كيف تغيرت نظرة الإماراتيين إلى إسرائيل بعد العدوان على قطاع غزة؟
تاريخ النشر: 11th, March 2024 GMT
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرًا تحدثت فيه عن موقف الدول العربية الدبلوماسي من إسرائيل مع تصاعد التوتر في المنطقة في ظل الممارسات الإسرائيلية في غزة.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن الكثير من مواطني دولة الإمارات كانوا قبل بضع سنوات على استعداد للتحدث بحرارة عن علاقات بلادهم الناشئة مع إسرائيل من خلال صفقة توسطت فيها الولايات المتحدة.
ونقلت الصحيفة عن رجل أعمال إماراتي، كان قد روج ذات مرة للعلاقات الاقتصادية، قوله إنه ترك مجلس الأعمال الإماراتي الإسرائيلي وليس لديه أي شيء آخر ليقوله. وقال بعض الإماراتيين، على الرغم من إحباطهم من الاتفاقات، إنهم يخشون التحدث علنًا مستشهدين بتاريخ حكومتهم الاستبدادية في اعتقال المنتقدين. ومن بين الشخصيات التي تحدثت علنًا، نائب رئيس شرطة دبي، الذي أعلن على الإنترنت أن العرب "يريدون السلام حقًا" وأن إسرائيل "أثبتت أن نواياها شريرة".
يقول المحللون إنه من غير المرجّح أن تنسحب الإمارات أو إسرائيل من الصفقة: فهي تظلّ شريان حياة دبلوماسي لإسرائيل بينما تتدهور علاقاتها مع الدول العربية الأخرى وقد جلبت للإمارات مليارات الدولارات في التجارة والعلاقات العامة الإيجابية في الدول الغربية. وقال محمد باهارون، رئيس مركز أبحاث دبي، إن المسار الحالي للحرب لا يبشّر بالخير للاتفاقات أو لأمن الشرق الأوسط. وأضاف باهارون أن "هذه شراكة، وإذا لم يقم أحد الشركاء بدفع مستحقاته، فهي ليست شراكة بعد الآن".
وقد تصاعد الغضب تجاه إسرائيل وحليفتها الرئيسية الولايات المتحدة بشكل حاد في العالم العربي بسبب القصف الإسرائيلي وغزو غزة، الذي أودى بحياة أكثر من 30 ألف فلسطيني، كما يقول مسؤولو الصحة في غزة، وترك مليوني آخرين يواجهون النزوح الجماعي وخطر المجاعة وانهيار النظام الطبي.
وأوردت الصحيفة أنه بالنسبة لحفنة من القادة العرب الذين يحتفظون بعلاقات مع إسرائيل، دفعتهم الحرب إلى إعادة النظر في تلك العلاقة. واستدعى الأردن سفيره في تشرين الثاني/ نوفمبر. وحذر مسؤولون مصريون من أن أي عمل يؤدي إلى تدفق سكان غزة إلى مصر قد يعرض للخطر معاهدة عمرها عقود. وبقي سفراء إسرائيل لدى البحرين والمغرب ومصر إلى حد كبير في إسرائيل منذ بدء الحرب في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، بعد الهجوم الذي قادته حماس الذي يقول مسؤولون إسرائيليون إنه أسفر عن مقتل حوالي 1200 شخص.
وأفادت الصحيفة بأن الفتور الدبلوماسي أدى إلى جعل سفارة إسرائيل وقنصليتها في الإمارات بمثابة البعثة الدبلوماسية الوحيدة التي تعمل بكامل طاقتها في العالم العربي. كما أوقفت العديد من شركات الطيران المملوكة للحكومة رحلاتها، مما جعل الإمارات الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي يمكن للناس فيها السفر مباشرة إلى إسرائيل.
ورغم الضغوط، يقول المسؤولون الإماراتيون إنه ليس لديهم أي نية لقطع العلاقات. وسلطت الصحيفة الضوء على بيان الحكومة الإماراتية الذي بينت فيه كيفية استخدام المسؤولين الإماراتيين علاقتهم مع إسرائيل لتسهيل دخول المساعدات الإنسانية لسكان غزة، وكذلك توفير العلاج الطبي للجرحى من سكان غزة الذين تم نقلهم إلى الإمارات. وقالت الحكومة: "تعتقد دولة الإمارات أن الاتصالات الدبلوماسية والسياسية مهمة في الأوقات الصعبة مثل تلك التي نشهدها".
في أواخر شباط/ فبراير، أصبح وزير الاقتصاد الإسرائيلي نير بركات أول وزير إسرائيلي يزور الإمارات منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر، لحضور اجتماع لمنظمة التجارة العالمية. وقال في مقابلة إنه "متفائل للغاية" بعد لقائه مع المسؤولين الإماراتيين. وأورد بركات: "هناك القليل من الحساسية بينما لا تزال الحرب مستمرة"، لكن البلدين "لديهما مصالح متطابقة، واتفاقيات إبراهيم استراتيجية للغاية بالنسبة لنا جميعًا". مع ذلك، حتى لو لم يكن وجود الاتفاقيات على المحك، فإن الشكل الذي ستبدو عليه العلاقة ليس مؤكدًا على الإطلاق، كما قال العديد من الإسرائيليين والإماراتيين.
ونقلت الصحيفة عن نوا غاستفرويند، المؤسسة المشاركة الإسرائيلية لمجموعة تيك زون، وهي مجموعة تربط بين رواد الأعمال والمستثمرين في مجال التكنولوجيا الإماراتيين والإسرائيليين، أن "المرحلة الرومانسية من اتفاقيات إبراهيم تلاشت نوعًا ما. لقد دخلنا الآن مرحلة واقعية من إدراك أن الأمر لن يكون سهلاً".
وأشارت الصحيفة إلى أن إسرائيل ترغب بشكل خاص في الاتفاقات، التي تم الإعلان عنها في سنة 2020، كخطوة رئيسية نحو المزيد من التكامل في الشرق الأوسط حيث عزلت الدول العربية إسرائيل منذ فترة طويلة بسبب معاملتها للفلسطينيين وسيطرتها على غزة والضفة الغربية. وبينما أشاد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس دونالد ترامب بالاتفاق باعتباره علامة فارقة، خفف الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان من احتفاله. وأكد أن نتنياهو وترامب توصلا إلى اتفاق "لوقف المزيد من الضم الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية".
وعلى مدى السنوات القليلة التالية، تدفق مئات الآلاف من السياح الإسرائيليين إلى الإمارات. وفي سنة 2022، أعلنت الدولة عن تجارة بقيمة 2.5 مليار دولار مع إسرائيل. وتم افتتاح عدد قليل من المطاعم الإسرائيلية في دبي، أحدها أطلق عليه اسم "مقهى بيبي"، على اسم لقب نتنياهو.
وأوضحت الصحيفة أنه سرعان ما ظهرت تصدعات بين الإماراتيين المحبطين، وهم يراقبون توسع المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية وتشكيل إسرائيل للحكومة الأكثر يمينية في تاريخها. لم تتحقق الخطط المتعددة لنتنياهو لزيارة الإمارات، ولم تتوسع الاتفاقيات لتشمل دولًا مثل عمان أو قطر. وبينما واصل المسؤولون السعوديون المحادثات مع المسؤولين الأمريكيين لاحتمال الاعتراف بإسرائيل، فإنهم غير مهتمين بالانضمام إلى الاتفاقيات – ويطالبون بتنازلات كبيرة.
قال أنور قرقاش، وهو مسؤول إماراتي كبير، في مؤتمر عُقد في أيلول/ سبتمبر إن العلاقات الإسرائيلية "تمر بوقت عصيب". وفي الواقع، تفاقمت التوترات منذ بدء الحرب. ونشر ضاحي خلفان، نائب قائد شرطة دبي، إدانات لاذعة لإسرائيل على وسائل التواصل الاجتماعي، قائلاً إن القادة الإسرائيليين "لا يستحقون الاحترام". وكتب قرقاش في كانون الثاني/ يناير: "آمل أن يعيد جميع القادة العرب النظر في قضية التعامل مع إسرائيل"، وهو نداء صريح على نحو غير عادي في الإمارات حيث لا يتحدث معظم المواطنين إلا قليلًا عن السياسة، من باب الاحترام والخوف.
وذكرت الصحيفة أن العديد من الإماراتيين رفضوا إجراء مقابلات حول الحرب في غزة أو العلاقات الإماراتية مع إسرائيل. ووافق أحد الإماراتيين في العشرينات من عمره على التحدث بشرط أن يتم تعريفه فقط بالاسم الأوسط، سالم. وصف سالم إحساسًا متزايدًا بالتنافر المعرفي بينما كان يستمتع بحياة مريحة، وسط ناطحات السحاب اللامعة والمقاهي المتخصصة، بينما كانت صور الموت والدمار تتدفق من غزة. وقال إن العلاقة مع إسرائيل كانت محبطة، خاصة أنه والعديد من الإماراتيين نشأوا على النظر إلى الفلسطينيين باعتبارهم إخوة يجب عليهم حمايتهم ويعتقد سالم الآن أن اتفاقيات إبراهيم كانت محاولة لكسب تأييد حلفاء الإمارات الغربيين وذلك جعله يشعر وكأن قيم بلاده معروضة للبيع.
وبينت الصحيفة أن وجهات النظر الإماراتية تجاه الاتفاقات أصبحت أكثر قتامة قبل الحرب، وذلك وفقًا لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، وهو منظمة بحثية مؤيدة لإسرائيل بشكل عام. وبحلول تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، قال 71 بالمائة ممن شملهم الاستطلاع في الإمارات إن الاتفاقيات كان لها تأثير "سلبي" على منطقتهم. من جهتهم، ردّ المسؤولون الإماراتيون على الحرب حتى الآن من خلال التركيز على المساعدات لغزة، وتوجيه خطاب شديد القسوة تجاه إسرائيل، والدعوة إلى وقف إطلاق النار وإنشاء دولة فلسطينية.
وجاءت أقوى تصريحات مسؤول إماراتي حتى الآن على لسان لانا نسيبة، ممثلة الدولة لدى الأمم المتحدة، في شهادتها الأخيرة أمام محكمة العدل الدولية حيث نددت "بالهجمات الإسرائيلية العشوائية على قطاع غزة"، وقالت إن الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية غير قانوني وطالبت بالمساءلة.
للاطلاع إلى النص الأصلي (هنا)
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية الإمارات محمد بن زايد الاحتلال الاحتلال الإمارات التطبيع محمد بن زايد صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الشرق الأوسط الصحیفة أن مع إسرائیل إسرائیل من
إقرأ أيضاً:
إسرائيل قتلت كل شيء
غزة (الاراضي الفلسطينية)"أ ف ب":
يروي فلسطينيان كانا معتقلين في سجون إسرائيلية وخرجا بموجب اتفاق الهدنة الأخير أنهما لا يزالان تحت وقع الصدمة بعد أن واجها بمرارة الواقع في قطاع غزة حيث، بالنسبة الى كثيرين، قتل كل أفراد عائلاتهم، ودّمّرت منازلهم خلال الحرب الدامية بين إسرائيل وحركة حماس.
بين هؤلاء، ياسر أبو دقة الذي يقول إنه لم يتبق من عائلته الكبيرة سوى شقيقته وابنة أخيه، ويتحدّث عن "مشاعر صعبة جدا جدا".
ثم يقول "لكنه قضاء الله عز وجل".
قضى أبو دقة الذي كان ناشطا في حركة الجهاد الإسلامي، 18 عاما داخل سجن إسرائيلي دخله وعمره 20 عاما بعد اعتقاله في العام 2006 أثناء المواجهة التي حصلت بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، وخلال عملية إسرائيلية في المناطق الشرقية من خان يونس في جنوب القطاع.
ووفقا لمعطيات وزارة العدل الإسرائيلية، أدين أبو دقة بتهم باطلة عدّة بينها المشاركة في تدريبات عسكرية والتجسس وحيازة سلاح وإطلاق نار والعضوية في تنظيم مسلّح والتواصل مع منظمة معادية ومحاولة القتل. وحُكم عليه بالسجن لمدة 27 عاما.
في الحرب المتواصلة في غزة منذ 18 شهرا، فقد المعتقل والدته وشقيقه حسين الذي قتل مع زوجته وأبنائهما الخمسة، وشقيقه حسن وعددا من أبناء عمومته. أما منزل العائلة فدمّره القصف الإسرائيلي في منطقة عبسان الكبيرة شرق خان يونس وحوّله إلى ركام. وقد علم بالغارة في اليوم من الأول من الحرب التي اندلعت بعد هجوم مباغت لحماس على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023.
- "قتلوا الفرح" -
في المقبرة التي توجّه إليها مباشرة بعد الإفراج عنه في مطلع فبراير ووصوله الى قطاع غزة، يستذكر أبو دقة، وقد لفّ جبينه براية سرايا القدس، الجناح العسكري للجهاد الإسلامي، أمه التي "كانت تنتظر لحظة الإفراج عني واحتضاني".
ويضيف "عندما زارتني قبل الحرب بأسبوع كانت عائدة من الحج، قالت لي: ستخرج من السجن.. سنزوّجك ونبني لك منزلا، والمرة القادمة سنحجّ معا".
أما ابنة أخيه تالا التي استقبلته بفرح مرتدية ثوبا فلسطينيا مطرزا باللونين الأسود والأحمر، فيقول عنها أبو دقة "تذكّرني برائحة أهلي.. بنت ذكية وجميلة مثل إخوتها الذين استشهدوا".
ويتابع "قالت لي: لم يعد لي غيرُك، أريد أن تنتبه لنفسك وأن تبقى بجانبي".ثم يضيف وهو يحدّق في الفراغ "إسرائيل قتلت الفرحة، قتلت كل شيء".
يعيش أبو دقة اليوم في منزل أحد أقاربه، بعد أن صار منزل عائلته كومة من الحجارة التي علقت بينها مقتنيات العائلة وأثاثها واختلطت بأنابيب الصرف الصحي الملتوية والأسلاك المقطعة.
وأدّت الحرب المدمرة في قطاع غزة إلى مقتل 50695 شخصا على الأقل، معظمهم من المدنيين النساء والأطفال، وفقا لبيانات وزارة الصحة التي تديرها حماس وتعتبرها الأمم المتحدة موثوقة.
وحصلت هدنة أولى لمدة أسبوع، في الحرب، بعد شهر على اندلاعها في نوفمبر 2023. وأتاحت المرحلة الأولى من هدنة ثانية استمرت حوالى الشهرين وانتهت في الأول من مارس، عودة 33 رهينة إلى إسرائيل بينهم 8 قتلى، فيما أفرجت إسرائيل عن نحو 1800 معتقل فلسطيني من سجونها بينهم المئات من قطاع غزة.
ووفقا لمكتب إعلام الأسرى التابع لحماس، يبلغ عدد المعتقلين الفلسطينيين من قطاع غزة في السجون الإسرائيلية منذ بدء الحرب وحتى مطلع مارس، 1555.
ويقول المكتب إن هذا الرقم "المعترف به من مصلحة السجون الإسرائيلية، لا يشمل كافة معتقلي غزة" في إسرائيل.
بين العائدين أيضا، المهندس الميكانيكي مصطفى قنديل الذي اعتقل بعد شهرين من اندلاع الحرب. ويقول قنديل إن ابنه القاصر محمد وشقيقه درويش اللذين اعتُقلا معه أُفرج عنهما بعد نحو شهر، في حين قضى هو سنة وشهرين تقريبا وأفرج عنه في الثامن من فبراير 2025 في إطار صفقة التبادل الأخيرة.
في الخامس من فبراير الماضي، أخبر محامي هيئة شؤون الأسرى الفلسطينيين قنديل (43 عاما) بمقتل زوجته وأربعة من أبنائه الخمسة أصغرهم ابنته غنى التي كان عمرها سبعة أشهر.ويقول "كانت صدمة. لم أصدّق الخبر.. حتى أنني لا أستطيع تذكّر ماذا فعلتُ حينها من هول الصدمة".
- "قبر جماعي" -
كما فقد قنديل والدته وعائلة شقيقه درويش المؤلفة من سبعة أفراد وشقيقا آخر له، بعد قصف منازلهم في دير البلح في وسط قطاع غزة.ويقول "فقدت كلّ شي، لم يتبق لي شيء أخسره.. العائلة والبيت وتعب 20 سنة وضعته في بنائه، وعملي".ويضيف "كم تمنيت لو كان حلما أصحو وأجده قد انتهى".ويقول قنديل إنه يعمل حاليا على بسطة لبيع المواد الغذائية مع ابنه، الوحيد من أفراد العائلة الذي بقي حيا لأنه كان معتقلا عندما قُصف البيت.
ويعيش قنديل الذي يقول إنه فقد 60 كيلوغراما من وزنه خلال الاعتقال، مع ابنه في خيمة نصباها في أرض خلاء في دير البلح.
ويروي الابن محمد البالغ من العمر 16 عاما أنه قضى أربعة أشهر في البحث عن والدته وأشقائه. "كنت أتصل بهاتف والدتي، لكن أحدا لم يكن يجيب". وتمكّن من الوصول إلى موقع المنزل بعد انسحاب للجيش الإسرائيلي من المنطقة. ويضيف "استخرجناهم في أبريل 2024.. كانوا أشلاء ودفنناهم في قبر جماعي".