الممارسة الإعلامية في الحرب الوطن العربي «نموذجا»
تاريخ النشر: 11th, March 2024 GMT
الظفر بالعقول كان ومازال جزءا لا يتجزأ من الآلة الحربية، بل كان بديلا للحرب العسكرية في كثير من الأحيان، ولعل أبرزها الحرب الباردة بين المعسكر الرأسمالي والمعسكر الشيوعي والتي أدت إلى انتصار الولايات المتحدة وانهيار الاتحاد السوفييتي بدون حرب عسكرية ولكن بفعل الدعاية والتأثير الإعلامي. وشهد العالم في نهايات القرن الماضي وبدايات القرن الحالي تطورات وتحركات سياسية كبيرة ساهمت في تعزيز دور الوسائل والأساليب الإعلامية والاتصالية من أجل تحقيق غاياتها وأهدافها وتعميق مبادئها والترويج لأيديولوجيتها.
يعد الغزو الأمريكي للعراق، المرة الأولى التي يختفي فيها الخطباء الساسة وتدخل فيها الفضائيات والإنترنت إلى جانب الصحافة ووكالات الأنباء والإذاعة والتلفزيون في صراع معلوماتي مقنن ومدروس أقرب للدعاية أو لنقل «حرب قصف العقول» حسب ما وصفها فيليب تايلور. فقبل بداية القصف الصاروخي الأول للحرب الأنجلو أمريكية على العراق، كانت عدسات الصحفيين والمراسلين كلها مصوبة نحو بغداد لتكون الحرب الأولى من نوعها التي يتم نقلها نقلا حيا مباشرا. والمتتبع للتواجد الإعلامي الغربي ولاسيما «سي. أن. أن» والتي كانت تتمركز في معاقل القوات الأمريكية الغازية المنتشرة برا وجوا، يدرك أن الكثير من التغطيات والتقارير كانت محكومة بوجهة نظر البنتاغون والقادة العسكريين الأمريكيين. فقد شاركت وسائل الإعلام الأجنبية على اختلافها في التضليل الزائف والترويج الواهي لمأرب الحرب مدعين أن المهمة الأمريكية في العراق تهدف لتحرير الشعب العراقي من نير نظامه. والمتتبع لحال الإعلام الغربي يجد أن التجرد من الإنسانية والتجاهل المستمر لحجم الخسائر في أرواح العراقيين كان السمة الأبرز في تغطية أخبار الحرب. ناهيك عن الروايات الإعلامية المحرفة لتقليب الرأي العام المحلي والعربي على القوات المعتدية.
وعلى النقيض من حرب الخليج 1990-1991 والتي هيمنت فيها الفضائيات الغربية على تسيس وأدلجة المشهد الإعلامي القائم على الفبركة والتضليل الزائف للوقائع والأحداث، برزت القنوات الفضائية العربية -وعلى رأسها الجزيرة- للمنافسة في الميدان العسكري لصياغة أحداث الغزو الأمريكي للعراق والذي راح ضحيته أكثر من مليون عراقي. وبالرغم من أن الجزيرة لا تمثل طرفا في هذا النزاع، إلا أن الخطاب الإعلامي للجزيرة كان يتمحور حول حقيقة «القوات الغازية» وعدم قانونيتها وشرعيتها، كما كان التسليط حول العديد من جرائم الحرب التي ارتكبت هناك والتي لطالما أنكرتها وغيبتها الصحافة الأمريكية والعالمية. وتفردت الجزيرة في نقل آثار القصف والدمار الذي تحدثه الآلة العسكرية الأمريكية والتي على أثرها تم اتهامها بالتحريض والتسبب في تغذية مشاعر معادية للأمريكيين. كما تفردت الجزيرة في نقل الصور الأولى للأسرى والقتلى الأمريكيين، ونقل خسائر القوات الأمريكية.
وفي فلسطين، تمارس السلطات الإسرائيلية سلسلة من الإجراءات لتقييد وسائل الإعلام الأجنبية من نقل وقائع الإبادة الجماعية الصهيونية في قطاع غزة؛ إذ تمنعهم من الدخول إلى قطاع غزة دون تصريح من جيش الاحتلال، وفي حالة السماح بدخولهم يكونون مقيدين بمواقع محددة ولمدة معينة برفقة الضباط العسكريين للتحكم الكامل في الصورة التي ينقلونها ولا يسمح لهم بالتواصل مع الفلسطينيين. من بين الأوضاع الاستثنائية التي تشهدها الحرب في قطاع غزة، كان الظهور الواسع للصحفيين المستقلين هو الأبرز، إذ شن جيش الاحتلال هجوما تحريضيا لوسائل إعلام دولية لتواطؤها - حسب مزاعمهم- مع هؤلاء الصحفيين متهمةً إياهم بالمعرفة المسبقة بوقوع هجوم «طوفان الأقصى» وهذا ما تم نفيه من قبل الوكالات الغربية.
ومن المهم أيضا تتبع حرب السرديات في الإعلام العربي. فالمنطق يتوجب تقديم تغطية إعلامية تدعم سردية مقاومة الاحتلال وفضح جرائمه وانتهاكاته بحق الفلسطينيين، إلا أن دخول بعض الدول العربية ضمن موجة التطبيع الجديد مع الاحتلال الصهيوني حال دون ذلك. إذ أن التغطية تبلورت حول الجانب الإنساني والتركيز على حالات الفزع الرعب بين أوساط سكان غزة جراء مبادرة المقاومة بالهجوم.
والحديث عن النزاع المسلح في العراق وفلسطين يقودنا إلى استطراد الهجوم المتكرر وحالات العنف ضد الصحفيين. وهذا الاستهداف المتعمد للعاملين في حقول الصحافة والإعلام ليس مجرد سلوك ميداني عابر، بل هو ردة فعل أو سلوك ناجم عن سياسة أمنية مدروسة تُعبِّر عن اختيارات الدول المعادية. فادعاءاتهم بالحرص على احترام الصحافة والصحفيين فضحتها تجاوزاتهم الإجرامية في مواقع كان بها صحفيون. وتتصاعد أعمال العنف ضد الصحفيين وعلى مدى الأشهر الخمسة الماضية منذ بدء الحرب الإسرائيلية في 7 أكتوبر الماضي، فقد ارتفع عدد الصحفيين الذين استشهدوا حتى منتصف فبراير الماضي إلى أكثر من 130 صحفيّا وهو عدد يتخطى بأشواط مجمل عدد الصحفيين الذين قُتلوا حول العالم في عام 2023؛ مما جعلها تتصدر خارطة أكثر أماكن العالم خطورة بالنسبة للصحفيين حسب تقارير لجنة حماية الصحفيين.
وبالنظر إلى هذه الأرقام في سياقه، نجد أن الصحفي بات موضع انتهاك واستهداف متصاعد من كل الأطراف المتنازعة دون وضع أدنى اعتبار للدور المهني والإنساني الذي يقدمه. فالاحتلال يعمد إلى تخويف الصحفيين وردعهم عن مواصلة عملهم من خلال خلق جو هستيري ملغم بعيد تماما عن المعقولية في محاولة يائسة منه لإسكات صوت رسل الحقيقة والتعتيم على حرب الإبادة التي يرتكبها جيش الاحتلال في قطاع غزة. وذكرت صحيفة «ميديابارت» الفرنسية أن إسرائيل «تسعى إلى قتل الصحفيين كي لا يكونوا شهودا على جرائمها».
إن الحديث حول أدوار وسائل الأعلام في الحروب، يقودنا بالضرورة إلى الإشادة بالساحة الافتراضية (وسائل التواصل الاجتماعي) منذ بدء العدوان الصهيوني والتي شهدت نشاطا مضادّا للسردية الصهيونية والعمل على كشف زيفها. ورغم ذلك يبقى هناك تباين صارخ بين الرأي العام المناضل للقضية الفلسطينية وآراء القادة والنخبة في بلدان الديمقراطيات الغربية.
وختاما، فالمتتبع لتعاطي وتغطية الإعلام للحروب والنزاعات المسلحة يجد أنه رغم زخم الثورة المعلوماتية الرقمية وتكاثر وسائل الإعلام وتعدد أدواته، إلا أنه لم يتغير الكثير سواء على الصعيد المحلي أو الدولي. فبعد أكثر من 20 عاما على الغزو الأمريكي للعراق لم يخضع أي من السياسيين أو العسكريين للمحاسبة. وعلى مدار خمسة وسبعين عاما على النكبة الفلسطينية مازال مشهد التشويه والتسقيط والتنكيل بالحقيقة ملطخا بدماء الاحتلال الصهيوني.
د. موزة بنت عبدالله الرواحية أستاذة مساعدة بكلية الآداب الاجتماعية، قسم الإعلام.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: وسائل الإعلام قطاع غزة إلا أن
إقرأ أيضاً:
فتح باب التسجيل لحضور «قمة الإعلام العربي 2025» حتى 25 مايو المقبل
دبي: «الخليج»
أعلن نادي دبي للصحافة، الجهة المنظّمة لـ «قمة الإعلام العربي»، والتي تُقام فعالياتها برعاية كريمة من صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، عن فتح باب التسجيل لحضور فعاليات القمة في نسختها المقبلة، والمُقرر عقدها خلال الفترة من 26-28 مايو 2025، في مركز دبي التجاري العالمي، حيث تواصل القمة رسالتها في استشراف مستقبل القطاع من خلال استعراض أهم المستجدات المؤثرة في مختلف مساراته، في محاولة للوقوف على متطلبات التطوير خلال المرحلة المقبلة وبما يرقى إلى مستوى توقعات المتلقي العربي.
وأكدت مريم الملا، مديرة نادي دبي للصحافة بالإنابة، أن التسجيل المُسبق شرط أساسي لحضور الحدث الذي يستقطب سنوياً آلاف الإعلاميين من داخل دولة الإمارات ومختلف أنحاء المنطقة والعالم، مشيرةً إلى أن التسجيل سيكون متاحاً اعتباراً من اليوم (28 أبريل) وحتى 25 مايو 2025، بينما لن يكون هناك أي فرصة للتسجيل مع انطلاق أعمال القمة، لافتةً أنه يمكن التسجيل خلال الفترة المُعلنة عبر موقع نادي دبي للصحافة، على شبكة الإنترنت: www.dpc.org.ae.
وأوضحت الملا أن التجهيزات للقمة دخلت مراحلها النهائية في ضوء توجيهات سموّ الشيخ أحمد بن محمد بن راشد آل مكتوم، النائب الثاني لحاكم دبي رئيس مجلس دبي للإعلام، بتوفير كافة الممكنات اللازمة لإنجاح اللقاء السنوي، الأكبر من نوعه عربياً، أسوة بدوراته السابقة، وبمتابعة منى غانم المرّي، نائب الرئيس والعضو المنتدب لمجلس دبي للإعلام، رئيس اللجنة المنظّمة لقمة الإعلام العربي، لضمان اكتمال كافة العناصر اللازمة لإنجاح الدورة المقبلة.
وذكرت أنه يتم حالياً وضع اللمسات الأخيرة على أجندة «المنتدى الإعلامي العربي للشباب» المُقامة نسخته الثالثة في 26 مايو المقبل، و«منتدى الإعلام العربي» والذي تستمر أعمال دورته الثالثة والعشرين على مدار يوميّ 27 و28 مايو، واللذيّن تُعقد أعمالهما تحت مظلة القمة، بمشاركة نخبة من أهم الرموز والشخصيات السياسية والقيادات الإعلامية العربية وأبرز رموز الفكر والكُتّاب ورؤساء تحرير الصحف الكبرى، وصُنّاع المحتوى والمؤثرين، فيما يتم كذلك الاستعداد لتكريم الفائزين في كل من «جائزة الإعلام العربي»، المنصة الأبرز لتكريم المبدعين في المجال الإعلامي عربياً، إضافة إلى كلٍ من قمة و«جائزة رواد التواصل الاجتماعي العرب»، والتي تعد من أبرز الجوائز المحفّزة على التميز في مجال الإعلام الجديد في المنطقة العربية، إضافة إلى تكريم الفائزين ضمن فئات جائزة الإعلام للشباب العربي (إبداع).
وحول التسجيل في القمة، أوضحت رقية الجابري، عضو اللجنة التنظيمية لقمة الإعلام العربي أن عملية التسجيل المُسبق شرط أساسي كونها تضمن الحضور للإعلاميين الراغبين في متابعة أعمال القمة، نظراً للأعداد الضخمة المشاركة في الحدث السنوي، مؤكدةً أهمية مراعاة الأعداد الكبيرة المشاركة، حرصاً على إتاحة المجال أمام المعنيين بالقطاع للوجود والمشاركة في نقاشات مهنية متعلقة بمستقبل الإعلام في ضوء ما يشهده من مستجدات ومتغيرات تؤثر في مسيرته.
ودعت الجابري الراغبين في الحضور إلى المبادرة بالتسجيل، حيث لن يكون هناك استثناءات عقب إغلاق باب قبول طلبات المشاركة، بما يمكّن اللجنة المنظّمة للقمة من الإعداد للحدث بصورة نموذجية تليق بمكانته كأكبر تجمع إعلامي على مستوى العالم العربي.
وقد استقطبت الفعاليات المدرجة تحت مظلة «قمة الإعلام العربي» على مدار سنوات مجموعة من أهم الشخصيات السياسية وصُنّاع القرار في العالم العربي، وأبرز رموز الإعلام والقائمين على مختلف قنواته المرئية والمسموعة والمطبوعة، وأيضاً الرقمية في المنطقة والعالم، في جهد هدفه الوقوف على أبرز التحديات التي تواجه القطاع عربياً، وسبل التغلب عليها، وتأكيد دوره وإسهامه الإيجابي في المجتمع، والفرص المتاحة لتطوير الإعلام العربي والنهوض بمحتواه ومضمونه بما يواكب احتياجات المتلقّي العربي ويُلبّي تطلعاته.