ولا يسمح لها القيام بأدوارها لصالح ترسيخ بُنى الفهم وتعميق آثار الوعي المعبر عن حقائقها الاجتماعية، وذلك لأنها ببساطة لا تتحكم في الوعي بسبب أن العالم الأول يرسم لها خطاطات معينة كونه استطاع أن يجعل من الوعي رهينا للمدن المحمولة على البيانات.

وفي الراهن الذي نعيشه فإن الخطاب الإعلامي انتقل من مجرد آلية لتسويق المعرفة إلى قوة بناء المعرفة ذاتها، وبالتالي التحكم في تحويل الأفكار والمعارف إلى رؤية كونية قادرة على العمل والتأييد دون رقيب، ومن معالم الخطاب الإعلامي العالمي الراهن وهو يسير في كنف السيسيولوجيا الجديدة أنه يمارس القمع بالأرقام والإحصاءات، أما إنسان هذه المجتمعات فهو رهينة وينبغي عزله أكثر عن وسطه وقيمه لذا بات الإعلام غير معني بالاختلاف وتصعيد جدارات الحوار بين المجتمع ومؤسسات صناعة الرأي، وهنا فإن ما نحتاجه في عالمنا العربي أن يمارس الخطاب الإعلامي وظيفة الترويج والتأثير ولكن عبر بناء المعرفة، وليفعل ذلك فإنه مطالبٌ بالخروج من سوء الظن العريض بنفسه كونه ناقل فقط إلى تحقيق التنظيم والترويج والتأثير على الفاعل الاجتماعي.

إن الوسائط ليست بريئة فهي نتاج أيديولوجيا بعينها «أيديولوجيا العولمة» وتعميم الكوني على الخصوصي، ولذا فإن دراسة المحتوى في هذه الوسائط لا يمكن أن تتم بمعزل عن الأساس الثقافي الذي قامت عليه، ودور الإعلام الآن القيام بإعادة إنتاج ما تُصَدِره الأنظمة الاجتماعية والعمل على تعميم المضامين العُليا طمعًا في النفاذ إلى حقائق مجتمعاته لصالح عمليات الانتقال الإيجابي وتثبيت مفهوم أنسنة الخطاب الإعلامي، ويحتاج كذلك إلى الاتصال بالسيسيولوجيا والاعتراف بها كدرس إلزامي لفهم المجتمعات فوسائله المختلفة تحتاج أن يعاد النظر في وظيفتها والبحث عن طبائعها وأدوارها، وذلك لأجل معرفة التحولات الاجتماعية الكبرى التي تعيشها المجتمعات العربية هذا إن كانت وسائل الإعلام بمختلف أشكالها لا تزال بحاجة إلى تمديد حضورها داخل البنى الاجتماعية المختلفة لتستطيع القيام بدورها في فهم المجتمع وآفاقه المتماوجة وتقوم بعمليات التعبير عنه بصورة حقيقية.

إنه ولأجل القيام بهذه المَهمة، مهَمة تحديث الخطاب الإعلامي فإن ربطه بالفاعل الاجتماعي عبر آليات البحث الميداني وبناء إعلام الواقع والتركيز أكثر لا على الفعل بقدر الفاعل الاجتماعي سيرتفع بالخطاب إلى مستوى التمثيل، ومن المهام التي تنتظر المؤسسات الإعلامية أن تُعَظِّم حضور المجتمع لتؤسس خطابها على هدىً من واقع إنسانها وحقائقه الاجتماعية والاقتصادية، وهنا فإن الأجهزة الإعلامية مطالبة بتطوير وسائطها والخروج من القوالب التقليدية والتبويبات إلى صناعة إعلام تفاعلي يعيد للصحيفة والشاشة والصوت الموقع المؤثر في السياق الاجتماعي.

غسان علي عثمان كاتب وباحث سوداني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الخطاب الإعلامی

إقرأ أيضاً:

مغاربة التحقوا بالمقاومة واستشهدوا لأجل فلسطين

نفذ الشاب المغربي عبد العزيز قاضي عملية طعن ضد إسرائيليين في موقعين بمدينة تل أبيب في 21 يناير/كانون الثاني 2025، وقبله شارك عدد من المغاربة في عمليات مقاومة ضد إسرائيل ونفذوا عمليات عسكرية ضد جيش الاحتلال، سواء داخل فلسطين أو في جنوب لبنان.

فيما يلي أشهر المغاربة الذين انضموا للمقاومة الفلسطينية واستشهدوا أثناء تنفيذهم عمليات ضد إسرائيل:

عبد العزيز قاضي

ولد في 8 يونيو/حزيران 1995 بقرية بندلالة التابعة للجماعة القروية (تقسيم إداري في المغرب) الروحا بإقليم زاكورة جنوب شرق المغرب.

توفيت والدته وهو طفل فرعاه والده، وترعرع وسط أسرة متواضعة، تلقى تعليمه الأساسي والثانوي في مدينة زاكورة ثم التحق عام 2017 بالكلية متعددة التخصصات في مدينة ورزازات، لكنه لم يكمل تعليمه الجامعي.

هاجر إلى الولايات المتحدة الأميركية عام 2022 بعد أن فاز في برنامج قرعة البطاقة الخضراء (غرين كارد) واستقر في مدينة بروكلين بولاية نيويورك.

في 18 يناير/ كانون الثاني 2025 سافر إلى إسرائيل عبر رحلة جوية من بولندا، وفي 21 من الشهر نفسه نفذ عملية طعن في موقعين مختلفين بمدينة تل أبيب، أسفرت عن إصابة 4 إسرائيليين، بينهم جندي كان قد أصيب في المعارك بقطاع غزة، وهي العملية التي باركتها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وحركة الجهاد الإسلامي ونعتا منفذها.

مصطفى قزيبر

ولد مصطفى علال قزيبر في 9 يونيو/حزيران 1966 في مدينة أرفود جنوب شرق المغرب، هاجر مع والده -الذي كان يعمل في قطاع البناء- إلى العراق وعمره آنذاك لم يتجاوز عشر سنوات.

إعلان

في عام 1990، سافر إلى ليبيا لينضم إلى أمه وأخته اللتين كانت تقيمان هناك، وأثناء إقامته هناك تعرف على عناصر من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عام 1992، وانضم إليها ثم سافر إلى لبنان.

خاض عمليات عدة ضد مواقع الجيش الإسرائيلي، واستشهد يوم 2 فبراير/شباط 1994 في عملية مشتركة في قرية بيت ياحون على الحدود اللبنانية الفلسطينية.

استعادت الجبهة الشعبية رفاته في عملية الرضوان التي أشرف عليها حزب الله اللبناني عام 2008.

وفي 3 سبتمبر/أيلول 2008 وصل رفاته إلى المغرب، ودفن في مسقط رأسه بأرفود في جنازة حضرها أفراد عائلته وأصدقاؤه وممثلو المجتمع المدني.

الركراكي النومري التحق بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين واستشهد عام ١٩٨٨ (مواقع التواصل الاجتماعي) الركراكي النومري

ولد في مدينة آسفي (جنوب وسط) سنة 1945، متزوج وله أربعة أبناء. سافر إلى العراق عام 1981 للعمل سائقا في محافظة ديالي، ولم يرجع إلى المغرب إلا مرة واحدة في إجازة قصيرة.

التحق بقواعد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في العراق، وخضع لدورات تدريبية مكثفة في السلاح، ثم غادر إلى لبنان.

استقر في البداية بقواعد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في العاصمة اللبنانية بيروت، قبل الانتقال إلى قاعدتها في صيدا جنوب البلاد.

استشهد في 25 نوفمبر/تشرين الثاني 1988 بعد إصابته بصاروخ من طائرة إسرائيلية أطلقته على المدفع المضاد للطائرات، الذي كان يتصدى به للقصف الإسرائيلي على المخيمات الفلسطينية في جنوب لبنان.

دفن في مقبرة الشهداء في صيدا، ولم تعلم عائلته باستشهاده إلا بعد عشرين عاما.

الحسين بن يحيى الطنجاوي

ولد عام 1945 في مدينة تطوان شمال المغرب، تلقى تعليمه الأساسي والثانوي في مسقط رأسه، ثم انتقل إلى الرباط وأكمل بها تعليمه الجامعي.

كان محبا للدراسة والتعليم لذلك سافر إلى إسبانيا عام 1968 ودرس الهندسة في كلية فالنسيا وتخرج مهندسا في الطيران، ثم انتقل إلى بلجيكا، وفيها درس في المعهد التكنولوجي، وتزوج من شابة بلجيكية.

إعلان

في عام 1973 سافر إلى العراق والتحق بكلية الحقوق، وفيها التقى بالشهيد المغربي عبد الرحمن أمزغار.

اتجه بعد ذلك إلى لبنان وانضم لصفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وكان يدير حلقات التوجيه الأيديولوجي في مخيم الرشيدية بجنوب لبنان.

شارك في عدد من العلميات العسكرية، وفي 28 نوفمبر/تشرين الثاني 1974، واتجه مع أربعة من رفاقه وهم فلسطيني وتركي وعراقي وسوري عازمين على دخول الأراضي الفلسطينية المحتلة.

غير أنهم وقعوا في كمين إسرائيلي واشتبكوا مع الجنود في معركة أطلق عليها اسم "عملية مستعمرة دان"، لأنها وقعت بالقرب من هذه المستعمرة شمالي فلسطين المحتلة، واستشهد مع رفاقه الأربعة في المعركة.

عبد العزيز الداسر التحق بحركة فتح واستشهد عام ١٩٨١ (مواقع التواصل الاجتماعي) عبد الرحمن أمزغار

ولد عام 1944 في مدينة أصيلة شمال المغرب، انقطع عن الدراسة في المرحلة الثانوية واشتغل إلى جانب والده في الزراعة والتجارة.

سافر إلى اسبانيا للعمل في أوراش البناء، وفي يناير/كانون الثاني عام 1974 التحق بجبهة التحرير العربية (حزب قومي فلسطيني تأسس عام 1968)، وشارك في عدد من العمليات الفدائية داخل الأراضي المحتلة.

في 15 يونيو/حزيران 1975، تسلل مع ثلاثة من رفاقه، وهم فلسطيني وعراقي وتركي، إلى مستوطنة "كفر يوفال" واحتجزوا عددا من أعضاء منظمة الشباب الصهيوني "ناحال"، وطالبوا بإطلاق سراح 12 أسيرا فلسطينيا.

لم تستجب إسرائيل لمطالبهم واشتبكت معهم في معركة قوية أسفرت عن مقتل 27 رهينة وإصابة 58 إسرائيليا.

استشهد عبد الرحمن ورفاقه في هذه المعركة، ولم تستلم عائلته جثمانه.

عبد العزيز الداسر

ولد في 25 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1958 في مدينة سلا شمال العاصمة الرباط، تلقى تعليمه الأساسي والثانوي في الجزائر ثم في ثانوية النهضة بسلا.

التحق بجامعة محمد الخامس بالرباط لدراسة القانون، ثم سافر إلى العراق ودرس في كلية القانون والسياسة بجامعة بغداد إلى حدود السنة الثالثة من البكالوريوس.

إعلان

ترك دراسته والتحق بحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) في لبنان مطلع العام 1981 بعد أن أطلق الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات نداء تعبئة للطلبة الفلسطينيين.

استشهد في تفجير مكاتب حركة فتح يوم 1 أكتوبر/تشرين الأول عام 1981 على يد الاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (الموساد) في بيروت ودفن في إحدى مقابرها.

مقالات مشابهة

  • تحليل خطاب نعيم قاسم.. صمود المقاومة والتأكيد على النصر ودغدغة المشاعر العربية
  • انطلاق المؤتمر الإقليمي للرعاية البديلة ودور التنمية المستدامة.. «الحماية الاجتماعية للأطفال والشباب والتمكين الاجتماعي والاقتصادي والاستدامة وبناء مؤسسات معاصرة» أبرز المحاور
  • تخصيص قطعة أرض بـ"الصنافين" بمنيا القمح لاقامة وحدة تضامن اجتماعي
  • صدور الطبعة الأولى من كتاب الطريق إلى عقل ديني مستنير - قراءة في مشروع الخشت لتجديد الخطاب الديني
  • السيدة الأولى لكينيا تزور وزارة التضامن الاجتماعي بالعاصمة الإدارية وتطلع على برامج الحماية الاجتماعية
  • أمير الجوف يستقبل وكيل وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية للضمان الاجتماعي والتمكين المكلَّف
  • مغاربة التحقوا بالمقاومة واستشهدوا لأجل فلسطين
  • عمرو خليل عن عودة الفلسطينيين إلى شمال غزة: لا شيء يفوق الأرض
  • أثناء محاولته انتشال جثماني شهيدين.. إطلاق نار على فريق من كشافة الرسالة
  • هزاع بن زايد: المجتمعات القوية هي التي يتشارك أبناؤها المسؤولية