تظل مواقف صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم نموذجًا يحتذى به على مر العصور والقرون واختلاف الأزمان، لهم منزلة عظيمة وحقوق على الأمة الإسلامية كثيرة، وهذه الحقوق من الأمور التي تدخل ضمن الاعتقاد فهم أول من آمن بالرسول صلى الله عليه وسلم، إذ صحبوا النبي صلى الله عليه وسلم وآزروه ونصروه، واتبعوا هديه، وهم أول الذين يبتغون فضلًا من الله ورضوانًا، وينصرون الله ورسوله، ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة.

الصحابي ثعلبة بن عبد الرحمن :
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: إن فتى من الأنصار يقال له ثعلبة بن عبدالرحمن أسلم، كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم، بعثه في حاجة، فمر بباب رجل من الأنصار، فرأى امرأة الأنصاري تغتسل، فكرر النظر إليها، وخاف أن ينزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج هاربا على وجهه، فأتى جبالا بين مكة والمدينة فولجها، ففقده رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين يوما، وهي الأيام التي قالوا عنها «ودعه ربه وقلى»، ثم نزل جبريل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد ! إن ربك يقرأ عليك السلام ويقول: إن الهارب من أمتك بين هذه الجبال يتعوذ بي من ناري، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عمر ويا سلمان! انطلقا فأتياني بثعلبة بن عبد الرحمن، فخرجا في أنقاب المدينة، فلقيهما راع من رعاة المدينة يقال له: ذفافة.

فقال له عمر: يا ذفافة ! هل لك علم بشاب بين هذه الجبال ؟ فقال له ذفافة لعلك تريد الهارب من جهنم ؟ فقال له عمر: وما علمك أنه هارب من جهنم؟ قال: لأنه إذا كان جوف الليل خرج علينا من هذه الجبال واضعا يده على رأسه وهو يقول : يا ليتك قبضت روحي في الأرواح، وجسدي في الأجساد ولم تجردني في فصل القضاء، قال عمر: إياه نريد.

فانطلق بهم ذفافة، فلما كان في جوف الليل خرج عليهم من بين تلك الجبال واضعًا يده على أم رأسه وهو يقول: يا ليتك قبضت روحي في الأرواح، وجسدي في الأجساد، ولم تجردني لفصل القضاء، فعدا عليه عمر فاحتضنه فقال: الأمان الخلاص من النار، فقال له عمر: أنا عمر بن الخطاب، فقال: يا عمر! هل علم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذنبي ؟ قال: لا علم لي إلا أنه ذكرك بالأمس فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فقال ثعلبة: يا عمر ! لا تدخلني عليه إلا وهو يصلي، وبلال يقول: قد قامت الصلاة، قال: أفعل.

فأقبلا به إلى المدينة، فوافقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في صلاة الغداة، فبدر عمر وسلمان الصف، فما سمع قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى خر مغشيا عليه، فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا عمر ويا سلمان ! ما فعل ثعلبة بن عبد الرحمن ؟ قالا : هو ذا يا رسول الله .

فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما فقال: ثعلبة ! قال : لبيك يا رسول الله ! فنظر إليه فقال : ما غيَّبك عني ؟ قال : ذنبي يا رسول الله ، قال: أفلا أدلك على آية تكفر الذنوب والخطايا؟ قال : بلى يا رسول الله ! قال : قل : «اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار».

قال ثعلبة: ذنبي أعظم يا رسول الله ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل كلام الله أعظم.

ثم أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالانصراف إلى منزله، فمرض ثمانية أيام، فجاء سلمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ! هل لك في ثعلبة نأته لما به ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قوموا بنا إليه.

فلما دخل عليه أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه فوضعه في حجره، فأزال رأسه عن حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم أزلت رأسك عن حجري ؟ قال: إنه من الذنوب ملآن، قال: ما تجد ؟ قال : أجد مثل دبيب النمل بين جلدي وعظمي ، قال : فما تشتهي ؟ قال : مغفرة ربي ، فنزل جبريل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن ربك يقرأ عليك السلام ويقول : لو أن عبدي هذا لقيني بقراب الأرض خطيئة لقيته بقرابها مغفرة.

فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفلا أعلمه ذلك ؟ قال : بلى ، فأعلَمَه رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك.

فصاح صيحة فمات، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بغسله وكفنه وصلى عليه ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي على أطراف أنامله، فقالوا: يا رسول الله ! رأيناك تمشي على أطراف أناملك ؟ قال: والذي بعثني بالحق نبيا ما قَدِرت أن أضع رجلي على الأرض من كثرة أجنحة مَن نزل لتشييعه من الملائكة.

 

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الصلاة عمر بن الخطاب رسول الله صلى الله علیه وسلم رسول الله فقال له

إقرأ أيضاً:

يسري جبر: الصراط المستقيم هو سيدنا النبي.. وأقصر طريق يوصل إلى الله

قال الدكتور يسري جبر، من علماء الأزهر الشريف،  إن قول الله عز وجل في كتابه الكريم: 'وإن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله'،  يبين لنا الطريق الوحيد الذي يؤدي إلى النجاة، وهو الصراط المستقيم، والسؤال الذي يطرح نفسه: كيف نتبع صراط الله وكيف ننجو من الفتن المحيطة بنا؟.  

وأوضح العالم الأزهري، خلال تصريح له: "صراط الله هو النبي صلى الله عليه وسلم، عندما نقول في صلاتنا 'اهدنا الصراط المستقيم' فإننا نطلب الهداية إلى نهج النبي الكريم، الذي هو الصراط المستقيم بامتياز، والدليل على ذلك، حتى في كتاب 'دلائل الخيرات' تجد أن من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم، 'الصراط المستقيم'، لذا، كيف نعرف الصراط المستقيم؟ الجواب ببساطة: انظر إلى سيرة النبي في عبادته، في سلوكه، في حالاته، في نشاطه، هو نفسه الصراط المستقيم، وأقرب طريق إلى الله هو الطريق خلف النبي".

واستكمل: "وقول الله 'ولا تتبعوا السبل'، هذه دعوة صريحة للابتعاد عن الطرق المتنوعة التي قد تضل الإنسان، تجد في زماننا اليوم الكثير من الدعوات التي تقول لك: 'اعمل يوجا، احضن الشجرة لتأخذ طاقتها، اجلس جلسات للتأمل لمدة ساعات حتى تستفيد من طاقة الكون'، هذه كلها سبل ضالة، النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يفعل ذلك، بل كان يأخذ طاقته وقوته من الله عز وجل، فكل شيء في هذا الكون فقير، وكل ما فيه من الله بمدد الله تعالى، إذا أردت أن تكون قويًا، فكن خلف النبي صلى الله عليه وسلم، وستأتيك كل الطاقة وكل القوة التي تحتاجها من الله، لأن 'لا حول ولا قوة إلا بالله ".

وأردف قائلاً: "أما بالنسبة للفتن التي تحيط بنا، فنحن بحاجة إلى صحبة خير، إلى شيخ يهديك إلى الله، يجب أن تتبع سبيل العلماء وتقلل من النظر إلى أحوال الناس الذين غرقوا في الدنيا، يجب أن يكون لك مجلس ذكر وطاعة، وأن تلتزم بأكل الحلال، لأن الأكل الحلال يصفي قلبك ويجعل طريقك أكثر وضوحًا، وإذا كانت طعامك مشبوهًا، سترى الشبهات في طريقك، كذلك، التعلق بحب النبي وآل بيته والصالحين، والصلاة والسلام عليهما، هو أمر يعيننا على الثبات على الصراط المستقيم والابتعاد عن الفتن، كما أن الدعاء مهم جدًا، فقولنا في دعائنا: 'اللهم ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، اللهم جنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن'، هو من أهم الوسائل التي تقيك الفتن وتحفظك".

مقالات مشابهة

  • أنوار الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم
  • حكم تسييد وتعظيم النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الأذان والإقامة
  • النبي القدوة وشهادات غير المسلمين له
  • دعاء صلاة الاستخارة كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم
  • 3 فؤائد عظيمة للصلاة على النبي
  • دعاء القنوت في صلاة الفجر.. اعرف ماذا يقال؟
  • يسري جبر: الصراط المستقيم هو سيدنا النبي.. وأقصر طريق يوصل إلى الله
  • محبة النبي لمعاوية.. دروس في العبادة والذكر
  • الإفتاء: حب الأوطان غريزة فطرية وقدوتنا فيه رسول الله
  • أذكار الصباح كاملة مكتوبة.. ردد أفضل ما قاله النبي للحفظ ومغفرة الذنوب