غزيون في قطر: كيف نفرح برمضان والأهل في غزة يُذبحون ويُجوعون؟
تاريخ النشر: 11th, March 2024 GMT
الدوحةـ لم تتمالك الدكتورة فوزية بكري والدة الشهيد محمد نسمان دموعها عندما سألناها عن مشاعرها وهي تقضي شهر رمضان الكريم في قطر بعيدة عن غزة، غلب القهر صوتها، ولم تتمكن من الإجابة عن سؤال الجزيرة نت، وطلبت إغلاق الهاتف وتأجيل الحديث قليلا.
يبدو الأمر في ظاهره كأن المعاناة والألم والقهر الذي يعيشه أهالي غزة محصورا في غزة، تحت المباني المهدمة والمشافي المدمرة والأشلاء المقطعة المعلقة على جدران المدينة المنكوبة، لكن رواية أخرى لم ترو، تلك التي يعيشها أمهات وآباء وأخوة خارج القطاع، يذوقون الأمرين، فهم المكلومون بذويهم في الداخل، وهم ذاتهم المحاصرون في ذاكرتهم وماضيهم، يعانون لوعة فراق الأرض والأحبة.
عاودنا الاتصال بالدكتورة فوزية الفلسطينية الغزاوية المقيمة في قطر، ردت متحمسة بالقول "رمضان في غزة مختلف عن أي مكان في العالم، فمع اقتراب أيامه الفضيلة كنا ننزل إلى الأسواق الشعبية المركزية والمحلات لشراء المواد الغذائية والعصائر واللحوم، وكل لوازم السفرة الرمضانية الغزاوية".
وأضافت "لا يمكنني أن أنسى سوق الزاوية (أقدم الأسواق في غزة) وهو مزين بالزينة الرمضانية الملونة، ولا الفوانيس التي تعلق في كل مكان، والناس تتوافد منذ الصباح، والباعة على الأرصفة، و"البسطات" التي تعج بالبضائع والهدايا والملابس الجديدة".
واسترسلت المتحدثة "كنا نذهب إلى السوق أنا وأختي وأولادنا مع بداية كل الشهر الكريم، ونتبضع لطبخ أشهى الأكلات الفلسطينية، لم نحرم أنفسنا من شيء، والآن كل شيء تدمر.. ولم يبق شيء في غزة إلا الذكرى..".
غزة تصمد وستنتصروتثق الدكتورة فوزية بأن غزة ستُعمر من جديد، وستصمد في وجهه العدوان الإسرائيلي وستنتصر، مذكرة بعدوان عام 2014 في رمضان عندما عاش أهل غزة الشهر الكريم تحت القصف والدمار والتشريد والتجويع والحصار الشديد، لكن غزة وأهلها عبروا حينها من الكارثة المدمرة، وسيعبرون من مصابهم الآن بصمود شعب غزة ومقاومة رجالها.
وتقول أم الشهيد محمد نسمان إنها تعيش حياة هادئة في قطر، فقد خرجت من غزة قبل الحرب بـ3 أيام، ومع بداية العدوان الإسرائيلي فقدت فوزية عددا من أقاربها، وبعد أيام علمت باستشهاد ابنها محمد وزوجته وأطفاله الثلاثة بقصف إسرائيلي على منزله في غزة، وتؤكد فوزية أن نور الحياة انطفئ في داخلها بعد فراق أحبتها.
من صوتها كان واضحا أن فوزية فقدت الشغف في كل شيء، وحتى طقوس رمضان لم يعد لها طعم في حياتها، وقالت "يبدو أنني لن أشعر بفرحة رمضان وفرحة العيد حتى أموت.. فكيف أفرح وأحفادي كسرت الصواريخ الصهيونية عظامهم وجماجمهم تحت الركام؟ كيف أفرح وناسي وأهلي في غزة يذبحون على مرأى العالم ومسمعه".
مصعب وعائلته بغزة في رمضان الماضي (الجزيرة) الجوع يحاصر غزةويتزامن قدوم شهر رمضان المبارك على غزة هذا العام، مع معاناة سكانه المحاصرين، بسبب عدوان إسرائيلي مدمر ومجاعة تنتشر وتتوسع يوميا.
وتفيد وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، في تقرير لها قبل ساعات من شهر رمضان أن الجوع في كل مكان بقطاع غزة، وأن الوضع بات مأساويا، حيث تُمنع المساعدات البرية رغم النداءات المتكررة.
ويرى مصعب سمير مصور صحفي من غزة يقيم في قطر أن فرحة قدوم رمضان ستبقى قيد الانتظار حتى يفك الكرب عن أهله وأحبته في غزة، "ليس بوسعنا أن نفرح بقدوم رمضان.. لدينا شهداء وجرحى.. قلوبنا تحترق عليهم وهم بعيدون"، معبرا عن أمله ألا ينتهي رمضان إلا والحرب انتهت وغزة انتصرت.
يوضح مصعب في حديث للجزيرة نت أن معظم أقاربه في غزة يطهون الطعام الآن على نار موقد الحطب الذي يجدونه بعد عناء، ولا توجد أدوات للطبخ، كل شيء ثمنه غال "ليس لأهل غزة مزاج لطقوس رمضان مثل السنوات السابقة".
المساعدات لا تكفيوركز مصعب على عامل خروج المستشفيات عن الخدمة الأمر الذي سيضع سكان غزة خلال رمضان في ظروف مأساوية في ظل الحرب والدمار الذي حل بالقطاع، إضافة إلى الهجرة الداخلية واكتظاظ السكان بمدينة رفح التي وصل عدد النازحين بها إلى حوالي مليون و300 ألف، يعيشون في خيام على مساحة لا تتعدى 50 كيلومترا، في ظل عدم توافر المياه أو الكهرباء أو الدواء، إضافة إلى المأكل والمشرب.
وعن الأسعار، أكد مصعب أنها ترتفع بجنون، والمساعدات لا تفي حاجات السكان، فالأخبار التي تصله من منطقته في خان يونس تقول إن الأهالي يبحثون عن الدقيق فلا يجدونه وكذلك السكر والأرز والخضار والفواكه، وكل مقومات الحياة باتت مفقودة في قطاع غزة.
وخلفت الحرب الإسرائيلية خلال الـ5 أشهر الماضية تأثيرا واسعا على الاقتصاد الفلسطيني، على رأسه انعدام مقومات الحياة لدى المواطنين، وانقطاع المواد الغذائية وتضاعف أسعار المتوفر منها بشكل جنوني، مما يزيد من الأعباء على المواطنين في قطاع غزة، والذين فقدوا منازلهم وأعمالهم .
وللمرة الأولى يمر شهر رمضان على الشعب الفلسطيني في ظل هذه الأوضاع، حيث تشير تقارير إلى نقص شديد في سلع رئيسية كالسكر والأرز والمواد الغذائية.
التعود على الجوعيقول فريد عمر النواصرة إن شهر رمضان هذا العام سيكون الأول له في قطر وخارج غزة، وهذا ما سيجعل رمضان صعبا من الجانب النفسي والمعنوي، مضيفا أنه يعيش وحيدا في قطر مما يشعل في داخله الاشتياق للمة الأهل والأصدقاء على موائد رمضان الغزاوية.
لم يخف فريد شعوره بالألم الذي يشعر به وهو في قطر، بينما أهل غزة في الداخل يقصفون ويقتلون ليل نهار، وقال "أهلنا في غزة سيستقبلون رمضان هذا العام بأمعائهم الخاوية وأجسادهم العارية، فالصوم بالنسبة لهم لن يكون مضنيا، فهم تعودوا على الجوع منذ أكثر من 5 أشهر، ومعظمهم يأكلون وجبة واحدة في اليوم في أحسن الأحوال، لا تغنيهم ولا تشبعهم من جوع".
فريد الذي خرج من غزة بعد شهرين من الحرب قال إنه عندما كان في القطاع وصل لمرحلة كاد فيها أن يموت من الجوع لعدم توفر الأكل والشرب، وكانت قطعة الخبز حينها تعتبر كنزا ثمينا، "فما الحال اليوم بعد مرور 5 أشهر؟ الناس في غزة لا يجدون شربة ماء، وسيقضون شهر رمضان في الدعاء للخلاص، وانتهاء الحرب".
يصف فريد رمضان غزة في السنوات السابقة بأنه شهر للفرح والخير ولمة الأقارب والأصدقاء، فقبل يوم من رمضان كانت الشوارع والأسواق تمتلئ بالناس، والجميع يذهب لشراء الزينة والفوانيس، في حين الأطفال في كل مكان يعبرون عن فرحهم بقدوم الشهر الكريم.
أما اليوم يقول فريد "المساجد التي كانت تجمع المصلين في التراويح هدمت، وضحكات الأطفال صمتت، وكثيرا منها دفنت تحت أنقاض البيوت التي تدمرت، وحتى شاطئ البحر الذي كان يجمع إفطار العائلات خلال شهر رمضان لمشاهدة غروب الشمس تم قصفه، وكسرت المطاعم والمقاهي التي تحيط به.. لم يبق شيء على حاله في غزة الآن".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان حريات شهر رمضان فی قطر فی غزة
إقرأ أيضاً:
ما الذي يحدث في المنطقة ؟
بقلم- عبدالرحمن مراد
على مدى فترة زمنية وجيزة لا تتجاوز عشرة أيام , تسقط دولة بكل مقدراتها ويغادر رئيسها , ويحدث أن تتحرك المعارضة الى المدن ولا يتجاوز الحدث دور التسليم والاستلام , وكأن الأمر قد دبر بليل والصورة الظاهرة لا تتجاوز الشكل الظاهر للناس , فما الذي يحاك للأمة ؟
تتسع دائرة الاهداف للعدو الصهيوني فيحتل جزءا كبيرا من الأراضي السورية بعد أن دخلت المعارضة السورية الى دمشق , وتنشط الماكنة العسكرية لتضرب أهدافا عسكرية ومعامل كيميائية وتشل حركة القدرات والمقدرات التي تراكمت عبر العقود الطويلة , وتتجاوز المعارضة فكرة الفوضى الخلاقة وتمنع المساس بمؤسسات الدولة , وتتجاوز هيئة تحرير الشام فكرة الغنيمة التي كانت فكرة أصيلة في معتقدها ,وتذهب الى النظام ,وحفظ المقدرات ,وتعلن اجراءات احترازية لضمان الامن والاستقرار, ثم تبادر اسرائيل لضرب المعامل ومخازن الاسلحة بحجة تأمين أمن اسرائيل ,وضمان عدم وصول الاسلحة للجماعات العقائدية التي استلمت السلطة في سوريا , وتذهب قوات سوريا الديمقراطية المتعددة الأعراق والاهداف الى خيار التسليم لبعض المدن مع احتفاظها بقرى متاخمة , وعدد كبير من جيش النظام السوري السابق يدخل العراق بكل عتاده , ثم يأتي مستشار الأمن القومي الامريكي ليزور المنطقة ,ويعلن أن ضمان أمن اسرائيل فرض ضرورة القيام بعمليات عسكرية احترازية , ويعلن صراحة أن اسرائيل أصبحت أقوى من أي وقت مضى .
أخذت الناس نشوة الانتصار ولم يدركوا أبعاد ما يحدث في المنطقة , التي تتعرض لعملية تهجين ,وصراع لن يهدأ في المدى القريب المنظور , فالسيناريو الذي نشاهد اليوم بعض تفاصيله لا يهدف الى استقرار المنطقة العربية ,ولكنه يمهد الطريق لإسرائيل كي تكون هي الدولة المهيمنة على مقدرات الأمة ,وعلى أمنها وعلى نشاطها الاقتصادي ,والعسكري ,وهو المشروع الذي يقف ضده محور المقاومة منذ انطلاق ثورات الربيع العربي الى اليوم .
سوريا التي فرح الغالب من الناس بثورتها ,وهللوا وصفقوا ,لن تصبح دولة موحدة ومستقرة في قابل الايام ,ومؤشرات ذلك قائمة ,وتعلن عن وجودها في الأرض التي تحكمها , فقوات سوريا الديمقراطية خليط غير متجانس من جماعات متعددة العرقيات ,وهي مدعومة بشكل كلي ومباشر من أمريكا , وهيئة تحرير الشام فصائل متجانسة لكنها تنطلق من عقائد غير موحدة وإن كان يجمعها الإطار السني لكن تختلف العقائد والمنطلقات وكل فصيل له منظوره الذي قد لا يتسق مع ظاهرة الاعتدال التي بدا عليها قائد العمليات العسكرية أحمد الشرع في الكثير من بياناته والكثير من تعليماته التي صاحبت دخول دمشق بعد تسليم نظام بشار الأسد لها , وفق صفقة وتوافقات تمت بين النظام وبعض الحلفاء كما تقول الكثير من التداولات التي لم يتم تأكيدها لكن حركة الواقع دلت عليها , إذ ليس معقولا أن يسقط النظام بكل تلك السلاسة والهدوء ودون أي ممانعة أو مقاومة بأي شكل من الاشكال مهما كانت المبررات ,فبشار الاسد لم يكن ضعيفا ولكنه يملك مقومات البقاء أو الصراع على أقل تقدير لزمن محدود لكنه أختزل المقدمات في نتائجها , فرأى التسليم خيار لابد منه , وقد كان التسليم خيار قديم لبشار لولا حزب الله الذي قلب المعادلة في اضطرابات الربيع العربي قبل عقد ونيف من الزمان , ويبدو أن خيار الضغط على بشار قد بلغ غايته مع انشغال حزب الله بحربه مع العدو الصهيوني , فكان استغلال الفرصة في سقوط سوريا لأهداف متعددة , وفي المجمل هي أهداف تخدم الوجود الاسرائيلي ولن تمس حياة المواطنين بسوريا بخير ولا تعدهم برخاء ولا برفاه فالمؤشرات التي صاحبت تسليم واستلام السلطة تقول أن اسرائيل تريد من سوريا بلدا منزوع السلاح لا يشكل خطرا على أمنها , كما أن الخيار الدولي يذهب الى مبدأ التقسيم , إذ أننا لن نشهد بلدا موحدا كما كان في سالف عهده بل سوف نشهد بلدا مقسما تتنازعه القوميات والعرقيات والعصبيات المتعددة وقد يتحول الى دويلات صغيرة قابلة للتهجين حتى تحقق اسرائيل غايتها في تحقيق دولة اسرائيل الكبرى .
السياسة الامريكية اليوم تحدها موضوعيا أربعة سيناريوهات معلنة وهي :
– السيناريو الأول عدم الاستقرار على نطاق واسع .
– السيناريو الثاني عدم الاستقرار المحلي .
– السيناريو الثالث الحرب الباردة .
– السيناريو الرابع العالم البارد ,وهو نتيجة منطقية للسيناريوهات الثلاثة أي الوصول الى الاستقرار في المستقبل من خلال ثنائية الخضوع والهيمنة للشعوب التي تنهكها الصراعات والفقر.
ومن خلال سياسة عدم الاستقرار الواسعة والمحلية ومن خلال ما يصاحب ذلك من حرب باردة يصل العالم الى حالة من تهجين الهويات التي سوف تقبل التعايش مع الواقع الذي يفرضه النظام الدولي الرأسمالي , وتعزيز قيم جديدة للمجتمع الحداثي الجديد حتى يكون عنصرا كونيا رافضا الهوية الجزئية التي تصبح فكرة غير مقبولة في مجتمع الحريات الفردية المطلقة لمجتمع ما بعد الحداثة الذي يشتغل عليه اليوم النظام الدولي الرأسمالي , وبسبب ذلك سارعت بعض الدول مثل روسيا الى اعلان فكرة الأمن الثقافي القومي الذي بات مهددا من خلال الحرب الباردة التي تنتهجها السياسة الامريكية في مستويات متعددة منها مجال الآداب وشبكات التواصل الاجتماعي والدراما ذات الاثر الكبير في محتواها الرقمي , فمصطلح “الهجنة ” مصلح جديد يدخل المجال الثقافي ويهدف الى تحديد نقاط الالتقاء بين الثقافات بهدف تذويب الفوارق لينشأ مجتمع كوني يقفز على فكرة الهويات القومية .
خلاصة الفكرة أن ربيعا جديدا قادما يتجاوز فكرة الفوضى الخلاقة يقوم على تنمية الصراعات ويتخذ من الحرب الباردة سبيلا للوصول الى غاياته ومؤشراته بدأت من سوريا .