أثير – بدرية بنت عبدالله الهنائية
باحثة ماجستير بجامعة السلطان قابوس
كلية الحقوق/القانون الجزائي

كثيرا ما نسمع بلفظ غسل الأموال؛ إلا أن المعنى لا يكون بذلك الوضوح لدى بعض فئات المجتمع، وخاصة غير المختصين بدراسة هذا النوع من القضايا، فإذا ما تطرقنا إلى تعريف جريمة غسل الأموال، فهي جريمة ظهرت بشكل كبير في الآونة الأخيرة، وغالبا ما تنظمها عصابات إجرامية، لذلك تعتبر من الجرائم المنظمة العابرة للحدود الوطنية، حيث يمكن ارتكابها في إقليم أكثر من دولة، وببساطة المعنى يمكن تعرفيها على أنها (أموال قذرة ناتجة عن أعمال غير مشروعة قانونا، يتم إدخالها في عدد من العمليات المعقدة بهدف إضفاء المشروعية عليها، ومن ثم إعادة دمجها في الاقتصاد الوطني مع الأموال النظيفة والمشروعة).

وتعد سلطنة عُمان من الدول التي سعت وما زالت تسعى إلى مكافحة هذا النوع من الجرائم لما لها من آثار اقتصادية واجتماعية خطيرة على المستوى المحلي والعالمي، فقد انضمت سلطنة عُمان إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية المنعقدة في فيينا (1988م) في عام (1991م) بموجب المرسوم السلطاني رقم (29/91)؛ إلا أن هذه الاتفاقية تبنت تعريفا ضيقا لجريمة غسل الأموال، حيث حصرت الأموال غير المشروعة في الأموال الناتجة والمتحصلة عن جريمة الاتجار بالمخدرات والمؤثرات العقلية دون غيرها من الجرائم الأخرى.

وواصلت سلطنة عمان سعيها لمكافحة هذه الجريمة بإصدار قانون مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية رقم (17/99)، فقد خٌصص الفصل الثامن منه لمكافحة جريمة غسل الأموال؛ إلا أنه كذلك حصر الأموال التي يتم غسلها في الأموال المتحصلة عن جريمة الاتجار غير المشروع في المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية، ولم يتوسع ليشمل الجرائم الأخرى ذات العائد المادي، والجدير بالذكر أن سلطنة عمان استمرت في جهودها الحثيثة في هذا الشأن فأصدرت قانونًا خاصًا لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب رقم (34/2002)، ثم تبعه بعد ذلك القانون رقم (79/2010)، وآخر قانون صدر في هذا الصدد كان بالمرسوم السلطاني رقم (30/2016)، حيث يعد قانونا شموليا معدلا ومنقحا عن القوانين السابقة، تضمن إنشاء اللجنة الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، والمركز الوطني للمعلومات المالية، كما تضمن القانون النص على أن نسبة (30%) من الأموال التي يتم مصادرتها من الجريمة يتم الاستفادة منها لتطوير نظم مكافحتها، وأبرز إضافة جاءت في القوانين الأخيرة أنها لم تحصر الأموال المستخدمة في جريمة غسل الأموال على الأموال التي تكون متحصلة من تجارة المخدرات والمؤثرات العقلية فقط، بل جعلتها شاملة لتضم الأموال المتحصلة من أي جريمة أخرى ذات عائد مادي، يمكن أن تكون مصدرا لجريمة غسل الأموال.

وتعد جريمة غسل الأموال ظاهرة قديمة حديثة تتجدد وتتطور من فترة زمنية إلى أخرى، ويتم فيها استخدام كافة الوسائل المهنية والتقنية لغرض تحقيق الأهداف التي يسعى إليها غاسلو الأموال، ومن أهمها الكسب السريع للمال الأمر الذي يترتب عليه آثارًا سلبية حادة، سواء على المستويات الاقتصادية والاجتماعية، وحتى السياسية، وذلك من منظور الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي للمجتمعات.

إن من أبرز الأهداف التي تسعى لها سلطنة عمان في مكافحة جريمة غسل الأموال هو حماية الاقتصاد الوطني، وهذا إن دل فإنه يدل على خطورة انتشار هذه الجريمة على الاقتصاد العالمي ككل، مما يؤثر على الاقتصاد المحلي، حيث أثبتت الدراسات أن انتشار جريمة غسل الأموال يؤدي إلى انخفاض الدخل القومي، ويؤثر على الاستقرار الاقتصادي، حيث تسهم عمليات غسل الأموال في نقل التضخم إلى المجتمعات المحلية، والذي ينتج عنه ارتفاع مستويات الأسعار، وهو ما يخلق الضرر بالمنافسة الشريفة ويؤثر سلبا على الأنشطة التجارية الأخرى، كما أنها تؤثر على المتغيرات النقدية كسعر الفائدة وسعر الصرف، فضلا على ذلك فإن ما يتخلل هذه الجريمة من كسب سريع لا يتطلب مؤهلا علميا لتنفيذه يؤدي إلى انتشار تجارة التستر؛ مما ينتج عنه تراجع النمو الاقتصادي للبلاد.

أما بالنسبة للآثار الاجتماعية فإنها من الممكن أن تؤدي إلى زعزعة القيم الإيجابية، وعدم الولاء والانتماء عند بعض الشرائح من المجتمع، والسيطرة على وسائل الإعلام بمختلف أنواعها والتحكم فيها، وتوجيهها حسب رغابتهم وميولهم، كما تؤدي إلى انتشار الفساد الوظيفي والرشوة، وشراء الذمم؛ الأمر الذي يؤدي إلى تفاقم مشكلة البطالة وتدني الأجور للأيدي العاملة، وانخفاض مستوى المعيشة، وذلك كله بسبب لجوء الأفراد إلى هذا النوع من الجرائم اعتقادا منهم إنها أسرع كسبا عن غيرها من الأعمال، من غير تبصر لما ينتج عليها من آثار سلبيه على المجتمع.

وتشير إحصائيات جريمة غسل الأموال في سلطنة عُمان إلى قلة عدد هذا النوع من الجرائم بشكل عام مقارنة بغيرها من الجرائم الأخرى، حيث أنه حسب إحصائيات مؤتمر الادعاء العام السنوي لعام (2023)، فإن مجموع جرائم مخالفة قانون مكافحة غسل الأموال بلغت في عام (2022م) عدد (46 قضية)، بينما بلغت في عام (2023م) عدد (55 قضية) أي بفارق (9 قضايا)، مما يعني إن نسبة هذه الجرائم زادت في العام المنصرم بنسبة (20%) عما كانت عليه في عام (2022)؛ إلا أن سعي السلطنة وبذل جهودها للحد من هذه الجريمة في تواصل مستمر لما تقدمه من ورشات عمل، وسعي متواتر في استخدام أعلى مستويات التكنولوجيا والتطور لمراقبة التحركات للعمليات المالية داخل وخارج سلطنة عمان، وذلك للكشف عما قد يقع من شبهات تشكل جريمة غسل الأموال.

لذلك، فإنه وجب إعطاء مثل هذه الجرائم أهمية كبيرة لمكافحتها والحد من خطرها، لما تشكله من أخطار اقتصادية تنعكس على الاقتصاد الوطني، وكذلك أخطار اجتماعية تهدد أمن واستقرار المجتمع، وهذا فعلا ما تسعى إليه سلطنة عمان متمثلة في جهودها المستمرة للحد من هذه الجريمة، فمن أبرز جهودها في هذا الجانب هو إنشاء اللجنة الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب بموجب قانون عام (2016)، لذلك وجب إعطائها الدور الأهم، وتعزيز مهامها بشكل مستمر في تثقيف المجتمع ونشر الوعي اللازم بين أفراده، كما وجب التنسيق مع الجهات المختصة بالسلطنة والهيئات والمنظمات الدولية المختصة لوضع الضوابط اللازمة، والإجراءات التي تكفل مكافحة جريمة غسل الأموال عبر الوطنية (العابرة للحدود).

المصدر: صحيفة أثير

كلمات دلالية: مکافحة غسل الأموال والمؤثرات العقلیة جریمة غسل الأموال الاقتصاد الوطنی على الاقتصاد هذا النوع من هذه الجریمة من الجرائم سلطنة عمان فی عام إلا أن

إقرأ أيضاً:

«مستقبل وطن»: رفع التصنيف الائتماني لمصر نقطة تحول استراتيجية في الاقتصاد الوطني

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

أكد عبد الله السعيد أمين مساعد العمل الجماهيري بحزب مستقبل وطن، أن قرار وكالة فيتش برفع التصنيف الائتماني لمصر إلى "B" يُعد خطوة هامة نحو تعزيز الاقتصاد الوطني ودعم بيئة الاستثمار، موضحًا أن هذا التصنيف يعكس نجاح الإصلاحات الاقتصادية التي تبنتها الحكومة، ويؤكد استقرار الاقتصاد المصري في ظل التحديات العالمية الحالية.

وأشار أمين مساعد العمل الجماهيري بحزب مستقبل وطن في تصريحات له، إلى أن تحسين التصنيف الائتماني يعكس قوة الاقتصاد المصري وقدرته على مواجهة الأزمات، مما يسهم في زيادة تدفق الاستثمارات الأجنبية ورفع الاحتياطي النقدي، مؤكدًا أن هذا الإنجاز يمثل دافعًا للحكومة والمجتمع المصري لمواصلة العمل بجدية لتحقيق المزيد من التقدم والنمو.

وأضاف «السعيد»، أن استقرار سعر الصرف وزيادة الاحتياطي النقدي يعززان الثقة في الاقتصاد المصري، وأن هذا التقدم سيسهم في تحسين الأوضاع الاقتصادية للمواطنين وتوفير فرص عمل جديدة، مؤكدًا على أهمية استغلال هذا التصنيف الجديد من خلال تحسين بيئة الأعمال، وتقديم الحوافز للقطاع الخاص، والعمل على جذب المزيد من الاستثمارات.

مقالات مشابهة

  • وزير الاقتصاد: الاستراتيجيات الحالية للإمارات تعزز تنويع الاقتصاد الوطني
  • الأمن الوطني يضبط أكثر من (600) طن من المواد الغذائية التالفة
  • عروض مميزه للعملاء بين "الوطني العُماني" و"شل العُمانية"
  • بين ترامب وهاريس.. كيف تؤثر أميركا على اقتصاد إسرائيل؟
  • بن طوق: الإمارات قطعت أشواطاً واسعة نحو تنويع اقتصادها الوطني
  • خبير اقتصادي: توترات الشرق الأوسط تؤثر سلبا على إيرادات قناة السويس
  • «مستقبل وطن»: رفع التصنيف الائتماني لمصر نقطة تحول استراتيجية في الاقتصاد الوطني
  • «سياحة النواب»: رفع التصنيف الائتماني لمصر يعزز الثقة في الاقتصاد الوطني
  • الوطني الحر: ندعم خطة وزارة التربية التي ترتقي إلى مستوى الأزمة
  • الفقي: توقعات بتحقيق المنطقة الاقتصادية لقناة السويس إيرادات تفوق الممر الملاحي