صحيفة الاتحاد:
2025-02-12@03:33:11 GMT

جوستاف لوبون والاحتفاء بالتسامح في الإسلام

تاريخ النشر: 11th, March 2024 GMT

فاطمة عطفة (أبوظبي)

أخبار ذات صلة «مؤسسة كلمات» تعلن عن تشكيل مجلس أمنائها «الأرشيف والمكتبة الوطنية» يحتفي بأشعار الشيخ زايد خلال مؤتمر الترجمة الدولي

ينفرد المؤرخ الموسوعي الفرنسي جوستاف لوبون (1841-1931) بين المستشرقين بتناوله لثقافة وتاريخ الإسلام بنهج موضوعي منصف، وكان من أهم الباحثين وأكثرهم دقة وإنصافاً في دراساته، نظراً لثقافته الواسعة ومجالات اهتمامه المتعددة.

وكانت رحلاته في أوروبا وآسيا وشمال أفريقيا غنية ومفيدة وقد أثمرت بكتب عدة، منها: حضارة الأندلس، والحضارة العربية، والحضارة المصرية، والحضارة الهندية. وأكثر ما لفت نظره وأثر في اهتمامه بتاريخ الحضارة الإسلامية شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم، متأملاً العديد من المراحل والمواقف المنيرة في حياته الكريمة. ويمتاز لوبون عن سواه من المستشرقين في نظرته الموضوعية، بعيداً عن أي تعصب أو انغلاق، وسعة آفاقه في مقارباته المتعلقة بتاريخ الشعوب والحضارات.
ويتميز هذا العالم الموسوعي بتعدد تخصصاته ومؤلفاته المشهورة في دراسة الطب وتشريح الدماغ، إضافة إلى دراسة علم النفس الجماهيري ونظرته العلمية في بعدها الإنساني السامي، حين أعلن أن الأعراق البشرية متساوية، ولا وجود لعرق أفضل من أي عرق آخر. ويوضح لوبون أن الفضل في خروج أوربا من عصور الظلام يرجع للإسلام ورسالته التنويرية، انطلاقاً من كتاب الله: القرآن الكريم، واستكمالاً بسيرة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم. ولوبون يستعرض أحداثاً أساسية من حياته الكريمة وقيادته الحكيمة. وأول هذه المواقف المضيئة الخلاف الذي نشب بين سادة قريش حول وضع الحجر الأسود أثناء تجديد بناء الكعبة، حيث اختلف زعماء القبائل وكاد القتال ينشب بينهم حول من منهم سيحمل الحجر الأسود وينال الشرف في ذلك. ثم اتفقوا على أن يحكموا بينهم أول قادم إليهم، وإذا بالرجل الحكيم محمد بن عبدالله يدخل، وكان ذلك قبل البعثة النبوية الشريفة. وجاء الحل المثالي الذي اقترحه بأن يأتوا بثوب كبير وضع الحجر عليه، وطلب منهم أن يشتركوا جميعاً في حمله إلى الجدار، وهناك حمله ووضعه في مكانه، وحل بذلك مشكلة كبيرة وحقن دماء كثيرة كان يمكن أن تسفك بسبب خلاف قريش حول المسألة.
يقول لوبون، في كتابه «حضارة العرب»: «إن الإسلام من بين جميع الأديان هو الأنسب لاكتشافات العلم، والأكثر استعداداً لبنيان النفوس وإجبارها على التقيد بالعدل واللطف والتسامح». ويشير هذا العالم إلى أن من أهم مشاهد التسامح في التاريخ قصة الخليفة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، عند قدومه إلى القدس وإطلاق العهدة العمرية التي اتبعها المسلمون في معاملة المسيحيين، في حين كانت أوروبا آنذاك غارقة في الحروب البينية والمظالم. كما يؤكد أن انتشار اللغة العربية والدخول في الإسلام لم يكونا نتيجة القوة في الفتوحات، ولكن سمو العدالة في الشريعة الإسلامية وحسن المعاملة جعلا الناس يدخلون في دين الله أفواجاً. والقرآن الكريم وما فيه من تعاليم روحية واجتماعية وأخلاقية لم ينتشر بحد السيف، وإنما انتشر بالدعوة الأخوية الحكيمة والموعظة الحسنة الكريمة. ويقارن الباحث المنصف بين أحوال إسبانيا بعد فتح الأندلس وأحوال أوروبا الغارقة في الهمجية آنذاك. ولو لم تتوقف الفتوحات العربية عند مدينة بواتييه، لتحررت أوروبا من أحوالها الظلامية كما تحررت إسبانيا من ذلك خلال عهد الحضارة الأندلسية الزاهرة.
ويصف المستشرق المنصف الرسول الكريم بأنه رجل نبيل، يمتاز بمستوى رفيع من الأخلاق والحكمة واللطف والرحمة والصدق والأمانة، كما يذكر أن الأوروبيين أخذوا عن العرب مبادئ الفروسية، ومنها احترام المرأة، ويؤكد أن الإسلام هو الذي رفع المرأة من الدرك الأسفل الذي كانت فيه، وسما بمكانتها الاجتماعية وأقر حقوقها كاملة قبل أي دين آخر.

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: الإسلام الثقافة

إقرأ أيضاً:

مفتي الجمهورية: الحروب الفكرية معاركُ بلا جيوش وميادين بلا مدافع

أكد الدكتور نظير محمد عيَّاد مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، خلال كلمته في ندوة علمية بجامعة سوهاج تحت عنوان: «حرب الشائعات وأثرها على الفرد والمجتمع» أن انتشار الشائعات يمثل أحد أخطر التحديات التي تواجه المجتمعات الحديثة، فهي تيار جارف من الأباطيل لا يسقط فيه إلا من تخلَّى عن مجداف العقل، ولا ينجو منه إلا مَن احتمى بحصن الوعي، موضحًا أن الإسلام حذَّر من نشر الأخبار دون تحقق؛ حيث قال سبحانه في محكم التنزيل«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ» مشددًا على أن نشر الأكاذيب يزعزع استقرار المجتمعات ويفسد العلاقات بين الأفراد، مما يفرض على الجميع مسؤولية تَحرِّي الصدق والوعي بخطورة تداول المعلومات دون تثبُّت.

مفتي الجمهورية يشارك في احتفالات محافظة الدقهلية بعيدها القومي محافظ الدقهلية يستقبل مفتي الجمهورية للتهنئة بالعيد القومي

وأشار فضيلته إلى أن المؤسسات التعليمية تؤدي دورًا محوريًّا في تعزيز الوعي وحماية العقول، إذ إنها ليست مجرد أماكن لتلَقِّي العلوم، بل هي مشاعلُ للفكر ومناراتٌ للتنوير، تبني الأجيال وتصوغ مستقبل الأوطان، موضحًا أن الإسلام جعل طلب العلم فريضة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «طَلَبُ العِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ» (رواه ابن ماجه). وأضاف أن بناء منظومة تعليمية قوية يُسهم في مواجهة التحديات الفكرية، ويُحصِّن الشباب من التأثُّر بالدعايات المُغرِضة والأفكار الهدَّامة.

وتابع فضيلة المفتي، أن الحروب لم تعد تقتصر على المواجهات العسكرية فحسب، بل أصبحت المعارك الفكرية أشد خطرًا، إذ تدور في ميادين العقول بلا مدافع ولا جيوش، لكنها تزرع بذور الشك وتقطف ثمار التبعية والانقياد، وبيَّن أن الإسلام واجه هذه الظواهر بحزم، فحذَّر من التلاعب بالعقول، فقال تعالى: {وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} (إبراهيم: 46)، وأوضح أن بناء وعي حقيقي هو السلاح الأقوى في مواجهة هذه التحديات، مما يستدعي دورًا تكامليًّا بين المؤسسات الدينية والتعليمية والإعلامية لتوجيه الفكر المجتمعي نحو الحقائق بدلًا من التضليل؛ حيث إن هذه الحروب الفكرية تستهدف العقول مباشرة وتؤدي إلى زعزعة الاستقرار، مستشهدًا بقول الله تعالى: {لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَعْقِلُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا}.

وفيما يتعلق بتأثير الشائعات على الشباب، أكد فضيلة المفتي أنهم الفئة الأكثر استهدافًا في هذه الحرب، فهم يقفون في مفترق الطرق بين حقائقَ تُنير الدَّرْب وأكاذيبَ تَجرُّهم إلى التِّيهِ والضياع، وأن الشباب هم أمل الأمة ومستقبلها، لذا فإن تحصينهم بالفكر السليم والمعرفة الرصينة ضرورة لا بد منها، مستشهدًا بقول الإمام علي رضي الله عنه: «إنما قلب الحدث كالأرض الخالية ما أُلقِي فيها من شيء قَبِلَتْه». وحذر من خطورة الانجراف وراء الدعايات المُضلِّلة التي تحاول زعزعة الثقة بالنفس والمجتمع، داعيًا إلى تعزيز روح النقد البنَّاء والتأكد من صحة المعلومات قبل تصديقها أو نشرها.

وتطرَّق فضيلة المفتي إلى قضية الانتحار باعتبارها نتيجةً للحظة انهيارٍ داخلي، حين يطغى سوادُ اليأس على نور الرجاء، وتتلاشى نوافذ الأمل أمام رياح القنوط العاتية، وأكد أن الإسلام شدد على قدسية الحياة، فقال الله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} (النساء: 29)، وقد حذَّر الرسول صلى الله عليه وسلم من ذلك فقال: «لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللهِ مِنْ قَتْلِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ» مضيفًا أن اليأس ليس حلًّا، بل لا بد من مواجهة المشكلات بالإيمان والتفاؤل والسعي إلى الحلول، مؤكدًا أهمية الدعم النفسي والاجتماعي للشباب، وضرورة نشر ثقافة الأمل والصبر والتوكل على الله في مواجهة التحديات.

واختتم فضيلة المفتي كلمتَه بالدعوة إلى بناء وعي مجتمعي مستنير يقوم على الحقيقة والعلم، مؤكدًا أن المسؤولية في التصدِّي للشائعات وحروب الفكر لا تقع على جهة واحدة، بل هي مسؤولية مشتركة بين العلماء والمُرَبِّين والإعلاميين والمجتمع بأسره، من أجل تحصين العقول وحماية الأوطان من أي محاولات تستهدف زعزعة استقرارها وتشويه وعي أبنائها.

من جانبه، أشاد الدكتور حسَّان النعماني، رئيس جامعة سوهاج، بالدور التنويري الذي يقوم به فضيلة المفتي، موضحًا حرص الجامعة على التعاون مع علماء الأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية، لمواجهة القضايا الفكرية والمجتمعية مؤكدًا أن الشائعات ظاهرة قديمة قِدَم الإنسان، وقد تكون سياسية أو اقتصادية أو دينية.

وفي لَفتَةِ شُكرٍ وتقدير، قدَّم  الدكتور حسان النعماني دِرعَ الجامعة لفضيلة المفتي؛ تقديرًا لجهود فضيلته، ثم قام فضيلته بتكريم حفَظَة القرآن الكريم من أبناء الجامعة

حضر اللقاءَ الدكتور خالد عمران، نائب رئيس الجامعة لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة، والأستاذ الدكتور عبد الناصر ياسين، نائب رئيس الجامعة لشئون التعليم والطلاب، بالإضافة إلى لفيف من أعضاء هيئة التدريس والطلاب بالجامعة.

مقالات مشابهة

  • أمين الفتوى: السياحة من أعظم مداخل الدعوة إلى الله
  • عميد كلية أصول الدين: وسطية الأمة هي السبب في انجذاب الكثيرين إلى الإسلام
  • حكى «رؤيا» عن الرسول ورحل.. قصة مؤثرة لطبيب يلحق بصديقه في المنيا
  • جون البريطاني يكشف قصة دخوله الإسلام وزواجه من سعودية .. فيديو
  • دار الإفتاء: مشروعية إحياء ليلة النصف من شعبان ثابتة بالأدلة
  • ليلة النصف من شعبان.. فضلها وحكم إحياؤها فرادى أو جماعات
  • كيفية الاستعداد لشهر رمضان.. هكذا كان يفعل الصحابة؟
  • شوقي علام: الإسلام أنصف المرأة في الميراث
  • قلب الإسلام وقشوره (٢)
  • مفتي الجمهورية: الحروب الفكرية معاركُ بلا جيوش وميادين بلا مدافع