شهر رمضان ووقف القتال في السودان
تاريخ النشر: 11th, March 2024 GMT
د. الشفيع خضر سعيد
يوم الجمعة الماضي، اعتمد مجلس الأمن الدولي القرار رقم 2724 الداعي إلى الوقف الفوري للأعمال القتالية في السودان خلال شهر رمضان، ومناشدة طرفي الصراع إلى التوصل لحل عبر الحوار، وإلى ضمان إزالة أي عراقيل أمام تدفق المساعدات الإنسانية، بما في ذلك عبر الحدود وعبر خطوط التماس، والامتثال لالتزاماتهما بحماية المدنيين والأعيان المدنية بموجب القانون الدولي، وبموجب «إعلان جدة» لحماية المدنيين في السودان.
وقبل ذلك بتسعة شهور، في 11 مايو/أيار 2023، وقع الطرفان في جدة التزاما بحماية المدنيين في السودان، تضمن سبعة بنود ركزت على تسهيل إيصال المساعدات الانسانية للمدنيين وحمايتهم، والتزام الطرفين بالقانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان. وحسب بيان وزارة الخارجية السعودية عقب التوقيع على هذا الالتزام، فإن الطرفين الموقعين اتفقا على انسحاب القوات العسكرية من المستشفيات والعيادات الطبية، والسماح بدفن الموتى باحترام. كما أشار البيان إلى أنه عقب التوقيع، ستركز محادثات جدة على التوصل إلى اتفاق بشأن وقف فعال لإطلاق النار لمدة تصل إلى قرابة عشرة أيام، وذلك لتسهيل هذه الأنشطة، وهو ما لم يحدث.
وبعد ذلك، في السابع من نوفمبر/تشرين الثاني 2023، اختتمت الجولة الأخيرة من محادثات جدة بين الطرفين بدون توقيع أي اتفاق جديد بينهما، في حين المتوقع كان أن تتقدم المحادثات، ولو خطوة واحدة، تجاه وقف إطلاق نار لفترة طويلة، أو قصيرة، لتنفيذ اتفاق 11 مايو/أيار. ولكن أُكتفي بصدور بيان من وزارة الخارجية السعودية أشار إلى التزام الطرفين بتسهيل وتيسير مرور المساعدات الإنسانية إلى المدنيين المحاصرين بنيران القتال، واتفاقهما على الانخراط في آلية مشتركة للتواصل بينهما بقيادة مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية لمعالجة معوقات توصيل المساعدات الإغاثية. ويومها قال الناس، مثلما لم يتم الالتزام باتفاق جدة الموقع من طرفي القتال بتاريخ 11 مايو/إيار 2023، فليس هناك ما يشير إلى نية تقيدهما بهذا الالتزام غير الموقع، والذي لم ترد الإشارة إليه إلا في بيان وزارة الخارجية السعودية فقط.
صحيح أن قرار مجلس الأمن الدولي يرسل رسالة قوية للطرفين بضرورة الوقف فوري للأعمال القتالية خلال شهر رمضان. وصحيح عند تبنيه لهذا القرار، ربما رأى المجلس أن طرفي القتال سيأخذان بعين الاعتبار الرمزية الدينية لشهر رمضان المبارك، وخاصة أن شعارهما المشترك في المعارك وعندما يهم كل منهما بقتل الآخر هو «الله أكبر»!. ولكن صحيح أيضا أن القتال بدأ أساسا في شهر رمضان الماضي، وليس هناك ما يوحي باهتمام أي من الطرفين بالرمزية الدينية لهذا الشهر المبارك، أو غيره من الرمزيات الدينية.
عندما تم التوقيع على اتفاق جدة المعني بالقضايا الإنسانية وحماية المدنيين في 11 مايو/أيار 2023، لم تكن الحرب قد أكملت شهرها الأول، ولم تكن كارثة السودان، من حيث موت المدنيين جوعا وبسبب انعدام الدواء أو نيران القتال، ومن حيث التدمير الشامل لبنية البلاد التحتية ومرافقها الحيوية، لم تكن الكارثة تحتل موقعها الحالي ضمن أكبر الكوارث الإنسانية في زمننا المعاصر. ويومها قلنا إن الاتفاق سيظل مجرد حبر على ورق في ظل غياب الآليات المعروفة دوليا لخلق ممرات آمنة ومحمية لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية للمدنيين، تلبية لاحتياجاتهم وإنقاذا لحياتهم. وشددنا على أنه بدون توفير هذه الآليات، سيظل أي التزام حول معالجة معوقات توصيل العون الإنساني مجرد جمل وفقرات صماء في دفاتر الوسطاء. وأكثر ما نخشاه اليوم أن يظل قرار مجلس الأمن الدولي الأخير الداعي إلى الوقف الفوري للأعمال القتالية في السودان خلال شهر رمضان، مجرد نص ورقي أو إلكتروني في وثائق الأمم المتحدة دون أي ترجمة على أرض الواقع. فمن الواضح أن طرفي القتال لن يردعهما أي قرار أممي أو إقليمي عن مواصلة القتال ما لم يرتبط هذا القرار بتفعيل الآليات المجربة، وفق الشرعية الدولية، للضغط عليهما وفرض وقف إطلاق النار، والتي تشمل منع تدفق الأسلحة والذخيرة من الخارج، تجميد الأرصدة والحسابات في البنوك العالمية والإقليمية، فرض إعادة تموضع القوات المتحاربة وإرسال بعثة لمراقبة الإلتزام بالقرار. وبالطبع، فإن إقرار وتنفيذ هذه الآليات، يتطلب مشاركة دولية وإقليمية، خاصة من دول الجوار، كمصر والسعودية، ومن الدول ذات العلاقة المباشرة بطرفي القتال.
نعم، كل التقدير والإمتنان لمجهودات مجلس الأمن الدولي ومنبر جدة والاتحاد الأفريقي والإيقاد لوقف الحرب في السودان، ولكن، من الواضح أن الفشل يتهدد هذه المجهودات مادامت لا تصاحبها آليات عملية تنفذها. صحيح أن المسؤولية الكبرى في هذا الفشل، يتحملها بالدرجة الأولى الطرفان المنخرطان في حرب مدمرة سعيا وراء انتصار عسكري حاسم لن يحدث. وتتحملها بالدرجة الثانية القوى المدنية السودانية التي تلكأت وتقاعست كثيرا عن تحقيق المنبر الموحد، وعن التوافق حول رؤية موحدة لكيفية وقف الحرب وما يرتبط بذلك من عملية سياسية. ويتحملها بالدرجة الثالثة، المجتمع الدولي والإقليمي العاجز، حتى الآن، عن إحداث إختراق حقيقي يوقف القتال، ويتصدى للكارثة الإنسانية المستفحلة في البلاد.
إن حل قضية شعب السودان لن تأتي من خارجه أو بالإنابة عنه. لذلك، ظللنا ندعو إلى وجوب انتظام كل الكتل والمجموعات والشخصيات الرافضة للحرب، داخل السودان وخارجه، في جسم تنسيقي موحد، بعيدا عن ممارسات ما قبل الحرب، وبمشاركة الجميع ودون إقصاء، إلا الفلول ودعاة استمرار الحرب، يتصدى للنشاط العملي في المجالات السياسية والإنسانية، وينسق مع الجهود الدولية والإقليمية المبذولة حول آليات الضغط الممكنة على الطرفين لوقف دائم للقتال. هذا الجسم، لا يمكن اختصاره في «تقدم» وحدها، ولكنها قطعا مكون أساسي فيه.
أن يُترك شعب السودان ليواجه مصيره وحيدا وسط هذا الكم الهائل من الدمار والتقتيل، فإنها لجريمة كبرى لن تمحى أبدا من ذاكرة التاريخ، وستستمر تداعياتها لأجيال وأجيال.
نقلا عن القدس العربي
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: مجلس الأمن الدولی طرفی القتال فی السودان شهر رمضان
إقرأ أيضاً:
ألمانيا: استئناف القتال في غزة يهدد جهود الدول العربية لتعزيز السلام
قالت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك اليوم الأربعاء إن استئناف القتال في الحرب بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية يهدد جهود السلام التي تبذلها الدول العربية.
وأضافت بيربوك في بيان، قبيل زيارتها إلى لبنان لمناقشة الصراع، "استئناف القتال... يهدد الجهود الإيجابية التي تبذلها الدول العربية، التي تسعى معاً إلى مسار سلمي لغزة، خالية من حماس". ودعت جميع الأطراف إلى التحلي بضبط النفس.
واستأنفت إسرائيل، فجر الثلاثاء، حربها على قطاع غزة، وقامت قواتها باجتياح جوي بحري شامل لمختلف الأنحاء موقعة نحو 1000 قتيل وجريح، وتوعدت بمواصلة القتال حتى "إعادة الرهائن"، مؤكدة أن استئناف الحرب جاء بتنسيق كامل مع الولايات المتحدة، فيما اتهمت حركة "حماس"، إسرائيل، بالانقلاب على اتفاق وقف إطلاق النار، وحملت واشنطن المسؤولية عن استئناف الحرب.
الجيش الإسرائيلي يهاجم موقعاً عسكرياً لحماس في غزةhttps://t.co/xWPvq4oUef
— 24.ae (@20fourMedia) March 19, 2025وأكدت أنها تعمل مع الوسطاء لإنهاء التصعيد، كما أعلنت مقتل عدد من قياديها بينهم رئيس حكومة غزة، إلى جانب إعلان حركة الجهاد الإسلامي مقتل المتحدث باسم "سرايا القدس" أبو حمزة، في حين أكد الصليب الأحمر أن منشآت غزة الطبية تعاني ضغطاً شديداً يفوق قدرتها بعد الضربات الإسرائيلية، واتهمت عائلات الرهائن الإسرائيليين بنيامين نتنياهو بـ«التضحية» بأبنائها.