رواد الأدب العُماني الصارمي: شاعر الحماسة والفتوحات
تاريخ النشر: 11th, March 2024 GMT
بعد أن ذكرنا جملة من رواد الأدب العماني في العصور القديمة والوسيطة، نأتي إلى ذكر روّاد الأدب العماني في عصر اليعاربة والبوسعيد.
كان قيام دولة اليعاربة مدفوعًا بتأييد العلماء، والصحوة الدينية، كما كان مصحوبًا بالتوسُّع العماني والصراع العسكري مع البرتغاليين، حتى غدا الأسطول العماني واحدا من أقوى أساطيل العالم، وعليه سنجد معظم أدب هذا العصر يدور حول هذين المحورين علاقة العلماء بالسلطة لنجد الأدب مصطبغًا بالصبغة الدينية، كما نجده في مدح الأئمة الفاتحين ووصف معاركهم، بل أغلب الشعراء من المشاركين في الفتوحات أو الولاة أو الأئمة أنفسهم.
ويبدو أن العلماء والناس اشتغلوا في هذا العصر بالفتوحات، فقلّ الإنتاج العلمي والأدبي النوعي، فنجد أكثر الإنتاج العلمي تقليديًا دون ابتكار أو إبداع، كما نجد ذات الحال في الأدب، فالشعر يغلب عليه التكلّف والصنعة الزخرفية والخيال السطحي والمعاني المستهلكة والعاطفة الفاترة، وأغلب الشعراء علماء أو قادة فاتحون،كان همُّهم إما النصح الديني أو وصف المعارك، وقد حملوا معهم إرث بني نبهان، غير أنهم بالغوا في البديع، وبعدوا عن الغزل الفاضح، ونلحظ في شعرهم الحماس الديني والوطني مع بلوغ الدولة أوج قوتها، ووصف المعارك مع البرتغاليين وحماسة الجيش العماني، ومنهم الصارمي.
سكن محمد بن مسعود الصارمي بلدة إمطي من أعمال إزكي. وتقلّد في عهد الإمام سلطان بن سيف اليعربي الأول منصب الوالي على مسقط، وقاد بعض جيوشه وهو الفاتح لبلدة "بته"، إحدى بلدان شرق إفريقيا. وقد حقق انتصارات على العدو البرتغالي في كثير من المعارك، وإضافة إلى تضلعه بالفقه والقيادة العسكرية كان لغويًا كما توضّح أرجوزته في علم الصرف. وقد نظم قصيدة حائية في مسيره إلى "بته" وانتصاره، أوردها السالمي في التحفة، والقصيدة كما صفها الدكتور محمد الحجري بأنها "فريدة في بنيتها ومضمونها، فقد نظمها على قافية حائية ساكنة، تظهر فيها جليا سهولة اللغة، ذات إيقاع يناسب حركة الوقف، وجعل مطلعها ملائما لغرضها رغم غزليته ورقته، فذكر وداع نسائه وأحبائه وهو يغادر إلى الحرب، فيما يشبه القصة منذ تحركه وحتى بلوغه أرض العدو لأداء مهمته، وكأنها تقرير حربي أراد له أن يكون شعرا"، فيقول:
كشفن عن تلك الوجوه الصباحْ
إذ زمّتِ العيس ليوم المراحْ
وجئن يختلن يعاتبنني
يبسمن عن درٍّ كلون الأقاحْ
خامرهن الشك في عزمتي
فقلن جَدٌّ منك أم ذا مزاحْ
حتى إذا ما قربت ناقتي
نحو رحيلي واحتملتُ السلاح
صافحنني بكما بلا منطق
مني ومنهن وكنا فصاح
أسبلن دمعًا هاملًا هاطلا
إذ صرت في عزم النوى باتضاح
من عبرة حلّت بنا لم تزل
ما بيننا تذري الدموع السفاح
حتى إذا ما صرت في مركبي
وحث بي حادى المطايا وصاح
أدبرن على خائبات الرجا
وقلن ودعن القلوب القراح
لا تجزعي يوم الهوى خلتي
لكل ليل مدلهم صباح
وكل حي غائب آيب
لو طول الغيبة والانتزاح
وكما أسلفنا قال الصارمي هذه القصيدة في مسيره إلى (بته) في إفريقيا وذكر فتوحها. ونلاحظ أنه ابتدأ النص في وصف وداع أحبته، فنراه يصف لحظات وداع أحبته يوم رحيله (لتحرير بته)، فقد كشفن وجوههن وعاتبنه على عزمه الرحيل، وهن لا يزلن غير موقنات أنه سيرحل، حتى إذا قرّب ناقته وحمل سلاحه، صافحنه دون كلام ودموعهن سواكب، وحين ركب ناقته عدن خائبات حزينات، ليقول لهن لكل ليل صباح ولكل غائب عودة. ثم ذكر شوقه إلى عمان، فمما يزيد ألمه بعد حزن أهله لفراقه، شوقه لوطنه، وشدة حنينه إليه، وخصوصا سيما وسمد الشأن، ويتمنى أن تحمل الريح بعضا من روائحها. فقال:
فصرت مسلوب الحشى ذا أسى
من أجل هجر كل خود رداح
يزيد ما بي واشتياقي إذا
ما بدا برق نحو سيما ولاح
أو (إن) تذكرت ديارا زهت
من سمد الشأن وتلك البطاح
أو ساق لي يومًا نسيم الصبا
من روضها نشر الخزامى وفاح
ليلج إلى تشجيع جنده وتقديم النصح لهم، فهم قد وصلوا "بته" ضحى، فقال لجنده: لا تحزنوا فالله معنا، واصبروا، واعلموا أن الموت حق وخير الموت الموت في معركة. فيقول:
أطوى الفلا واليم في فيلق
يطفئ ضوء الشمس والجو صاح
حتى أتينا بته بالضحى
ثم نزلناها بأرض براح
فقلت لأصحابي لا تحزنوا
من عنده الله فلا يستباح
اصطنعوا الصبر ولا تجبنوا
عند الوغى فالجبن لؤم صراح
ثم اعلموا لا بد للمرء من
موت وبالهندي فيه الفلاح
ثم ذكر الانتصار وهزيمة الأعداء، حين عمل الجند بوصيته، واقتحموا المدينة، واشتدت الحرب، فهزموا الإفرنج وتركوهم قتلى، وهرب الباقون.
فامتثلوا الأمر ولا قصروا
وجردوا أسيافهم والرماح
فاقتحموا السور كأسد الفلا
واشتدت الحرب وضرب الصفاح
كأنما القتلى بأرجائها
من فئة الإفرنج صرعى طراح
كأنهم أعجاز نخل بها
منقعر من عاصفات الرياح
فانهزم الإفرنج من بته
بالذل والخزي وبالافتضاح
بعدا لهم بعدا وسحقا لهم
من قوم سوء ووجوه قباح
ليمدح الإمام سلطان بن سيف، فكل ذلك بسبب عزيمة الإمام سلطان بن سيف، ملك ملوك الأرض الذين لهم الفخر بتقبيل قدميه، العادل، ويختم النص بالدعاء له ولأبنائه بطول البقاء.
بعزم سلطان بن سيف الذي
أباد أهل الكفر يوم الكفاح
مليك ملوك الأرض أن قبلوا
أقدامه فخر لهم وامتداح
هو الإمام العدل في دينه
وملكه لا يسع غير الصلاح
أدامه الله وشبليه ما
دام مدى الدهر المسا والصباح
ونلاحظ أن غرض النص الغزل والحنين والوصف والمدح، كما يلمس المتلقي ضعف العبارة وشيئا من ركاكة الأسلوب، ونرى أن الشاعر لم يستطع تصوير عاطفة الحب تصويرا صادقا لا مع أهله ولا وطنه. كما جاء تصويره للحرب فاترا ضعيفا. ولعله إنما كان يريد أن يشغل نفسه بالشعر في غربته.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: سلطان بن سیف
إقرأ أيضاً:
صور.. 11 ممارسة تعليمية مبتكرة في فعاليات ملتقى ”رواد“ بالأحساء
دشن مدير الإدارة العامة للتعليم بمحافظة الأحساء، حمد العيسى، فعاليات ملتقى ”رواد“، الذي تنظمه الإدارة بهدف عرض ومناقشة إحدى عشرة ممارسة تعليمية متميزة في مجال تعليم الطلبة من ذوي الإعاقة.
وأكد العيسى أن هذه المبادرة تأتي تجسيدًا لأحد أهم مرتكزات رؤية المملكة 2030، المتمثل في الاهتمام والعناية بالأشخاص ذوي الإعاقة بمختلف فئاتهم.فعاليات ملتقى ”رواد“ بالأحساءوأشار خلال كلمته الافتتاحية إلى أن الاهتمام الكبير الذي توليه القيادة الرشيدة لذوي الإعاقة ”أثمر عن تحقيق الطلاب والطالبات من ذوي الإعاقة لإنجازات كبيرة، وقدموا نماذج مشرفة ومميزة خلال مشاركاتهم محليًا وعالميًا“.
أخبار متعلقة تدريب وتوعية.. مستشفى النعيرية يحتفي باليوم العالمي للصحة المهنيةنائب أمير الشرقية يرعى حفل تخريج الدفعة 46 من جامعة الملك فيصلوأضاف بأن ملتقى ”رواد“ يندرج ضمن ”اهتمامات وعطاءات حكومتنا الرشيدة - أيدها الله - بالأشخاص ذوي الإعاقة“، حيث تحظى هذه الفئة الغالية بدعم واهتمام كبيرين من خلال البرامج والمشاريع والمبادرات المتعددة المقدمة لهم.
وعد العيسى الملتقى بمثابة ”محفز للمعلمين والمعلمات لتقديم ما لديهم من عطاءات وتبادل الخبرات والتجارب العملية والعلمية“، معربًا عن ثقته العالية بما يمتلكه المعلمون والمعلمات من ”تجارب ثرية مارسوها في الميدان“، ومقدمًا شكره الجزيل للقائمين على تنظيم الملتقى ومتمنيًا لهم التوفيق.
.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } 11 ممارسة تعليمية مبتكرة في فعاليات ملتقى ”رواد“ بالأحساء - اليوم تطوير مهارات القراءةوكان مدير التعليم قد افتتح قبيل انطلاق فعاليات الملتقى المعرض المصاحب له، يرافقه مساعد المدير العام للشؤون التعليمية الدكتور عبدالرحمن الفلاح، ومساعد المدير العام للخدمات زيدان الشمري.
وتجول الوفد في أركان المعرض المتنوعة التي استعرضت نماذج حية من المبادرات والمشاريع التعليمية المبتكرة التي يطبقها المعلمون والمعلمات في الميدان، حيث استمعوا لشروحات وافية حول أبرز هذه المشروعات.
وشملت المعروضات استخدامات مبتكرة للأدوات الرقمية لدعم تعلم مادة ”لغتي“ لطلاب صعوبات التعلم، وتطبيقات عملية لمشاريع تهدف لتطوير مهارات القراءة البصرية وتوظيف المفردات.
.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } فعاليات ملتقى ”رواد“ بالأحساء - اليوم
هذا بالإضافة إلى مبادرات لاكتشاف وتنمية مواهب الطلبة ذوي الإعاقة، ونماذج لاستخدام قواعد البيانات التشاركية لدعم تعلم الطلاب وتعزيز تواصلهم.
إلى جانب المعرض والممارسات المعروضة، شهد الملتقى أيضًا تقديم ست أوراق علمية متنوعة تناولت بعمق أحدث التوجهات والممارسات الفعالة في مجال تعليم الطلبة ذوي الإعاقة.
.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } فعاليات ملتقى ”رواد“ بالأحساء - اليوم تطوير مهارات الفهم القرائيوركزت الأوراق المقدمة من قبل نخبة من المختصين والمعلمين على موضوعات ذات أهمية بالغة، مثل استكشاف إمكانيات توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في تدريس هذه الفئة، وتجارب استخدام التقنيات التعليمية الحديثة.
وذلك بهدف تحسين الأداء الأكاديمي للطالبات ذوات الإعاقة السمعية، بالإضافة إلى عرض تجارب عملية ناجحة لتطوير مهارات الفهم القرائي لدى الطلاب الذين يواجهون صعوبات في التعلم.
.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } فعاليات ملتقى ”رواد“ بالأحساء - اليوم فعاليات ملتقى ”رواد“ بالأحساء - اليوم var owl = $(".owl-articleMedia"); owl.owlCarousel({ nav: true, dots: false, dotClass: 'owl-page', dotsClass: 'owl-pagination', loop: true, rtl: true, autoplay: false, autoplayHoverPause: true, autoplayTimeout: 5000, navText: ["", ""], thumbs: true, thumbsPrerendered: true, responsive: { 990: { items: 1 }, 768: { items: 1 }, 0: { items: 1 } } });
ويُعد ملتقى ”رواد“ منصة تفاعلية هامة تهدف إلى إثراء الميدان التعليمي في مجال التربية الخاصة بمحافظة الأحساء، من خلال تشجيع تبادل الخبرات المتميزة وتعزيز تطبيق أفضل الممارسات التعليمية.
بما يواكب التوجهات الوطنية الرامية إلى تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة ودمجهم بفعالية في المجتمع، والمساهمة في تحقيق مستهدفات رؤية المملكة الطموحة 2030.