تشاد.. عندما يرتدي الانقلابيون زيّ الديمقراطية
تاريخ النشر: 11th, March 2024 GMT
أخيرًا وكما هو متوقع، أعلنَ رئيس المجلس الانتقالي "العسكري" في تشاد محمد إدريس ديبي ترشّحه للانتخابات الرئاسية المقرّرة في البلاد في مايو/أيار القادم. وكعادة العسكر برّر ترشحه بنجاحه في منع البلاد من الانزلاق للفوضى بعد وفاة والده عام 2021، والذي حكم البلاد بيد من حديد طيلة 31 عامًا.
لم ينسَ ديبي الابن، إعطاء مسحة "ديمقراطية" لترشحه بأنه استجابة لطلب حزبه "الحركة الوطنية للإنقاذ" الذي يقود ائتلافًا مكونًا من 220 حزبًا باسم ائتلاف من أجل تشاد موحدة، والذي طالبه بالترشح في يناير/كانون الثاني الماضي.
وما دام الرئيس " القادم " يحظى بدعم 220 حزبًا، فإنه لا حاجة لإجراء الانتخابات التي ستكون " شكلية " في الأغلب الأعم، وتتويجًا لتمكن "الانقلابيين" من مفاصل البلاد. هذا التوقع لم يخفِه صراحة محمد أمين بادا الأمين العام للائتلاف الحاكم بقوله؛ إن الرئيس "لن يحتاج للقيام بحملات انتخابية لأن 221 حزبًا سياسيًا متحدين في ائتلاف من أجل تشاد موحدة سيحصلون بالفعل على 65٪ من الأصوات".
أعلن ماسرا بصورة شبه علنية تأييده للدستور الجديد، رغم أنه كان من أشد المعارضين للنظام، وقدّم نفسه على أنه الطريق الثالث بين النظام والمعارضة
وهكذا سيتم إسدال الستار على الانقلاب الذي نفّذه ديبي الابن في أبريل/نيسان 2021 بعد وفاة والده الغامضة قبيل إعلان نتيجة فوزه بجولة سادسة من الانتخابات مدتها ستّ سنوات، وبالمخالفة الصريحة للدستور الذي ينص على أن يتولى رئيس الجمعية الوطنية " البرلمان" الحكم لفترة انتقالية، لحين إجراء الانتخابات، لكن ديبي وزمرته العسكرية قاموا بتعطيل الدستور، وحلّ البرلمان، وتشكيل مجلس انتقالي يحكم البلاد لمدة 18 شهرًا، على أن تجرى الانتخابات بعدها.
كما شهدت الدوحة حوارًا وطنيًا قبل انتهاء هذه المدة، وكان من ضمن القضايا المطروحة للنّقاش، عدم ترشح أعضاء المجلس "العسكري" الانتقالي، في الانتخابات، وإعادة تشكيل الجيش، بحيث لا يقتصر على أقلية "الزغاوة" التي ينحدر منها ديبي الابن والأب، لكن قُوبل هذا الأمر بالرفض من أعضاء المجلس، الأمر الذي أشار إلى وجود نية مبيتة للبقاء في الحكم، والترشح في الانتخابات.
وهو ما رفضته المعارضة في حينها، والتي قادت حراكًا شعبيًا – في أكتوبر/تشرين الأول 2022 بعد انتهاء المهلة المحددة من المجلس " 18 شهرًا " لتسليم السلطة – قاده نجاح ماسرا رئيس الحكومة الحالي، ورئيس حزب التغيير أو الانتقال Transformateurs.
وأسفرت هذه المواجهات -التي اندلعت بصورة أساسية في معقل المعارضة في الجنوب الذي يعاني التهميش لصالح الشمال، وفي سائر أنحاء البلاد- عن مقتل 128 شخصًا وجرح 518 آخرين، بحسب تقرير اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان نتيجة التعامل الوحشي لقوات الأمن والجيش معها، وطرحت اللجنة حينها عدة أسئلة على الحكومة، منها لماذا لم تفتح تحقيقًا قضائيًا في انتهاكات حقوق الإنسان؟، كما طالبت بمحاكمة الجناة.
لماذا إعلان الترشح الآن؟يأتي إعلان ديبي الترشحَ، بعد تهيئة الأوضاع السياسية في البلاد عبر مجموعة من الإجراءات:
فهو جاء بعد فترة وجيزة من الاستفتاء الذي شهدته البلاد نهاية العام الماضي، ويهدف "ظاهريًا" للعودة إلى النظام الدستوري، وحل الأزمة السياسية.
وهو الاستفتاء الذي عارضته قوى المعارضة باعتباره يكرس لترشح ديبي للانتخابات، لذا عمل المجلس الانتقالي على حشد التصويت بـ "نعم" في الاستفتاء.
كما عمل أيضًا على تشتيت قوى المعارضة من خلال استمالة بعض رموزها، وفي مقدمتهم نجاح ماسرا الذي عاد من المنفى بعد أحداث أكتوبر/تشرين الأوّل 2022، وبموجب اتفاق كينشاسا" أكتوبر/تشرين الأوّل 2023″، وبعدما وافق ماسرا على إصدار عفو عام، وعدم مساءلة جميع مَن تورّط في أعمال العنف التي وقعت في حينها: " الشرطة والجيش".
كما أعلن ماسرا بصورة شبه علنية تأييده للدستور الجديد، رغم أنه كان من أشد المعارضين للنظام، وقدّم نفسه على أنه الطريق الثالث بين النظام والمعارضة، حيث قال؛ إن هذا الدستور ليس الأفضل، لكنه يمثل التقدم، ما دفع بعض خصومه إلى تذكيره بأنه قاد بنفسه حملة عام 2022 لمنع قادة المرحلة الانتقالية من الوقوف في صناديق الاقتراع.
ومن ناحية ثانية جاء إعلان الترشح، بعد تشكيل حكومة جديدة عهد بها إلى ماسرا أوائل هذا العام كنوع من المكافأة له، بدلًا من حكومة صالح كيبزابو "الاتحاد الوطني من أجل الديمقراطية والتجديد"، الذي توقع إعادة تعيينه في منصبه؛ لأنه قاد معسكر "نعم" خلال الاستفتاء الدستوري.
لكن يبدو أن ديبي يرى في صالح " المعارض السابق " لوالده، الشخصية القوية في الحكومة، وفي الجنوب أيضًا، ما قد يدفعه للترشح في الانتخابات الرئاسية القادمة، لذا سعى للتخلص منه عبر شخصية أخرى وازنة من الجنوب أيضًا، ولعبت دورًا هامًا في التوصل لاتفاق كينشاسا، حيث وقّع عليه ماسرا نيابة عن كل قوى المعارضة التي اعتبرته لا يمثلها، وأن الاتفاق هو والعدم سواء.
كما أن ماسرا يحظى – كونه رجل اقتصاد أيضًا ورئيس شركة "Transformateurs " – بعلاقات جيدة مع كل من فرنسا والولايات المتحدة، وكذلك المجموعة الاقتصادية لدول وسط أفريقيا (ECCAS) التي لعبت دورًا هامًا في التوصل لاتفاق كينشاسا.
التخلص من يحيى ديلو جرو – ابن عمه والشخصية المعارضة البارزة ورئيس الحزب الاشتراكي بلا حدود، ورئيس قوات الدفاع الشعبي، والمرشح الرئاسي المحتمل، وهو من قبيلة "الزغاوة" نفس قبيلة الرئيس – بعدما وجهت السلطات تهمة له ولأعضاء في حزبه بمهاجمة وكالة الأمن الداخلي، وبالتحريض على الاعتداء على رئيس المحكمة، حيث تمّت تصفيته من قبل قوات الأمن بعد الهجوم على مقرّ حزبه.
ولقد تكرر هذا السيناريو مع ديلو عام 2021 بعد عزمه الترشح في الانتخابات أمام ديبي الأب، حيث تعرّض حينها لمحاولة اغتيال إثر اقتحام منزله من قبل عناصر قوات التدخل السريع؛ بحجة أنه رفض الامتثال لأوامر قضائية، وأسفر الاقتحام عن مقتل والدته، وجرح عدد من أفراد عائلته.
ولقد كان ديلو أحد أبرز المعارضين في أحداث أكتوبر/تشرين الأول 2022، كما رفض اتفاق كينشاسا، والعفو الصادر لصالح قوات الشرطة والجيش، حيث علق عليه حينها بقوله: "بعد مطالعة الاتفاق، أشعر بالأسف لأن حزبًا سياسيًا يسمح لنفسه بالتحدث بدلًا من الضحايا وجميع الأطراف الفاعلة. هذا الاتفاق الذي يبرئ مرتكبي قمع 20 أكتوبر/تشرين الأول 2022 لا يلزم سوى الموقعين عليه، وسنواصل النضال حتى تحقيق العدالة لجميع الضحايا وإرساء الديمقراطية".
كما كان من أشد المعارضين للاستفتاء الدستوري الأخير، وازدادت شهرته بعد نجاح النظام في استمالة ماسرا لصفّه.
ديبي الابن والدعم الفرنسييحظى ديبي الابن مثل والده، بدعم فرنسي كبير، ظهر جليًا، مع الانقلاب الذي قام به الابن بعد رحيل والده قبل ثلاث سنوات، حيث قبلت باريس الأمر في الوقت الذي رفضت فيه الانقلاب في مالي.
وتعوّل باريس كثيرًا على تشاد منذ عملية "برخان" التي قادتها ضد الجماعات المسلحة في الإقليم، وكانت العاصمة نجامينا مقر هذه القوات، حيث توجد بها قاعدة فرنسية، فضلًا عن كون تشاد عضوًا في مجموعة دول الساحل "G-5″ والتي تواجه صعوبات بعد انسحاب مالي منها، ثم النيجر وبوركينا فاسو مؤخرًا.
وبالتالي لم يبقَ بها سوى تشاد وموريتانيا، وقد لعبت تشاد دورًا في تنفيذ الأجندة الفرنسية في دول الجوار " السودان، ليبيا "، فضلًا عن مساهمتها بثالث أكبر قوة عسكرية في "بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي" (مينوسما)، والتي أنهى مجلس الأمن ولايتها في يونيو/ حزيران الماضي.
لذا فإن فرنسا لن تفرط بسهولة في حليف قوي لها في المنطقة مثل إدريس ديبي، خصوصًا أن قوى المعارضة تلوح بالرغبة في التخلص من هذا النفوذ الفرنسي، والبحث عن بدائل أخرى، وربما تكون روسيا إحدى هذه البدائل، ولعلنا نتذكر قيام المتظاهرين في مايو/أيار 2022 بحرق العلم الفرنسي ورفع العلم الروسي؛ احتجاجًا على الدعم الفرنسي للمجلس العسكري.
لذا لا غرابة في أن يمر إعلان ترشح ديبي للرئاسة دون ضجيج دولي، رغم أن التوجه الدولي السابق هو رفض ترشح أي عضو من المجلس العسكري في الانتخابات، وستخرج البيانات "التقليدية "من العواصم الغربية تطالبه بضرورة الإصلاح الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان.
لتبقى البلاد مرة أخرى تحت هيمنة العسكر في زيّ "ديمقراطي"، ولتفتح تشاد الباب أمام تَكرار هذا النموذج في كل من الغابون، النيجر، بوركينا فاسو والتي شهدت انقلابات عسكرية متتالية خلال الفترة الماضية.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات فی الانتخابات قوى المعارضة أکتوبر تشرین على أن کان من
إقرأ أيضاً:
العرفي: خطوة الدبيبة بشأن تاورغاء وزمزم تفتقر إلى الديمقراطية والمؤسسية
ليبيا – انتقد عضو مجلس النواب، عبدالمنعم العرفي، قرار رئيس حكومة تصريف الأعمال، عبد الحميد الدبيبة، بضم بلديتي تاورغاء وزمزم إلى بلدية مصراتة، واصفًا الخطوة بأنها في الاتجاه الخاطئ.
وفي تصريح لتلفزيون “المسار“، أشار العرفي إلى أن لبلديتي تاورغاء وزمزم خصوصيتهما، معربًا عن تفهمه للمواقف الغاضبة لسكانهما.
وأضاف: “لو كنا في دولة مؤسسات وديمقراطية، لكان للمواطن الحق في تقرير ما يريد”.
وأكد العرفي رفضه لاتخاذ القرارات بالفرض أو كسر الإرادات، أو بجعل التبعية أمرًا واقعًا.