الشراكة الصينية العربية.. تحوُّل استراتيجي في المنطقة
تاريخ النشر: 11th, March 2024 GMT
د. هيثم مزاحم **
تعمل الصين تدريجيًا على ترسيخ مكانتها في طليعة الاقتصاد العالمي، وفي الوقت نفسه تعمل على تعميق مشاركتها الاقتصادية في المنطقة العربية. وتهدف هذه الخطوة الاستراتيجية إلى الارتقاء بعلاقاتها الدولية، بما في ذلك مع منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إلى آفاق جديدة، مما يعد بمنافع متبادلة كبيرة على أساس المنفعة المتبادلة.
في عام 2013، كشفت الصين النقاب عن مبادرة "الحزام والطريق"، وهي خطوة مهمة في تحقيق هذا الطموح. وتسعى هذه المبادرة إلى إنشاء شبكة واسعة ومتكاملة من الطرق البرية والبحرية، تربط الصين بأغلبية دول العالم. هدفها الأساسي هو تعزيز التبادلات التجارية وتفعيل العلاقات الثنائية عبر أبعاد متعددة، بما في ذلك المجالات السياسية والاقتصادية والمالية والعسكرية والأمنية.
ومع تجاوز عدد سكان الصين 1.4 مليار نسمة، عززت الصين مكانتها كقوة اقتصادية عالمية هائلة في السنوات الأخيرة. في الوقت الحالي، يعد اقتصادها هو الأكبر في العالم من حيث تعادل القوة الشرائية ويحتل المرتبة الثانية، بعد الولايات المتحدة، من حيث القيمة السوقية. وتشير التوقعات إلى أن الصين تسير على الطريق الصحيح كي تتجاوز الولايات المتحدة، لتصبح الاقتصاد العالمي الرائد بحلول نهاية هذا العقد.
مبادرة الحزام والطريق: تحول تاريخي في العلاقات العربية الصينية
أحدثت مبادرة الحزام والطريق، التي أطلقتها بكين في عام 2013، تحولًا تاريخيًا في العلاقات العربية الصينية. وشهد العقد الماضي صعود الصين إلى مكانة المشتري الأول للنفط العربي، والمستثمر الأول في المنطقة. وقد أدت هذه المشاركة العميقة إلى إقامة شراكات استراتيجية شاملة بين الصين والدول العربية الرئيسية، بما في ذلك المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة والجزائر. بالإضافة إلى ذلك، نما نفوذ الصين في إيران بعد اتفاقية تعاون بين الدولتين مدتها 25 عامًا.
وهناك عاملان أساسيان يدفعان هذا التحول الديناميكي. فأولًا، كان النمو الاقتصادي الملحوظ الذي حققته الصين على مدى العقود الثلاثة الماضية سببًا في زيادة احتياجاتها من الطاقة بشكل كبير. ونتيجة لذلك، أصبح مجلس التعاون الخليجي، وهو أكبر مصدر للنفط والغاز الطبيعي المسال في العالم، محورًا محوريًا للأنشطة الاقتصادية الصينية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ثانيًا، هناك تصور متزايد بين الدول العربية، وخاصة في دول الخليج العربية، حول المستقبل الغامض لعلاقاتها مع الولايات المتحدة. وينبع هذا الأمر من الاعتقاد بأن واشنطن تعمل تدريجيًا على تقليص حضورها الإقليمي للتركيز على التحديات الداخلية ومواجهة صعود الصين.
وتمتد استراتيجية الصين إلى ما هو أبعد من المشاركة الإقليمية لتقوية العلاقات الثنائية مع الدول الرئيسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتعزيز أهداف سياستها الخارجية. وقد تجسد هذا النهج من خلال إنشاء "شراكات استراتيجية شاملة" مع كل من: الجزائر (2014)، ومصر (2014)، والمملكة العربية السعودية (2016)، وإيران (2016)، والإمارات العربية المتحدة (2018).
بحلول يناير 2021، وصل عدد الدول العربية التي انضمت رسميًا إلى مبادرة الحزام والطريق، والتي تميزت بتوقيع مذكرات تفاهم مع الصين، إلى 18 دولة. وتشمل هذه القائمة دولًا بارزة مثل سوريا ولبنان والعراق والكويت، مما يدل على النطاق الواسع للمبادرة، وانتشارها الجغرافي والاستراتيجي في جميع أنحاء العالم العربي.
تتمتع منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمكانة ذات أهمية استراتيجية في تطوّر مبادرة الحزام والطريق. يعد موقعها الجغرافي بمثابة تقاطع حاسم يربط بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر والخليج العربي. وتشرف هذه المنطقة على الممرات البحرية الرئيسية، بما في ذلك مضيق هرمز، ومضيق باب المندب، وقناة السويس، والتي تعتبر ضرورية للتدفق العالمي لموارد الطاقة والتجارة.
ويسلط خبراء في العلاقات العربية الصينية الضوء على مبادرة الحزام والطريق باعتبارها عاملًا محوريًا في تعزيز العلاقات والتعاون الوثيق بين الصين ومختلف الدول، وخاصة الدول العربية. ومن المتوقع أن تسفر هذه المبادرة عن نتائج إيجابية كبيرة في المستقبل. ومن المتوقع أن تجني البلدان التي تتعامل مع الصين من خلال هذه المبادرة فوائد كبيرة. ومن أبرز الآفاق إمكانية قيام الدول العربية بتطوير صناعاتها واعتمادها التكنولوجيا الحديثة من الصين. ومن شأن هذا التعاون أن يعزز بشكل كبير قدرات العالم العربي في مجال الإنتاج الصناعي والابتكار.
القمة الصينية العربية
منذ بداية عام 2021، تقدم الصين بشكل ديناميكي مبادرات وأفكار جديدة تتناول القضايا العربية الرئيسية، مما مهد الطريق لعقد القمة الصينية العربية المهمة في نهاية عام 2022.
وتشمل هذه المبادرات خطة من خمس نقاط تهدف إلى تحقيق الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط الشرق، استراتيجية من أربع نقاط لحل الصراع السوري، ومقاربة ثلاثية لـ«حل الدولتين» فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
وأوضح وو سي كه، المبعوث الصيني الخاص السابق إلى الشرق الأوسط، في مقابلة مع وكالة أنباء شينخوا، أن هذه المبادرات تمثل جهود الصين المكثفة لتعزيز علاقاتها مع دول الشرق الأوسط. وشدد على أن هذه ليست مجرد استمرار لسياسات الصين التاريخية في الشرق الأوسط ولكنها مؤشر على نية استراتيجية لتعزيز العلاقات مع المنطقة.
وقد ردد البروفيسور ما شياو لين من جامعة شينجيانغ الصينية للدراسات الدولية، والذي يرأس أيضًا معهد دراسات حوض البحر الأبيض المتوسط، هذه الملاحظات. وشدد على أن هذه المبادرات توضح التزام الصين كلاعب عالمي رئيسي مسؤول، ومصمم على إحداث تأثير إيجابي ومهم في الشرق الأوسط. وشدد على أن الاعتبارات الاستراتيجية لبكين تظهر ارتباطًا عميقًا بالعالم العربي.
وكان التطور التاريخي في عام 2018 هو الاتفاق بين الصين والدول العربية على تشكيل شراكة استراتيجية، وإرساء أساس قوي لقمة 2022. هذه القمة كانت حدثًا محوريًا، من شأنه أن يصوغ إطارًا تنمويًا استراتيجيًا يربط بين الحضارتين الصينية والعربية الإسلامية. والهدف هو تنمية الثقة المتبادلة والتنمية الودية والمساعدة التعاونية، والمساهمة في بيئة دولية أكثر استقرارًا وتنظيمًا.
وصف وو سي كه الشراكة العربية الصينية بأنها "مصير مشترك"، داعيا إلى إنشاء مجتمعات مشتركة في مختلف المجالات. ويشمل ذلك مجتمع تنمية مشترك من خلال مبادرة الحزام والطريق، ومجتمع أمني مشترك مع التركيز على مكافحة الإرهاب، ومجتمع صحي موحد، لا سيما في الاستجابة لتحديات مثل جائحة كوفيد-19، ومجتمع ملتزم بمواجهة التحديات العالمية للبشرية، من خلال تعاون دولي وإقليمي قوي، واعتبار الأمم المتحدة عنصرًا محوريًا، ومعارضة جماعية للأحادية في النظام العالمي.
استكشاف فرص مبادرة الحزام والطريق للدول العربية
توفر مبادرة الحزام والطريق الصينية مجموعة واسعة من الفرص المهمة للدول العربية. والفرصة الرئيسية هي فتح الأبواب على نطاق واسع أمام الاستثمارات الصينية في المنطقة. ويمكن أن يتجلى ذلك في أشكال مختلفة، مثل المشاريع واسعة النطاق التي تسبق وتلي المراحل الأولية للمبادرة، والاستثمارات الصينية المباشرة من خلال القروض أو المنح الكبيرة، والمشاريع الحكومية التي تشمل النفط والغاز، والتصنيع، والطاقة المتجددة، وعلوم التكنولوجيا الفائقة. وكذلك المشاريع المشتركة مع القطاع الخاص في الدول العربية.
ومن أبرز تأثيرات المبادرة إمكانية تعزيز وتطوير الخدمات التي تقدمها الدولة المشاركة في المجالات الحيوية مثل الرعاية الاجتماعية والرعاية الصحية والمشاريع التنموية والأمن. ومن المرجح أن ينعكس هذا التحسن بشكل إيجابي على الاستقرار الاجتماعي والسياسي داخل الدول العربية. وهذا الارتباط بين توفير ضروريات الحياة والخدمات الأساسية والاستقرار المجتمعي هو نمط ملاحظ في مختلف بلدان العالم.
جانب آخر مهم هو خلق فرص العمل. تستعد مبادرة الحزام والطريق لتوفير فرص عمل لعشرات الآلاف من الشباب في الدول العربية من خلال مشاريع البنية التحتية والاستثمارية المختلفة. وتهدف هذه المشاريع، التي تتميز باستراتيجيات جيدة التخطيط وتمويل قوي من كل من الصين والدول العربية، إلى الحد بشكل كبير من معدلات البطالة المرتفعة والتخفيف من التحديات الاجتماعية المرتبطة بها.
علاوة على ذلك، تهدف المبادرة إلى إحداث ثورة في خدمات النقل داخل وبين الدول العربية والدول المشاركة الأخرى، بما في ذلك الصين والدول الغربية وأفريقيا وأميركا اللاتينية. ويشمل التطوير عمليات تطوير واسعة النطاق للبنية التحتية للدولة، مثل المطارات والموانئ والجسور والطرق السريعة وخطوط السكك الحديدية. ومن المتوقع أن يؤدي تعزيز شبكات النقل هذه إلى التآزر مع شبكات الإنتاج الخارجية، مما يؤدي إلى رفع الأداء الاقتصادي للدول العربية.
القمة العربية الصينية الأولى
عقد قادة الدول العربية الأعضاء في جامعة الدول العربية والصين، القمة العربية الصينية الأولى، في مدينة الرياض في المملكة العربية السعودية في العاشر من ديسمبر 2022، وذلك بهدف تطوير العلاقات بين الجانبين العربي والصيني في مختلف المجالات.
وأبرز ما جاء في البيان الختامي للقمة، أن المجتمعين اتفقوا على ما يلي:
ـ تأكيد الحرص المشترك على تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الدول العربية وجمهورية الصين الشعبية القائمة على التعاون الشامل والتنمية المشتركة لمستقبل أفضل، بوصفها نموذجًا لعلاقات الصداقة والتعاون الودي، والعمل على تعميق التعاون العربي الصيني في مختلف المجالات من خلال الآليات القائمة في إطار منتدى التعاون العربي الصيني.
ـ إعادة التأكيد على التزام دولنا الثابت بمبادئ ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة، بما في ذلك مبادئ الاحترام المتبادل لسيادة الدول ووحدة أراضيها وسلامتها الإقليمية، والامتناع عن استخدام القوة أو التهديد باستخدامها في العلاقات الدولية، واحترام مبدأ حسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.
ـ العمل على صيانة النظام الدولي القائم على أساس القانون الدولي، والعمل متعدد الأطراف، وتعزيز مبادئ التعاون والتضامن والعدالة والإنصاف في العلاقات الدولية، والحفاظ على مصالح الدول النامية والدفاع عن حقوقها.
القضية الفلسطينية
ـ التأكيد على أن القضية الفلسطينية تظل قضية مركزية في الشرق الأوسط وهي التي تتطلب إيجاد حل عادل ودائم لها على أساس حل الدولتين"، من خلال إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وذلك وفقًا لقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، والتأكيد على عدم شرعية المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية والأراضي العربية المحتلة، وبطلان ممارسات إسرائيل الأحادية الرامية إلى تغيير الوضع القائم في القدس والتأكيد على ضرورة الحفاظ على المكانة التاريخية والقانونية للقدس الشرقية المحتلة، والتأكيد على ضرورة تنفيذ قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة باللاجئين وحماية المدنيين الفلسطينيين، والدعوة إلى عقد مؤتمر دولي للسلام بمشاركة أوسع ومصداقية أكثر وتأثير أكبر، والعمل على حصول دولة فلسطين على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة.
تعزيز السلام والتنمية
ـ الاتفاق على العمل بكل الجهود على بناء المجتمع العربي الصيني للمستقبل المشترك نحو العصر الجديد، وتعزيز التضامن والتعاون بين الدول العربية وجمهورية الصين الشعبية، ودعم تحقيق نهضة الأمة لكل منها، وتعزيز السلام والتنمية في المنطقة، والحفاظ على العدل والإنصاف الدوليين والمساهمة في إقامة مجتمع المستقبل المشترك للبشرية.
ـ التأكيد على التزام الدول العربية الثابت بمبدأ الصين الواحدة، ودعمها لجهود الصين في الحفاظ على سيادتها ووحدة أراضيها، والتأكيد مجددًا على أن تايوان جزء لا يتجزأ من الأراضي الصينية، ورفض "استقلال" "تايوان بكافة أشكاله، ودعم الموقف الصيني في ملف هونغ كونغ ودعم جهود الصين لصيانة الأمن القومي وتنمية الديمقراطية واستكمالها في هونغ كونغ في إطار دولة واحدة ونظامان".
حلول سياسية للقضايا الإقليمية
ـ التأكيد على أهمية تضافر الجهود الإقليمية والدولية لإيجاد حلول سياسية للأزمات والقضايا الإقليمية وفقًا لقرارات الشرعية الدولية والاتفاقيات والمرجعيات ذات الصلة، وخاصة الأزمات في كل من سوريا وليبيا واليمن، والتأكيد على ضرورة الحفاظ على وحدة وسيادة وسلامة أراضي هذه الدول، مع التأكيد على رفض التدخلات الأجنبية في هذه الدول، وضرورة العمل المشترك على مواجهة التنظيمات الإرهابية والمتطرفة التي تعمل على أراضيها، ودعم الجهود التي يبذلها لبنان والصومال والسودان لتحقيق الأمن والاستقرار والتنمية والازدهار ومكافحة الإرهاب.
ـ احترام اختيار الدول لرؤاها التنموية بإرادتها المستقلة والتأكيد على أهمية التعاون المشترك لتحقيق التنمية المستدامة، والحد من الفقر والقضاء عليه، والتشارك في تنفيذ مبادرة "الحزام والطريق"، وبما تتيحه من فرص واعدة للتعاون والتنمية.
** رئيس مركز الدراسات الآسيوية والصينية في بيروت، باحث زائر في مركز الدراسات الصينية العربية للإصلاح والتنمية في جامعة شنغهاي للدراسات الدولية.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
كيف سيغير ساكن البيت الأبيض الجديد مسار الأحداث في الشرق الأوسط؟
قال عدد من الباحثين والمتخصصين في سياسة الشرق الأوسط إن التداعيات المرتقبة لفوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية على مسار الأحداث في المنطقة ستتخذ عدة سيناريوهات، وإن سياساته المتعلقة بدول المنطقة وقضية فلسطين ستتأثر بطبيعة شخصيته وأهدافه الاقتصادية.
جاء ذلك في ندوة نظمها مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات عبر زووم أمس الثلاثاء بعنوان "نتائج الانتخابات الأميركية وانعكاساتها على قضية فلسطين والعالم العربي"، وعرضت فيها 4 أوراق عمل للباحثين:
أستاذ دراسات الشرق الأوسط في جامعة روتجز بنيوجرسي عبد الحميد صيام. الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات-واشنطن أسامة ارشيد. مدير مركز دراسات الإسلام والشؤون الدولية سامي العريان. الخبير في الدراسات المستقبلية والاستشرافية وليد عبد الحي.وقال مدير مركز الزيتونة محسن صالح إن فوز ترامب لم يكن متوقعا فقط، ولكن حجم الفوز بفارق يصل إلى عدة ملايين من الأصوات حتى قبل الانتهاء الرسمي من الفرز، والتقدم الواضح في مجلسي الشيوخ والنواب، بالإضافة إلى المرحلة الخطيرة التي تعيشها المنطقة بعد "طوفان الأقصى"؛ يجعل لها كلها انعكاسات تفرض نفسها على سياسة ترامب تجاه المنطقة والعالم.
من اليمين: عبد الحميد صيام وأسامة ارشيد وسامي العريان ووليد عبد الحي (وكالات) تحديات أمام ترامبوقال الباحثون المشاركون في الندوة إن هناك العديد من التحديات التي على ترامب مواجهتها عقب توليه مهامه الرئاسية في البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني المقبل، وبعضها يتعلق بالسياسة الداخلية في الولايات المتحدة، لكن الأهم منها ما يتعلق بالسياسة الخارجية، وهي على النحو التالي:
الحرب الروسية الأوكرانية المستمرة منذ فبراير/شباط 2022. العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة المستمر منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023. الحرب الأشمل بالمنطقة التي تشمل عددا من محاور المقاومة في لبنان واليمن والعراق، بالإضافة إلى مسألة الردع الإيراني. التحدي الصيني وما تمثله قضية تايوان في السياسة الأميركية. التحديات الاقتصادية وصعود أصوات منافسة مثل تجمع "بريكس". السياسة الداخلية المتمثلة في قوانين الأسرة واللاجئين والهجرة. ترامب الفائز في الانتخابات الأميركية يستعد لفترة رئاسية ثانية (الأناضول) شخصية ترامبانطلاق الباحثين في الحديث عن شخصية الرئيس الأميركي الجديد قائم على الإرث الذي تركه ترامب خلال عهدته الأولى (2017-2021) فيما يتعلق بالقرارات التي اتخذها والآثار وما ترتب عليها، لذلك ذهب الباحثون إلى أن ترامب يتصف بأنه:
يتمتع بشخصية التاجر الذي يُدخل البعد الاقتصادي ومدى تحقيق المكاسب والخسائر المادية في كل القرارات التي يتخذها، ولذلك يكون الاقتصاد مقدما على كل ما دونه من قوانين تتعلق بحقوق الإنسان أو البيئة أو التغير المناخي. لديه سمة نرجسية تدفعه إلى الرغبة في الإنجاز والتميز عن الآخرين حتى لو بمجرد المخالفة. البعد الأيديولوجي المسيحي. شخصية غير متوقعة في قراراتها أو تصرفاتها، وهذا يعود لأسباب أصيلة في شخصيته وإلى تركيبة الفريق الرئاسي الذي يعمل معه، بين فريق متمرد على الدولة العميقة وآخر تقليدي في السياسة الأميركية. ترامب أقل ميلا للنزعة العسكرية وشن الحروب، لذلك قد يمارس أقصى العقوبات على إيران لكنه لن يدخل في حرب ضدها. البعد الوطني في شخصية ترامب واضح جدا وتكون له الصدارة في قراراته ويعلو على تحديات السياسة الخارجية للولايات المتحدة.ومع ذلك، يجمع المشاركون في الندوة على أن الولايات المتحدة دولة مؤسسية، وتضع حدودا لدور الرئيس خاصة في ما يتعلق بالسياسات الإستراتيجية، رغم ما يمكن أن يقوم به الرئيس من مناورات تعكس شخصيته وأيديولوجيته.
وهناك أيضا الموقف الدولي وتحولات القوى الصاعدة التي تتفاعل مع توجهات السياسة الأميركية، والأهم من ذلك موقف الدول العربية من الأهداف الأميركية بالمنطقة، ذلك الموقف الذي يمكن أن يكون المحدد الرئيسي لهذه السياسة وما يترتب عليها.
الحرب على غزة
العلاقة بين ترامب والأهداف الإسرائيلية من الحرب على قطاع غزة تشير إلى عدد من المحددات التي يحملها الرئيس القادم إلى البيت الأبيض، وتوقفت ندوة مركز الزيتونة أمام عدد من المحددات التي ترسم ملامح السياسة الأميركية تجاه القضية الفلسطينية عامة:
إسرائيل بحربها الحالية تريد استعادة قوة الردع والصورة العسكرية "للدولة التي لا تقهر"، أو التي لا تنال منها أي قوة بالمنطقة. من أهم تداعيات "طوفان الأقصى" أنه نسف مشروع هيمنة إسرائيل على المنطقة وطرق التجارة العالمية التي تمر بها. ترامب سيتماهى مع السياسة الإسرائيلية بشأن ضرورة القضاء على المقاومة، ليس في شكلها الفلسطيني فقط، بل في كل محاورها الأخرى في لبنان واليمن والعراق، والأهم من ذلك الردع الإيراني بوصفه خطرا مستقبليا في المنطقة. سيكون هناك ضغط كبير على بعض الدول العربية والإسلامية من أجل التطبيع مع إسرائيل، وسيعيد ترامب صياغة "صفقة القرن" بما يناسب التغييرات الحالية بالمنطقة وبما يحقق المصالح الإسرائيلية، وقد يتساهل في مسألتي المستوطنات واقتحامات المسجد الأقصى. ترامب سيبني في سياسته المؤيدة لإسرائيل على ما قدم في فترته الأولى، وسيكون متسقا مع تفكيره بأن إسرائيل صغيرة وستحتاج إلى المزيد من الأراضي، وسيعمل على تحقيق ذلك من خلال غزة والضفة.ومع ذلك يجمع الباحثون على أن كل هذه الخطط قد تفشل إذا كان هناك موقف صلب من الدول العربية تحديدا، مما سيدفع ترامب -بناء على نزعته البراغماتية- إلى إعادة النظر في مسألة صفقة القرن وإقامة الدولة الفلسطينية.
الموقف من إيرانذهبت ندوة مركز الزيتونة إلى أن العلاقة بين الولايات المتحدة في عهد ترامب لا تنفصل عن موقفه من الحرب في غزة، فإذا نجح ترامب في إيقاف العدوان الإسرائيلي على القطاع ولبنان فقد ينجح في إبعاد إيران عن المنطقة العربية، وقد يفتح بابا لعقد صفقة جديدة معها تعيد تشكيل شرق أوسط جديد مما يؤمن خروج القوات الأميركية من المنطقة.
وأضاف الباحثون المشاركون في الندوة أن ترامب سيضع كل الضغوط الممكنة على الحكومة الإيرانية، من حصار اقتصادي وعقوبات اقتصادية وضغط أممي من أجل تسليم التكنولوجيا النووية لديها، ولكنه لن يدخل في حرب معها.
ومن الباحثين من رأى أن ترامب قد يستغل المسألة الإيرانية في الضغط على الأنظمة العربية من أجل تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية، وتمرير بعض السياسات تجاه إسرائيل والقضية الفلسطينية.