لجريدة عمان:
2025-03-16@15:41:27 GMT

أجواء رمضان في المخيم الفلسطيني

تاريخ النشر: 11th, March 2024 GMT

أحاول أن أتخيل كيف سيستقبل الغزاويون شهر رمضان، فيعجز الخيال عن التخيل؛ نظرا لهول الإبادة الجماعية الممنهجة التي تُعمّق الجراح غير القابلة للشفاء، مرورا بالمجاعة وأنين الجرحى واليتامى والثكالى، وسحابة الأحزان التي تظلل كل شبر في قطاع غزة، والشعور بالخذلان من الجميع بدءًا بالعرب والمسلمين وانتهاء بالمجتمع الدولي الذي أقام إسرائيل ومنحها الضوء الأخضر للتمدد على أرض فلسطين.

لقد تخلى العالم عن فلسطين وغزة تحديدا بسبب عجزهم عن ردع العدوان وفشلهم في فتح المعابر لإيصال المساعدات بحجة احترام القانون الدولي واتفاقيات السلام التي اتضح أنها لا قيمة لها أمام القتل المتعمد للبشر في غزة والتنكيل بكل شيء والنكوث بالعهد والأمان، والآن يؤدي الغرب ومن معه مسرحية سمجة على أنقاض المدن عبارة عن إسقاط مساعدات من السماء بدل فتح المعابر وإدخال المساعدات.

حين عجز خيالي عن تشكيل صورة عن معاناة أهالي غزة، أسعفني الكاتب الفلسطيني الأسير باسم خندقجي صاحب رواية «قناع بلون السماء»، التي دخلت إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية 2024، وهي روايته الثانية الصادرة عن دار الآداب بعد رواية خسوف بدر الدين، يتناول فيها ملامح من مخيم رام الله الذي يعد أفضل حالا من مخيمات اللجوء الحالية في غزة إذ تفتقر لأهم احتياجات الإنسان الفلسطيني المحكوم بالمعاناة ودفع ثمن تهجير أوروبا لليهود.

يُعرّفنا الراوي العليم في الرواية على معنى المخيم الذي لا تحفظه الذاكرة إلا إذا ارتبط بمذبحة وإبادة: «ليس ثمة معنى لاسم المخيم الفلسطيني إلا عندما تُرتكب فيه مجزرة، ليصبح اسمًا من أسماء المآسي في تاريخ الإنسانية، يصبح اسمه مخيم تل الزعتر أو صبرا أو شاتيلا أو جني.

يتدرج الراوي العليم في تقديم مآسي سكان المخيم، يطالع فاطمة الموسى أم عدلي المرأة الستينية التي تذهب إلى زيارة ابنها مراد المحكوم بالسجن مدى الحياة في المعتقل الصهيوني. يقول الراوي: «ها هي بهالتها النورانية تنظر إليه وهو يقترب منها في هذا الصباح النيساني المطعم بنهار رمضاني تباركه هذه المرأة الطاعنة بالصبر والصمود».

حفر شهر رمضان جرحا غائرا في ذاكرة بطل الرواية نور المشهدي الذي سيحمل لاحقا اسم أور شابيرا، فنور يتذكر لحظة اعتقال قوات الاحتلال لصديقه المقرب مراد قبيل الأذان بقليل: «تنتزعه ذاكرته من لحظاته الصباحية هذه، إلى ذلك المساء الرمضاني الواقع في أواسط آب (أغسطس) 2011، وذلك عندما كان هو ومراد يتسكعان في سوق المخيم وأزقته للقضاء على ما تبقّى من لحظات يعقبها موعد أذان المغرب والإفطار، حيث قام مراد بدعوة نور إلى وليمة رمضانية فاخرة تتدلل على مائدتها أكلته المفضلة أوراق العنب المحشو بالأرز ولحم الضأن، كانا على أشد الظمأ، هلكهما آب بقيظه وجفافه وهما في طريقهما إلى بيت أم عدلي، في الوقت الذي شرعت فيه حركة المارة تهدأ تدريجيا مع قرب موعد الإفطار» و «ومنذ ذلك المساء الكارثي، لم يعد نور على قيد الالتزام بصيام شهر رمضان».

أما أهالي المعتقلين فإن آثار الصيام لا تمنعهم من الذهاب إلى سجون الاحتلال وتحمل المشاق لزيارة أبنائهم: «تلوح الحافلة من بعيد بيضاء في هذا الصباح الخالي من المارة، الشوارع خاوية على عروشها سوى ذوي الأسرى الذين نفضوا عنهم أمسيتهم الرمضانية ونعاسهم وتعبهم، ليمضوا بكل التفاني والأشواق إلى زيارة أبنائهم وبناتهم المعتقلين والمعتقلات في سجون الاحتلال».

نور أيضا لم يتوقف عن السؤال والاطمئنان على حال صديقه مراد المعتقل، وكأن الكاتب باسم خندقجي يتحدث عن حاله في السجن والمعاناة اليومية التي يتعرض لها في المعتقل: «قبيل أذان المغرب المبشر بموعد الإفطار، بلغ نور مقر الصليب الأحمر الواقع بالبيرة، حيث كانت الحاجة أم عدلي على وشك الركوب في سيارة ولدها عدلي بعد عودتها الشاقة من زيارة ولدها الأصغر مراد»، ينتظر نور أخبار صديقه مراد الذي يُكاتب صديقه من السجن فيطلب منه كتبا معينة، ويناقشه في عدة أمور مشتركة بينهما. يقدم لنا الكاتب حالة بعض الأسر الفلسطينية المخذولة وهي تنتظر الأذان مثلما وجد نور والده وعمته خديجة «جالسين إلى مائدة الإفطار بوجهين عابسين مكفهرين سارحين صامتين ينتظران انبعاث الأذان من مكبرات الصوت على مئذنة مسجد المخيم»، وقبل ذلك كان الأب يتحايل على الصوم بنوم محبذ، ليهرب من الحر والعطش واللهفة لسيجارة»، قبل انتظار «صوت أذان المغرب. إنه وقت إفطار يتنفس من خلاله الناس صعداء صومهم بعد يوم حار»، ولكن نور لا يفطر مع الصائمين بل يذهب مباشرة إلى المقبرة «يعدو بلهفة كأن إفطارًا رمضانيًا شهيًا سيجمعه بعد قليل مع أمه.. ويعود أدراجه إلى البيت، ثمة حركة خجولة للمارة تشي بقرب ازدحام الشوارع والأزقة بالمارة بعد الإفطار». يتكرر هذا المشهد في المدن العربية والأحياء الإسلامية في الغرب، حيث تزداد حركة الناس قبل الإفطار وتقل بعده لتدب الحياة من جديد في شرايين المدن والحارات.

لم يتوقف نور في رام الله بل وصف القدس التي يحبها وأحب أحد ساكنيها الشيخ مرسي الذي ساعده في الحصول على وظيفة دليل سياحي، ثم زوّر له صورة في بطاقة الهوية الإسرائيلية التي عثر عليها نور في معطف في سوق الخردة، البطاقة التي ستسهل لنور الإقامة والتنقل بسهولة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

بعد محاولة الاقتراب من الأجواء الرمضانية في المخيمات الفلسطينية دار بخلدي سؤال ما الذي يمكن تقديمه للفلسطينيين في غزة خلال شهر رمضان، قبل الإجابة علينا الاعتراف بعجزنا عن إيقاف آلة القتل اليومي، لكن العجز لا يمنعنا من التعبير عن التضامن وإظهار حجم الكارثة للعالم، ولا يمنعنا من تكثيف حملات المقاطعة للشركات الداعمة للكيان الصهيوني.

محمد الشحري كاتب وروائي عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: شهر رمضان

إقرأ أيضاً:

دورة الفلكي الرمضانية.. ٤٩ عاما في صناعة النحوم بالإسكندرية.. صور

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

تواصل دورة الفلكي الرمضانية بالإسكندرية خطف الأنظار، ومواصلة التاريخ الذى كتبته فيما يقرب من 50 عاما، حيث تشهد منافسات قوية بين الفرق المشاركة وسط أجواء حماسية تزين ليالي رمضان في حي محرم بك.

أطلقت الدورة شرارتها الأولى منذ ٤٩ عامًا، ولا تزال حتى اليوم تنبض بالحياة،ويجتهد القائمون عليها في تطويرها، لتظل ساحة مفتوحة لجميع عشاق كرة القدم من مختلف الأعمار.

وُلدت فكرة دورة الفلكي الرمضانية عام 1976، لتصبح أول بطولة من نوعها في الإسكندرية، وذلك تحت إشراف الثلاثى السيد الفلكي، محمد شاهين، ولوزة الفلكي، مجتمعين تحت شعار واحد وهو خلق ساحه كروية في ليالي رمضان، لتكون منبرًا لكل موهوب يبحث عن فرصة لإبراز مهاراته وسط أجواء تنافسية فريدة.


 


بدأت البطولة باستخدام الكرة الشراب قبل أن تتطور لاحقًا إلى الكرات الجلدية، وهو النظام المستمر حتى الآن، كما اتسعت رقعة المنافسة لتشمل ١٢ فريقًا بدلا من ٦ فرق، في خطوة تهدف إلى إفساح المجال أمام عدد أكبر من اللاعبين للتألق، مع تخصيص جزء من البطولة لفئة الناشئين والأشبال.
 


ومع دقات الساعة الواحدة ظهرًا تبدأ منافسات البطولة، وتستمر على مدار 30 يومًا طوال شهر رمضان، ومع حلول النصف الثاني من رمضان، تأخذ الدورة طابعًا أكثر تنوعًا، إذ تُخصص مواجهات للفئات العمرية فوق 35 و45 عامًا.
 


وفي ختام المنافسات وإسدال الستار عن أصحاب المراكز الأولى، تُمنح جوائز مالية لأصحاب المراكز الأولى تكريمًا لأدائهم طوال البطولة.
 

 

نجوم دورة الفلكى الرمضانية

دورة الفلكي ليست مجرد بطولة، بل هي شعلة تضيء طريق كل من يرى في الكرة ملاذه، وكل موهبة لم تجد من يؤمن بها، وكل طامح يحلم بالوقوف بين الكبار، فكانت خير عون لنجوم عدة، من بينهم أحمد كاس نجم نادي الزمالك السابق، وأسامة ميكا لاعب الاتحاد السكندري، وأحمد ساري.

مقالات مشابهة

  • المنتدى الفلسطيني في بريطانيا يكفل 40 عائلة في غزة خلال إفطاره السنوي
  • في ريف الفيوم.. «لمة الطبالي» تُعيد بهجة كحك وبسكويت العيد
  • نزوح 90% من أهالي مخيم جنين..ماذا يجري في المخيم؟
  • ما الاختلاف الذي لمسه السوريون في أول رمضان بدون الأسد؟
  • زغاريد وفرحة تسيطر على أجواء إفطار المطرية .. صور
  • "طب العريش" تفوز بلقب أجمل كلية كأجواء رمضانية
  • رمضان في سجون “إسرائيل”.. قمع وتجويع بحق الأسرى الفلسطينيين
  • المسند: أجواء دافئة نهاراً وشبه باردة مساءً لأسبوع قادم
  • منصور بن زايد يحضر مأدبة الإفطار التي أقامها محمد بن بطي آل حامد
  • دورة الفلكي الرمضانية.. ٤٩ عاما في صناعة النحوم بالإسكندرية.. صور