كان التأليف في الحضارة العربية الإسلامية الجسر الذي انتقلت به المعارف عبر التأريخ، وليس ثمة أمة في تاريخ الإنسانية تركت تراثًا معرفيًا تَمَثَّل في المؤلفات على نحو ما كان عند المسلمين، وهو ما تأكد حتى في كتابات المستشرقين من أمثال كارل بروكلمان، وزيغريد هونكه، وفرانز روزنتال، وغيرهم ممن أكبروا التراث الإسلامي وأولوه جل عنايتهم.

وحيث إن عُمان بلد في شرق الجزيرة العربية قصيّ عن عواصم الخلافة حيث كانت، لم تنتقل آثار أعلامه من المؤلفات إلى مراكز التأثير إلا قليلًا، ولم يكن لها نصيب من الذكر في أبرز الأعمال التأليفية التي رصدت الكتب والمؤلفات في الحضارة الإسلامية إلا قليلًا، ولعل أبرز تلك المؤلفات التي أرّخت لتاريخ التأليف عند المسلمين كتابا الفهرست لمحمد بن إسحاق النديم (ت:384هـ)، وكشف الظنون لحاجّي خليفة (ت:1068هـ). ورغم أنه يستفاد من بعض الإشارات إلى التأليف المبكر عند العمانيين منذ القرن الأول الهجري نحو ما جاء عند النديم من ذكر كتابين لصحار بن العباس العبدي أحدهما «كتاب الأمثال» والآخر «كتاب في النسب»، وما ذُكِر عن ديوان جابر بن زيد الأزدي (ت:93هـ)، بقي تاريخ التأليف في عُمان غُفلاً عن اشتغال المؤلفين شأن باقي فروع التدوين التاريخي.

ومن النصوص النادرة في تاريخ التأليف عند العمانيين رسالة صغيرة مجهولة المؤلف، صدرت في نشرة علمية عن مركز ذاكرة عمان بعناية الباحث سلطان بن مبارك الشيباني، وقد اعتنى صاحب الرسالة برصد مؤلفات العمانيين منذ العصر الإسلامي حتى القرن العاشر الهجري، ثم أضيفت إليها زيادات ضمت مؤلفات حتى القرن الثاني عشر. ولعل رجعها إلى القرن العاشر الهجري أقرب؛ لأن أغلب نُسَخها المخطوطة ورد فيها ذكر التأليف حتى ذلك العهد، وفي بعض النُّسَخ ذكر لكتاب «منهاج العدل في الأديان والأحكام» لعمر بن سعيد بن عبدالله بن سعيد بن معد البهلوي (ت:1009هـ) مقرون بعبارة: «تأليف بعض أهل العصر» مما يدل على أن مؤلف الرسالة من معاصريه، وللرسالة نُسَخ مخطوطة عديدة متباينة، وفيها تقدمة ببيان عدد كتب أهل عمان بما نصه: «وجدت: عدد كتب أهل عمان ثلاثمائة وستة عشر كتابًا، والله أعلم. لعله غير المناثر والأراجيز والسير» وفي هذا النص أُشيرَ إلى ثلاثة أشكال للتأليف يُحتمل أنها ليست داخلة في هذا الإحصاء المقدر بـ 316 كتابًا، وهي «المناثر» جمع منثورة، و«الأراجيز» أي المنظومات العلمية على بحر الرجز، و«السير». ثم قسم المؤلف رسالته إلى فصول صغيرة سرد في أولها الكتب «الجوامع» وهي تسعة كتب عُرفت عند العمانيين بالجوامع، ثم في الفصل الثاني «الأجزاء» وهي الكتب المطولة ذات الأجزاء الكثيرة، أو ذات الأجزاء القليلة والمفردة. وفي بعض نُسخ الرسالة فصول متفرقة زِيدَ بعضها عليها وتداخل البعض الآخر مع النص الأصلي، وفيها ذكر لبعض المؤلفات التي لم ترد في الفصول المتقدمة، وفي إحدى النُسخ عبارة: «وهذه أيضًا زيادة مما عرفته من آثار أهل عمان غير المذكور في الكتاب».

ويُحسَب للباحث سلطان بن مبارك الشيباني اشتغاله بتحقيق الرسالة على اختلاف نصوصها في نُسَخِها الخطية، فكان طريقه الذي سلكه في نشر النص بأن نشره في صورتين كما جاء في النُّسَخ الخطية، ولم يعتمد منهج التلفيق لأن الفروق قد لا تُمَكِّن من اتباع هذه الطريقة، فكان أن نشر النص الأول كما جاء معنونًا في أصوله بـ«معرفة كتب أهل عمان»، والثاني عنوانه: «معرفة الأجزاء والكتب لأهل عمان»، وأثبت فصولاً متفرقة أُلحِقت بالنص الأول، وألحق بالنصين مسردًا ألفبائيًا مهمًا للمصنفات المذكورة في النصين. ورغم أن حصيلة النصين من المصنفات المذكورة غالبها مؤلفات في علوم الشريعة لكن لم تخلُ القائمة من مؤلفاتٍ في فنون أخرى مثل رد أبي الحواري (ق3هـ) على تفسير الخمسمائة آية، والجمهرة لابن دريد (ت:321هـ)، واللآل في أبنية الأفعال لعبدالله بن مدّاد في اللغة، وكتاب الأنساب لسلمة بن مسلم العوتبي الصحاري (ق5هـ) في التاريخ والأنساب، ولعلنا نجعل الإلماع إلى هذا النص التاريخي الببليوجرافي فاتحة تقليب كُتُب من التراث العماني بين شهير ومغمور فيما يأتي من مقالات.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: کتاب ا

إقرأ أيضاً:

مقيمون: العيد في سلطنة عمان ألفة وفرحة وذكريات لا تنسى

تجربة قضاء العيد في سلطنة عمان فريدة من نوعها بحسب مقيمين في سلطنة عمان التقت بهم جريدة «عمان».. مؤكدين حرص العمانيين على التواصل مع جيرانهم سواء في الأعياد أو غيرها من الأوقات، إضافة إلى ما يسود المجتمع العماني من احترام وتسامح مع الضيف، وأعربوا عن أنهم يعيشون أحلى ذكريات للأعياد وممارسة الشعائر الدينية والمناسبات الاجتماعية بكل أريحية.

الاحترام المتبادل

أعربت أميرة أبو القاسم علي محمد، معلمة مصرية مقيمة في سلطنة عمان، عن سعادتها بالعيش فيما وصفتها ببلدها الثاني، إذ قالت: أنها لم تشعر فيها بمشاعر الاغتراب والبعد عن الوطن.

وأوضحت لقد قدمت إلى مسقط منذ نحو 4 أشهر للإقامة مع زوجي، والحياة حلوة في سلطنة عمان، حيث الهدوء وراحة البال والأمان والطرق أقل ازدحامًا وأكثر تنظيما، مشيرة إلى أن أكثر ما لفت انتباهها هو الاحترام والتسامح الذي يظهره العمانيون سواء على المستوى الشخصي أو مع الآخرين، وهو الطبع السائد بين العمانيين، مؤكدة أن العلاقة بين المواطنين العمانيين والمقيمين إيجابية جدا، وهي مبنية على الاحترام المتبادل.

وأضافت أبو القاسم: أحببت حسن الضيافة العمانية، فمنذ أن قدمت إلى سلطنة عمان تعرفت على أسر عمانية كثيرة منهم أصحاب زوجي في العمل وغيرهم، استضافوني ورحبوا بي وقدموا لي الهدايا، وقد استمتعت كثيرا بقضاء الأمسيات الرمضانية معهم.

وحول مظاهر العيد أشارت إلى أنه يمثل فرصة كبيرة للتعرف أكثر على الثقافة العمانية الفريدة من نوعها، موضحة: لقد قمت بزيارة الأسواق الشعبية، وتذوقت الأطباق العمانية الشهية مثل الشواء والحلوى العمانية وغيرها، والعمانيون شعب متواضع وراق وصاحب ذوق رفيع، ولقد أحبب وجودي هنا في بلدي الثاني سلطنة عُمان.

الترابط الأسري

وقال محمود السوسو، فلسطيني: في زوايا غربتي، أجد نفسي أسيرًا بين ذكريات الوطن والحنين إليه والشوق لوطني فلسطين المحتلة، واليوم أنا مغترب نعم، لكني أعيش تجربة جديدة في بلاد أهلها أثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم، نعم أنا في سلطنة عمان الحبيبة أهلها أهلي، وناسها ناسي، وتجربتي التي عشتها معهم وفي رحاب الحب في الله الذي جمعني بهم، وسلطنة عمان التي تحمل في طياتها عبق التاريخ وجمال الطبيعة، بلاد شعبها طيب يكرم الضيف ويرفع من شأنه ويوقره، بلد السلام والأمن والأمان، ولعلي اليوم بفضل الله أشاركهم فرحة العيد، أشارك أهل عمان فرحتهم، وأكثر ما نال إعجابي حينما اتجهت للقرى بمحافظة الداخلية بعيدا عن مسقط والطابع الرسمي بها، وزرت الصبيخاء وسمائل ونزوى ومنح وولايتي نخل وبدية، ولا أنسى الرستاق وجمالها والتكافل الاجتماعي والترابط الأسري يأتون في أول صباح العيد على التنور يلقون باللحم بطريقتهم التقليدية ما يعرف بـ«الشواء العماني» والأجواء تكون مليئة بالبهجة، ورأيت العائلات تتبادل التهاني، وتوزع الحلويات، وتشارك اللحظات السعيدة، حاولت أن أكون جزءًا من هذه اللحظات، لكن قلبي كان يحمل شوقًا لا ينتهي.

مضيفا: في صباح العيد، استيقظت على صوت التكبيرات يتردد في الأفق، في تلك اللحظات، أدركت أن الغربة ليست مجرد مكان بعيد، بل هي شعور يتسلل إلى الروح. لكنني أيضًا تعلمت أن أحتضن الجمال في كل ما حولي، فسلطنة عمان، بجمالها الطبيعي وثقافتها الغنية، أعطتني فرصة لرؤية الحياة من منظور جديد، وجدت في البحر الأزرق الواسع ملاذًا، وفي الجبال الشامخة عزاءً، وفي الناس الطيبين أصدقاء.

إكرام الضيف

وقال عبدالرزاق عبدالله، وهو تونسي مقيم منذ عام 2006: إن تجربة قضاء الأعياد في سلطنة عمان مختلفة إذ لا تستشعر الغربة عن الوطن وإنما العادات والتقاليد العمانية الأصيلة وكرم الضيافة في مثل هذه المناسبات، وكان ولا يزال العماني يكرم جاره وهذا ما عرف عنه، إذ أنه خلال هذه السنوات التي قضيتها كان الجيران من حولي يحرصون على تقديم الوجبات العمانية كالشواء والمقلاي والعرسية وغيرها من الحلويات في الأعياد، وهذا ليس بغريب عما عرف به العمانيون من إكرام الضيف، ونحن في سلطنة عمان نعيش بين إخواننا العمانيين ورغم الحنين إلى الوطن لكن في سلطنة عمان نشعر أننا بين أهلنا وأحبتنا.. مؤكدا أينما وليت وجهتك في سلطنة عمان تجد الكرم والحرص من العمانيين لنشاركهم العيد بكل تفاصيله، وتعلمنا من العادات والتقاليد العمانية الأصيلة خلال هذه السنوات التي قضيتها في سلطنة عمان، ونسأل الله أن يحفظ هذا البلد في أمن وأمان، ونسعد أننا نعيش في مجتمع يتصف بالتكافل الاجتماعي والتكاتف في مختلف المناسبات.

أحلى الذكريات

وقال سيف الدين محمود، أردني مقيم منذ عام ٢٠١٧: نعيش أحلى الذكريات في سلطنة عمان في الأعياد ونمارس الشعائر الدينية والمناسبات الاجتماعية وكأننا في بلدنا الأم، حيث نذهب لصلاة العيد ومن ثم نتواصل مع الأهل والأصدقاء بالأردن لإرسال واستقبال التهاني بمناسبة العيد، ومن ثم نبدأ جولتنا بزيارة الأصدقاء لتهنئتهم بالعيد، وكالمعتاد نحرص على أن يكون غداؤنا الشواء العماني بنكهته الفريدة التي تعتبر إضافة لأجواء العيد التي تعودنا عليها من أصدقائنا في سلطنة عمان من كرم ضيافتهم وحسن جوارهم وأخلاقهم وتواضعهم.

مقالات مشابهة

  • مشروع القرن.. كيف تستعد مصر لافتتاح المتحف المصري الكبير يوليو المقبل؟
  • أليس من حقنا معرفة المدسوس : علاقة قحت وتقدم وصمود مع المليشيا؟
  • سعر الذهب في عمان اليوم الثلاثاء 1 أبريل 2025
  • مقيمون: العيد في سلطنة عمان ألفة وفرحة وذكريات لا تنسى
  • جريمة قتل في عمان بسبب خلاف على تأخر سداد الإيجار
  • على طريقة النص.. أحمد أمين يهنئ الجمهور بعيد الفطر المبارك
  • ناقد رياضي عن بيان رابطة الأندية: مسكت العصاية من النص
  • الهياكل الثلاثة(53-500) الدهر والقرن والحقبة
  • عمان الاهلية تهنىء بعيد الفطر السعيد
  • مظاهر العيد.. عادات عمانية راسخة تعبّر عن القيم والأصالة