عربي21:
2024-07-06@00:07:40 GMT

النقد خلال الحرب: حدود الفائدة والضرر

تاريخ النشر: 11th, March 2024 GMT

خلال الحرب الحالية على قطاع غزة، قال كاتب هذه السطور إنه ينبغي اعتماد مصادر المقاومة الفلسطينية وليس مصادر الاحتلال بخصوص بعض تفاصيل الحرب، فكان أن رفض بعض القراء هذا المنطق من باب محاكمة كل وأي مصدر وعدم التسليم لأي طرف بكامب روايته. لا شك أن هذا تقييم نظري سليم لا غبار عليه ولا يمكن رفضه بالمطلق، إلا أنه من الناحية العملية فنحن لسنا إزاء دولة مثل الولايات المتحدة وهي تغزو العراق أو فيتنام، وإنما إزاء مقاومة في مواجهة احتلال، فلا نقاش في مشروعيتها أولا، وثانيا ثمة تاريخ طويل لنا مع الاحتلال والمقاومة وبروباغندا الأول مقابل مصداقية الثانية.



ذلك مثال يبدو لي مهما في التفريق بين مشروعية أمر وصحته من الناحية النظرية، ومدى القدرة على تطبيقه بشكل حرفي على الواقع عمليا. ومثل ذلك يمكن أن يقال في بعض النقد الموجه للمقاومة خلال الحرب -وليس على إطلاقه- والمطالبة بذلك، ذلك أن توقيت النقد ليس أمرا تفصيليا أو هامشيا هنا، بل هو محدد أساسي في تقييم الفعل ومآلاته.

وقبل أن نسأل أو نتساءل: هل ينبغي أن يكون ثمة نقد للمقاومة خلال الحرب، لنتفق أولا أن من يصح أن يقيم حوارا أو نقاشا من هذا النوع هو من يقف على أرضية المقاومة ابتداء، أي من يؤمن بحق الشعب في المقاومة -بل بواجبه- وبمشروعية عمل فصائلها، أما من يقف من المقاومة موقف الرفض فضلا عن التهجم ويرى الفصائل في مقام الخصم/العدو داعيا للاستسلام و/أو تسليم قيادات الفصائل والأسرى لديهم للاحتلال و/أو نفي القيادات خارج غزة وفلسطين وأمثالها من "الحلول" الهلامية غير الواقعية ولا المفيدة (اللهم إلا الانتقام من المقاومة)، فهؤلاء خارج النقاش أساسا.

يبقى أن التوقيت أمر جوهري ومؤثر في مشروعية الأمر/النقد وكذلك في أسلوبه وبالتالي نتائجه، فنحن في حالة حرب ترقى للإبادة الجماعية، وبالتالي ينبغي أن يكون لكل كلمة حسابها من قبل المقاومة وكذلك من قبل الجميع
وعليه، فإن الواقفين على أرضية المقاومة يريدون من النقد معنى النصح بغية تسديد المواقف وتحسين مآلات الحرب والتخفيف عن الناس، وغيرها من الأهداف المشروعة والمقبولة. نظريا، لا مشكلة في النقد فهو حق للجميع بل واجب على من يمتلك مفاتيحه، فتصويب عمل المقاومة لتعظيم المكاسب وتقليل الخسائر وحماية الناس وحقن الدماء أهداف يشترك بها المقاومون مع أصحاب الرأي والرؤية.

المقاومة عمل بشري وفصائلها كيانات يقودها بشر، فهي غير منزهة عن الخطأ والنسيان والحسابات غير الدقيقة، وغير ذلك مما يشوب أي عمل بشري، كما أن الأسئلة المطروحة والأهداف المنشودة مشروعة ووجيهة على الحقيقة، فضلا عن أن النصح يمكن أن يفيد في التوجيه والتسديد وسد بعض الثغرات وتدارك بعض الأخطاء.

ولكن، ومرة أخرى، يبقى أن التوقيت أمر جوهري ومؤثر في مشروعية الأمر/النقد وكذلك في أسلوبه وبالتالي نتائجه، فنحن في حالة حرب ترقى للإبادة الجماعية، وبالتالي ينبغي أن يكون لكل كلمة حسابها من قبل المقاومة وكذلك من قبل الجميع.

وبافتراض أن ثمة ما لا يمكن تأجيله من نقد أو توجيه من زاوية تأثيره على أحد أو بعض مخرجات الحرب ومآلاتها، بحيث ينقلب في هذه الحالة من حق إلى واجب، فيمكن فعل ذلك وينبغي بالشكل الأنسب والطريقة الأصوب. وقد رأينا كيف أن المقاومة، في شقّيها العسكري والسياسي، قد تركت بعضا من الخطاب ولم تعد له واعترفت ببعض الأخطاء في الخطاب والممارسة، وتداركت بعضها، دون الحاجة للتفصيل في الأمثلة التي يعرفها كل متابع جيد.

أما ما دون ذلك من تقييم عام ونقد غير مستعجل ولا ينبني عليه فعل مباشر وقريب، فلا فائدة كبيرة ترجى من تعجيله الآن خلال الحرب، بل قد يكون له بعض المضار مثل إثارة الجدل وربما البلبلة غير المقصودة، وتخذيل الحاضنة الشعبية والمدنيين عموما، خصوصا ونحن أمام حرب مختلفة هذه المرة؛ خلقت واقعا جديدا وتحديات غير مسبوقة في القطاع وعلى صعيد القضية الفلسطينية بشكل عام.

ويضاف لهذا المعنى أن الاحتلال -ومن معه وخلفه- لم يتركوا مساحة أو خيارات مقبولة للمقاومة الفلسطينية في المفاوضات الجارية حاليا، فما يعرضونه هو وقف مؤقت فقط لإطلاق النار بغية استرداد الأسرى "الإسرائيليين" ثم العودة لقتل المدنيين مرة أخرى. هنا تتجلى سذاجة من يدعون حركة حماس للاستسلام وتسليم قادتها والأسرى وما أشبه من أوهام على أنها ستكون مخرجا منطقيا للحرب، دون أن يخبرونا كيف سيكون ذلك وبأي منطق أو قوة. وعليه، فإن النقاشات المتعلقة بأصل المعركة، مثل توقيتها وأسلوبها وأهدافها ودرجتها ومداها وإعداد الشعب لها وغير ذلك من الأسئلة المهمة عموما، تصبح الآن خلال الحرب جهدا فكريا لا فائدة عملية ترجى منه، بل أقرب لحالة من الترف الفكري الذي لا نملك رفاهيته وتثبيت المواقف التي لا نحتاجها.

تبقى، أخيرا، إشارتان مهمتان:
لا ينبغي لأي تقييم أو نقد أن يوصلنا، ضمنا أو صراحة، لتبرئة الاحتلال من الجرائم التي ارتكبها ويرتكبها. إذ ليس علينا قبول الإبادة كرد متوقع أو مقبول على المقاومة، وبالتالي تحميل المقاومة -وليس الاحتلال- مسؤولية الإبادة التي يرتكبها الاحتلال
الأولى، لا ينبغي لأي تقييم أو نقد أن يوصلنا، ضمنا أو صراحة، لتبرئة الاحتلال من الجرائم التي ارتكبها ويرتكبها. إذ ليس علينا قبول الإبادة كرد متوقع أو مقبول على المقاومة، وبالتالي تحميل المقاومة -وليس الاحتلال- مسؤولية الإبادة التي يرتكبها الاحتلال، رغم اتفاقنا على واجب المقاومة المتمثل في حساب ردات الفعل والمآلات والاستعداد لكل السيناريوهات المحتملة، بحيث لا تنتقل المقاومة من فعل مجدٍ إلى عمل منفلت أو انتحاري.

والثانية، المقاومة حق وواجب، في شكلها المبادر وليس فقط الدفاعي الصرف، وعليه فالنقاش ممكن ومطلوب في التفاصيل المتعلقة بالتوقيت والأسلوب والحجم والاستعدادات وما إلى ذلك، ولكن ليس في أصل مشروعية المقاومة.

في الخلاصة، حتى يؤتي النقد أكله ويفيد ولا يضر، فإن توقيته وأسلوبه ووسيلته مهمة جدا بقدر أهمية المضمون، ولذلك فما هو غير مستعجل ولا يؤثر بشكل مباشر على مسار الحرب والعدوان يمكن بل وينبغي تأجيله لما بعد الحرب. وليس ذلك من باب "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة" بالمنطق الشعبوي، ولا من باب تقديس المقاومة وتنزيهها عن النقد، وإنما من باب توخي الفائدة وتجنب الضرر، واهتمام الجميع بالوقوف على ثغره ومساهمته في وقف العدوان وحقن الدماء، وبعد الحرب لكل حادث حديث، ومجال واسع للتقييم والنقد والنصح والتوجيه وحتى التقريع إن شئنا، فلكل مقام مقال كما يقال.

twitter.com/saidelhaj

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المقاومة الاحتلال النقد الجرائم الاحتلال جرائم المقاومة النقد مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة خلال الحرب من باب من قبل ذلک من

إقرأ أيضاً:

اعتقل خلال الحرب.. كيف تفاعلت المنصات بعد إفراج الاحتلال عن “شبيه السنوار”؟

#سواليف

تفاعلت منصات التواصل الاجتماعي على نطاق واسع عقب إفراج #الاحتلال الإسرائيلي عن #شبيه زعيم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في غزة يحيى #السنوار، بعد اعتقاله خلال الحرب وتعرضه لتعذيب وحشي أثناء سجنه.

وكانت قوات الاحتلال قد أفرجت قبل يومين عن 50 أسيرا فلسطينيا من قطاع #غزة، كانت قد اعتقلتهم قبل أشهر خلال الحرب، وتداولت حينها وسائل إعلام إسرائيلية صورة أحدهم زاعمة أنها للحظة اعتقال يحيى السنوار في خان يونس جنوبي القطاع.

وكان شبيه السنوار -وهو المسن الفلسطيني #محمود_علي_محمد_بهادر- قد اعتقل عند حاجز عسكري أثناء عبوره من شمال قطاع غزة إلى جنوبه، للاشتباه في أنه زعيم حركة حماس في غزة.

مقالات ذات صلة مقتل أحد المصابين في عملية الطعن في كرمئيل شمال فلسطين 2024/07/03

وروى بهادر ظروف اعتقاله المأساوية، والتعذيب الوحشي الذي تعرض له على مدار 7 أشهر في سجون الاحتلال الإسرائيلي، لتصبح شهادته حديث الساعة في منصات التواصل.
تفاعل كبير

ورصد برنامج “شبكات” بعض تعليقات المغردين في حلقته بتاريخ (2024/7/3)، وسط إجماع فلسطيني على الرعب الإسرائيلي من قادة المقاومة، وفشل جيش الاحتلال في الوصول إليهم رغم استخباراته وتقنياته المتطورة.

وفي إشارة إلى حجم قلق إسرائيل الكبير من زعيم حماس في غزة، قال عبد الله البواردي معلقا “السنوار عاملهم كابوس.. صاروا يشوفوه في كل وجوه أهل غزة”.

وقال علي في تغريدة عبر حسابه “هذا دليل أن المحتلين الصهاينة بسبب عجزهم في إيجاد السنوار يهاجمون المدنيين في غزة”.

بدوره، علق محمد براهيمي على شهادة المسن الفلسطيني قائلا “رغم معاناة الأسير الفلسطيني الشهم، إلا أن القصة مركبة من قبل الاحتلال، ومحاولة استدراج للسنوار صهيونية غبية وخائبة مثل سابقاتها”.

أما أمين طه فقد سخر من استخبارات جيش الاحتلال وقدراته التقنية الفائقة، وقال في هذا الصدد “طوفان الأقصى فضح أسطورة الجيش الذي لا يقهر، والمخابرات اللي (التي) لا يخفى عليها أي شيء.. الرجل في الفيديو لا يشبه السنوار نهائيا”.

من جانبه، أكد سامي ديمومة القضية الفلسطينية بغض النظر عن قياداتها فقال “تتكلمون عن السنوار وكأن إيجاده يعني نهاية القضية الفلسطينية.. وكأنهم يبحثون عن طوق نجاة لإخفاقاتهم في غزة”.

اعتقل على أنه السنوار لمدة سبعة أشهر.. الاحتلال يفرج عن شبيه زعيم حركة حمـ.ـاس في قطاع #غزة#شبكات #حرب_غزة pic.twitter.com/3yTomIeK9u

— الجزيرة فلسطين (@AJA_Palestine) July 3, 2024

مقالات مشابهة

  • خبير عسكري: لا نية أكيدة لدى نتنياهو لإنهاء حرب غزة
  • مسؤول كبير بجيش الاحتلال: مستعدون لقبول أي صفقة بأي ثمن
  • أمير قطر: نسعى لإنهاء الحرب في غزة من خلال التفاوض
  • هل ستندلع الحرب؟ إتصالات ومعلومات والإستراتيجية الدفاعية الى الواجهة
  • خبير استراتيجي: الاحتلال الإسرائيلي يمارس حربا نفسية ضد اللبنانيين
  • جيش الاحتلال يعلن مقتل ضابط في كتيبة تابعة للواء جفعاتي خلال معارك شمال غزة
  • المقاومة الفلسطينية تستهدف قوات الاحتلال بعبوة ناسفة في طولكرم شمال الضفة الغربية
  • اعتقل خلال الحرب.. كيف تفاعلت المنصات بعد إفراج الاحتلال عن “شبيه السنوار”؟
  • اعتقل خلال الحرب.. كيف تفاعلت المنصات بعد إفراج الاحتلال عن شبيه السنوار؟
  • انخفاض الاحتياطيات الأجنبية في كوريا خلال يونيو