نداء الجزيرة: معاً لوقف العنف ونهب وترويع المواطنين
تاريخ النشر: 11th, March 2024 GMT
تابعنا، نحن الموقعين أدناه من أبناء وبنات الجزيرة داخل وخارج السودان، وغيرنا من أبناء وبنات السودان، بقلوب مثقلة وحزن وغضب عميقين ما حدث ويحدث في مدن وقرى الجزيرة منذ دخول قوات الدعم السريع مدينة ود مدني، عاصمة الولاية، في 19 ديسمبر الماضي وبسط سيطرتها علي نواحي الولاية.
ارتكبت قوات الدعم السريع بعيد اقتحامها لعاصمة الجزيرة، عمليات نهب واسعة تحت تهديد السلاح للسيارات والأموال ومخازن الإغاثة والمنشآت التجارية وغيرها من الممتلكات؛ كما توغلت في معظم أرجاء الولاية مستبيحة المدن والقرى الآمنة.
إلى ذلك، ارتكبت قوات الدعم السريع العديد من الجرائم ضد المدنيين، تمثلت في أعمال القتل خارج نطاق القانون، والاعتقالات العشوائية والاحتجاز في ظروف قاسية، والتعذيب، والاغتصاب، وغيرها من جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية.
لقد دفعت هذه الانتهاكات بعشرات الآلاف من الأسر في مدن وقرى الجزيرة إلى النزوح القسري من مدنهم وقراهم بحثاً عن ملاذات آمنة في أماكن أخرى داخل البلاد، ووصل بعضهم إلى الدول المجاورة بعد رحلات محفوفة بالمخاطر. ومن اختار أن يستعصم بداره – طوعاً أو كرهاً - بقى خائفاً يترقب، لا يدرى متى تطاله يد البطش، سواء ظل في داره أم اضطرته ضرورات الحياة إلى الخروج منها لأمر ما.
لقد تعاملت قوات الدعم السريع مع سكّان الجزيرة، باعتبارهم أهدافاً مستباحة في أنفسهم وأموالهم، ضاربة بعرض الحائط كافة القيم والأعراف، وتعاليم الأديان، دعك من القوانين - محلية كانت أم دولية. فلذلك نحمل قوات الدعم كامل المسئولية الجنائية والأخلاقية لما قام به أفرادها من تعديات وانتهاكات وترويع للمواطنين في كافة المناطق التي اقتحموها.
على الرغم من مرور أكثر من شهرين على اقتحام قوات الدعم السريع لمنطقة الجزيرة، لا تزال الانتهاكات تحدث باضطراد من قبل هذه القوات؛ اذ توسعت العمليات لتطال مناطق متجددة باستمرار، كما حدث مؤخراً في قرى مناطق شمال وغرب وجنوب الجزيرة، في ريفي الحصاحيصا وريفي المسلمية وريفي طابت وريفي المعيلق وريفي المناقل وريفي المدينة عرب، وريفي الحوش، وقرى الحلاوين التي شهدت أعمال قتل ونهب للممتلكات وترويع للمدنيين عبر أعمال عدائية متكررة على قرى صغيرة تخلو من أي مظهر مسلح.
على صعيد متصل، تسبب دخول قوات الدعم السريع في نهب وتخريب بعض مرافق مشروع الجزيرة وبعض أكبر مشروعات القطاع العام، خاصة مصانع ومزارع السكر في الجنيد وسنار، إما مباشرة من قبل عناصر هذه القوات، أو من جراء حالة الفوضى الأمنية التي جرتها وراءها وفشلت في إيقافها. هذا النهب والتخريب، مع تهجير السكان، وأغلبهم مزارعين، سبب أضراراً جسيمة للموسم الزراعي وستكون له آثار كارثية على البلد بأكملها.
وكأنما لم تكن كل هذه الجرائم كافية، إذ قطع خدمات الإنترنت، الأمر الذي تسبب في تعميق أزمة السكان الذين أصبحوا في عزلة شبه تامة عن العالم الخارجي. ومما يثير ريبتنا أن قدراً محدوداً من خدمات الاتصالات عاد فقط إلى مناطق سيطرة الجيش، وظل ملايين المواطنين في الجزيرة والنيل الأزرق ودارفور وكردفان والنيل الأبيض محرومين من التواصل مع أقاربهم في المناطق الأخرى، داخل وخارج البلاد، ومن استخدام تطبيقات التحويلات المصرفية التي أصبح الاعتماد عليها كاملاً في الظروف الراهنة.
في نفس السياق، عانى المواطنون في الجزيرة، كما في مناطق السودان الأخرى، من القصف العشوائي من قبل القوات المسلحة السودانية الذي تسبب في قتل مدنيين وخلف أضراراً جسيمة على الأعيان المدنية الخاصة والعامة والبنى التحتية، كما حدث مؤخراً في مناطق متفرقة في الجزيرة مثل الحاج عبدالله ومدنى والحصاحيصا والمسلمية وأبوقوتة، ومناطق متفرقة من شرق النيل الأزرق.
ومما فاقم من المصاب الواقع على أهل الجزيرة، الانسحاب المخزي للجيش من كافة المناطق التي دخلتها قوات الدعم السريع وتقاعسه عن أداء دوره المناط به في حماية المواطنين والزود عن حرماتهم وأموالهم.
لقد ظلت الجزيرة وعلى مدار السنين نموذجاً للعيش المشترك وبوتقة انصهار لمواطنين أتوها من جميع أرجاء البلد ومن خارجها، ومثالاً للروابط الانسانية التي تتجاوز العصبيات والانتماءات الضيقة. ومن المؤسف حقاً أن يسعى البعض – ممن يصطفون على جانبي النزاع – إلى إثارة النعرات العنصرية، والتحشيد على أسس إثنية أو جهوية وتأجيج مشاعر العداء والكراهية بين مختلف الفئات، الأمر الذى يفتح الباب واسعاً لتحول النزاع الدائر الآن الى حرب أهلية مدمرة.
ندين، نحن الموقعين أدناه، كافة أنواع الانتهاكات وجرائم الحرب التي ارتكبها طرفا الحرب: القوات المسلحة، وقوات الدعم السريع في كافة أنحاء السودان. ونعلن موقفنا المبدئي الداعي لوقف هذه الحرب الكارثية فوراً، إذ أن إيقافها هو وحده الكفيل بوضع حد لمعاناة كافة أهل السودان. وإلى أن تتوقف الحرب، ندعو الطرفين إلى التقيد الصارم بمقتضيات القانون الإنساني الدولي الخاصة بحماية المدنيين، والالتزام بإعلان جدة الذى وقع عليه الطرفان في مايو 2023. كما ندعو الطرفين الى التعاون الجاد مع المنظمات الانسانية الدولية والمحلية بغرض التوصل الى آلية فاعلة تضمن حماية وتدفق المساعدات الانسانية لكافة المتضررين في مجمل المناطق المتأثرة بالنزاع ومناطق تجمعات النازحين والعمل بصورة جادة على درء شبح المجاعة الذى أصبح يخيم على البلاد.
وفيما يتعلق بولاية الجزيرة، فإننا نطالب بالخطوات العاجلة التالية:
من قيادة قوات الدعم السريع
• سحب المسلحين من داخل المدن والقري ونصب أي ارتكازات عسكرية خارج المناطق والأعيان المدنية.
• كشف الذين يرتكبون الانتهاكات علناً بأسمائهم ورتبهم؛ وتقديم كل من يثبت تورطه في ارتكاب الجرائم والمخالفات إلي محاكم حقيقية وليست صورية.
• إعلان القبول بفتح ممرات آمنة لضمان وصول المساعدات الإنسانية والتعاون مع مؤسسات الإغاثة الدولية المعنية تعاوناً كاملاً غير مشروط.
• ضمانة حرية وسلامة الانتقال بالنسبة للسكان داخل مدنهم وقراهم، ومنها وإليها، مع ضمان حرية نقل البضائع والمؤن إلى داخل الولاية أو خارجها.
• عدم التضييق على المواطنين او التعرض لهم، أو ترويعهم أو نهب ممتلكاتهم ووضع آليات فعالة لضمان ذلك.
• الإقلاع الفوري عن ممارسة الاعتقالات التعسفية للمواطنين واحتجازهم بصورة غير مشروعة، وكذلك التعذيب والمعاملة السيئة، بتهمة التعاون مع الاستخبارات العسكرية أو الجيش، أو بغرض انتزاع معلومات منهم.
• رد الممتلكات التي تم نهبها، أو التعهد بتقديم التعويض المناسب، وفق ما يمكن أن تقرره جهات أممية أو محايدة.
• التعاون مع شركات الاتصالات بغرض إعادة خدمات الاتصالات وشبكات الإنترنت فوراً ودون شروط.
• إعادة فتح مراكز الإيواء، أو فتح مراكز إيواء جديدة للنازحين في المدن الرئيسية، مع تسهيل عمل غرف الطوارئ والهيئات الدولية العاملة في هذا المجال، وأن يتعهد الطرفان بتسهيل عمل هذه الهيئات ومراكز الإيواء. والسماح بفتح المستشفيات والمراكز الصحية لتقديم الخدمات العلاجية وعدم التعرض للكوادر الطبية وطالبي الخدمة.
من القوات المسلحة السودانية
• التقيد بقواعد وموجهات القانون الإنساني الدولي الخاصة بحماية المدنيين، خاصة في إطار معاركها الرامية إلى استعادة بعض المواقع التي فقدتها في الجزيرة أو غيرها، وإيقاف القصف العشوائي بالطيران والمسيرات في الجزيرة وكافة مناطق الحرب لما سببته وتسببه من أضرار جسيمة على المدنيين والبنية التحتية.
• الكف عن استهداف الناشطين وأعضاء غرف الطوارئ ولجان المقاومة بذريعة تعاونهم مع الدعم السريع، والتقيد بمبادئ حقوق الإنسان والإجراءات القانونية الواجب اتباعها لدى اعتقال أي شخص وفق تهم، أو أفعال إجرامية محددة.
• إعلان القبول بفتح ممرات آمنة لضمانة وصول المساعدات الإنسانية والتعاون مع مؤسسات الإغاثة المعنية تعاوناً كاملاً غير مشروط لإيصال المساعدات لمواطني الجزيرة وتجمعات النازحين في شتى نواحي البلد.
• تجنب استخدام التكتيكات الحربية التي تعرّض سكان الجزيرة المدنيين للهجمات .
من هيئات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والإقليمية المعنية بحقوق الانسان والعون الإنساني
• ندعو لجنة تقصي الحقائق التابعة لمجلس حقوق الإنسان، التي بدأت عملها بالفعل إلى إعطاء الأولوية لحماية المدنيين، خاصة في الجزيرة والخرطوم ودارفور وشمال وجنوب كردفان.
• على المجتمع الدولي أن يبدي حزماً أكبر في عدم تسامحه مع جرائم الحرب التي يرتكبها الطرفان المتقاتلان في السودان، وإرسال رسائل لا لبس فيها إلى قادة طرفي الحرب بإمكانية مساءلتهم عن كل ما ترتكبه قواتهم، سواء كان بأوامر منهم أو بصمتهم وعجزهم عن محاسبة مرتكبي الجرائم.
• لا زالت جهود الإغاثة الموجهة إلى السودانيين أدني كثيرًا من المطلوب، رغم نداءات مقدمي الغوث، وبالتالي يجب العمل على تدارك هذا الوضع قبل تفاقم الكارثة أكثر مما هي عليه.
• وإلي أن تفتح الممرات الآمنة، نحث المجتمع الدولي على إسقاط مواد الإغاثة والأدوية، خصوصاً المنقذة للحياة، بواسطة الطائرات.
في الصفحات التالية قائمة بأسماء الموقعين. نرجو من جميع الراغبين في التوقيع على النداء ، بغض النظر عن انتمائهم/هن الجغرافي، الدخول عبر اللينك:
https://chng.it/s2GtPymnV8
التوقيعات (بالترتيب الأبجدي، مع حفظ الألقاب)
1. إبراهيم عبد المجيد ابراهيم النعمة، معلم
2. أحمد صالح علي صالح، طبيب
3. احمد فخر الدين، ناشط سياسي
4. أسامة الكاشف، كاتب وناشط سياسي
5. اسامة عبد الجليل، باحث اجتماعي وناشط سياسي
6. إسماعيل حامد، خبير التراث الثقافي لدى اليونسكو
7. إسماعيل عبد الحفيظ، فنان تشكيلي، الرئيس الأسبق لاتحاد الفنانين التشكيليين
8. أماني جعفر السنهوري، ناشطه سياسية/مدنية
9. أماني عبد الجليل، باحثة وكاتبة
10. أمير سالم، باحث
11. أميرة آدم محمد، أكاديمية
12. أنور الحاج، باحث وناشط سياسي
13. أيوب مصطفى، كاتب
14. بابكر ريزا، محامي ومدافع حقوقي
15. الباقر العفيف، مدير مركز الخاتم عدلان
16. تهاني عباس، مدافعة عن حقوق الانسان
17. الحاج وراق، كاتب وصحفي
18. حسام الدين النعيم، باحث
19. خالد عايس، استشاري السكتة الدماغية
20. خالد كودي، فنان تشكيلي واستاذ جامعي
21. رانيا مأمون، كاتبة
22. سلمان محمد احمد سلمان، خبير قانوني، رئيس مجلس إدارة جامعة الخرطوم
23. الشيخ عبد الوهاب سعيد، ناشط سياسي
24. شيرين خيرى، ناشطه نسوية
25. صبري الشريف، رجل أعمال، ناشط ومؤسس منبر السلام والديمقراطية
26. صديق عبد الهادي، الرئيس السابق لمجلس إدارة مشروع الجزيرة والمناقل
27. صلاح الامين، خبير بالمنظمات الدولي
28. صلاح الزين، باحث أنثروبولوجي، أستاذ جامعي، وكاتب
29. طارق حسن، مترجم، مناضل مدني
30. طارق محيسي، ضابط شرطه متقاعد وناشط سياسي
31. عاطف إسماعيل، معلم وناشط في العمل العام
32. عبد الباقي مختار، رجل أعمال
33. عبد السلام سيد أحمد، خبير في مجال حقوق الإنسان
34. عثمان حامد محمد، باحث في هندسة البيئة
35. عصام جبر الله، ناشط سياسي
36. عفيف إسماعيل، كاتب وشاعر
37. علي الأمين محمد الحاج، مناضل مدني/فنان تشكيلي
38. علي عثمان العبيد، استشاري جراحة العظام
39. عمر الحاج ، كاتب ومؤلف مسرحي
40. عمر عثمان العبيد، مهندس مدني
41. فايز السليك، كاتب وصحفي
42. فيصل محمد صالح، صحفي ووزير سابق
43. قصي مجدي سليم، كاتب وصحافي
44. لمياء بابكر، ناشطة سياسية
45. مجدي النعيم، باحث ومترجم
46. محمد أحمد محمد عايس، استشاري جراحة الفم والوجه والفكين
47. محمد الفاضل الطريفي، صانع أفلام
48. محمد سيف الدولة، خبير نقابات
49. محمد عبد السلام بابكر، خبير حقوقي، العميد السابق لكلية القانون بجامعة الخرطوم
50. معتصم بيضاب، شاعر
51. مكى عباس مكى، مستشار قانوني
52. منى هاشم، معلمة
53. مي عبد الرحيم محمود، أكاديمية
54. نجلاء الماحي، محامي ومدافعة عن حقوق الإنسان
55. نهلة كشكوش، ناشطة حقوقية واقتصادية
56. نون كشكوش، محامية
57. هالة الكارب، مديرة منظمة صيحة
58. هدى المصطفى، ناشطة
59. ياسر عرمان، رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان/التيار الثوري
60. طارق الجزولي/ صحفي
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: قوات الدعم السریع حقوق الإنسان ناشط سیاسی فی الجزیرة
إقرأ أيضاً:
“نيويورك تايمز” تكشف بالأدلة جرائم حرب ترتكبها “الدعم السريع” وتحدد اسماء القادة المسؤولين عنها
نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية أدلة مدعومة بمقاطع فيديو، جمعها فريق التحقيقات المرئية التابع لها، توثق فظائع قالت إن قوات الدعم السريع ارتكبتها في السودان خلال عام ونيف منذ اندلاع الحرب بينها وبين الجيش السوداني في 15 أبريل/نيسان 2023.
فى تحقيق إستقصائى إستغرق 6 أشهر
"نيويورك تايمز" تكشف بالأدلة جرائم حرب ترتكبها "الدعم السريع" وتحدد اسماء القادة المسؤولين عنها
1/1/2025
واشنطن– "الجزيرة - نت"
نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية أدلة مدعومة بمقاطع فيديو، جمعها فريق التحقيقات المرئية التابع لها، توثق فظائع قالت إن قوات الدعم السريع ارتكبتها في السودان خلال عام ونيف منذ اندلاع الحرب بينها وبين الجيش السوداني في 15 أبريل/نيسان 2023.
وتكشف الأدلة المرئية التي جمعتها الصحيفة الأميركية وحللتها على مدى أشهر، هويات قادة قوات الدعم السريع الذين كان جنودهم يرتكبون "فظائع" تحت أنظارهم في جميع أنحاء السودان.
وقالت إن هذا التحقيق الاستقصائي الموثق بلقطات مصورة، أتاح لها تحديد 10 من قادة قوات الدعم السريع أثناء إشرافهم على جرائم حرب محتملة وتحديد مواقع العديد من مسارح عملياتهم الأخرى، منوهة إلى أن قائدهم الأعلى الفريق محمد حمدان دقلو الشهير بحميدتي، هو الذي قد يتحمل المسؤولية الكاملة.
وأضافت أن السودان ينوء تحت وطأة حرب أهلية وحشية يتنازع طرفاها السيطرة على البلاد، حيث طُرد 11 مليون شخص من ديارهم، وقُتل عشرات الآلاف.
ومع أن الأمم المتحدة اتهمت الجانبين بارتكاب انتهاكات، فإن التحقيق الاستقصائي الذي أجرته نيويورك تايمز
على مدى 6 أشهر، أظهر أن قوات الدعم السريع ترتكب "فظائع ممنهجة في كل ربوع السودان، بما في ذلك التطهير العرقي الذي تنفذه في الغالب تحت أنظار قادتها".
ومن خلال تحليل العشرات من مقاطع الفيديو الدعائية المعدّة بمهارة والتي تروِّج لقادة المليشيا شبه العسكرية بأنهم أناس محبون لعمل الخير، قام فريق التحقيقات المرئية بالصحيفة بتحديد هيكلية القيادة التي تضم ما لا يقل عن 20 شخصية رئيسية والمناطق التي يعملون فيها.
ووفقا للتحقيق الاستقصائي، فإن مقاتلي قوات الدعم السريع، الذين يخضعون لإمرة هؤلاء القادة، غالبا ما يصورون الفظائع التي يرتكبونها بأنفسهم، وهي أدلة قد تُعرِّض الجناة للمحاسبة يوما ما.
ولهذا السبب، تقول الصحيفة إنها تعاونت مع باحثين في مشروع "سودان ويتنس" (Sudan Witness Project) -الذي يديره "مركز مرونة المعلومات"، وهو منظمة غير ربحية مقرها المملكة المتحدة- لجمع مقاطع الفيديو هذه أثناء تحرك قوات الدعم السريع عبر السودان.
كما قامت بتحليل دوي الطلقات النارية والصور التي التقطتها الأقمار الصناعية، وأجرى فريق التحقيقات المرئية مقابلة مع أحد قادة الدعم السريع في جبهة القتال.
*3 أنماط من الانتهاكات*
وتحدثت نيويورك تايمز أيضا إلى شهود عيان على الحرب من خلال الشراكة مع "شبكة عاين"، وهي مجموعة من المراسلين الذين يعملون في السودان دون الكشف عن هوياتهم.
وبجمع كل تلك الأدلة، استطاع فريق الصحيفة الأميركية أن يتتبع الخطط التي تنتهجها قوات الدعم السريع في تنفيذ عملياتها "الإرهابية" في العديد من الولايات، وتحديد أماكن وجود قادتها في مواقع ارتكابها جرائمها أو بالقرب منها.
وأشارت الصحيفة إلى أنها وثقت 3 أنماط عامة من الانتهاكات، مثل إعدام الأسرى العزل، وإحراق المجتمعات المحلية عمدا، والاعتداء المباشر على المدنيين، بما في ذلك العنف الجنسي.
ولاحظت أن مقاتلي الدعم السريع يمكن التعرف عليهم من خلال زيهم الرسمي الذي يتميز بتمويه خفيف، وعمائمهم المعروفة باسم الكدمول، مشيرة إلى أن فريقها من الصحفيين الاستقصائيين كثيرا ما كانوا يسمعونهم وهم يستخدمون لغة "تطهير عرقي".
ورغم أن الجيش السوداني متهم هو الآخر بارتكاب جرائم حرب، فإن نيويورك تايمز تقول إن التحقيق الذي أجراه فريقها وثق انتهاكات ارتكبتها قوات الدعم السريع على نطاق واسع قد ترقى إلى مستوى "جرائم ضد الإنسانية".
وأفادت أن أحد قادة المليشيا شبه العسكرية، الذي وُجد في مسارح العديد من الفظائع، يُدعى حسين برشم وهو عادة ما يدير المعارك في ولاية كردفان الكبرى. وقالت إنه شوهد في أكتوبر/تشرين الأول، عندما استولت قوات الدعم السريع على مطار منطقة بليلة وحقل نفط رئيسي قريب منه، على بعد 55 كيلومترا جنوب غربي مدينة الفولة عاصمة ولاية غرب كردفان.
وهناك كان برشم يحتفل بالنصر أمام مبنى المطار، لكن الفيديو الذي تم تصويره على الجانب الآخر يظهر جنوده وهم يعدمون مجموعة من الأسرى، حتى إن أحد مسلحيهم كان يطلق النار على أكوام من الجثث على الأرض. وكان بقية المقاتلين يتحلقون حولها وهم يصفقون لقتلهم 14 شخصا، كان العديد منهم يرتدي الزي العسكري للجيش السوداني.
وتفيد الصحيفة أن إعدام هؤلاء الأسرى العزل الذين كانوا يدافعون عن المطار، يعد جريمة حرب، مضيفة أن صورة التقطت بالأقمار الصناعية في 30 أكتوبر/تشرين الأول الماضي تظهر موقع الإعدام حيث كان برشم يقف على بعد 100 ياردة فقط، وهو من سيتحمل -"بموجب قوانين الحرب"- المسؤولية إذا كان هو من أمر بتنفيذ هذه "الجريمة".
وبعد 8 أشهر من تلك العملية، شاهد فريق التحقيق برشم أثناء تنفيذ عملية إعدام أخرى وهو يقف بجانب 3 آخرين من قادة الدعم السريع، هم صالح الفوتي والتاج التجاني وقائد ميداني اسمه الحركي جون قرنق.
وفي الفولة عاصمة ولاية غرب كردفان، شاهد فريق نيويورك تايمز، في 20 يونيو/حزيران الماضي، أرتالا من مقاتلي الدعم السريع يدخلون المدينة، وينتشرون في شوارعها وهم يهتفون ويتباهون بقتلهم الرجال، ويهددون آخرين وقعوا في أسرهم.
كان المئات من الجنود السودانيين المدافعين عن الفولة قد فروا جنوبا في وقت سابق من ذلك اليوم، واجتاحت جحافل الدعم السريع المدينة بسهولة. وهناك كان برشم واقفا بينهم بمعية التاج التجاني. وفي مكان قريب، تجمع مقاتلون حول صالح الفوتي. وأثناء الهجوم، طوّقت قوات الدعم السريع 20 رجلا واقتادتهم إلى خارج المدينة.
*تدمير مجتمعات كاملة*
ومن أشهر وقائع الحرب، حسب وصف الصحيفة، إعدام والي غرب دارفور آنذاك، خميس أبكر، على يد قوات الدعم السريع التي كانت قد ألقت عليه القبض في يونيو/حزيران 2023. وأظهر مقطع فيديو تم تصويره بعد ساعات من ذلك، جثته وهي غارقة في دمائه، وذلك بعد أن أجبره قائد يُدعى عبد الرحمن جمعة بارك الله على الدخول إلى أحد المباني.
ولم تسلم مدينة كُتُم في شمال دارفور من بطش قوات الدعم السريع، التي دمّرت مجتمعات كاملة هناك منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وفي "التكمة" القريبة من مدينة الدلنج في ولاية جنوب كردفان، ضبط فريق التحقيقات المرئية مقاتلين من الدعم السريع متلبسين بإضرام النيران في المنازل والمحلات التجارية، ودمروا نصف مباني القرية.
وفي قرية السدرة بولاية شمال كردفان، شوهد أحد قادة المليشيا وهو يشرف على حرقها وبجواره قائد ميدني يُدعى "قُجّة" يتفاخر والنيران تأكل مزيدا من الأكواخ.
وأوضحت نيويورك تايمز أن قجة ليس القائد الوحيد المتورط في تكتيكات الأرض المحروقة، لافتة إلى أن فريقها من الصحفيين الاستقصائيين اكتشفوا وجود 4 من القادة الآخرين وهم يوجهون قواتهم خلال هجوم مميت دام شهرا.
وكشفت أن أولئك القادة هم: النور القبة وجدو حمدان أبو شوك، وكلاهما من كبار القادة، وعلي رزق الله والزير سالم، وكلاهما من القادة الميدانيين الأقل رتبة، وجميعهم أشرفوا طيلة أسابيع، على حملة "وحشية" للاستيلاء على عاصمة الولاية، الفاشر، من الجيش السوداني والقوات المتحالفة معه.
وقد حاصر مقاتلو الدعم السريع المدينة، وأحرقوا عشرات القرى النائية في هجمات استهدفت قبيلة الزغاوة.
وفي منطقة طويلة بولاية شمال دارفور غربي السودان، أرغم الحصار الخانق امرأة حبلى في شهورها الأخيرة -قالت نيويورك تايمز إن اسمها إخلاص آدم علي الحاج- على الفرار حيث وصلت إلى قرية قريبة من سد "قولو" حيث شوهد قائد منطقة شمال دارفور من المليشيا، علي رزق الله، يخبر المارة بعدم المغادرة، وأنهم في أمان. ورغم أن السد هو المصدر الرئيس لتزويد المنطقة بالمياه، فإن رزق الله أمر بإغلاقه.
وأوردت الصحيفة أن قائدا ميدانيا من قوات الدعم السريع في الفاشر أخبرها بأن أولئك القادة الكبار هم المسؤولون عما حدث هناك، وليس أدل على ذلك من وجودهم معا أثناء حرق القرية كلها.
*الأرض المحروقة*
ويظهر أحد الفيديوهات الزير سالم يؤذن داخل مسجد في شرق الفاشر في اليوم الأول من يونيو/حزيران. وفي اليوم التالي، كان هو بصحبة اثنين من قادته، هما القبة وأبو شوك، على بعد ألف قدم من المسجد بينما كان المقاتلون يحتشدون، قبل إحراق عدد من مباني المنطقة.
ومع أن قائد قوات الدعم السريع نفى مسؤوليته عن تلك الحرائق، وألقى باللوم على الجيش السوداني، فإن نيويورك تايمز قالت إنها بعد تحليل المقاطع وجدت أن هناك بعض المؤشرات تدل على أن تلك العمليات تتوافق مع تكتيكات الأرض المحروقة التي تتبعها قوات الدعم السريع.
ونقلت عن باحثين من مختبر الأبحاث الإنسانية في جامعة ييل أن هذا دليل على هجوم بري مستهدف. وبحلول شهر أغسطس/آب، كان أكثر من 20 ألف مبنى قد تضرر أو دُمر أو أتت عليه النيران. ويتركز الدمار بشكل كبير في الجزء الشرقي من مدينة الفاشر، "وهي المنطقة التي تتقدم فيها قوات الدعم السريع".
وترى الصحيفة الأميركية أن وجود القادة الكبار، من أمثال القبة وأبو شوك -وهو أحد أقارب حميدتي- يدل على مدى أهمية المدينة بالنسبة لقوات الدعم السريع، ويربطهم عن غير علم بهذه الفظائع.
وتُظهر فيديوهات "لا حصر لها" مقاتلين من قوات الدعم السريع وهم "يجلدون الناس، وينكلون بهم، وأحيانا يطلقون النار عليهم".
ولم تقتصر الأدلة التي جمعها فريق الصحيفة للتحقيقات المرئية على إقليمي دارفور وكردفان وحدهما، بل شمل أيضا عمليات العنف التي تعرضت لها ولاية الجزيرة بوسط البلاد.
وجاء في التحقيق الصحفي أن قوات الدعم السريع ظلت تهاجم المدنيين في الجزيرة بعد انشقاق أبو عاقلة كيكل الذي كان قائدا ضمن تلك المليشيا. وفي موجة انتقامها منه، استهدفت القبيلة التي ينتمي إليها.
ومن بين المناطق التي كانت هدفا لقوات الدعم السريع التي أعملت في سكانها قتلا وتشريدا، قرية السريحة والبلدات والقرى في جميع أنحاء شرق الجزيرة.
وفي كل تلك المناطق، تُقدم قوات الدعم السريع على اعتقال الرجال أو تجبرهم على الهرب تحت تهديد السلاح.
وذكرت الصحيفة أن شهود العيان الذين تحدثت إليهم كانوا يشعرون بالرعب. وقال أحدهم يدعى عمار العوض علم، إنهم سرقوا قطيع أغنامه.
*عنف* *جنسي*
ومضت نيويورك تايمز إلى القول إن الأدلة التي جمعتها عن هجمات المليشيا على مناطق ولاية الجزيرة، تتطابق مع روايات متعددة عن نوع آخر من الانتهاكات، وهو العنف الجنسي، ناقلة شهادات أدلت بها ناجيات لخبراء أجرت معهن الصحيفة مقابلات، من بينهن هالة الكارب، رئيسة منظمة "صيحة" السودانية للدفاع عن النساء.
كما تلقى فريق الكارب شهادات عن حالات اغتصاب حدثت في عدة بلدات في الجزيرة، خاصة في المنطقة التي ينتمي إليها كيكل، وهي تمبول ورفاعة والأزرق من بين البلدات التي يتباهى مقاتلو الدعم السريع بتدميرها.
لكن الصحيفة تشير أيضا إلى أن شهود العيان نادرا ما يتحدثون بشكل مباشر عن العنف الجنسي، خوفا على الضحايا.
ولفتت إلى أن منظمة "هيومن رايتس ووتش"، والأمم المتحدة، وجماعات أخرى وثقت حالات عنف جنسي في 5 ولايات على الأقل في السودان منذ اندلاع الحرب.
ورغم ذلك، فإن نيويورك تايمز تؤكد أنه على الرغم من مرور عقود على الإبادة الجماعية في إقليم دارفور، فإن شخصا واحدا فقط -تقصد علي كوشيب- هو الذي يمثل الآن أمام المحكمة الجنائية الدولية.
لكن هناك احتمالا أقوى الآن -برأيها- للمساءلة، "فأشرطة الفيديو التي يعتبرها المقاتلون بمثابة تذكارات لانتصاراتهم، سيستخدمها المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية دليلا ضدهم".
وهذا ما يجعل الصحيفة الأميركية تشدد على أنه بالإمكان تجميع أنواع مختلفة من الأدلة المتوفرة الآن -من الهواتف والتسجيلات المصورة والصوتية- التي ثبت أنها بالغة الأهمية في الحيلولة دون الإفلات من العقاب.