عملاق أفريقيا يتجه للأزمة.. نيجيريا في مواجهة التحديات الاقتصادية
تاريخ النشر: 11th, March 2024 GMT
لطالما كانت نيجيريا محركا للقارة الأفريقية، بأسواقها الواسعة، وأراضيها الخصبة، واحتياطياتها الوفيرة من النفط، وتشكل منذ فترة طويلة القوة الاقتصادية المنتظرة في القارة.
ومع ذلك، شهدت الأشهر الأخيرة علامات متزايدة على زعزعة الاستقرار في نيجيريا حيث تتصارع مع عدد لا يحصى من التحديات الاقتصادية، مما أثار المخاوف على الصعيدين المحلي والعالمي.
يقول تقرير بوكالة بلومبيرغ إنه عندما تولى الرئيس بولا تينوبو منصبه في مايو/أيار الماضي، ورث اقتصاداً كان يعاني لسنوات من الركود. وكانت عملية صنع القرار في عهد سلفه محمد بخاري بطيئة للغاية.
ومع إدراك تينوبو للحاجة الملحة إلى التغيير، سارع إلى تنفيذ الإصلاحات، وخفض إعانات الدعم، وعين رئيسا للبنك المركزي الذي رفع أسعار الفائدة. ولكن هذه التدابير، التي تهدف إلى إرضاء المستثمرين الدوليين، أطلقت عن غير قصد العنان لصدمة تكلفة المعيشة التي تعيث الآن فساداً في الاقتصاد الحقيقي، حسب التقرير.
العملة النيجيرية (النيرا) انخفضت بنحو 70% مقابل الدولار منذ أصبح تينوبو رئيساً (غيتي) سقوط حر للعملةوتشير بلومبيرغ إلى أن العملة النيجيرية (النيرا) كانت في حالة من السقوط الحر طيلة القسم الأكبر من العام الماضي، حيث انخفضت بنحو 70% مقابل الدولار منذ أصبح تينوبو رئيساً.
وقد أدى هذا الانخفاض، إلى جانب تراكم الطلب على الدولار، إلى تآكل ثقة السوق في النيرا. وقد فشلت الزيادة غير المسبوقة التي طرأت على أسعار الفائدة مؤخراً -والتي أقرها محافظ المركزي المعين حديثاً أولايمي كاردوسو بهدف تثبيت استقرار العملة- في استعادة الثقة، الأمر الذي أثار المخاوف على الساحة العالمية، وفق بلومبيرغ. ومع تصاعد التوترات الجيوسياسية في أماكن أخرى، فإن الأزمة المحتملة في نيجيريا قد تتطلب قريباً اهتمام القوى الكبرى مثل مجموعة السبع والصين وروسيا.
النيجيريون يتحملون وطأة الصراعات الاقتصادية (الفرنسية) هجرة الشركاتوبحسب بلومبيرغ أدى انخفاض قيمة النيرا إلى إحداث صدمات في المشهد التجاري، مما دفع الشركات الكبرى مثل "بروكتر" و"غامبل و"جي إس كيه" إلى الخروج من البلاد.
ويواجه الباقون خسائر فادحة، حيث أعلنت الوحدة المحلية لشركة نستله عن أول خسارة لها منذ 12 عاما، وشهدت شركة "إم تي إن" (أكبر مزود للخدمات اللاسلكية في أفريقيا) انخفاضا مذهلا بنسبة 90% في الأرباح السنوية بسبب انخفاض قيمة النيرا.
وقد يؤدي هذا النزوح والانكماش الاقتصادي إلى تفاقم التحديات التي تواجهها نيجيريا ويعيق طريقها نحو التعافي الاقتصادي، بحسب المصدر ذاته.
تأثير ممتد للسكانيقول تقرير بلومبيرغ إن المواطنين النيجيريين هم الذين يتحملون وطأة المشاكل الاقتصادية خاصة مع ارتفاع معدل التضخم إلى أعلى مستوياته منذ 28 عاماً.
فقد أدى إلغاء إعانات الدعم إلى مضاعفة أسعار الوقود إلى ثلاثة أمثالها، في وقت تشهد أسعار السلع الأساسية ارتفاعاً كبيراً، مما دفع صندوق النقد الدولي إلى إصدار تحذير شديد اللهجة، داعياً نيجيريا لمعالجة مسألة الأمن الغذائي بشكل عاجل.
قدرة الرئيس تينوبو على تنفيذ الإصلاحات واستدامتها ستكون حاسمة في تحديد مستقبل البلاد (رويترز)الطريق إلى الأمام
وتطرح بلومبيرغ أنه وفي مواجهة الأزمة التي تلوح في الأفق، يتعين على الرئيس تينوبو أن يعمل على إيجاد توازن دقيق بين تنفيذ الإصلاحات الضرورية وتلبية الاحتياجات الفورية للسكان.
وفي حين أن بعض إجراءاته اجتذبت استثمارات في المحافظ الأجنبية تجاوزت مليار دولار في فبراير/شباط الماضي، ليصل إجمالي الإيرادات لهذا العام 2.3 مليار دولار مقارنة بـ 3.9 مليار لعام 2023 بأكمله، إلا أن هناك مخاوف من أن العقبات البيروقراطية والرسوم المثيرة للجدل قد تعيق التقدم، وفق بلومبيرغ.
وتصنف شركة استخبارات المخاطر العالمية "فيريسك مابلكروفت" نيجيريا كواحدة من الدول الأفريقية التي من المرجح أن تواجه اضطرابات مدنية خطيرة العام المقبل.
ولا تزال الشركات تواجه متاهة بيروقراطية من الأنظمة والضرائب، ويبدو أن فرض ضريبة معوقة على استقدام العمال الأجانب -الآونة الأخيرة- يسير في الاتجاه الخاطئ.
وبما أن نيجيريا تقف على مفترق طرق، فإن قدرة الرئيس تينوبو على تنفيذ الإصلاحات واستدامتها ستكون حاسمة في تحديد مستقبل البلاد.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان حريات تنفیذ الإصلاحات
إقرأ أيضاً:
بلومبيرغ: ماليزيا تقدم نموذجا للصين لتحقيق نمو مستدام بنسبة 5%
قالت وكالة بلومبيرغ إن ماليزيا تواصل تقديم نموذج ناجح للنمو الاقتصادي المستدام، حيث أظهرت مرونة ملحوظة في تحقيق نمو اقتصادي بنسبة 5.3% خلال الربع الأخير، متفوقة على الصين التي سجلت نموا بنسبة 4.6%.
ويعكس أداء ماليزيا قدرتها على الحفاظ على استقرارها الاقتصادي وتعزيز ثقة المستهلكين، وهو ما يجعلها محط اهتمام الدول المجاورة والمستثمرين الدوليين.
سياسات فعالةوتستند ماليزيا في نجاحها -وفق بلومبيرغ- إلى مجموعة من السياسات الاقتصادية الفعّالة التي وضعت أسسا قوية منذ عقود.
ماليزيا حرصت مبكرا على جذب الاستثمارات الأجنبية من خلال إنشاء مناطق تجارة حرة (شترستوك)من بين هذه السياسات، جذب الاستثمارات الأجنبية المبكرة في سبعينيات القرن الماضي من خلال إنشاء مناطق تجارة حرة، وهي خطوة سبقت تطبيقها في الصين. حيث تمكنت الدولة الآسيوية من استقطاب شركات عالمية مثل إنتل كورب، مما جعل ولاية بينانغ محورا لصناعة التكنولوجيا في المنطقة.
هذا النهج أدى -وفق الوكالة- إلى توسع النجاحات ليشمل مناطق أخرى في البلاد مثل كيداه وجوهور، حيث استقرت شركات كبرى مثل إنفينون تكنولوجيز.
استقرار السياسات النقديةوساهم استقرار الأسعار في تعزيز ثقة المستهلكين ودعم الإنفاق المحلي. وتذكر بلومبيرغ أن السياسات النقدية القوية والإجراءات غير التقليدية مثل تحديد الأسعار كانت أساسا لهذا الاستقرار، مما جعل ماليزيا قادرة على حماية مواطنيها من تقلبات السوق.
على سبيل المثال، تقدم الحكومة الماليزية دعما للسلع الأساسية مثل الوقود والسكر والكهرباء، رغم أن هذا الدعم يشكل عبئا على المالية العامة.
في الوقت نفسه، تسعى ماليزيا لتحقيق قفزة نوعية في مجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي. وأطلق رئيس الوزراء أنور إبراهيم، الذي يحتفل بمرور عامين على توليه المنصب برنامجا لجذب الشركات التي توفر وظائف ذات دخل مرتفع وتعزز الابتكار.
شركات مثل مايكروسوفت وأمازون وغوغل استجابت لهذا النداء، حيث استثمرت في البنية التحتية التقنية للبلاد، مما يجعل ماليزيا رائدة في المنطقة.
أنور إبراهيم أطلق برنامجا لجذب الشركات التي توفر وظائف ذات دخل مرتفع وتعزز الابتكار (رويترز) تحدياتورغم هذه النجاحات، تواجه ماليزيا تحديات مستقبلية. محليا، هناك نزاعات مع بعض الحكومات المحلية حول عائدات الغاز، في حين أن إلغاء الدعم التدريجي للوقود قد يؤدي إلى تأثيرات على التضخم وثقة المستهلكين.
وعلى الصعيد الدولي، يُنظر إلى إعادة انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة بعين القلق بسبب السياسات الاقتصادية غير المتوقعة التي قد تؤثر على الاقتصاد العالمي.
ومع ذلك، يؤكد محافظ البنك المركزي الماليزي عبد الرشيد غفور أن ماليزيا مستعدة لمواجهة هذه التحديات من "موقع قوة". وأضاف أن الاقتصاد يعتمد بشكل أساسي على الطلب المحلي ويتمتع بتنوع كبير في الشركاء التجاريين.
وفي الوقت نفسه، تهدف الحكومة إلى تحقيق نمو بنسبة 5% سنويا في السنوات المقبلة، وهو هدف طموح لكنه مدعوم بسياسات فعالة وإستراتيجيات طويلة الأمد وفقا للوكالة.