انطلاق أولى فعاليات الملتقى الفقهي بالجامع الأزهر
تاريخ النشر: 11th, March 2024 GMT
عقد الجامع الأزهر، اليوم الاثنين، أولى حلقات الملتقى الفقهي الذي يعقد طوال شهر رمضان المبارك، وحاضر فيها الدكتور عبد العظيم خيرالله، أستاذ الفقه بجامعة الأزهر، عضو لجنة الفتوى الرئيسية بالجامع الأزهر، والدكتور أسامة الحديدي، مدير مركز الأزهر العالمي للفتوى، وأدار اللقاء الدكتور أحمد عبدالله، الباحث بالجامع الأزهر الشريف، ودار موضوع الملتقى حول «أثر صيام رمضان في التطبيق العملي لتعاليم الإسلام».
وقال الدكتور عبد العظيم خيرالله، أستاذ الفقه بجامعة الأزهر، إن الصيام له أثر عظيم في تهذيب النفس البشرية وتزكيتها وطهارتها من الأخلاط الرذيلة والأخلاق الذميمة، كما فيه كسر للنفس فإن الشبع ومباشرة النساء تحمل النفس على الشر والبطر والغفلة، وفيه أيضا تخلية القلب للفكر والذكر فإن معايشة الشهوات قد تفسد القلب وتعميه وتحول بين العبد وبين الذكر والفكر وخلو البطن من الشبع ينور القلب ويوجب رقته ويزيل قسوته، وهذا يعني أن التقرب إلى الله تعالى بترك المباحات لا يكمل ولا يتحقق إلا بعد التقرب إليه بترك المحرمات، فمن ارتكب المحرمات ثم تقرب إلى الله تعالى بترك المباحات كان كمن ترك الفرائض وتقرب إليه بالنوافل.
وأشار عضو لجنة الفتوى بالجامع الأزهر إلى أن الصيام يهذب الأخلاق ويقوي الإرادة ويربي المسلم على سمو الأخلاق والارتفاع بهذه النفس البشرية عن الفحش في القول والعمل، فالصيام تدريب على خلق الامتناع ففيه تدريب المسلم على الامتناع عن الحلال حتى يتكون له قوة الإرادة في أن يكون قادرا على الامتناع عن الحرام يقول: لا لما هو جائز ومباح حتى يصل إلى القوة التي من خلالها يقول للحرام لا، فلا صيام مع أذى الناس أو الاعتداء عليهم، ولا صيام مع تناول الحرام والمحرمات ولا صيام مع المنغمسين في شهواتهم والقاطنين في ظلمات أهوائهم، فالصيام حقيقة لها أثرها الفعال في نفس المسلم وحسن توجهه نحو الحق والعدل ومخافة الله تعالى كيف لا وهو من دعائم تقوى الله ومخافته ومراقبته.
الصوم يعلمنا تطبيق تعاليم ديننا الحنيفومن جانبه، بيَّن أسامة الحديدي كيف أن الصوم يعلمنا تطبيق تعاليم ديننا الحنيف من خلال طريقين هما: المنع، والمنح؛ فمنع النفس عما تشتهيه من الطعام والشراب وسائر الملذات، ومنحها من الجوائز والعطايا والدرجات ما يدفع الإنسان إلى تجاوز الحجب والحواجب التي تحول بينه وبين الارتقاء في تطبيق تعاليم الإسلام حيث يفعل ما يؤمر به ويمتنع عما نُهي عنه.
وأوضح أن هناك عددا من الأبعاد المتصلة بالصوم تبعث في الإنسان تحقيق تعاليم الإسلام بسبب صومه، وذكر منها البعد الديني، والعقلي، والقلبي، والروحي، والمجتمعي، موضحا أن الصيام من أجّل الأعمال وأعلاها قدرًا، فرضه الله ليقوى دعائم الإيمان لدى العباد، فهو ركن من أركان الإسلام يتميّز بخصوصيات كثيرة منها أنه سرٌّ بين العبد وربه؛ لا يدخل فيه الرّياء ولا السمعة لذلك أضافه الله عزّ وجل إلى نفسه إضافة تشريف وتكريم وتعظيم لمكانته ورفعة لمن أدى هذه الفريضة على وجهها الأتم.
ومن جهته، أوضح أحمد عبدالله أنه في كل فريضة من فرائض الإسلام امتحان لإيمان المسلم ولعقله وإرادته، والأركان الخمسة الامتحان فيها واضح المعنى بيِّن الأثر؛ أما الفضائل التي هي واجبات تكميلية، لا يكمل إيمان المؤمن إلا بها، كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصدق في القول والعمل، والصبر في مواطنه، والشجاعة في ميدانها، والبذل في سبله، فكلُّ واحدة، أو في كلِّ واحدة منها امتحان تكميلي للإيمان، تعلو فيه قِيَمٌ، وتهبط قِيَمٌ، وفي التوحيد امتحان لليقين، واليقين أساس السعادة، وفي الصلاة امتحان للإرادة، والإرادة أصل النجاح، وفي الحج امتحان للهمم بالسير في الأرض، وهو منبعُ العلم، وفي الصوم امتحان للصبر، والصبر رائد النصر، غير أنَّ الصوم أعسرها امتحانًا؛ لأنَّه مقاومة عنيفة لسلطان الشهوات الجسمية.
وأضاف الباحث بالجامع الأزهر، أن الروح المقاومة في الصوم هي التي راعتها الأديان والنِّحل، فجعلت الصوم إحدى عبادتها، تروض عليه النفوس المطمئنة، وتروض به النفوس الجامحة، ولكن الصوم في الإسلام يزيد عليها جميعًا في صوره ومدته، وفي تأثيره وشدته، فمدته شهر قمري متتابع الأيام، وصورته الكاملة فطم عن شهوات البطن والفرج واللسان والأذن، وكل ما نقص من أجزاء ذلك الفطام فهو نقص في حقيقة الصوم، كما جاءت بذلك الآثار الصحيحة عن صاحب الشريعة، وكما تقتضيه الحكمة الجامعة من معنى الصوم.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: الجامع الأزهر الصيام صيام رمضان رمضان بالجامع الأزهر
إقرأ أيضاً:
حكم المزاح وضوابطه وشروطه في الإسلام
قالت دار الإفتاء المصرية إن الأصل في المزاح الإباحة، وقد يستحب إذا كان بقصد التلطف وإدخال السرور على الآخرين، وتطييب نفوسهم ومؤانستهم، ولا يكون جائزًا إذا اشتمل على كذبٍ، أو ترويع أحد، أو كلامٍ فاحشٍ بذيءٍ، أو أيِّ قولٍ أو فعلٍ محرم؛ كالغيبة والنميمة والاستهزاء والسخرية.
مفهوم المزاح وحكمه بالشرع الشريفوالمزاح هو الدُّعابة ونقيض الجد؛ فهو كلامٌ يراد به الانبساط مع الغير على جهة التَّلطُّف والاستعطاف دون أن يُفضي إلى إيذاء أحد؛ ينظر "تاج العروس" للزبيدي (7/ 117، ط. دار الهداية).
حكم المزاح في الإسلام
والمزاح من وسائل الترويح عن النفس التي يتناولها النَّاس في حياتهم من أجل تناسي الهموم، وتخفيف الضغوطات اليومية، والتسلية، والـتخلص من الملل، وإدخال السعادة والسرور على الآخرين؛ وذلك عن طريق ذكر طُرفة أو نُكْتَة أو نحوها.
والمزاح الذي يخلو من إيذاء الآخرين، ويشتمل على إدخال السرور عليهم من أحب الأعمال إلى الله عزَّ وجلَّ؛ رَوى الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما، أنَّ رجلًا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: يا رسول الله أي الأعمال أحب إلى الله عزَّ وجلَّ؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «أَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ».
وكان الصحابة الكرام رضوان الله عليهم يضحكون ويمزحون؛ اقتداءً بالنبي صلي الله عليه وآله وسلم؛ فقد أخرج البخاري في "الأدب المفرد" عن بكر بن عبد الله رضي الله عنه قال: "كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَتَبَادَحُونَ بالبطِيخ؛ فإِذا كَانَت الحَقَائِقُ كَانُوا هُمُ الرِّجَالُ"، ومعنى: "يتبادحون بالبطيخ"؛ أي: يترامَوْن به، وكان فعلهم هذا رضوان الله عليهم من قبيل المزاح. ينظر: "غريب الحديث" للإمام أبي الفرج الجوزي (1/ 60، ط. دار الكتب العلمية).
الموازنة بين الجد والمزاح
وأوضحت الإفتاء أنه ينبغي على الإنسان أن يوازن بين الجد والمزاح، ويكون المزاح في كلامه كالملح في الطعام إن عُدم أو زاد عن الحد فهو مذموم؛ فلكل مقام مقال؛ فقد أخرج البغوي في "شرح السنة" عن ثابت بن عبيد رضي الله عنه قال: "كَانَ زيد بْن ثَابت رضي الله عنه مِن أفكه النّاس فِي بَيته؛ فَإِذا خرج كَانَ رجلًا مِن الرِّجَال".
ضوابط وشروط المزاح المشروع
وهناك ضوابط وشروط يجب مراعاتها عند المزاج، وهى:
أوًلًا: ألَّا يشتمل المزاح على الكذب من أجل إضحاك الناس؛ روى الترمذي في "سننه" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ تُدَاعِبُنَا، قَالَ: «إِنِّي لَا أَقُولُ إِلَّا حَقًّا»، وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «وَيْلٌ لِلَّذِي يُحَدِّثُ بِالحَدِيثِ لِيُضْحِكَ بِهِ القَوْمَ فَيَكْذِبُ، وَيْلٌ لَهُ! وَيْلٌ لَهُ.
ثانيًا: ألَّا يشتمل المزاح على الترويع والإخافة؛ جاء في "مسند الإمام أحمد" عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: حدثنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أنَّهم كانوا يسيرون مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مسيرٍ، فنام رجل منهم، فانطلق بعضهم إلى نَبْلٍ معه فأخذها، فلما استيقظ الرجل فزع، فضحك القوم، فقال: «مَا يُضْحِكُكُمْ؟»، فقالوا: لا، إلا أنا أخذنا نَبْلَ هذا ففزع، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا.
ثالثًا: ألَّا يُكْثِر من المزاح ولا يداوم عليه؛ لأنَّ كثرة المزاح تُميت القلب، وتُسقط الوقار، وتُشغل عن ذكر الله؛ جاء في "سنن الترمذي" و"ابن ماجه" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «لَا تُكْثِرُوا الضَّحِكَ؛ فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ.
رابعًا: البُعْد في المزاح عن الكلام الفاحش البذيء، والقول القبيح، وتَجنُّب سيء الحديث؛ فقد أخرج البخاري في "الأدب المفرد" والترمذي في "سننه" عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَا شَيْءٌ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِ المُؤْمِنِ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ، وَإِنَّ اللَّهَ لَيُبْغِضُ الفَاحِشَ البَذِيءَ».
خامسًا: ألَّا يشتمل المُزَاح على قولٍ أو فعلٍ مُحَرَّم كالسخرية والغيبة؛ قال تعالى: ﴿وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا﴾ [الحجرات: 12]، أو النميمة؛ قال صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ نَمَّامٌ» رواه الشيخان.