هكذا تستقبل عائلة مقدسية دمر الاحتلال منزلها شهر رمضان
تاريخ النشر: 11th, March 2024 GMT
القدس المحتلة- لن تتربع المقلوبة "السلوانية" على مائدة أمينة أبو ذياب في اليوم الأول من رمضان لهذا العام لأن أنياب جرافات الاحتلال نهشت منزلها يوم 14 فبراير/شباط المنصرم، وشردت أمينة وزوجها وحرمت 16 حفيدا من الالتفاف حول مائدة الإفطار خلال الشهر الفضيل.
أمام ركام منزلهما في حي البستان ببلدة سلوان استقبل الزوجان المقدسيان أمينة وفخري أبو ذياب الجزيرة نت للحديث عن غياب البهجة وانطفاء الفرحة بحلول شهر رمضان لما تمر به البلاد من أوضاع مأساوية من جهة، ولما تمر به هذه العائلة من حزن بعدما هُدمت حجارة منزلها وهُدم معها الماضي والحاضر والمستقبل.
حَيرى تسير بين أنقاض المنزل تتفقد مزروعاتها وبقايا أثاث منزلها، ثم تسير إلى أبعد زاوية فيه وتقول بشكل مفاجئ "ها هي ملابسي في الغسالة.. عندما اقتحموا المنزل لهدمه كانت الغسيل على وشك الانتهاء".
لا تغيب تنهيدات الحزن عن صوتها، وكلما تذكرت شيئا من محتويات المنزل انتفضت من مقعدها البلاستيكي المقابل للركام ونهضت لتبحث عنه، لكن لا شيء بقي على حاله سوى بعض الطيور التي لم تصل الجرافات إلى قفصها.
لم يكن من السهل أن تفصح عما تشعر به حيال استقبال شهر رمضان لأول مرة بعيدا عن دفيئتها التي تعيش فيها منذ عام 1986، وبعد صمت طويل قالت "أتحضر لرمضان كما معظم النساء بتجهيز المخللات وبتزيين المنزل بإنارة استثنائية كان أهالي الحي يستمتعون بالنظر إليها.. أبنائي وبناتي وأحفادي يتحلقون حول المائدة في بيتنا وأعد لهم أول يوم طبق المقلوبة على طريقة أهالي سلوان وهي البلدة التي أنحدر منها أنا وزوجي".
وبالإضافة لأفراد عائلتها الممتدة فإن منزلها لن يستقبل على وليمة الإفطار هذا العام العشرات من الدبلوماسيين وموظفي المؤسسات الحقوقية والاتحاد الأوروبي والطواقم الصحفية الذين يعتبر منزل فخري أبو ذياب عنوانا لهم للاطلاع على معاناة أهالي حي البستان المهددين بالتهجير القسري.
لن تفتقد أمينة هذه اللحظات فحسب بل صوت الأذان الذي تصدح به مآذن المسجد الأقصى الذي لا يبعد عن منزلها سوى 300 متر، وهو أقسى ما ستحرم منه وفقا لتعبيرها.
قبل أن يستأنف زوجها الناشط وعضو لجنة الدفاع عن أراضي سلوان فخري أبو ذياب حديثه للجزيرة نت، قالت أمينة بحزن عميق "منذ هدم المنزل أشعر بإعياء شديد عند زيارته ولا أخلد للنوم في تلك الليلة.. أينام الليل من شُرّد بعيدا عن أجمل ذكرياته؟".
كثيرة هي الذكريات التي حفرها فخري عميقا في ذاكرته أيضا، فهو الذي ولد عام 1962 في هذا المنزل الذي تمر مياه عين سلوان في حديقته الممتلئة بالأشجار المثمرة، وهو الذي حبكت له والدته في طفولته الكثير من الحكايات عن هذا البستان وعين المياه الجارية فيه والخرافات التي دارت حولها.
"ما زلت أسقي أشجار حديقة منزلي بمياه العين وأسقي الحيوانات الأليفة كذلك، وأتوضأ منها فهي أول مياه لامست جسدي عند ولادتي.. كانت نساء سلوان قديما يتعمدن أن يستحم مواليدهن للمرة الأولى بمياه هذه العين لقصص كثيرة تداولها السكان عن قداستها وبركتها" أضاف فخري.
وبهدم منزله يقول هذا المقدسي إن الاحتلال مسح تاريخه وذكرياته ونسف حاضره ومستقبله وأحلامه، وإنه لا شيء يعوض لحظة من وجوده في هذا المنزل القريب من المسجد الأقصى الذي كان وما زال وجهته اليومية فجر كل يوم.
من طريق "طنطور فرعون" الترابية التي يألفها أهالي سلوان كان فخري أبو ذياب يذهب للصلاة في المسجد الأقصى مشيا على الأقدام طيلة أيام العام، وفي شهر رمضان يعود إلى منزله قبيل الإفطار بالطريقة ذاتها حاملا معه الفلافل والحمص والعصائر الرمضانية التي تتربع على عرش موائد المقدسيين في رمضان، لكنه هذا العام فقد المأوى والطقوس الاستثنائية.
تنهد تنهيدة عميقة ثم قال "منذ هدم المنزل الذي كنت أعيش فيه مع اثنين من أبنائي وأسرهم لم نلتقِ سوى في الشارع أو بالمطاعم لأن المنزل الذي كان يجمعنا أصبح ركاما قبيحا".
يعرف هذا الرجل جيدا أن الانقضاض على منزله وهدمه في ظل الحرب على غزة لم يكن محض مصادفة وإنما انتقاما منه ومحاولة لإسكاته ومنعه من الحديث عبر وسائل الإعلام عن الانتهاكات والتهويد في القدس من جهة، ومن استقبال الوفود المختلفة لإبراز معاناة الأحياء المهددة بالتهجير القسري في سلوان من جهة أخرى.
لكنه لم يوقف هذا ولا ذاك، فما زال يظهر إعلاميا بشكل يومي، وبات يستقبل الوفود على أنقاض منزله المهدوم، لأن قضية التهجير لم تقف عند هدم منزله كما يقول.
ويدّعي الاحتلال -وفقا للمقدسي أبو ذياب- أن المنزل يقف عائقا أمام البلدية التي تسعى لإقامة مشروع تهويدي في حي البستان وهو "حديقة قومية" ستحمل اسم "حديقة الملك"، لتخليد المكان الذي كان -حسب الرواية الإسرائيلية- "بستانا للملك داود".
وبالتالي فإنهم "عاقبوني للضغط عليّ وإسكاتي وهذا الوجه الحقيقي للاحتلال الذي أراد كسر شوكتي وتحطيم معنوياتي لكنه لم ينجح في هدم صمودي ولا قناعاتي".
ووفقا لهذا الناشط المقدسي، فإن البستان هو واحد من 6 أحياء في بلدة سلوان يهددها خطر التهجير القسري، ويتربع الحي على مساحة 70 دونما (الدونم يساوي ألف متر مربع) يعيش عليها 1550 نسمة، وبلغ عدد المنازل التي تسلمت أوامر هدم أو أوامر تنفيذ الهدم 116 منزلا حتى نهاية عام 2023 المنصرم.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
الأمم المتحدة تكشف عن حجم قنابل الاحتلال التي لم تنفجر في غزة
كشفت بيانات صادرة عن الأمم المتحدة، عن حجم القنابل الإسرائيلية التي لم تنفجر في قطاع غزة، مشيرة إلى نحو قنبلة واحدة من كل عشر قنابل ألقتها قوات الاحتلال على القطاع منذ بدء الحرب لم تنفجر، ما يشكل خطرا دائما على حياة المدنيين، لا سيما مع عودة بعض العائلات إلى المناطق المدمرة.
ووفقاً لدائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام (UNMAS)، فقد تسببت هذه الذخائر غير المنفجرة في مآسٍ إنسانية، حيث وثقت تقارير استشهاد ما لا يقل عن 23 شخصاً وإصابة 162 آخرين، معظمهم من المدنيين، جراء انفجار هذه المواد أثناء وجودهم في منازلهم أو خلال محاولاتهم إزالة الأنقاض.
وأفاد مسؤولو الإغاثة الإنسانية بأن الجهود الدولية لإزالة هذه الذخائر خلال فترات الهدوء تُواجه عراقيل كبيرة من قبل السلطات الإسرائيلية، التي تمنع دخول الفرق الفنية والمعدات اللازمة إلى داخل القطاع.
وأكد مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أن عمليات إزالة الذخائر لم تنطلق فعلياً حتى الآن، بسبب قيود الاحتلال الإسرائيلي المفروضة على إدخال المعدات والكوادر الفنية المتخصصة.
وحذّر خبراء من أن استمرار وجود هذه الذخائر دون إزالة سيؤدي إلى ارتفاع أعداد الضحايا مستقبلاً، ويزيد من تعقيد جهود إعادة الإعمار، ويعمّق الأزمة الإنسانية في غزة.
وفي مؤتمر صحفي عبر الفيديو من وسط قطاع غزة، أعلن لوك إيرفينغ، رئيس برنامج مكافحة الألغام في الأراضي الفلسطينية المحتلة التابع لدائرة الأمم المتحدة، أن الفريق العامل في غزة لتطهير المناطق من المواد غير المنفجرة لا يتجاوز خمسة أشخاص حالياً، مشيراً إلى أن العدد سيُضاعف خمس مرات قريباً، نظراً لكمية المواد المتفجرة التي خلّفتها الحرب، وما تشكله من تهديد كبير على السكان.
وذكر إيرفينغ أن الدائرة واجهت خلال الـ14 شهراً الماضية مجموعة متنوعة من المواد المتفجرة، تشمل القنابل الجوية، قذائف الهاون، الصواريخ، المقذوفات، القنابل اليدوية، والأجهزة المتفجرة.
وكشف أن الفريق تلقى، منذ بدء وقف إطلاق النار، تقارير غير رسمية عن عثور مدنيين على ذخائر متفجرة داخل منازلهم، كما صادفت القوافل الإنسانية المزيد من هذه المواد أثناء وصولها إلى مناطق لم يكن من الممكن بلوغها سابقاً.
وبخصوص برامج التوعية، أكد إيرفينغ أن دائرة الأمم المتحدة تُشرف على تنفيذ برنامج شامل للتثقيف حول مخاطر الذخائر غير المنفجرة، يتم تفصيله بحسب الفئات المستهدفة، مثل الأطفال أو سكان المناطق الزراعية، وذلك في إطار جهودها لحماية السكان.
وأشار إلى أن جميع الذخائر المتفجرة التي يتم التعامل معها حالياً منتشرة فوق سطح الأرض، ولا تشمل ألغاماً مزروعة تحت الأرض.
وحول التعاون الدولي، وخاصة مع جانب الاحتلال الإسرائيلي، رفض إيرفينغ الإفصاح عن تفاصيل محددة، مكتفياً بالقول إن الدائرة تعمل مع "جميع أصحاب المصلحة" من أجل تنفيذ مهامها بأفضل صورة ممكنة.
وعن الأوضاع في الضفة الغربية المحتلة، أعرب إيرفينغ عن قلقه الشديد إزاء تصاعد مستويات العنف مع استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية.
وأشار إلى تعاون وثيق مع مركز مكافحة الألغام التابع للسلطة الفلسطينية، الذي أفاد بزيادة كبيرة في عدد المواد المتفجرة المكتشفة خلال الأشهر الماضية، حتى في المناطق المأهولة بالسكان.
وأضاف أن الدائرة تعمل على تعزيز برامج التوعية في الضفة الغربية، لاسيما بين النازحين داخلياً المعرضين لخطر متزايد، إلى جانب دعم جهود بناء القدرات لدى الجهات الفلسطينية المختصة لمواجهة هذا التهديد المتنامي.
وفي بيان صدر بتاريخ 24 آذار/مارس الماضي٬ أفاد المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، بأن جيش الاحتلال الإسرائيلي استخدم ما يقارب 100 ألف طن من المتفجرات خلال عدوانه المتواصل على القطاع، ما أدى إلى دمار واسع النطاق وخسائر بشرية ومادية جسيمة.