"طوفان الأقصى" واستراتيجية "تجفيف المقاومة"
تاريخ النشر: 11th, March 2024 GMT
◄ فصائل المقاومة ومحورها على يقينٍ تامٍ بما يُخطط ويُحاك وتواجه كل ذلك بمخططات مُضادة، وبحسابات دقيقة للغاية دون ضجيج
علي بن مسعود المعشني
ali95312606@gmail.com
لا شك أنَّ طوفان الأقصى تخطى جميع الحسابات والأرقام والأهداف والنتائج والمواجهات بيننا وبين العدو الصهيوني، منذ احتلال فلسطين عام 1948، ولغاية اليوم.
يُمكن للمتابع أن يلحظ عددًا من النتائج والمستجدات على الأرض اليوم، والتي كانت من المُحرّمات لدى الكيان وتُشكل نقاط ضعف تاريخية له، لكي نقرر بعد ذلك استنتاج الجديد من الطوفان ويومياته.
الشاهد الأول، جميعنا يعلم أن الكيان الصهيوني بُنيت عقيدته العسكرية على خوض حروب خاطفة وسريعة مع العرب؛ أي أن الكيان لا يتحمل حروبًا طويلة، وهذا ما رأيناه في حروب الاستنزاف مع الجيش المصري (1968- 1970)، وفي حرب لبنان عام 1982 مع الفصائل الوطنية اللبنانية والفلسطينية، وفي حرب يوليو 2006 مع حزب الله. وإلى هذه اللحظة، تخطت المواجهات في يوميات طوفان الأقصى الـ157 يومًا دون انقطاع، في سجال مُسلح بين الكيان وفصائل المقاومة بغزة ولبنان والعراق واليمن. وهذا زمن قياسي في حروب الكيان لا بُد لنا من التوقف عنده، وألّا نعتقد بأن الأمر ينحصر في بحث الكيان عن صناعة نصر يتكئ عليه ويواجه به الداخل والخارج، ويُرمم من خلاله كيانه المهترئ ومكانته وصورته في العالم كذلك.
الشاهد الثاني على تحولات الكيان ورعاته في مواجهات الطوفان، هو "إهمال" أعداد القتلى والجرحى في صفوف جيشه، وتقبُّل ذلك وكأنّه تسليم واستسلام للأمر الواقع، بينما يعلم أكثرنا بأنَّ جثمان الطيار رون أراد والذي أسقطت طائرته بلبنان عام 1982، بقي حاضرًا في جميع مفاوضات الأسرى بين العدو والفصائل اللبنانية لعقود، إلى تحقق ذلك وتسلموا ما تبقى من رُفاته.
الشاهد الثالث على تحوُّلات نتائج الطوفان، هو تجاهل الكيان ورعاته لضغط الواقع والشارع لتبادل الأسرى (العسكريين والمدنيين) وعودتهم إلى أسرهم؛ بل والسعي لقتلهم كلما سنحت لهم الفرصة للقيام بذلك.
فواجع الكيان الصهيوني ورعاته بالطوفان على الصُعد العسكرية في الميدان وعبر الصواريخ والمُسيَّرات من خارج جغرافية فلسطين المحتلة، وهزيمة عقله التقني والاستخباراتي في غلاف غزة في السابع من أكتوبر، ثم هزيمته القضائية في محكمة العدل الدولية وثبوت تهمة الإبادة الجماعية عليه، والخسائر الاقتصادية الجسيمة بداخله، نتيجة التوقف شبه التام للحياة والنزوح والهجرة العكسية إلى خارج الكيان، والدعم الكبير للعملة والمجهود الحربي، وفشل مساعيهم في الانفراد بحلول منفردة مُغرية جدًا ماديًا مع فصائل المقاومة بغزة ولبنان والعراق واليمن لتحييد أي منها في هذه المرحلة بالتحديد. كل تلك عوامل تجعلنا نُفكِّر ونتدبَّر بعُمق سبب تعنُّت الكيان ورعاته في مواصلة أمد الحرب، ويجعلنا نتساءل على ماذا يُراهنون؟!
لا شك أنهم يُراهنون على مُخطط اجتثاث فصائل المقاومة أو الظفر بسلاحها عبر هذا القتل اليومي المُنظَّم، والدمار المُمنهج، والتجويع ونشر الأمراض، فهم يعتقدون بأن الوضع مثاليٌ لهم عبر هذه المنظومة اللا أخلاقية، لتطويع غزة وتركيع فصائلها للقبول بتسليم السلاح والتحول إلى فصيل سياسي منزوع السلاح، وكما حدث لمنظمة التحرير الفلسطينية بعد حصار بيروت.
هُم يعتقدون أنَّ وضع غزة مثالي لتحييدها مستقبلًا من أية نشاط مُسلَّح، وبالتالي انكشاف جبهة "حزب الله" في لبنان ومواجهته في حرب شاملة بالتعاون مع الطابور الخامس بلبنان، وأدوات أمريكا في المنطقة؛ فالقضاء على حزب الله في مُخططهم يُمثل كسرًا حقيقيًا لفصائل المقاومة في جغرافيات أخرى؛ كونه الحاضن والقدوة والداعم السخي لها بالمشورة والخبرات والعدة والعتاد.
إعلان فصائل المقاومة بغزة مؤخرًا أنها مستعدة لمواصلة الحرب إلى رمضان العام المقبل- أي لمدة عام آخر- بنفس القوة والجهوزية مع زيادة في تنوع التكتيكات والسلاح، ودخول أسلحة نوعية للمعركة من لبنان واليمن والعراق، والتصريح بوجود المزيد، والضغط الأمريكي والغربي على الكيان بضرورة قبول هُدنة مؤقتة لستة أسابيع، وتهديد بعض الدول الأوروبية بمقاطعة الكيان بسبب سمعته وجرائمه وإضراره الكبير بسمعتها ومصالحها حول العالم... جميعها أوراق سياسية تقوِّي من موقف فصائل المقاومة، وتعزز من نظرية الردع والوجع المتبادل للكيان والفصائل معًا.
كما إن فصائل المقاومة ليست وحدها في هذه المواجهة، وإن بدت كذلك على الساحة العسكرية؛ فهناك العديد من الدول الإقليمية وحول العالم من لها مصلحة مباشرة في كسر الكيان ورعاته ومخططهم، وبالتالي تسعى بالخفاء إلى تقديم كل الدعم المادي والاستخباراتي والعسكري لفصائل المقاومة في جغرافياتها المختلفة.
فصائل المقاومة ومحورها على يقينٍ تامٍ بما يُخطط ويُحاك، وتواجه كل ذلك بمخططات مُضادة، وبحسابات دقيقة للغاية دون ضجيج، وإن بدت الصورة على السطح قاتمة وفي صالح العدو ورعاته، وهو ما يسعى إلى تكريسه والترويج له؛ فالصراع اليوم انتقل إلى السطح، وسيستنزف العدو تدريجيًا حتى زواله، فهو من اختار ذلك، وقرر المسير في طريق المواجهة المفتوحة مع فصائل المقاومة.
قبل اللقاء.. الأنهار العظيمة تجري بصمتٍ.
وبالشكر تدوم النعم.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
محللون: إقرار جيش إسرائيل بفشل 7 أكتوبر يطمس حقائق طوفان الأقصى
القدس المحتلة- وجه كتّاب ومحللون عسكريون وسياسيون انتقادات شديدة اللهجة إلى الجيش الإسرائيلي بعد اعترافه بالفشل في منع هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 على مستوطنات "غلاف غزة" وبلدات إسرائيلية في النقب الغربي.
وأجمعت قراءات المحللين على أن نتائج التحقيقات التي كشف عنها جيش الاحتلال تعكس الإخفاق الممنهج بالمؤسسة العسكرية في مواجهة حركة حماس، وكذلك تعمد رئاسة هيئة الأركان العامة طمس الحقائق والتكتم على الحيثيات التي سبقت "طوفان الأقصى"، وهو ما يعزز أزمة الثقة بين الجمهور الإسرائيلي والمؤسسة العسكرية.
واستعرضت تقديرات المحللين الانتقادات التي وجهها كبار الضباط في "فرقة غزة" إلى قيادة الجيش، حيث وجهوا انتقادات شديدة اللهجة إلى رئيس هيئة الأركان العامة هرتسي هاليفي.
وأشارت القراءات إلى أن نتائج التحقيقات توحي بأن هاليفي اعتمد رواية كاذبة بالتخلي عن المستويات الدنيا في قيادة الجيش، وتحميلهم مسؤولية الإخفاق والادعاء بأن الضباط على الجبهة الجنوبية لم يطلعوا رئاسة الأركان على حقيقة وصورة الوضع مع بداية الهجوم المفاجئ.
أين كان الجيش؟
يقول المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس" عاموس هرئيل إن نشر تحقيقات الجيش الإسرائيلي لم يكشف إلا عن جزء من صورة الواقع لأحداث السابع من أكتوبر، حيث ما زالت محاور مهمة وقضايا جوهرية غائبة ومفقودة.
إعلانوأضاف هرئيل أن السؤال الذي يطرح مجددا من قبل المجتمع الإسرائيلي هو "أين كان الجيش؟". وأشار إلى أن "دراسة هذه التحقيقات تكشف أنه بالإضافة إلى الإخفاق بالاستعدادات والفشل بالاستخبارات، فإن رئاسة الأركان لم تحقق بعمق بالقضايا الجوهرية، وهو ما يرجح بفتح التحقيقات مجددا من قبل طواقم تحقيق جديدة يعينها رئيس هيئة الأركان العامة الجديد إيال زامير".
ورأى المحلل العسكري أن نتائج التحقيقات توحي بأن الأجهزة الأمنية والعسكرية وبضمنها الجيش وجهاز الأمن الداخلي "الشاباك" تعاملوا باستخفاف مع حركة حماس، بل إنهم لم يفهموا ما تصرح به والخطوات التي تقوم بها.
ويعتقد هرئيل أن الجيش الإسرائيلي ما زال عالقا في السابع من أكتوبر، وهناك خوف دائم لدى المؤسسة العسكرية من أن يكون وقف إطلاق النار على الجبهتين الرئيسيتين غزة ولبنان مؤقتا، إذ من شأن استئناف الحرب أن يكشف عن تآكل قدرات الجيش واستنزافه.
وتحت عنوان "نشر تحقيقات الجيش الإسرائيلي.. قليل جدا، ومتأخر جدا، ومثير للمشاكل"، كتب المحلل العسكري يوسي يهوشع مقالا في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، ينتقد فيه أداء الجيش بالتعامل مع التحقيقات الداخلية، حيث أتت نتائج التحقيقات في أحداث 7 أكتوبر -حسب كلامه- مستهلكة ولم تبحث بالعمق، وعليه لا بد من تشكل لجنة تحقيق رسمية حتى لا تتكرر صدمة "يوم الغفران" (حرب أكتوبر 1973).
ويعتقد المحلل العسكري أن رئيس الأركان المنتهية ولايته أرجأ الانتهاء من التحقيقات ثم حرص على أن تخرج جميعها في وقت واحد بطريقة تجعل من الصعب على الجمهور الإسرائيلي الخوض فيها، في محاولة للإبقاء على ضبابية المشهد وطمس الحقائق.
وحتى قبل الخوض في نتائج التحقيق، يضيف يهوشع "لا بد من الاستغراب من واقع أن الجيش الإسرائيلي يقف وحيدا في طليعة التحقيقات، في حين لم يقدم الشاباك نتائجه الخاصة. إن هذا السلوك مثير للغضب لأن مسؤوليته من منظور استخباراتي هي عين مسؤولية الجيش الإسرائيلي، وفي الوقت نفسه، لا يمتنع المستوى السياسي من التحقيق في أدائه في ذلك السبت الأسود والأيام التي سبقته وحسب، بل إنه يبذل كل ما في وسعه لمنع تشكيل لجنة تحقيق رسمية".
إعلانويختم يهوشع أنه في 7 أكتوبر "انهارت العقيدة الأمنية، وعليه فإن جميع الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بالعقد الأخير تتحمل مسؤولية الفشل والإخفاق، فضلا عن ضباط في هيئة الأركان العامة وكبار مسؤولي الشاباك. وهناك جانب آخر دراماتيكي في التحقيقات وهو الاعتراف بوجود ثقافة تنظيمية مروعة، والتي كلفت إسرائيل حربا هي الأكثر فظاعة في تاريخ البلاد".
نتنياهو "ضحية"وعلى صعيد تداعيات نتائج التحقيقات على الساحة السياسية، يقول المحلل السياسي في الموقع الإلكتروني "زمان يسرائيل" شالوم يروشالمي إن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو حاول الإبقاء على كرة الإخفاق والفشل في ملعب الجيش وأجهزة الاستخبارات بزعم أنه "ضحية" حيث تواصل رئاسة هيئة الأركان العامة إخفاء المعلومات عنه.
وأوضح يروشالمي أن إسراع مكتب رئيس الوزراء بإصدار البيان الاستثنائي الذي يشكو من أن نتنياهو لم يتلق التحقيقات العسكرية في أحداث 7 أكتوبر، هي محاولة منه للتنصل من المسؤولية والإبقاء على أصابع الاتهام بالفشل والإخفاق موجهة إلى الجيش وأجهزة الاستخبارات، وهو بذلك يعتمد النهج ذاته بالتنصل من المسؤولية وتوجيه الاتهامات للآخرين.
ورجح المحلل السياسي أن نتائج التحقيقات والإخفاقات وتراشق الاتهامات سترافق المشهد الإسرائيلي لفترة طويلة، قائلا "مع مرور الوقت، قد يتمكن نتنياهو من إقناع الجميع بأن من فشلوا وأخفقوا أنهوا الخدمة وما عادوا بمناصبهم، وأن القصة انتهت، وأنه انتقل إلى الأمام لمحاربة الأعداء وبناء شرق أوسط جديد".