وجّه شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز الشيخ الدكتور سامي ابي المنى رسالة شهر رمضان المبارك، جاء فيها:   "شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ...". يهلُّ علينا هلالُ رمضانَ مبشِّراً بحلول شهرٍ مبارَك ميّزه الله سبحانه وتعالى عن سائر الشهور، شهرٍ أُنزِل فيه القرآنُ هدىً ورحمةً وأُفسح فيه المجالُ للصيام والقيام وعملِ الخير والزكاة.

هو شهرٌ أتاحه اللهُ للمسلمينَ ليكونَ فسحةً للتوبة وتجديداً للعزم وشحذاً للطاقة الروحية ليتمكن المؤمنُ الموحِّدُ من تجاوز العقبات والصعاب، ومن إحياء الأمل والثقة برحمةِ الله وعونِه، وبقدرةِ المسلم المؤمن على النهوض من كبوة، والقيام بعد غفوة، والانطلاق إلى الأمام خطوةً خطوة. إخواني الموحدين، أيها المسلمون، هذا هو شهركم المنتظَر الذي تتوقُ إليه أفئدةُ الموحِّدين، ويُقْبِلُ فيه الناسُ على ربِّهم بالطاعات، ويقومونَ خلاله بالصوم عبادةً لله عزّ وجلّ، عبادةً هي من أجَلّ العبادات، وعملاً هو من أحبّ الأعمال التي تقرّبهم إلى الله وتدخلُهم في كنف صونِه ورضاه". 

وأضاف: "إخواني، أيُّها العابدون الصائمون، فليكن شهرُ رمضانَ المبارك فرصةً لنا ولكم جميعاً لتأكيد الثبات على العقيدة ولترسيخ الإيمان في القلوب ولتعزيز روح الإسلام الحقيقية في النفوس، بالسير وفق تعاليمه والقيام بفرائضه علماً وعملاً، معرفةً وتطبيقاً، إقراراً باللسان وتصديقاً بالجنان وعملاً بالأركان، وليكن السعيُ كلُّه في رمضانَ نحو إعادةِ قراءةِ الذات وتصحيحِ المَسار وتمتينِ أواصر القُربى مع الله عزّ وجلّ، وشدّ حبال الأخوّةِ والمحبة بين أبناءِ المجتمع، والارتقاءِ إلى رضاه سبحانه وتعالى حيث الفوزُ العظيمُ والسعادةُ الحقة. قال تعالى في مُحكَم تنزيله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، في ذلك دلالةً واضحة على أن الصيامَ مكتوبٌ على جميع الأممِ لِما له من أهميةٍ ومنفعةٍ وتهذيبٍ للقلوب وصونٍ لها، ولما فيه من مساواةٌ ودعوةٌ إلى التقريب ما بينَ أبناءِ المجتمعِ على مختلفِ طبقاتِهم ومنازلِهم، وترويضٌ للنفوسِ وتزويدُها بقوّةٍ روحانيًةٍ تدفعُها نحو معالمِ الحقّ وآفاقِ الصدق، بالمسافرةِ والعروجِ الروحيّ إلى الأعلى، في أيامٍ وليالٍ هي عندَ الله أفضلُ الأيامِ والليالي، كيف لا؟ وقد تضمّن عُشرُهُ الأخيرُ ليلةَ القَدرِ التي هي عندَ الله خيرٌ من ألف شهر! ". 

وتابع: "إخواني، أبنائي اللبنانيين، وكما يدعونا رمضانُ المبارَك للانتقال من حال التسويف والإهمال والبعد عن الله إلى حال التقرّب من الله والعيش الآمن معه، كذلك فإنه يحثُّنا للخروج في أوطاننا من حال التعطيل والفساد والفوضى والانهيار إلى حال الإصلاح والصلاح والتزامِ الدستور وحفظِ النظام، ليكونَ الهُدى للناس هُدىً اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً لإنقاذ الوطن وبناء مؤسساته وتنظيم مجتمعِه المتنوّع المتكامل. فلتُبادروا يا صانعي القرار الوطني إلى اتخاذ القرار المناسب لملء الفراغ الرئاسي ولإصلاح الخلل المؤسساتي ولمعالجة الواقع الاجتماعي، لتعزيز صمود لبنان في وجه العدوان وتأكيد الوحدة الوطنية التي هي السلاح الأقوى في مواجهة العدو الإسرائيلي، تماماً كما يتوحّد الصومان المسيحي والإسلامي في مسيرة روحية عبادية متلازمة".

 وختم: "بوركت يا رمضانُ الكريم، عسى أن نعيشك صوماً عن كل مفطِرٍ من طعامٍ أو شرابٍ أو لذّةٍ عابرة أو نيّةٍ سيّئة أو قولٍ فاسدٍ أو عملٍ مُشين، ونحياك نهجاً روحيّاً واجتماعيّاً ووطنيّاً وإنسانيّاً راقياً. رمضان مبارَك، وإلى فطرٍ سعيد بعونه تعالى".

المصدر: لبنان ٢٤

إقرأ أيضاً:

الحرية الفكرية

#الحرية_الفكرية
بقلم: د. #هاشم_غرايبه

عندما شاءت إرادة الله تعالى أن يخلق الإنسان، ميز هذا المخلوق عن الكائنات الأخرى بالعقل، ليمكنه التمييز بين الصالح والطالح بالأدوات المنطقية، من غير الحاجة الى الوسائل الحسية التي بدونها لا يتم الإدراك والتمييز عند باقي الكائنات.
لقد منح الله هذه الأداة الراقية أصلا لهدف جليل هو ادراك وجود الخالق المغيّب عن الوسائل الحسية، والإيمان به بقناعات عقلية، وبالتالي عبادته وطاعته باختياره، لذلك جعل لهذا الكائن المكرم (الإنسان) حياتين: الأولى يمتحن فيها على حسن استعمال العقل وباقي النعم (الإيمان والعمل الصالح)، والآخرة ليس فيها تكليف أو امتحان بل جزاء، فيثاب أو يعاقب فيها على إساءة الاستعمال.
لذا فمهمة العقل الأولى معرفة الله، والمهمة الثانوية هي تأدية مهمة استخلاف الله له في الأرض ليعمرها ويحفظ توازنات الأنظمة التي أوجدها الله منظمة وضابطة لعلاقات المخلوقات ببعضها.
ولما كان العقل لا يعمل بالقسر ولا بتقييده، لذلك كانت الحرية بمختلف أشكالها فطرة أساسية في الإنسان، فهو يخلق منذ الولادة مفطورا على حب الحرية وكراهية أي مقيد لها، فما أن يشب الطفل عن الطوق، ويستغني عن أمه في تلبية احتياجاته الأساسية، حتى يبدأ بالتمرد على تعليماتها وتوجيهاتها، ويحاول أن يتصرف وفق مدركاته الحديثة التشكل.
طالما أن الله منح الإنسان الخيار باتباع الفطرة الإيمانية أو مخالفتها، ولم يفطره على الطاعة المطلقة كالملائكة، فمن المنطقي ان يتيح له حرية التفكير والاعتقاد، ولذلك قال: “وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ” [الكهف:29]، فبعد أن أنزل عليه هديه، لم يعد لعقله من حجة بتغليب مغريات الهوى والضلال.
إذا فالإسلام يحترم الحرية الفكرية، ولا يقسر الناس قسرا على اعتناقه، بعكس ما يشيعه معادو منهج الله.
أما ما يعتقده المتشددون من أن الله كلف أمته بنشر الدين بالسيف، مستشهدين بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أُمِرْتُ أنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حتَّى يقولوا: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فمَن قالَهَا فقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ ونَفْسَهُ إلَّا بحَقِّهِ، وحِسَابُهُ علَى اللَّهِ” فهو استدلال خاطئ، فالناس هنا ليس المقصود بهم العالمين، بل المشركين والكفار المقيمين في الجزيرة، فجاء هذا الحديث من وحي فهم أمر الله تعالى وتنفيذا له: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً” [التوبة:123]، فقد حدد الكفار الواجب مقاتلتهم أنهم المجاورون من القاطنين في أرض الجزيرة، الى أن يسلموا، وأهل الكتاب الى أن يرضخوا للدولة الاسلامية بأن يعطوا الجزية: “حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ” [التوبة:29]، وذلك لأن الله أراد لهذه البقعة من الأرض أن تكون مهدا للدعوة ومنطلقا الى سائر بقاع الأرض، فيجب أن يستتب الأمر فيها للدين، فلا يجتمع معه عقيدة زائغة: “وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ..” [الأنفال:39]، ومن فهمه صلى الله عليه وسلم لهذه الآية جاء الحديث: “لا يجتمع في جزيرة العرب دينان”.
ولما أن البعض قد يتخوف من عاقبة ذلك على خسران عائد تجاري أو نقصان دخل يحققه زوار غير المسلمين لبيت الله، فقد طمأن أمته أنه سيؤمن لهم ما يكفيهم: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَٰذَا ۚ وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاءَ” [التوبة:28]، وفعلا تحقق ذلك، فكانت تجبى ثمرات كل شيء الى تلك الديار القاحلة عبر كل العصور، وأمدهم بماء زمزم التي لا تنقطع، كما جعل في ديارهم موارد طبيعية تغنيهم أضعاف ما يمكن أن تدره السياحة الترفيهية الفاسدة.
نستخلص مما سبق أن الدعوة لدين الله ظاهرة الحجة لمن ابتغى المعرفة، مقنعة للعقل المنفتح، فلا حاجة لإكراه أحد على الإسلام، والمحاجج المكابر مغلق العقل تعصبا، ولن ينفع الدين ولا الأمة، لأنه سيبقى نقطة ضعف فيها: “مَّا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ” [التوبة:47].
إذن فالإسلام يكفل حرية الفكر والمعتقد للإنسان، وقد شهدت الدولة الاسلامية على مر العصور، بقاء أقليات لم تشأ دخول الإسلام، فبقيت على معتقدها، ولم تلق مضايقة ولا رقابة مفقدة للخصوصية الآدمية، كما تفعل الدول العلمانية المعاصرة بحق المسلمين.

مقالات مشابهة

  • ‏هآرتس: الجيش الإسرائيلي يستعد للبقاء في لبنان أكثر من 60 يومًا كما هو متفق عليه في اتفاق وقف إطلاق النار
  • هآرتس : الجيش الإسرائيلي يستعد للبقاء في جنوب لبنان
  • الجيش الإسرائيلي يطلق النار على قوات «اليونيفيل» في جنوب لبنان
  • بطريرك بيت كيليكيا للأرمن الكاثوليك: انتخاب رئيس لبنان عمل مقدس
  • في لبنان وغزة وسوريا.. الفرحة بعيد الميلاد تضيع وسط أوجاع العدوان الإسرائيلي
  • القوات المسلحة تستهدف هدفا عسكريا للعدو الإسرائيلي بصاروخ فرط صوتي
  • ‏وزير الدفاع الإسرائيلي: سنلاحق قادة الحوثيين في صنعاء وكل مكان في اليمن
  • الحرية الفكرية
  • خروقات الاحتلال الإسرائيلي للهدنة تهدد استقرار جنوب لبنان
  • سنضرب بقوة.. وزير الدفاع الإسرائيلي يوجه رسالة لـ"أنصار الله"