لجريدة عمان:
2025-03-20@05:12:28 GMT

أجواء رمضان في المخيم الفلسطيني

تاريخ النشر: 11th, March 2024 GMT

أحاول أن أتخيل كيف سيستقبل الغزاويون شهر رمضان، فيعجز الخيال عن التخيل؛ نظرا لهول الإبادة الجماعية الممنهجة التي تُعمّق الجراح غير القابلة للشفاء، مرورا بالمجاعة وأنين الجرحى واليتامى والثكالى، وسحابة الأحزان التي تظلل كل شبر في قطاع غزة، والشعور بالخذلان من الجميع بدءًا بالعرب والمسلمين وانتهاء بالمجتمع الدولي الذي أقام إسرائيل ومنحها الضوء الأخضر للتمدد على أرض فلسطين.

لقد تخلى العالم عن فلسطين وغزة تحديدا بسبب عجزهم عن ردع العدوان وفشلهم في فتح المعابر لإيصال المساعدات بحجة احترام القانون الدولي واتفاقيات السلام التي اتضح أنها لا قيمة لها أمام القتل المتعمد للبشر في غزة والتنكيل بكل شيء والنكوث بالعهد والأمان، والآن يؤدي الغرب ومن معه مسرحية سمجة على أنقاض المدن عبارة عن إسقاط مساعدات من السماء بدل فتح المعابر وإدخال المساعدات.

حين عجز خيالي عن تشكيل صورة عن معاناة أهالي غزة، أسعفني الكاتب الفلسطيني الأسير باسم خندقجي صاحب رواية «قناع بلون السماء»، التي دخلت إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية 2024، وهي روايته الثانية الصادرة عن دار الآداب بعد رواية خسوف بدر الدين، يتناول فيها ملامح من مخيم رام الله الذي يعد أفضل حالا من مخيمات اللجوء الحالية في غزة إذ تفتقر لأهم احتياجات الإنسان الفلسطيني المحكوم بالمعاناة ودفع ثمن تهجير أوروبا لليهود.

يُعرّفنا الراوي العليم في الرواية على معنى المخيم الذي لا تحفظه الذاكرة إلا إذا ارتبط بمذبحة وإبادة: «ليس ثمة معنى لاسم المخيم الفلسطيني إلا عندما تُرتكب فيه مجزرة، ليصبح اسمًا من أسماء المآسي في تاريخ الإنسانية، يصبح اسمه مخيم تل الزعتر أو صبرا أو شاتيلا أو جني.

يتدرج الراوي العليم في تقديم مآسي سكان المخيم، يطالع فاطمة الموسى أم عدلي المرأة الستينية التي تذهب إلى زيارة ابنها مراد المحكوم بالسجن مدى الحياة في المعتقل الصهيوني. يقول الراوي: «ها هي بهالتها النورانية تنظر إليه وهو يقترب منها في هذا الصباح النيساني المطعم بنهار رمضاني تباركه هذه المرأة الطاعنة بالصبر والصمود».

حفر شهر رمضان جرحا غائرا في ذاكرة بطل الرواية نور المشهدي الذي سيحمل لاحقا اسم أور شابيرا، فنور يتذكر لحظة اعتقال قوات الاحتلال لصديقه المقرب مراد قبيل الأذان بقليل: «تنتزعه ذاكرته من لحظاته الصباحية هذه، إلى ذلك المساء الرمضاني الواقع في أواسط آب (أغسطس) 2011، وذلك عندما كان هو ومراد يتسكعان في سوق المخيم وأزقته للقضاء على ما تبقّى من لحظات يعقبها موعد أذان المغرب والإفطار، حيث قام مراد بدعوة نور إلى وليمة رمضانية فاخرة تتدلل على مائدتها أكلته المفضلة أوراق العنب المحشو بالأرز ولحم الضأن، كانا على أشد الظمأ، هلكهما آب بقيظه وجفافه وهما في طريقهما إلى بيت أم عدلي، في الوقت الذي شرعت فيه حركة المارة تهدأ تدريجيا مع قرب موعد الإفطار» و «ومنذ ذلك المساء الكارثي، لم يعد نور على قيد الالتزام بصيام شهر رمضان».

أما أهالي المعتقلين فإن آثار الصيام لا تمنعهم من الذهاب إلى سجون الاحتلال وتحمل المشاق لزيارة أبنائهم: «تلوح الحافلة من بعيد بيضاء في هذا الصباح الخالي من المارة، الشوارع خاوية على عروشها سوى ذوي الأسرى الذين نفضوا عنهم أمسيتهم الرمضانية ونعاسهم وتعبهم، ليمضوا بكل التفاني والأشواق إلى زيارة أبنائهم وبناتهم المعتقلين والمعتقلات في سجون الاحتلال».

نور أيضا لم يتوقف عن السؤال والاطمئنان على حال صديقه مراد المعتقل، وكأن الكاتب باسم خندقجي يتحدث عن حاله في السجن والمعاناة اليومية التي يتعرض لها في المعتقل: «قبيل أذان المغرب المبشر بموعد الإفطار، بلغ نور مقر الصليب الأحمر الواقع بالبيرة، حيث كانت الحاجة أم عدلي على وشك الركوب في سيارة ولدها عدلي بعد عودتها الشاقة من زيارة ولدها الأصغر مراد»، ينتظر نور أخبار صديقه مراد الذي يُكاتب صديقه من السجن فيطلب منه كتبا معينة، ويناقشه في عدة أمور مشتركة بينهما. يقدم لنا الكاتب حالة بعض الأسر الفلسطينية المخذولة وهي تنتظر الأذان مثلما وجد نور والده وعمته خديجة «جالسين إلى مائدة الإفطار بوجهين عابسين مكفهرين سارحين صامتين ينتظران انبعاث الأذان من مكبرات الصوت على مئذنة مسجد المخيم»، وقبل ذلك كان الأب يتحايل على الصوم بنوم محبذ، ليهرب من الحر والعطش واللهفة لسيجارة»، قبل انتظار «صوت أذان المغرب. إنه وقت إفطار يتنفس من خلاله الناس صعداء صومهم بعد يوم حار»، ولكن نور لا يفطر مع الصائمين بل يذهب مباشرة إلى المقبرة «يعدو بلهفة كأن إفطارًا رمضانيًا شهيًا سيجمعه بعد قليل مع أمه.. ويعود أدراجه إلى البيت، ثمة حركة خجولة للمارة تشي بقرب ازدحام الشوارع والأزقة بالمارة بعد الإفطار». يتكرر هذا المشهد في المدن العربية والأحياء الإسلامية في الغرب، حيث تزداد حركة الناس قبل الإفطار وتقل بعده لتدب الحياة من جديد في شرايين المدن والحارات.

لم يتوقف نور في رام الله بل وصف القدس التي يحبها وأحب أحد ساكنيها الشيخ مرسي الذي ساعده في الحصول على وظيفة دليل سياحي، ثم زوّر له صورة في بطاقة الهوية الإسرائيلية التي عثر عليها نور في معطف في سوق الخردة، البطاقة التي ستسهل لنور الإقامة والتنقل بسهولة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

بعد محاولة الاقتراب من الأجواء الرمضانية في المخيمات الفلسطينية دار بخلدي سؤال ما الذي يمكن تقديمه للفلسطينيين في غزة خلال شهر رمضان، قبل الإجابة علينا الاعتراف بعجزنا عن إيقاف آلة القتل اليومي، لكن العجز لا يمنعنا من التعبير عن التضامن وإظهار حجم الكارثة للعالم، ولا يمنعنا من تكثيف حملات المقاطعة للشركات الداعمة للكيان الصهيوني.

محمد الشحري كاتب وروائي عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: شهر رمضان

إقرأ أيضاً:

الدكتور فضل مراد يوضح سبل النجاة من شرك النفس والهوى

وتناولت حلقة 2025/3/17 من برنامج "الشريعة والحياة في رمضان" الذي يبث على منصة "الجزيرة 360" موضوع فقه القدوم على الله.

وأوضح أستاذ الفقه والقضايا المعاصرة في كلية الشريعة بجامعة قطر الدكتور فضل عبد الله مراد أن فقه القدوم على الله هو علم يُعنى بتزكية النفس وتطهير القلب للإقبال على الله، مشيرًا إلى أنه جزء من مشروع تجديدي أكبر يسمى "فقه العصر" يتناول الحياة بكل جوانبها وأطيافها.

وأضاف "هناك فقه مفقود أو حلقة مفقودة من أنواع الفقه، وهي ربع من رسالة النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكر الله: يتلو عليهم آياته، ويزكيهم، ويعلمهم الكتاب والحكمة".

وعرض الدكتور مراد الأصول الثمانية لفقه القدوم على الله، وهي: العناية بالقلب وتطهيره، تجنب الموبقات، الورع عن الشبهات، الموجبات والمرجحات، العناية بالصلاة، الصبر، العدل والإحسان، الربانية في علوم الشريعة.

وركز الضيف على مركزية القلب في الإسلام، موضحًا أنه ذُكر 132 مرة في القرآن الكريم، وأن مرض القلب يؤثر سلبًا على سلوك الإنسان وعلاقته بربه وبالآخرين.

وأشار إلى أن أخطر أمراض القلب في عصرنا هي الشهوات والشبهات، إضافة إلى الكبر والحسد والإغراق في الملذات.

إعلان

أهمية الورع

فأما الموبقات والكبائر، فنبه الدكتور مراد إلى ضرورة اجتنابها، مستشهدًا بقوله تعالى "إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم".

وشدد على أن الإنسان لا يصرّ على الذنوب مهما صغرت، لأن الإصرار يحولها إلى كبائر.

وتطرق الضيف إلى أهمية الورع وترك الشبهات، مشيرًا إلى اتفاق العلماء على أن "الخروج من الخلاف مستحب" وأن "الاستبراء للدين والأخذ بالأحوط أمر مجمع عليه".

وانتقد بعض الفتاوى المعاصرة التي وصفها بالتمييعية، معتبرًا أنها تخالف أصول الفقه الصحيح.

كما شدد الدكتور مراد على مكانة الصلاة في الإسلام، ووصفها بأنها "رحلة إلى الله" و"موعد خمس مرات مع الله"، مقدمًا نصائح عملية لتحقيق الخشوع فيها، أهمها: تذكر قوله تعالى "قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون"، والاقتداء بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم، والصبر والمداومة على تحسينها.

وفي ختام الحلقة، قدم الدكتور مراد مجموعة نصائح للمسلمين في شهر رمضان، منها: عدم ترك الوتر وقيام الليل، والاستغفار اليومي، وإدامة ذكر الله، وإحسان الصلاة، واجتناب الموبقات، والإكثار من الدعاء، وحمد الله على نعمه.

كما حذر من إدمان الهواتف المحمولة والملهيات التي تصرف المسلم عن عبادة ربه.

17/3/2025

مقالات مشابهة

  • مبادرة “العبيدي” تختتم المخيم المجاني السادس لتصحيح الحول عند الاطفال في عدن
  • سوق الكعكية بمكة المكرمة.. أجواء تمزج بين الماضي والحاضر
  • أجواء شتوية وأمطار وبرودة.. الأرصاد تعلن طقس الأيام المقبلة
  • قصور الثقافة تختتم ليالي رمضان الإبداعية بساحة أبو الحجاج في الأقصر وسط أجواء مبهجة
  • رمضان حول العالم| أجواء رمضان في باكستان ليها طابع خاص مع المسحراتي والأناشيد والابتهالات الدينية
  • رمضان في مناطق الحوثي .. من أجواء روحانية إلى موسم للقمع الطائفي والتلقين السياسي.. شوارع تعج بالمتسولين وأزقة تمتلئ بالجواسيس
  • من الشخصية التي أوصى أبو إسحاق الحويني بأن يدفن معها؟
  • ما وصية أبو إسحاق الحويني التي قالها لأبنائه قبل وفاته؟
  • وسط أجواء فرحة.. محافظ المنيا يشارك موظفي الديوان العام في إفطار جماعى
  • الدكتور فضل مراد يوضح سبل النجاة من شرك النفس والهوى