جريدة الرؤية العمانية:
2025-01-30@20:34:54 GMT

رمضان.. ضيفٌ كريمٌ نرتجيه جميعًا

تاريخ النشر: 11th, March 2024 GMT

رمضان.. ضيفٌ كريمٌ نرتجيه جميعًا

 

 

حمد الحضرمي **

 

الصيام فريضة إسلامية وعبادة من العبادات المقررة في جميع الأديان القديمة، وهو الإمساك عن شهوات الجسد وسائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس مدة شهر رمضان، تقربًا إلى الله تعالى وطلب لمرضاته؛ يقول الله تعالى "شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ" (البقرة: 158) وفي الحديث قال النبي صلى الله عليه وسلم "الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام أي رب إني منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه، ويقول القرآن منعته النوم بالليل فشفعني فيه، فيشفعان".

وفي الصيام حكم وأسرار؛ منها ما هو صحي، ومنها ما هو نفسي، ومنها ما هو خلقي، ومنها ما هو اجتماعي، والصيام وقاية من أمراض كثيرة، والله قد فرض الصيام على هذه الأمة ليعد النفوس ويهيئها لكل خير وبر، والصيام يقوي الإرادة ويعودها الصبر والاحتمال، فيستطيع الإنسان مواجهة الحياة ومكافحتها بشجاعة، فلا تلينه صعابها ولا تتغلب عليه أحداثها، فشهر رمضان أيامه قليلة، وهو دواء لداء الذنوب وبه تحيا القلوب، وأن صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن اعراض الناس، وأن تقضي أيام وليالي شهر رمضان بالأعمال الصالحة والجد والاجتهاد والكرم والعطاء والوفاء والإحسان.

إن شهر رمضان خير الشهور على مدى الأزمان، تصفد فيه الشياطين وتفتح فيه الجنان، لياليه نسائم فعلينا اغتنامها بالذكر والتسبيح والقرآن، وهجر الذنوب التي تعمي القلوب، ونكون متسامحين ونغفر عن كل شخص أخطأ في حقنا، ونبسط أيدينا إلى الفقراء والمساكين والمحتاجين بالجود والكرم والسخاء، وأن نبتعد عن الغيبة والنميمة والحقد والحسد، ونغض أعيننا وأسماعنا عن الحرمات، وعلينا بالتسامح والمحبة لأنها روح القلوب والعقول النيرة، فأهلًا وسهلًا ومرحبًا بشهر رمضان، الضيف الحبيب الكريم الذي نرتجيه جميعنا.

الصوم لجامُ المتقين وجنة المحاربين ورياضة الأبرار والمقربين، وطهرة للنفس ووقاية للبدن، ويهذب الطباع ويكبح جماع النفس، وصمام أمن من الوقوع في المحرمات، وفيه حرب على الشيطان ووسوسته، وفيه إحساس بألم الفقير والمريض الممنوع من الطعام، والصائم يترك محبوبات النفس وتلذذاتها؛ إيثارًا لمحبة الله ومرضاته، والصوم سر بين العبد وربه، وله تأثير عجيب في حفظ الجوارح الظاهرة، والقوى الباطنة، وحمايتها من المواد الفاسدة، فالصوم يحفظ على القلب والجوارح صحتها، ويعيد إليها ما استلبته منها أيدي الشهوات، فهو من أكبر العون على التقوى، قال تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" ( البقرة: 183).

وللصوم ثلاث مراتب، أولًا: صوم العموم: وهو كف البطن والفرج عن قضاء الشهوة. ثانيًا: صوم الخصوص: وهو كف اللسان واليد والرجل والنظر والسمع وسائر الجوارح عن الآثام. ثالثًا: صوم خصوص الخصوص: هو صوم القلب عن الهمم الدنيئة والأفكار المبعدة عن الله تعالى. وقد جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله تبارك وتعالى فرض صيام رمضان عليكم، وسننت لكم قيامه فمن صامه وقامه احتسابًا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه".

والأمة الإسلامية لها أيام خوالد وذكريات شواهد حدثت في عمق شهر رمضان شهر الانتصارات الإسلامية،  التي غيرت وجهة التاريخ بدء من غزوة بدر الكبرى وفتح مكة مرورًا بفتح الأندلس ومعركة بلاط الشهداء وفتح عمورية وحطين وعين جالوت ونهاية بحرب أكتوبر العظيمة، فرمضان لا تضيق جدرانه في أن تكون معتاد المساجد ومقيم الموائد وتالي القرآن ومصلي التراويح؛ بل تتسع دائرته إلى عمق التاريخ المجيد إذ كسر المسلمون شوكة الهوان وصنعوا من التعب والصعب أمجاد عريقة وانتصارات عظيمة شهد لها التاريخ وكتبها بأحرف من نور.

لا يفوتني ونحن في شهر رمضان لعام 1445 هجرية، ذكر وبيان ما يقدمه إخواننا وأهلنا في غزة وفلسطين من تضحيات بأرواحهم ونفوسهم الطاهرة فداء لمقدساتهم ووطنهم وشعبهم، ولن ينسى العرب الأحرار والمسلمين الأخيار بطولة وشجاعة وكفاح ونضال المجاهدين الأحرار في غزة وفلسطين وشهدائهم الأبرار وسيخلدهم التاريخ في صفحات المجد بكل احترام وإجلال، لأنهم ضحوا بأرواحهم لاسترجاع وطنهم ومقدساتهم وكرامتهم المسلوبة من الصهاينة المعتدين الأنذال. قال الشاعر:

الله أكبر ما ارتقى الشهداءُ // صوب الجنانِ فهم بها أحياءُ

وسيكون النصر والتمكين بإذن الله حليفهم. اللهم إنا نستودعك غزة وفلسطين وأهلها وأمنها وأمانها وليلها ونهار ورجالها ونسائها وشبابها وأطفالها، فالودائع يا رب عندك لا تضيع، اللهم انصرهم وارفع عنهم الظلم والاضطهاد، وتقبل شهدائهم واشفي جرحاهم وأنزل السكينة والطمأنينة عليهم واربط على قلوبهم، وانصرهم على عدوهم نصرًا مبينًا.

وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه أن هناك بعض الأزمنة كالأيام والليالي والشهور تتنزل فيها الخيرات، وتقبل فيها الدعوات، وترفع فيها الدرجات، وينبغي للمسلم اغتنامها بفعل الطاعات والدعاء لنفسه ولغيره بالخيرات، وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "قد جاءكم رمضان، شهر مبارك، افترض الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم".

وبمناسبة قدوم شهر رمضان المبارك يسرني أن أتقدم إليكم جميعًا بالتهنئة الخالصة والدعاء الصادق بأن يتقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام وصالح الأعمال. وكل عامٍ وأنتم بألفِ خيرٍ وفي سرورٍ وسلامٍ.

** محامٍ ومستشار قانوني

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

تأملات قرآنية

#تأملات_قرآنية

د. #هاشم_غرايبه

يقول تعالى في الآية 53 من سورة الأنفال: “ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ لَمۡ يَكُ مُغَيِّرٗا نِّعۡمَةً أَنۡعَمَهَا عَلَىٰ قَوۡمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمۡ وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ”.
هذه الآية هي من الآيات التي تبين سنن الله الكونية في تصريف أحوال البشر، وهي سنة عامة تطال المجتمعات المؤمنة والكافرة، ومحددة في تبيان أسباب زوال النعمة التي كان يرفل فيها ذلك القوم، وهي تخصيص للسنة العامة الرئيسة التي جاءت في الآية 11 من سورة الرعد: “إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ” التي تبين عموم التغيير في حال قوم، في كلتي الحالتين، سواء من الحال الأفضل الى الأسوأ ام العكس، ولكن الله تعالى أراد أن يبين لنا ان الأصل هو استتباب النعمة، والاستثناء هو في زوالها، لذا يكمل في الآية ذاتها: “وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ”.
من فهم هاتين السنتين العامة والتخصيصية، يمكننا فهم لماذا كانت أحوال أمتنا تتغير بين صعود وهبوط عبر العصور المنصرمة، لكن الأمر أعقد من هذا التبسيط، فتتداخل مع هاتين السنتين سنن أخرى خاصة: منها سنتان خاصتان بالمجتمع المؤمن، وأخريان خاصة بالمجتمعات غير المؤمنة.
بداية من المهم ملاحظة أمرين: الأول أن الله تعالى يتعامل مع المجتمعات كوحدة واحدة، ويصنفها بالصلاح أو الفساد بحسب الصفة الغالبة عليه، والتي تحددها السياسة أو المنهج الذي يتبعه النظام الحاكم، فقد حكم على قوم فرعون جميعهم بدخول جهنم رغم أنه قد يكون منهم صالحون، لكن تقبلهم لأفعاله وطاعتهم له شملتهم معه المعصية، وكذلك قوم لوط أهلكهم جميعا مع أنه قد يكون بينهم كثيرون لم يكونوا يمارسون الفاحشة، لكنهم شملوا معهم بالعذاب لأنهم سكتوا عنهم ولم يتدخلوا بإصلاحهم، ولذلك فرض الله على المجتمعات المؤمنة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو فرض كفاية على العموم ولكنه فرض عين على المصلحين، ان اضطلعوا به أجزؤوا عن العموم.
والأمر الثاني: في استخدام صيغة المفرد لوصف المجتمع المؤمن، لأن الله تعالى يعتبر المؤمنين مجتمعا واحدا في العصر الواحد، مهما تباعدت أمصارهم وتعددت قومياتهم واختلفت ألسنتهم: “إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ” [الأنبياء:92]، وأما غير المؤمنة فمتعددة متباينة، بحسب درجة ظلمها وفسوقها.
السنتان الخاصتان بالمجتمع المؤمن :
الأولى سنة الابتلاء والتمحيص، فبالشدائد تبتلى النفوس، وتنكشف الهمم العالية من الضعيفة، ويفرز المؤمن الحقيقي من المنافق.
لذلك أوجد الله سنة التدافع بين أهل الحق وأهل الباطل، دائمة باقية، ويوجد الأسباب المغرية بذلك: “وَإِذۡ يُرِيكُمُوهُمۡ إِذِ ٱلۡتَقَيۡتُمۡ فِيٓ أَعۡيُنِكُمۡ قَلِيلٗا وَيُقَلِّلُكُمۡ فِيٓ أَعۡيُنِهِمۡ لِيَقۡضِيَ ٱللَّهُ أَمۡرٗا كَانَ مَفۡعُولٗا” [الأنفال:44].
الثانية ان الله مع المؤمنين، يدافع عنهم وينصرهم إن صدقوه وأطاعوه، لأنه تعالى يعلم أن قوة الباطل ستبقى متفوقة عبر العصور، ولو ترك الأمر للسنة العامة لتحقق النصر لمن يمتلك القوة الأعظم، لانقرضت الفئة المؤمنة، لكنه لن يسمح بذلك، فما أنزل هديه على البشر ليطفئه الظالمون.
أما السنتان الخاصتان بغير المؤمنين:
فالأولى هي سنة الاستدراج وهي الإمداد لهم زمنيا حتى تبقى سنة التدافع قائمة، وماديا بجعلهم أكثر أموالا ونفيرا وامتلاكا للقوة، وهذا ليس إنعاما من الله عليهم، بل عقوبة، ولأنهم لا يعقلون فهم لن يفهموها أنها لكي يتمادوا في غيهم الى حين فوات أوان التوبة، فلا ينالوا رحمته بل عذابه: “والَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ” [الأعراف:182].
أما الثانية فهي معيشة الضنك: “وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا” [طه:124]، فالمجتمع الكافر رغم توفر كل وسائل الرفاهية ومقومات المعيشة الرغيدة، إلا ان معيشتهم ضنكا، فتجد أفراده يعيشون بلا هدف ولا رسالة، يلهثون وراء متعهم كما الأنعام، لتعويض فقدانهم سكينة النفس بسبب الفراغ الروحي، وقلقين من الكهولة بسبب غياب التراحم والتكافل الأسري، الذي يميز المجتمع المؤمن.
نستخلص مما سبق سبب تغير نعمة الله علينا الى أن أصبحنا في ذيل الأمم، فالله لا ينظر الى ضخامة المساجد وكثرة الغادين إليها، بل الى المجتمع بمحصلة أعماله، والتي يحددها النظام الحاكم، فيتبع منهجه أو يتنكبه.
لذلك لن تقوم لنا قائمة إلا بدولة اسلامية تقيم منهج الله.

مقالات ذات صلة مخاطر التهجير بين التهوين والتهويل 2025/01/30

مقالات مشابهة

  • تأملات قرآنية
  • أيام الصيام المستحبة في شهر شعبان 2025.. اعرفها بالتواريخ
  • دعاء استقبال شعبان.. اللهم بلغنا رمضان وأعنا على الصيام والقيام
  • متى يكون الصيام مكروها في شعبان؟ احذر يوم الشك
  • فضل شهر شعبان ولماذا سمي بهذ الاسم وأيام الصيام فيه؟ اغتنم هذه الأعمال طريقك للجنة
  • فضل الصيام في شهر شعبان .. نفحات إيمانية وتمهيد لـ رمضان
  • «الإفتاء» تكشف عن الأحاديث النبوية الصحيحة حول شهر شعبان..ما فضل الصيام فيه؟
  • حكم الصيام بأيام شهر شعبان.. المستحب والواجب تقديمه
  • حكم الصيام في شعبان.. دار الإفتاء تجيب
  • شهر شعبان.. سبب إكثار النبي من الصيام فيه