مستشار المفتي يبحث سبل التعاون بين دار الإفتاء والجامعة الإسلامية بـ تايلاند
تاريخ النشر: 11th, March 2024 GMT
استقبل الدكتور إبراهيم نجم، مستشار مفتي الجمهورية، الأمين العام للأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم، وفدًا رفيع المستوى من الجامعة الإسلامية العالمية بمدينة بانكوك، عاصمة مملكة تايلاند، لبحث أوجه تعزيز التعاون بين دار الإفتاء المصرية والجامعة.
وفي مستهل اللقاء استعرض مستشار فضيلة المفتي، إدارات دار الإفتاء المصرية والمهام والخدمات التي تقدمها داخل مصر وخارجها، مشيرًا إلى أن دار الإفتاء تستقبل الفتاوى من مختلف دول العالم وتجيب عنه بـ 12 لغة وعبر وسائل متنوعة.
وأوضح، أن دار الإفتاء اهتمت منذ سنوات طويلة بتدريب وتأهيل المفتين من مصر وخارجها، وبذلت جهودًا كبيرة في هذ المجال لخلق جيل جديد من المفتين قادر على إدراك الواقع وفهم النصوص الشرعية فهمًا رشيدًا ومستنيرًا لإصدار الحكم الشرعي الصحيح، خاصة في النوازل والمستجدات والقضايا المعاصرة التي نواجهها الآن، مشيرًا إلى أنه تخرج عن طريق هذه البرامج التدريبية التي تمتد إلى ثلاث سنوات عشرات المفتين بعضهم تولَّوا مناصب إفتائية رسمية في بلادهم.
وأضاف، أن دار الإفتاء أنشأت عام 2015 كيانًا دوليًّا هو «الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم»، والتي تعد مظلة جامعة لأكثر من 94 دولة من مختلف أرجاء العالم، من أجل توحيد الجهود والاجتهادات حول القضايا العالمية المهمة، وتبادل الخبرات، وأيضًا تدريب المفتين من مختلف دول العالم، مشيرًا إلى أن تايلاند عضو فاعل في الأمانة منذ سنوات.
وأبدى مستشار مفتي الجمهورية، استعداد دار الإفتاء والأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم الكامل إلى تعزيز التعاون مع الجامعة الإسلامية العالمية في بانكوك، خاصة في مجال التدريب وتبادل الخبرات، وتقديم كافة أشكال الدعم اللازم.
من جانبه أشاد الوفد التايلاندي بما تقوم به دار الإفتاء المصرية من مجهودات كبيرة، مؤكدًا أن دار الإفتاء المصرية تعد مرجعية وسطية للمسلمين في العالم أجمع وأن هناك العديد من الطلبة التايلانديين يدرسون في جامعة الأزهر ومنهم من يتدرب في مركز التدريب بدار الإفتاء المصرية.
وأبدى الوفد التايلاندي تطلعهم إلى عقد الشراكات ومذكرات التفاهم مع دار الإفتاء والأمانة العامة خاصة في مجال التدريب على الفتاوى فيما يتعلق بالقضايا المعاصرة، والاستفادة من خبرات الدار في هذا المجال.
اقرأ أيضاًمفتي الجمهورية: قيمة زكاة الفطر 35 جنيهًا وفدية الصيام 30 جنيهًا كحد أدنى
مستشار مفتي الجمهورية: دار الإفتاء تعمل على نشر الوسطية ومحاربة التطرف
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: دار الإفتاء المصریة مفتی الجمهوریة أن دار الإفتاء فی العالم
إقرأ أيضاً:
مفتي الجمهورية: النبي كان نموذجا فريدا في العفو والتسامح حتى مع أعدائه
أكَّد الدكتور نظير عياد -مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم- أن العفو عند المقدرة والتسامح من الأخلاق الفاضلة التي دعا إليها الإسلام، والتي ينبغي على المسلمين التحلي بها، لا سيما في هذا الشهر الكريم الذي يعد مدرسة إيمانية تُهذب النفوس وترتقي بها إلى مقامات العارفين.
جاء ذلك خلال لقائه الرمضاني اليومي مع الإعلامي حمدي رزق، في برنامج "اسأل المفتي" الذي يُذاع على فضائية "صدى البلد"، حيث تناول الحديث عن خُلق العفو والتسامح وأهميته في بناء المجتمع، ودوره في تقوية العلاقات الإنسانية، مستشهدًا بما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة من نصوص وأحاديث تؤكد هذا الخلق العظيم.
وأشار إلى أن الله سبحانه وتعالى أمر عباده بالعفو والتسامح، وجعل ذلك من صفات المتقين، كما جاء في قوله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.
وأشار إلى أن هذه الآية توضح بجلاء أن العفو والتسامح من صفات المتقين الذين أعد الله لهم الجنة، وهو ما كان يحرص الصحابة والسلف الصالح على التحلي به في حياتهم.
وفي سياق حديثه، استشهد المفتي بقصة أحد الصحابة عندما كانت جاريته تصب له الماء، فسقط الإبريق من يدها فشج رأسه، فنظرت إليه وقالت: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ}، فقال: "كظمت غيظي"، فقالت: {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ}، فقال: "عفوت عنكِ"، فقالت: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}، فقال: "اذهبي فأنتِ حرة لوجه الله تعالى"، لافتًا الانتباه إلى أن هذه القصة تبرز كيف كان الصحابة يطبقون هذه القيم النبيلة في حياتهم، وكيف كان العفو لديهم جزءًا لا يتجزأ من أخلاقهم.
وتابع المفتي موضحًا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤكد دائمًا على ضرورة التعامل مع الناس بظاهرهم دون الدخول في نيَّاتهم أو الحكم عليهم بغير دليل، مشيرًا إلى القصة التي حدثت مع الصحابي الجليل خالد بن الوليد رضي الله عنه، حينما همَّ بقتل رجل في إحدى الغزوات بعد أن نطق بالشهادتين، فقتله ظنًّا منه أنه قالها خوفًا من السيف، فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك غضب وعاتب خالدًا عتابًا شديدًا، وقال له: "هلَّا شققت عن قلبه؟" مؤكدًا أن هذه القصة تعلمنا أن الأصل في الناس هو البراءة، وأن الحكم على النيات أمر لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى.
وعن دور الصيام في تهذيب النفس والارتقاء بها إلى مقامات العارفين، أكد المفتي أن شهر رمضان ليس مجرد امتناع عن الطعام والشراب، بل هو مدرسة إيمانية متكاملة تربي الإنسان على الأخلاق الحميدة، وتعلمه الصبر، والتحكم في الغضب، والبعد عن الضغائن والأحقاد، لافتًا النظر إلى أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤكد على أهمية الصبر والتسامح في هذا الشهر المبارك، حيث قال: "إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابَّه أحد أو شاتمه فليقل إني صائم، إني صائم"، مشددًا على أن هذه العبادة تزرع في الإنسان القدرة على التحمل والتسامح والعفو، وتبعده عن كل ما يثير الغضب أو يؤجج الكراهية بين الناس.
وأوضح المفتي أن الغضب إذا لم يُتحكم فيه قد يكون سببًا في كثير من المشاكل والعداوات، مشيرًا إلى أن الله سبحانه وتعالى يغضب لعباده ويغضب لدينه، لكنه مع ذلك رحيم بعباده، فقد قال في كتابه العزيز: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ}، وهذا يدل على أن رحمة الله تسبق غضبه، كما أن الإنسان قد يظن أن الابتلاء الذي يمر به هو عقوبة من الله، بينما هو في الحقيقة قد يكون ترقية ورفعة لشأنه عند الله، أو تنقية من الذنوب والخطايا، أو اختبارًا لصبره وإيمانه، كما جاء في قوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُوْلَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}.
وشدد المفتي على ضرورة أن يستفيد المسلمون من دروس هذا الشهر الكريم، وأن يجعلوا العفو والتسامح نهجًا دائمًا في حياتهم، وأن يتحلوا بالصبر والتحمل، وأن يدركوا أن ما يمرون به من ابتلاءات قد يكون خيرًا لهم، داعيًا الله أن يجعل هذا الشهر شهر رحمة ومغفرة، وأن يرزق الأمة الإسلامية التراحم والتسامح، وأن يوفق الجميع لما فيه الخير والصلاح.
وأشار المفتي إلى أن العفو والتسامح ليس مجرد تصرف أو سلوك فردي، بل هو منهج حياة يجب أن يسود بين الناس، لأن التسامح والعفو عند المقدرة من شيم أصحاب النفوس الكبيرة والقلوب الطاهرة، وهو خلق الأنبياء والصالحين، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم نموذجًا فريدًا في العفو والتسامح، حتى مع أعدائه، حيث دخل قلوبهم بهذا السلوك العظيم قبل أن يدخلها بكلماته، مؤكدًا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يلجأ إلى العنف أو القسوة في دعوته، بل كان العفو والتسامح أحد مفاتيحه الأساسية التي فتح بها قلوب الناس.
وضرب المفتي مثالًا بواحد من أعظم المواقف التي تجلى فيها العفو عند المقدرة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك في خطبة الوداع، حيث كان من بين الحضور رجل يسمى فضالة، كان من أشد الناس بُغْضًا للنبي صلى الله عليه وسلم. وعلى الرغم من أن النبي كان واقفًا وسط أكثر من مائة ألف من أصحابه ومحبيه، فإن فضالة بيَّت النية لاغتياله، فلم يكن يعنيه المآل ولا النتيجة، وكان كل ما يريده أن يذكره التاريخ بأنه قتل محمدًا صلى الله عليه وسلم.
وتابع قائلًا: إن فضالة أخفى خنجرًا في قطعة قماش ووضعه تحت إبطه، ثم أخذ يتسلل بين الصفوف حتى اقترب من النبي صلى الله عليه وسلم، وهنا التفت إليه النبي وقال له: "أنت فضالة؟" قال: "بلى"، فرفع النبي يده الشريفة ووضعها على صدره، ثم قال له: "اتقِ الله يا فضالة"، يقول فضالة رضي الله عنه: "فوالذي نفسي بيده، ما رفع النبي صلى الله عليه وسلم يده إلا وتحول ما بداخلي من حقد وكراهية إلى محبة ووفاء"، ثم أعلن إسلامه قائلًا: "يا محمد، والذي بعثك بالحق، لقد كنت من أبغض الناس إلى نفسي، وكان هذا الدين من أبغض الأديان إلى صدري، أما الآن، فأشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله".
وأكد فضيلة المفتي أن هذا الموقف يعكس عظمة خُلق النبي صلى الله عليه وسلم، وكيف أنه لم يتعامل مع فضالة برد فعل عنيف، رغم أنه كان يعلم ما كان ينويه، وكان بإمكانه أن يشير إلى أحد أصحابه ليوقفه فورًا، لكنه صلى الله عليه وسلم اختار طريق الرحمة والعفو، ليكون نموذجًا عمليًّا في التسامح، يشهد بعظيم أخلاقه وسمو فضله.
وأوضح مفتي الجمهورية أن من أعظم المواقف التي تجلى فيها خلق العفو عند المقدرة في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، موقفه أثناء فتح مكة، حين عاد إليها بعد أن أُخرج منها مُكرهًا، وبعد أن تعرض فيها للإيذاء في نفسه وبدنه وأهله، ورغم ذلك لم يكن انتقامه من أولئك الذين أساؤوا إليه هدفه أو غايته، بل اختار العفو والتسامح، ليقدم بذلك درسًا عمليًّا في تطبيق قول الله تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}.
وأضاف فضيلة المفتي: "أتوقف عند هذه الحادثة العظيمة وأتأمل الإعلان العام الذي أطلقه النبي صلى الله عليه وسلم حينما خاطب أهل مكة قائلًا: ما تظنون أني فاعل بكم؟، فقالوا: أخٌ كريمٌ، وابنُ أخٍ كريمٌ، فقال لهم صلى الله عليه وسلم: اذهبوا فأنتم الطلقاء، لا تثريب عليكم اليوم، يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين. هذه الكلمات لم تكن مجرد إعلان عفو، لكنها كانت إعلانًا عن ميلاد جديد لمكة، مبنيٍّ على الرحمة، وليس على الانتقام، بل حتى عندما قال بعض الصحابة: اليوم يوم الملحمة! رد النبي صلى الله عليه وسلم قائلًا: بل اليوم يوم المرحمة! ليؤكد أن منهج الإسلام هو الرحمة حتى مع الأعداء عند القدرة عليهم".
وأشار فضيلة المفتي إلى أن هناك مواقف أخرى تجسد هذا العفو العظيم، ومنها قصة الصحابي عكرمة بن أبي جهل، الذي كان شديد العداء للنبي صلى الله عليه وسلم حتى أهدر النبي دمه، لكنه ما إن علم بقدومه، حتى قرر الهرب، وركب فرسه حتى وصل إلى البحر، ووقف مترددًا بين أن يلقي بنفسه في الماء أو يواجه مصيره، وكان في أشد حالات الكراهية للنبي.
وتابع فضيلة المفتي: "إلا أن زوجته، التي دخلت الإسلام، طلبت من النبي صلى الله عليه وسلم العفو عنه، فنزل النبي عند طلبها، ولم يكتفِ بذلك، بل أعطاها علامة تدل على عفوه، وأذن لها أن تذهب لإحضاره، فأخذت عمامة النبي صلى الله عليه وسلم وانطلقت خلفه، حتى وجدته وأخبرته أن النبي قد عفا عنه، فلم يصدق، فسألها: ومن يدل على ذلك؟ فأخرجت العمامة، فكان ذلك دليله ليعود معها إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وما إن رآه النبي صلى الله عليه وسلم حتى قام من مجلسه، واستقبله بوجه طلق وبترحيب حار، وقال له: مرحبًا بالفارس المهاجر! فوقف عكرمة وكأنه أصابه الذهول، وقال: يا محمد، والذي بعثك بالحق، لقد كنت من أبغض الناس إلى نفسي، وكان دينك من أبغض الأديان إلى صدري، أما الآن، فأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله.
وأضاف فضيلته: "انظروا إلى هذا العفو، كيف حول عكرمة، الذي كان يُعرف بابن فرعون هذه الأمة، إلى واحد من كتَّاب الوحي الذين نقلوا كلام الله تعالى إلى الأمة، فهذه هي عظمة التسامح الذي يعلمنا إياه الإسلام، وهذا هو التطبيق العملي لما أمر الله به من العفو عند المقدرة، الذي يجب أن يكون منهجًا لحياتنا جميعًا".
في ختام الحلقة، أجاب فضيلة مفتي الجمهورية، عن عدد من أسئلة المشاهدين من بينها سؤال حول عادة زيارة القبور بعد صلاة العيد، حيث قال: "ربما يرى البعض أن زيارة القبور في هذا اليوم الذي هو يوم فرح وسرور لا تتناسب مع مقصود العيد، لكن من الناحية الشرعية لا يوجد مانع من هذه الزيارة، فهي جائزة ولا حرج فيها. فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور، ألا فزوروها، فجاء الإذن النبوي بها من باب الصلة بالموتى، ومن باب العظة والاعتبار.
أما النهي الذي ورد عن بعض العلماء بشأن الزيارة في يوم العيد، فكان من باب الخشية من استحضار الحزن في يومٍ شرعه الله تعالى للفرح والتوسعة والتهنئة، مصداقًا لقوله تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 58]. ومع ذلك، فإن زيارة القبور في هذا اليوم تظل من الأمور المباحة شرعًا، ولا مانع منها ما دامت تتم وَفْق الضوابط الشرعية".
وفي سياق متصل، ورد سؤال حول جواز زيارة المرأة للقبور، فأجاب فضيلة المفتي: "يجوز للمرأة كما يجوز للرجل أن يزور القبور، شريطة الالتزام بالضوابط الشرعية والأخلاقية، ولا حرج في ذلك. فكما أن الرجل بحاجة إلى العظة والاعتبار، فإن المرأة تشاركه في ذلك. ومن هنا، فإن زيارة المرأة للقبور ليست محرمة متى كان المقصد مشروعًا، والغاية معتبرة، ولم تخرج عن الإطار الذي حدده الشرع في هذا الشأن".
وحول ما إذا كانت هناك آداب معينة ينبغي مراعاتها عند زيارة القبور، أوضح فضيلة المفتي أن هناك آداب شرعية ينبغي الالتزام بها عند زيارة القبور، أولها الدخول إلى المقابر بسكينة ووقار، ثم البدء بالسلام، كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم، حيث كان يقول عند زيارة القبور: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، ثم بعد ذلك يستحب الدعاء للموتى والاستغفار لهم. كما ينبغي عند الزيارة استحضار الخشية والخضوع لله، وتذكر حقيقة الدنيا وزوالها، والتأمل في حال أهل القبور. ثم عند المغادرة يكون الخروج بنفس السكينة والهدوء، دون ضجيج أو نياحة، فكل هذه من الآداب التي ينبغي على المسلم أن يحرص عليها عند زيارة المقابر.
وفيما يتعلق بحكم إجبار الزوجة على التنازل عن قائمة المنقولات الزوجية عند الطلاق، قال فضيلة المفتي: "هذه المسألة تحتاج إلى نظر دقيق، فالإجبار والإكراه على التنازل عن حقٍّ مالي يعدُّ ظلمًا محرمًا شرعًا، وقد نهى الله تعالى عن الظلم وذمَّه في مواضع كثيرة من كتابه العزيز. ومن هنا نقول إن الإكراه في هذا الأمر خروج عن مراد الله تعالى، ولا يجوز شرعًا".
وعند سؤاله عن وضع قائمة المنقولات الزوجية في ميزان الحقوق، أجاب فضيلة المفتي: "نعم، قائمة المنقولات الزوجية من حقوق الزوجة، لكنها تدخل ضمن الأعراف والتقاليد السائدة في كل مجتمع، والعرف كما هو معلوم من مصادر التشريع الإسلامي. فما جرى عليه العرف من اعتبار المنقولات الزوجية حقًّا للزوجة يكون معتبرًا شرعًا؛ لأن المعروف عرفًا كالمشروط شرطًا. ولا يجوز الخروج على ذلك إلا إذا تم الاتفاق بين الطرفين على خلاف ذلك، أو إذا كان هناك تنظيم قانوني واضح يحدد كيفية التعامل مع هذه المنقولات بشكل يرضي جميع الأطراف".
وفي معرض إجابته عن سؤال حول تفسير معنى الأمانة في هذه الآية الكريمة، قال فضيلة المفتي: "الأمانة في هذه الآية الكريمة تشير إلى أمانة التكليف الشرعي، والتي تشمل جميع التكاليف الدينية التي كُلف بها الإنسان. ويُراد بها أيضًا العقل؛ لأنه هو المدرك لهذه التكاليف الشرعية، ومن ثم أمرنا الله تعالى بالمحافظة عليه، لأنه مناط الإدراك والتكليف. ولعظمة هذه المسؤولية، عرضها الله تعالى على السموات والأرض والجبال، لكنها أبت أن تحملها وأشفقت منها، لما فيها من تكليف ثقيل وأمانة عظيمة، فحملها الإنسان، وكان أهلًا لها بموجب التكليف الذي ارتضاه الله له".
وأضاف فضيلته: "إن تكليف الإنسان بهذه الأمانة جعله سيدًا في هذا العالم، ومسؤولًا عن عمارة الأرض، كما قال تعالى: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: 30]. وهذه الخلافة تقتضي أن يكون الإنسان وفيًّا بمتطلباتها، سواء في الأفعال أو الأقوال، أو حتى في العلاقات مع الآخرين. فالأمانة لا تقتصر على حفظ الأموال والحقوق فقط، بل تشمل أمانة العبادة، وأمانة الكلمة، وأمانة السلوك، وأمانة الإحسان، بحيث تمتد إلى جميع جوانب الحياة. وأي تقصير من الإنسان في هذه المسؤوليات يعد إخلالًا بالأمانة التي أمره الله بحملها، ولذلك كان الواجب على كل إنسان أن يؤدي الأمانة بمقتضى العقل والتكليف الذي فضَّله الله به على كثير من مخلوقاته".
وختم فضيلة المفتي إجاباته مؤكدًا أن الإسلام دين يقوم على العدل والرحمة والتكليف المسؤول، وأن مراعاة الضوابط الشرعية في العادات والتقاليد، وحفظ الحقوق، وتأدية الأمانات، كلها من القيم الأساسية التي ينبغي على المسلم أن يحرص عليها في حياته اليومية.