الوطن:
2025-02-05@21:57:55 GMT

بريطانيا وأمريكا

تاريخ النشر: 11th, March 2024 GMT

بريطانيا وأمريكا

لا يتجاوز عمر النشاط الاستعمارى العالمى للولايات المتحدة قرناً من الزمان. بدأ حثيثاً، وبعد حربين عالميتين تقاسمت قمة العالم كقوة عظمى مع الاتحاد السوفيتى، لكنها كانت قوة استعمارية توسعية. وعلى عكس الاتحاد السوفيتى المناصر لتحرر الشعوب، كانت أمريكا فى غالبية الأحوال وراء المؤامرات التى حيكت لدول العالم الثالث ومارست القمع ودمرت بلاداً عديدة، بدءاً من فيتنام وكوريا وحتى العراق والصومال وغيرها، كما قامت بالانقلابات وتأجيج الصراعات فى دول كثيرة، وغالبيتها فى أمريكا اللاتينية، التى كان معظمها يتجه يساراً، وما كوبا إلا مثال مجسد لما كانت تفعله أمريكا.

أمامنا الآن مثال حى فى غزة، تدَّعى أمريكا أنها -بنفسها- ستبنى ميناء خصيصاً لنقل المؤن لغزة والتخفيف عن أهلها الذين دمرتهم وشردتهم إسرائيل، وفى الوقت نفسه ترفض أمريكا -الرحيمة- إصدار قرار من مجلس الأمن بوقف الهمجية الإسرائيلية ولا تتوقف عن تمويلها بأحدث أنواع السلاح.

التاريخ يسجل لأمريكا كل الشرور التى ارتكبتها فى حق العالم، فهى الدولة التى تسيِّر حاملات الطائرات والبوارج لمسافات تصل إلى عشرات الآلاف من الأميال لكى تضرب دولة لا تمثل لها أى تهديد ولم ترتكب ضدها أى مخالفة. ورثت أمريكا هذه الوحشية من أمها بريطانيا التى روّعت العالم لعدة قرون. ورثت عنها اللغة وهى أهم أدوات الاستعمار للسيطرة، وورثت عنها ثقافتها، والأهم أنها ورثت عنها وحشيتها ونهمها لابتلاع العالم.

لا ننسى أن الإمبراطورية البريطانية كانت تحتل أراضى فى كل أنحاء العالم لا تغيب عنها الشمس. وقد تركت بريطانيا فتيلاً فى كل دولة احتلتها يمكن من خلاله إشعال تلك البلاد بأبسط الطرق وأرخصها. وهى ما زالت تحتل أجزاء حيوية للغاية فى العالم مثل مضيق جبل طارق وجزر فولكلاند قرب سواحل أمريكا اللاتينية وكانت جزراً أرجنتينية، كما أن لها قواعد فى قبرص، وما زالت تسيطر على عشرات الدول فى رابطة الكومنولث بل ويحكم ملك أو ملكة إنجلترا 14 دولة حكماً مباشراً، ومنها دول كبيرة مثل كندا وأستراليا ونيوزيلاند. بل كانت بريطانيا تحتل أمريكا نفسها إلى أن قامت الثورة الأمريكية عام 1776. لقد تحررت أمريكا من بريطانيا، لكنها تدخلت لحمايتها فى الحربين العالميتين باعتبارها تحمى أصولها العرقية والثقافية القادمة من أوروبا وتمهد لوراثتها فى حكم العالم.

كلما نظرت إلى خريطة العالم وجدت شبح بريطانيا صانعة المشاكل، وأهمها مشكلتنا كعرب مع الكيان الصهيونى الذى يحتل فلسطين وينكل بأشقائنا. كانت بريطانيا الاستعمار الذى قهر شعوباً بطول وعرض الكرة الأرضية وجاءت ابنتها أمريكا الفتية العتية، والاثنتان كانتا وراء وجود الكيان الصهيونى وحمايته من كل ما يمسه.

لقد أحيت المقاومة الفلسطينية فى غزة قضية الوطن الفلسطينى ووجدنا شعوباً عديدة تناصر المقاومة التى تدافع عن حقها فى الوطن والحرية ضد محتل غاشم. وبالأمس قامت مواطنة بريطانية بتشويه صورة مرسومة لبلفور وزير خارجية بريطانيا الذى أعطى الصهيونية حق إقامة وطن لهم فى فلسطين عندما كانت فلسطين تحت الانتداب البريطانى عام 1917. إن ما فعلته هذه السيدة وما يفعله آخرون فى أنحاء أوروبا وأمريكا نفسها التى أشعل أحد ضباطها النار فى نفسه وهو يصيح «فلسطين حرة» أمر يدعم قضيتنا ويفت فى عضد الاستعمار والصهيونية.

لقد ارتبطت الأم -بريطانيا- والابنة -أمريكا- برباط غير مقدس من الاستعمار والاحتلال واستنزاف اقتصاد وقوة الشعوب، ويلاحظ العالم أنه مهما اتفقت دول أخرى أو اختلفت مع أمريكا فإن بريطانيا تبقى ولا تنفصل عن أمريكا فى سياساتها، خاصة بعدما صارت بريطانيا عجوزاً ولم تعد دولة عظمى كما كانت.

إن الدولتين لهما تاريخ طويل ملوث بدماء الشعوب، وهو ما ساعد دولاً كبرى أخرى مثل روسيا والصين على تنمية قدراتهما وكسب الأنصار فى جميع أنحاء العالم بما يجعلهما مؤهلتين للمشاركة فى حكم العالم وتعدد الأقطاب فى النظام العالمى الجديد.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: بريطانيا أمريكا غزة

إقرأ أيضاً:

جرأة مجموعة لاهاي

منذ أن نجح فى الانتخابات وحتى قبل أن يجلس على عرش أمريكا رسميًا للمرة الثانية اعتاد ترامب الإدلاء بتصريحات غير مسئولة أثارت جدلًا واسعًا فى كل دول العالم واعتبره كثيرون مجنونًا قد يجر العالم لحرب عالمية ثالثة.

وفاجأ ترامب العالم بتصريحات غريبة عقب لقائه مع رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، وكأن كل تصريح خرج من شخص مختلف أحدهما همجى والثانى استعمارى إمبريالى والثالث إنسان والرابع نرجسى والخامس ممثل، ربما ما جاء عل لسانه حول استيلاء أمريكا على غزة ونقل عدد من الجنسيات للعيش فيها أى تدويلها بمثابة صدمة أعادت للأذهان تلك الاتفاقيات والوعود الاستعمارية التى قسمت دولًا وشردت شعوبًا، وكأن العالم خلق من أجلهم يظلمون ويتجبرون دون وازع من ضمير ودون مراعاة للقوانين والأعراف الدولية التى وضعوها وطبقوها بطريقتهم وحسب مصالحهم.

فى يقينى الضعفاء لن يسكتوا، قد يتحدون لمواجهة هذا التسلط وهذا الفكر الاستعمارى الهمجى، وربما كانت كندا وبنما وكولومبيا والبرازيل والمكسيك هى البداية وسينضم اليهم آخرون بدعم قوى أخرى من مصلحتها إضعاف الولايات المتحدة بل وتفكيكها.

أتوقف هنا عند حدث دولى أعتبره من أهم الأحداث على الساحة العالمية خلال الأيام الماضية، ففى سابقة هى الأولى فى التاريخ، أعلنت 9 دول عن تدشين أول تجمع دولى أطلق عليه «مجموعة لاهاى» بهدف ملاحقة العدو الصهيونى فى المحاكم الدولية والعمل على إنهاء الاحتلال الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية المحتلة عقب 1967، والدول هى جنوب أفريقيا وماليزيا وكولومبيا وبوليفيا وكوبا وهندوراس وناميبيا والسنغال وجزر بليز.

هذه الدول قررت ألا تكتفى بملاحقة إسرائيل قضائيًا فقط، بل وسياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا من خلال عدة إجراءات: منها تنفيذ أوامر الاعتقال الصادرة من الجنائية الدولية بحق «نتنياهو» و«غالانت» فى حال وصول أى واحد منهما إلى أراضى أى دولة من الدول التسع، ومنع تصدير أو توفير أو نقل الأسلحة إليها، ومنع رسو أى سفن تنقل أسلحة أو وقودًا لإسرائيل فى موانئ هذه الدول.

ربما يقلل البعض من هذا الحدث معللًا أن هذه الدول صغيرة–عدا ماليزيا بالطبع–وتأثيرها ليس كبيرًا، ولكنى أقول إن مجرد إعلان هذه المجموعة عن اتخاذ إجراءات ضد الكيان الصهيونى المدعوم بالشيطان الأمريكى الأعظم هو جرأة تنذر بانضمام المزيد إلى هذا التحالف، أو تكوين تحالفات أخرى ضد أمريكا نفسها، فالضغط والظلم غالبًا ما يولدان الانفجار.

وأشير هنا أيضًا إلى الانقسامات السياسية العميقة فى الولايات المتحدة الأمريكية والاعتراضات المتتالية على الإجراءات التى اتخذها ترامب فى الأيام الأولى من ولايته الثانية والتى أسفرت عن عريضة جمعت أكثر من 100 ألف توقيع تطالب الكونجرس بعزل هذا الرئيس الذى قد يتسبب بسياساته فى زيادة العداء ضد أمريكا على مستوى العالم، وانهيار الاقتصاد الأمريكى.

[email protected]

 

مقالات مشابهة

  • جرأة مجموعة لاهاي
  • الاتحاد الأوروبي: غزة جزء لا يتجزأ من دولة فلسطين المستقبلية
  • تعليقاً على مخطط ترامب .. سموتريتش: حان الوقت لـدفن فكرة دولة فلسطين
  • تعليقاً على مخطط ترامب .. سموتريتش: حان لـدفن فكرة دولة فلسطين
  • أمير الشرقية يستقبل سفير دولة فلسطين لدى المملكة
  • رابطة العالم الإسلامي تثمِّن تأكيد المملكة موقفها الثابت والراسخ من قيام دولة فلسطين
  • فى ذكرى ميلاد فاروق الفيشاوي.. كيف استقبل مرض السرطان ومن النجمة التى أحبها؟
  • أمريكا تُعرقل جهود وكالة الأونروا في خدمة أهل فلسطين
  • كاتب صحفي: أمريكا الراعي الأكبر لإسرائيل وتدافع عنها دائما
  • الانسحاب الرسمي في يناير 2026.. أمريكا تهدد مناخ العالم وإفريقيا الخاسر الأكبر