جوستاف لوبون والاحتفاء بالتسامح في الإسلام
تاريخ النشر: 11th, March 2024 GMT
فاطمة عطفة (أبوظبي)
أخبار ذات صلة «مؤسسة كلمات» تعلن عن تشكيل مجلس أمنائها «الأرشيف والمكتبة الوطنية» يحتفي بأشعار الشيخ زايد خلال مؤتمر الترجمة الدوليينفرد المؤرخ الموسوعي الفرنسي جوستاف لوبون (1841-1931) بين المستشرقين بتناوله لثقافة وتاريخ الإسلام بنهج موضوعي منصف، وكان من أهم الباحثين وأكثرهم دقة وإنصافاً في دراساته، نظراً لثقافته الواسعة ومجالات اهتمامه المتعددة.
ويتميز هذا العالم الموسوعي بتعدد تخصصاته ومؤلفاته المشهورة في دراسة الطب وتشريح الدماغ، إضافة إلى دراسة علم النفس الجماهيري ونظرته العلمية في بعدها الإنساني السامي، حين أعلن أن الأعراق البشرية متساوية، ولا وجود لعرق أفضل من أي عرق آخر. ويوضح لوبون أن الفضل في خروج أوربا من عصور الظلام يرجع للإسلام ورسالته التنويرية، انطلاقاً من كتاب الله: القرآن الكريم، واستكمالاً بسيرة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم. ولوبون يستعرض أحداثاً أساسية من حياته الكريمة وقيادته الحكيمة. وأول هذه المواقف المضيئة الخلاف الذي نشب بين سادة قريش حول وضع الحجر الأسود أثناء تجديد بناء الكعبة، حيث اختلف زعماء القبائل وكاد القتال ينشب بينهم حول من منهم سيحمل الحجر الأسود وينال الشرف في ذلك. ثم اتفقوا على أن يحكموا بينهم أول قادم إليهم، وإذا بالرجل الحكيم محمد بن عبدالله يدخل، وكان ذلك قبل البعثة النبوية الشريفة. وجاء الحل المثالي الذي اقترحه بأن يأتوا بثوب كبير وضع الحجر عليه، وطلب منهم أن يشتركوا جميعاً في حمله إلى الجدار، وهناك حمله ووضعه في مكانه، وحل بذلك مشكلة كبيرة وحقن دماء كثيرة كان يمكن أن تسفك بسبب خلاف قريش حول المسألة.
يقول لوبون، في كتابه «حضارة العرب»: «إن الإسلام من بين جميع الأديان هو الأنسب لاكتشافات العلم، والأكثر استعداداً لبنيان النفوس وإجبارها على التقيد بالعدل واللطف والتسامح». ويشير هذا العالم إلى أن من أهم مشاهد التسامح في التاريخ قصة الخليفة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، عند قدومه إلى القدس وإطلاق العهدة العمرية التي اتبعها المسلمون في معاملة المسيحيين، في حين كانت أوروبا آنذاك غارقة في الحروب البينية والمظالم. كما يؤكد أن انتشار اللغة العربية والدخول في الإسلام لم يكونا نتيجة القوة في الفتوحات، ولكن سمو العدالة في الشريعة الإسلامية وحسن المعاملة جعلا الناس يدخلون في دين الله أفواجاً. والقرآن الكريم وما فيه من تعاليم روحية واجتماعية وأخلاقية لم ينتشر بحد السيف، وإنما انتشر بالدعوة الأخوية الحكيمة والموعظة الحسنة الكريمة. ويقارن الباحث المنصف بين أحوال إسبانيا بعد فتح الأندلس وأحوال أوروبا الغارقة في الهمجية آنذاك. ولو لم تتوقف الفتوحات العربية عند مدينة بواتييه، لتحررت أوروبا من أحوالها الظلامية كما تحررت إسبانيا من ذلك خلال عهد الحضارة الأندلسية الزاهرة.
ويصف المستشرق المنصف الرسول الكريم بأنه رجل نبيل، يمتاز بمستوى رفيع من الأخلاق والحكمة واللطف والرحمة والصدق والأمانة، كما يذكر أن الأوروبيين أخذوا عن العرب مبادئ الفروسية، ومنها احترام المرأة، ويؤكد أن الإسلام هو الذي رفع المرأة من الدرك الأسفل الذي كانت فيه، وسما بمكانتها الاجتماعية وأقر حقوقها كاملة قبل أي دين آخر.
المصدر: صحيفة الاتحاد
إقرأ أيضاً:
كيفية تمجيد الله والثناء عليه .. علي جمعة يوضح
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن الحمد قد يكون باللسان، وقد يكون بالجنان، وقد يكون بالأركان.
وأضاف جمعة، فى منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، أن َمِنْ حمد اللسان: الذكر بصريح الحمد (الحمد لله).
وَمِنْ حمد اللسان: أن تنزهه، وأن تطهره، كما طهرته بالماء في الوضوء؛ استعدادًا لمناجاة الله، وكما طهرته بالسواك، تطييبًا له؛ استعدادًا لملاقاة الله في الصلاة. وكان النبي ﷺ يحب السواك، حتى إنه طلبه من السيدة عائشة عندما دخل أخوها في حالة انتقاله ﷺ إلى الرفيق الأعلى، فنظر إليه، فعرفت أنه يريد السواك ﷺ، فبللته بريقها وأعطته لسيدنا رسول الله ﷺ فاستاك.
وكانت السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها تفتخر بأن الله تعالى جعل ريقها مع ريقه الشريف آخر شيء، فقد فاضت روحه الكريمة الشريفة إلى ربها بعد هذا.
فاللهم صَلِّ وسلم على سيدنا محمد، الذي علمنا الأدب مع الله، والحمد قد يكون أيضًا بالجنان؛ فالقلب يشكر ربه.
ومن وسائل هذا الشكر أن يتعلق قلبك بالمسجد؛ شوقًا إلى الصلاة:
«ورجلٌ قد تعلق قلبه بالمساجد». والمساجد هنا هي مواطن السجود، وليست فقط الجوامع.
فقلبه معلقٌ بصلاة الظهر، ينتظرها ليصليها في وقتها، فإن انتهت تعلق قلبه بالعصر، ثم تعلق قلبه بالمغرب، تعلق قلبه بمواطن السجود؛ شوقًا لله.
وكان النبي ﷺ إذا حزبه أمرٌ فزع إلى الصلاة، ضاقت به الحال، ضاقت به نفسه من نكد الدنيا، فإنه يفزع إلى الصلاة، فيجد راحته فيها. وكان يقول لبلال: «أرحنا بها يا بلال».
بعض الناس يصلي على نمط: (أرحنا منها)، يؤدي الواجب فقط، ويصلي ولكنه يريد أن ينتهي من الفرض.
لابد أن تأتي العبادة بشوق، وهذا نوعٌ من أنواع الحمد: تعلق القلب بالله، تعلق القلب بالمساجد للقاء الله، تعلق القلب بلقاء الله عن طريق الصلاة، وهكذا، تعلق القلب بالله هو حقيقة الحمد بالقلب.
والحمد قد يكون بالأركان، وفي ذلك يقول سيدنا رسول الله ﷺ شيئًا غريبًا، يقول: «مَنْ لم يشكر الناس، لا يشكر الله».
وكأنه يأمرك أن تشكر الناس على ما قدموه من معروف؛ لأن الله سبحانه وتعالى إذا أجرى المعروف على يد أخيك إليك، فكأنه أمرك أن تقول له: "جزاك الله خيرًا".
«وَمَنْ قال لأخيه: جزاك الله خيرًا، فقد أبلغ له في الثناء».
فإذا أنكرت عليه المعروف، فكأنك أنكرت على الله سبحانه وتعالى إجراء ذلك المعروف على يديه. ولذلك لا تشكر الله هكذا، عندما تنكر إجراء المعروف على يد أخيك إليك، كأنك تكذب. عدم الاعتراف هنا كأنه كذب. بل يجب عليك أن تشكر مَنْ أجرى الله المعروف على يديه؛ اعترافًا بفضل الله أنه خَصَّهُ بذلك.
فإن أنكرت، فأنت تتكلم عن حسد، عن حقد، عن غيرة، وهي قلة ديانة.
ولذلك الحديث واضح: «مَنْ لم يشكر الناس، لا يشكر الله».
إذن، فالحامدون لا يتم حمدهم لله رب العالمين إِلَّا إذا شكروا أهل المعروف من البشر؛ حيث ساق الله المعروف إليهم، فهو نعمةٌ مسداة من قبل الرحمن على يد هذا الذي أصبح واسطةً للخير. و«الدال على الخير كفاعله».
لا يَكْمُل الحامد، ولا يبلغ مبلغ الكمال، إِلَّا إذا شكر الناس.