هناك دائماً هاتف يلاحقك أكثر من ظلك، إذ أن ظلك يختفي في الليل وفي الظلام، ولكن هاتفك المحمول يبقى معك أينما ذهبت وفي جميع الأوقات، إلا أن هذا الهاتف محل ثقتك العمياء والمطلقه، صديقك الحميم الذي يعرف جميع أسرارك وأماكن وجودك والأشخاص الذين تتواصل معهم والمواقع التي تتصفحها والصور وعروض الفيديو التي تلتقطها وتشاركها مع الأخرين، قد يكون غير مؤهل لهذه الثقة خصوصاً فيما يتعلق بكتم هذه الأسرار، حيث يمكنه مشاركة كثير من بياناتك مع القراصنة بل ومع مواقع الإنترنت والتطبيقات الإلكترونية المختلفة بطرق عديدة.

 

فى ﻅل ﺍﻟﺘﻁﻭﺭ ﺍﻟﺘﻜﻨﻭﻟﻭﺠﻲ ﺍﻟﻤﺫﻫل تطورت ﺃﺴﺎﻟﻴﺏ ﻭﺘﻘﻨﻴﺎﺕ ﺍلإﺘﺼﺎل ﻭﻤﻨﻬـﺎ ﺍﻟﻬـﺎﺘﻑ المحمول، ﺘﻠﻙ ﺍﻟﺘﻘﻨﻴﺔ ﺍﻟﺤﺩﻴﺜﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺼﺒﺤﺕ ﺘﺸﻜل ﻀﺭﻭﺭﺓ ﻤﻥ ﻀﺭﻭﺭﺍﺕ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﻤﻌﺎﺼﺭﺓ ﻭﺍﻟﺘـﻲ ﻻ ﻴﻤﻜﻥ ﺒﺄﻱ ﺤﺎل ﻤﻥ ﺍﻷﺤﻭﺍل ﺍلإﺴﺘﻐﻨﺎﺀ ﻋﻨﻬﺎ. ﻠﻘﺩ أﺨﺘﺭﻕ الموبايل ﺠﻤﻴﻊ ﻓﺌﺎﺕ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟمصرى ﻭﻟـﻡ ﻴﻌﺩ ﻴﻘﺘﺼﺭ إﻤﺘﻼﻜﻪ ﻋﻠﻰ ﻓﺌﺔ ﻤﻌﻴﻨﺔ، ﺤﻴﺙ ﻜﺎﻥ ﻟﺩﺨﻭل ﺘﻠﻙ ﺍﻟﺘﻘﻨﻴﺔ ﻓﻭﺍﺌﺩ ﻋﺩﻴﺩﺓ ﻤﻨﻬﺎ ﻋﻠـﻰ ﺴـﺒﻴل ﺍﻟﻤﺜﺎل إﺴﻬﺎﻤﻪ ﻓﻲ ﺘﻘﺭﻴﺏ ﺍﻟﻤﺴﺎﻓﺎﺕ ﻭﺍﻷﺒﻌﺎﺩ ﻭإﺨﺘﺼﺎﺭ ﺍﻷﻭﻗﺎﺕ ﻜﺫﻟﻙ ﺃﺼﺒﺢ ﻴﻤﺜل ﻭﺴـﻴﻠﺔ ﻤﻬﻤـﺔ ﻭﻀﺭﻭﺭﻴﺔ ﻓﻲ ﺇﺩﺍﻤﺔ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﺘﻭﺍﺼل ﺍلإﺠﺘﻤﺎﻋﻲ ﻤﺎ ﺒﻴﻥ ﺍﻷﻫل ﻭﺍﻷﻗﺎﺭﺏ. ﻟﺫﻟﻙ ﻴﻤﻜـﻥ ﺍﻟﻘـﻭل ﺃﻥ الهاتف المحمول "الموبايل" ﺃﺼﺒﺢ ﺒﻤﺜﺎﺒﺔ ﺍﻟﺭﻓﻴﻕ ﻭﺍﻟﺼﺩﻴﻕ ﺍﻟﺩﺍﺌﻡ ﻟﻨﺎ. ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻟﺭﻏﻡ ﻤﻥ ﺘﻠﻙ ﺍﻹﻴﺠﺎﺒﻴﺎﺕ ﺍﻟﻌﺩﻴﺩﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻴﻤﺘﻠﻜﻬﺎ ذلك الهاتف الذكى ﺒﻤﺎ ﻴﺤﺘﻭﻴﻪ ﻤﻥ ﺨﺩﻤﺎﺕ ﻜﺜﻴﺭﺓ ﺠﻌﻠﺕ ﺤﻴﺎﺘﻨﺎ ﺃﻜﺜﺭ ﺴﻬﻭﻟﺔ ﻭﻻ ﺴﻴﻤﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻭﻗﺕ ﺍﻟﺤﺎﻟﻲ، ﻓإﻥ ﺍﻷﻤﺭ ﻻ ﻴﺨﻠﻭ ﻤﻥ ﺴﻠﺒﻴﺎﺕ ﻋﺩﻴﺩﺓ ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻴﻤﻜﻥ أﻥ ﺘﻜﻭﻥ ﺨﻁﻴﺭﺓ ﻭﺫﻟﻙ ﻤﻥ ﺨﻼل إﺴﺘﻐﻼل ﺘﻠﻙ ﺍﻟﺘﻘﻨﻴﺎﺕ ﺍﻟﺤﺩﻴﺜﺔ ﻓـﻲ ﺃﻤـﻭﺭ ﻏﻴـﺭ ﻤﻘﺒﻭﻟـﺔ إجتماعياً قد يكون لها أثاراً سلبيه ﻀﺩ ﺍﻟﺸﺨﺹ ﻨﻔﺴﻪ ﻭﻀﺩ ﻤﺠﺘﻤﻌﻪ ﺒﺼﻭﺭﺓ ﻋﺎﻤﺔ من ﺨﻼل ﺍﻹﺴﺎﺀﺓ ﻓﻲ إﺴﺘﺨﺩﺍﻤها ﻤﻥ ﻗﺒل ﺍﻟﺒﻌﺽ ﻭﻫﻨﺎ ﺘﻜﻤﻥ المشكله.

ﻻ ﻴﻜﺎﺩ ﻴﺨﺘﻠﻑ إﺜﻨﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﻤﺩﻯ ﺃﻫﻤﻴﺔ ﺍﻟﺘﻜﻨﻭﻟﻭﺠﻴﺎ ﻓﻲ ﺘﺤﻘﻴﻕ ﺍﻟﺘﻘـﺩﻡ ﻓـﻲ ﻤﺨﺘﻠﻑ ﻤﺠﺎﻻﺕ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، ﻭلكن ﺇﻟﻰ ﺠﺎﻨﺏ ﺃﻫﻤﻴﺔ ﺍﻟﻭﺴﺎﺌل ﺍﻟﺘﻜﻨﻭﻟﻭﺠﻴﺔ ﻓﻲ ﺘﺤﻘﻴﻕ ﻤﺼﺎﻟﺢ ﺍلإﻨﺴﺎﻥ ﻭﺘﻠﺒﻴﺔ إﺤﺘﻴﺎﺠﺎﺘﻪ ﺇﻻ ﺃﻨﻪ ﻤﻥ ﺍﻟﻤﻤﻜـﻥ ﺃﻥ ﺘﻨﻘﻠﺏ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﺘﻜﻨﻭﻟﻭﺠﻴﺎ ﺇﻟﻰ ﻨﻘﻤﺔ ﻋﻨﺩﻤﺎ ﻴﻜﻭﻥ ﻟﻬﺎ ﺃﺜﺎﺭاً إﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺴـﻠﺒﻴﺔ ﺃﻱ ﺒﻤﻌﻨـﻰ ﺃﺨـﺭ ﻴُﺴﺎﺀ ﺍﺴﺘﺨﺩﺍﻤﻬﺎ ﻭﺘﺯﺩﺍﺩ ﻋﻭﺍﻗﺒﻬﺎ ﺴﻭءﺍﹰ ﺇﺫﺍ ﺘﻌﻠﻘﺕ ﺒﻘﻴﻡ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻭﻤﻨﻅﻭﻤﺘﻪ ﺍﻻﺨﻼﻗﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻴﻘـﻭﻡ ﻋﻠﻴﻬـﺎ. إن ﺃﺠﻬﺯﺓ ﺍﻟﻬﺎﺘﻑ المحمول ﺘﺩﺨل ﻀﻤﻥ ﺇﻁﺎﺭ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﺘﻜﻨﻭﻟﻭﺠﻴﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺤﺩﺜﺕ ﺜﻭﺭﺓ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻡ ﺍﻻﺘﺼﺎﻻﺕ. ﻓﺎﻻﺘﺼﺎل ﺒﻭﺴﺎﺌﻠﻪ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻫﻭ ﺴﻼﺡ ﺫﻭ ﺤﺩﻴﻥ، ﻓﻔﻲ ﺍﻟﻭﻗﺕ ﺍﻟﺫﻱ ﻴﻐﺩﻭ ﻓﻴـﻪ ﻤﻤﻜﻨـﺎ ﺃﻥ ﻴﻭﻅﻑ ﻜﺄﺩﺍﺓ ﺤﻀﺎﺭﻴﺔ ﺘﺨﻠﻕ ﺤﺎﻻﺕ ﺍﻟﻤﻼﺌﻤﺔ ﻭﺍﻟﺘﻭﺍﻓﻕ ﻭﺍﻟﺘﻜﻴﻑ ﻤـﻊ ﺭﻭﺡ ﺍﻟﻌـﺼﺭ ﻭﻤﻘﺘـﻀﻴﺎﺕ ﺍﻟﺘﻁﻭﺭ ﻓﻲ ﺍﻹﻁﺎﺭ ﺍﻟﺫﻱ ﻴﺭﺴﺦ ﺍﻟﻘﻴﻡ ﺍﻟﺘﺭﺒﻭﻴﺔ ﻭﺍﻷﺨﻼﻗﻴﺔ ﺍﻟﺴﻠﻴﻤﺔ، ﻓإﻥ ﺍﻷﻤﺭ ﺠﺎﺌﺯ ﺃﻴﻀﺎ ﺃﻥ ﻴﻭﻅﻑ ﻓﻲ ﺍﻷﺘﺠﺎﻩ ﺍﻟﻤﻌﺎﻜﺱ ﻭﺴﻴﻨﻘﻠﺏ ﺤﻴﻨﺫﺍﻙ ﺇﻟﻰ ﺃﺩﺍﺓ ﺘﺨﺭﻴﺏ ﻭﻫﺩﻡ ﻀﺎﺭﺓ ﺒﺎﻟﻤﻭﺍﺭﺩ ﺍﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ ﺍﻟﺘـﻲ ﻫـﻲ ﺍﺴﺎﺱ ﺍﻟﺘﻨﻤﻴﺔ ﺍلمجتمعيه.

فإذا كنتم من حاملي الهواتف المحموله، وهو أمرمرجح جداً، لابد وأنكم لاحظتم مراراً وتكراراً تلك الإعلانات التي تستهدفكم فى كل وقت وحين، حيث أنه بمجرد البحث عن موضوع معين على شبكة الإنترنت، أو بمجرد الحديث مع صديق عن منتج أو سلعة ما تنهال عليكم الإعلانات أينما وليتم وجوهكم، مجرد سؤال بريء عابرعن إحدى ماركات السيارات أوالساعات أوالملابس أو ما إلى ذلك لتبدأ بعدها إعلانات مرتبطة بالظهور في مواقع التواصل الاجتماعي المختلفه، عروض تأتيكم من كل حدب وصوب من جهات تدعي أنه لا هدف لديها سوى مساعدتكم فى الحصول على أفضل الأسعار وأجود المنتجات.  

لقد أصبحت مسألة الإعلانات التى تستهدف فئة معينة من المستخدمين والمصممه خصيصاً لهم  أمراً شائعا ومعروفاً بل ويدركه جميع مستخدمو الإنترنت ويتم ذلك عن طريق جمع بيانات  المستخدمين ومعلوماتهم ومن ثم إستخدامها في تحسين تجربة العملاء وزيادة نسبه المبيعات وبالتالي إستثمار هذه البيانات في عمل إستراتيجيات تسويقية تحدث الفارق من خلال ملفات تعريف الإرتباط المعروفه بأسم (الكوكيز) التي لا يخلو منها أي موقع أو تطبيق إلكتروني. لكن الأمر الذي ما زال مصدر للدهشه والإستغراب لدى المستخدمين بل وأصبح محيراً للكثيرين منهم ، وربما قد حدث لكم بالفعل، هي عندما تتحدثون عن منتج ما أو موضوع معين، فى حضورهاتفكم المحمول ذلك الصديق الحميم والذي لا يفارقكم في أي مكان حتى في الحمام وغرفة النوم، ثم سرعان ما تجدون مواد ذات صلة تظهر لكم أثناء تصفحكم لمنصات التواصل الإجتماعى المختلفه أو حتى صفحات الإنترنت، سمعت أمثلة كثيرة من العديد من المستخدمين عن رؤية إعلانات لماركات سيارات أو ساعات  أو لأزياء من علامات تجارية معينة أو مطاعم للوجبات السريعة وذلك بعد ذكرها في حديثهم منذ دقائق معددوه ما يدعو دوما إلى التساؤل كيف ذلك؟ وما هذا السحر؟ إن هذه التجربة حقا تصيب مستخدمي الهواتف الذكيه بالقلق والذعر أكثر حول خصوصياتهم المستباحه وأمنهم الرقمى والمعلوماتى. وهناك حملات عديدة شنت على "فيسبوك" في شأن تعامله مع خصوصية مستخدميه، وانتقدت سياسات المنصة الإجتماعية الأشهر مراراً لدرجة أدت إلى فتح الكونغرس الأميركي سنة 2018 تحقيقاً مع مارك زوكربرغ صاحب ومؤسس شركة "ميتا." 

ومع أن إحتمال تجسس تطبيقات عديدة على ما يدور حول الهواتف الذكيه من أحاديث وأنشطة ليس بعيداً، إلا أنى أميل إلى عدم التسليم بهذه النظرية فما يحدث ببساطه شديده هو أن "فيسبوك" و"إنستغرام" و"سناب شات" و"تيك توك" وغيرهم من التطبيقات المختلفه أصبحت تمتلك خوارزميات ذكاء إصطناعي يكمنا أن تتوقع بنجاح سلوكيات المستخدمين بناء على ما تم جمعه عنهم من بيانات ومعلومات والأماكن التي يرتددون عليها والمواضيع التي يبحثون عنها والفيديوهات التي يشاهدونها والسلع التي يشترونها بشكل متكرر والمحتوى الذي يجذب إنتباههم على الإنترنت، بالتالي تكوين صورة محدده عن المستخدمين وتصنيفهم في فئات عمرية ومهنية وإجتماعية والتنبؤ بإحتياجاتهم بسهوله تامه. وفي بعض الأحيان يكون توقع تلك الخوارزميات دقيق وحقيقى فعلاً وفي كثير منها يكون غيرصحيح، لكننا كمستخدمين نعيش في عصر نظريات المؤامرة سنتذكر فقط المرات القليلة التي نجح فيها الذكاء الإصطناعي بإقتراح أشياء كنا نفكر فيها أو نبحث عنها أو نتحدث عنها بالفعل،  نظراً لإستخدام الهواتف لساعات طويلة واللجوء إليها في كل سؤال يرد في أذهاننا كبيراً كان أم صغيراً.

لقد باتت معظم الأفكار التي تخطر ببالنا هذه الأيام متأثرة جداً بالمحتوى الذي نهتم به في العالم الإفتراضي. فعصر السماوات المفتوحة والعولمة، جعل «الإنترنت» المصادرالعام للمعلومات والتى أصبحت متوافرة بشكل لم يسبق له مثيل عن ذى قبل ما ساعد فى تسهيل الحصول على المعرفه وتقديم خدمات عدة، ولكن في المقابل فإن هناك من يستطيع الوصول إلى جيبك، والدخول في هاتفك المحمول - حتى وهو مغلق - ليأخذ كل ما يريد من معلومات، أو إختراق حاسوبك، أو موقعك الإلكتروني، أو معرفة كل نتائج بحثك على الأنترنت مثلاً، فما هو شعورك؟ ألا يجب أن تتوخى الحذر قليلاً ؟

إن التحوّل الكبير في التكنولوجيا الرقمية دفع حتى أجهزة الإستخبارات في العالم إلى تغيير أساليب الجاسوسية القديمة، فبدأت تستخدم تطبيقات إلكترونية حديثة، للتجسس على الهواتف والاتصالات المشفرة، واقتحام الحواسيب، التابعة لمسؤولين وشركات ودول. إن الجاسوسية بشكلها التقليدي بدأت تلفظ أنفاسها الأخيره، في ظل صعود أسهم التجسس الإلكتروني عن بعد، الذي يتميز بالسرعة والفعاليه ومن دون تعريض حياة شخص بعينه لخطر الموت. وتعد الولايات المتحدة صاحبة الريادة في مجال التجسس الإلكتروني، نتيجة ريادتها أصلا في مجال الإنترنت، وإمتلاك أضخم شركات التكنولوجيا، وتجمعها وإسرائيل مشاريع مشتركة لتطوير أحدث التطبيقات المختصة بالتجسس الرقمي.

المصدر: صدى البلد

إقرأ أيضاً:

لماذا لا يتعظ عسكر السودان من دروس التاريخ وتجارب الماضي؟

بقلم: إبراهيم سليمان

منذ اندلاع حركة التمرد المسلحة في حامية مدينة توريت عام 1955م، وحتى 15 أبريل 2023م لم يلفح الجيش السوداني، في كسب حرب واحدة على ما تطلق عليها الحركات المسلحة أو المتمردة، في أية بقعة من بقاع السودان الواسعة، ظلت القوات المسلحة السودانية، تكرر الفشل تلو الفشل في تحقيق حسم عسكري، تنهي المواجهات المسلحة، ولم يتعلموا شيئاً من دروس تاريخ الحروب الطويلة، ولم يتعظوا من نصائح الناصحين.
ورغم التفوق الذي كان يتمتع به الجيش السوداني، لوجستياً ومهنياً وسياسياً، على الحركات المسلحة، التي رفعت السلاح في وجه الدولة المركزية، فشل في تحقيق النصر الكاسح والقضاء عليها، قد نجحت في بعض الأحيان في تحجيم أنشطته بعض الحركات المسلحة لتعود أشد منعة، ورغم ذلك يصر الجيش السوداني على تكرار ذات النهج، في حربه الأخير ضد قوات الدعم السريع، التي أخرجت القيادة العامة للجيش السوداني من مقرها، واستولت على الغالبية العظمى من مؤسساتها بالعاصمة ومعظم الولايات، وظلت تلحق بها الهزائم تلو الأخرى في سابقة لم تحدث في تاريخ السودان.
بلا شك انهم يحسدون علي هذا الغباء، فقد رفضوا كافة الوساطات الوطنية والدولية الداعية إلى الجلوس للتفاوض لإنهاء الحرب، مضيعين فرصة قبول قوات الدعم السريع لهذه الدعوات على مضد ودون شروط، والجنوح للحلول السلمية، رغم أن كتائب الإسلاميين قد اعتدت عليها، وهي متفوقة ميدانياً وسياسياً، وقادرة على الحفاظ على التفوق.
هذا الغباء العسكري الملازم للجيش السوداني، ليس له تفسير سوى الغرور وجنون العظمة، والمكابرة الجوفاء، والسفه الوطني المشين، تسببوا في مقتل الملايين من أبناء الشعب السوداني، وأهدروا المليارات من الدولارات في نيران الحرب، ودمروا المئات من المنشآت الحيوية، طيلة حروبهم الممتدة بطول البلاد وعرضها، وهم يدركون في نهاية المطاف، لا خيار لهم سوى الجلوس للتفاوض، ليصبح الذين يطلقون عليهم الآن "شهداء حرب الكرامة"، فطائس، ويضيع البنى التحية للبلاد هدراً!!
هذا الغباء معطون في الجهل السياسي والعسكري، والجاهل عدو نفسه، ولما يمسك الجاهل بالسلاح، لا يتوقع منه سوى التهور والخراب، ويحتاج لمن يتمتع بالحكمة والصبر، لينزع عنه السلاح، قبل أن يلقي به في مهاوي الردى.
فيما يخص الحرب الدائرة الآن، لا شك أن الجيش السوداني، ومن ورائه الحركة الإسلامية المجرمة يأملون في تحقيق تقدم ميداني، واختراق سياسي، يضمن لهم مستقبلا سياسياً، ويوفر لهم الحصانة من المساءلة عن الفساد الشامل والإجرام المركب، متجاهلين أن كافة المعطيات ضدهم، لكن حقدهم الدفين على الشعب السوداني، يزين لهم، قتل الجميع وتدمير كل شيء قبل الانزواء في مذبلة التاريخ.
ناسين أنّ الله قد قيّض لهم بما كسبت أيديهم، من هي قادرة على كسر شوكتهم وإلى الأبد، وأن الشعب السودان، قد شهد على فسادهم وإفسادهم، وعلم علم اليقين نفاقهم وتجارتهم بالدين، وأنه يكرهم كراهية العمى، متجاهلين أن ثورة ديسمبر المجيدة لا تزال هامدة تحت رماد حربهم العبثية، وأن شباب الثورة "الراكب راسو" لم ولن ينسوا دماء رفاقهم الشهداء، وأنهم لهم بالمرصاد، ومتناسين أنهم منبوذون من العالم، وليس لهم صليح إقليمياً، فأنى لهم التناوش بعد الموت في أبريل 2019؟
ebraheemsu@gmail.com
//أقلم متّحدة ــ العدد ــ 174//  

مقالات مشابهة

  • حوار مع الشاعر هاشم صديق في ذكرى رحيل الفنان محمد الأمين
  • محمد صبيح يكتب: فوز ترامب وهيمنة الجمهوريين.. ماذا سيواجه العالم؟
  • د. محمد بشاري يكتب: هل يحمل الذكاء الاصطناعي الأمانة في سبيل عمارة الأرض وحمايتها؟
  • محمد مغربي يكتب: «الذكاء الاصطناعي» بين الأخلاق والقانون
  • تخطي 16 لاعبًا.. محمد صلاح يكتب التاريخ مع ليفربول
  • أ.د محمد حسن الزعبي يكتب .. دعاء المسنين للكاتب السجين
  • محمد مصطفى أبوشامة يكتب في تحليل سياسي: هل سيفوز «أقل الضررين» في يوم «تحرير أمريكا»؟!
  • أندرويد وآيفون .. امنع المكالمات غير المرغوب فيها على هاتفك بهذه الطريقة
  • طفرة في استخدام الإنترنت بقارة إفريقيا.. مصر ونيجيريا بهما ثلث المستخدمين
  • لماذا لا يتعظ عسكر السودان من دروس التاريخ وتجارب الماضي؟