الهدنة في السودان.. بيان بلا سوابق وحديث عن انقسامات بمواقف الجيش
تاريخ النشر: 10th, March 2024 GMT
بعد يومين من تصويت مجلس الأمن على مشروع قرار يدعو لهدنة في السودان، لا تبدو الخطوات والمساعي الرامية إلى وقف إطلاق النار بين الجيش وقوات الدعم السريع، باعثة على الأمل، وفق مراقبين، بينما تصاعدت الاتهامات بين الطرفين عن مدى الجدية في الالتزام بالهدنة.
وكان مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة دعا، الجمعة، إلى وقف إطلاق النار في السودان خلال شهر رمضان، مع تدهور الأوضاع في البلاد.
وأيدت 14 دولة نصا اقترحته بريطانيا، امتنعت روسيا عن التصويت عليه، يدعو "كل أطراف النزاع للسعي إلى حل مستدام للنزاع عبر الحوار".
وانعقدت جلسة مجلس الأمن عقب يوم واحد من دعوات أطلقها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الخميس، لطرفي النزاع في السودان إلى "وقف إطلاق النار خلال شهر رمضان"، بينما تتخذ الأزمة الإنسانية "أبعادا هائلة".
شروط ومطالبدعوة مجلس الأمن لطرفي القتال في السودان، ليست الأولى، إذ سبق أن دعت الأمم المتحدة إلى وقف إطلاق النار، دون أن تحصد الدعوة التزاما صارما من قبل الجيش أو الدعم السريع، يؤسس لإنهاء القتال الذي اندلع في أبريل 2023، بحسب مختصين.
وألقى الخبير الاستراتيجي، الزاكي عبد المنعم، اللائمة على قوات الدعم السريع، واتهمها "بعدم التقيد والالتزام بالهدن التي توصل لها الطرفان في مرات سابقة".
وقال عبد المنعم، وهو ضابط سابق بالجيش، لموقع الحرة، إن "مليشيا الدعم السريع بدلا من الالتزام بالهدن المعلنة، تستغلها لإعادة الانتشار والتموضع في مناطق جديدة، ولنقل وجلب مقاتلين جدد، مما أدى لتفاقم الصراع".
وأشار إلى أن "الجيش يطالب بضرورة إلزام مليشيا الدعم السريع بتنفيذ اتفاق جدة الخاص بخروجها من منازل المواطنين، ومن الأعيان المدنية".
ووقع الجيش وقوات الدعم السريع في 11 مايو الماضي، اتفاقا في مدينة جدة، برعاية من السعودية والولايات المتحدة، ينص على "حماية المدنيين، وحماية كافة المرافق الخاصة والعامة والامتناع عن استخدامها لأغراض عسكرية".
ولفت الخبير الاستراتيجي، إلى أن "الجيش يتمسك أيضا بانسحاب مليشيا الدعم السريع من ولايتي الجزيرة وسنار، ومن كل المواقع التي استولت عليها عقب اتفاق جدة، مثل نيالا والجنينة وزالنجي والضعين".
وفي أحدث تعليق رسمي، قال مساعد القائد العام للجيش، الفريق أول ياسر العطا، في بيان، الأحد، إنه "لن تكون هناك هدنة في السودان خلال شهر رمضان ما لم تغادر قوات الدعم السريع المنازل والمواقع المدنية"، بحسب رويترز.
وفي المقابل، أكد عضو المكتب الاستشاري لقائد قوات الدعم السريع، عمار صديق، "موافقة الدعم السريع على الهدنة التي دعا لها مجلس الأمن"، وأشار إلى أن "الجيش لا يرغب في إيقاف إطلاق النار، ويدعو لاستمرار المواجهات دون أدنى اعتبار لمعاناة السودانيين".
وقال صديق لموقع الحرة، إن "قوات الدعم السريع حريصة على إيقاف إطلاق النار، بما يسهم في حماية وسلامة المدنيين، وضمان وصول المساعدات الإنسانية إليهم، خاصة في رمضان".
ونوّه عضو المكتب الاستشاري، إلى أن "قوات الدعم السريع تأمل أن تؤسس الهدنة لبدء مشاورات جادة لعملية سياسية تفضي إلى إنهاء الحرب وتحقيق الأمن والاستقرار، والوصول إلى حل شامل للأزمة السودانية".
بدوره، أشار أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية، إبراهيم المبارك، إلى أن "الهدنة انهارت قبل أن تبدأ، لأن الثقة منعدمة تماما بين طرفي القتال في السودان".
وقال المبارك لموقع الحرة، إن "المجتمع الدولي لا يزال يتعامل مع الأزمة السودانية بطريقة تبدو رومانسية وغير فعالة، ويكتفي بإطلاق الدعوات والمطالبات للطرفين بالكف عن القتال، دون أن يستخدم آليات فعالة لإجبارهما على إنهاء الصراع".
وأضاف "ليس من المعقول أن يصوّت مجلس الأمن على قرار لوقف إطلاق النار دون أن يضع آليات فعالة، أو أن يحدد عقوبات صارمة لمن يعرقل مساعي إنهاء الصراع. هذه طريقة غير مجدية، ولا تراعي معاناة المدنيين في السودان".
وكان برنامج الأغذية العالمي حذر، الخميس، من أن الحرب الدائرة في السودان منذ قرابة 11 شهرا "قد تخلف أكبر أزمة جوع في العالم" في بلد يشهد أساسا أكبر أزمة نزوح على المستوى الدولي.
وقالت مديرة برنامج الأغذية العالمي، سيندي ماكين، إن "المعارك التي أوقعت آلاف القتلى وأدت الى نزوح 8 ملايين شخص، "تهدد حياة الملايين، كما تهدد السلام والاستقرار في المنطقة بأكملها".
اتهامات متبادلةقرار مجلس الأمن الدولي القاضي بوقف إطلاق النار في السودان خلال شهر رمضان، تزامن مع تحركات يقودها مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى السودان، رمطان لعمامرة، ما عده مراقبون "فرصة مناسبة لتسوية النزاع، حال توفرت الإرادة لدى الطرفين المتحاربين".
ويقول عضو المكتب الاستشاري لقائد قوات الدعم السريع، إن "تعدد المواقف والقرارات داخل الجيش يعد المعرقل الرئيسي لكل التحركات الساعية إلى إنهاء الحرب".
واعتبر أنه "لا يوجد موقف موحد لقادة الجيش، لأن القرار ليس بيدهم وإنما بيد قادة نظام الرئيس السابق عمر البشير، الذين يسيطرون على مفاصل المؤسسة العسكرية في السودان".
وأشار إلى أن "قادة الجيش يطلقون تعهدات خلال التفاوض، لكنهم سرعان ما يتنكرون لها، تحت ضغط قادة نظام البشير، وهو ما حدث مع نائب القائد العام للجيش، شمس الدين كباشي الذي قاد مفاوضات سرية مع الدعم السريع، ثم جاء وتنكر لتلك المفاوضات".
وأعلنت قوى الحرية والتغيير في بيان، أن "كباشي اجتمع مرتين في يناير الماضي، بالعاصمة البحرينية المنامة، مع نائب قائد قوات الدعم السريع لبحث سبل إنهاء الحرب، لكنه قاطع جلسة ثالثة، مخصصة لاستكمال المفاوضات دون إبداء أسباب".
وأوضح البيان "أن كباشي تعرض عقب انكشاف أمر المفاوضات غير المعلنة، لحملة تخوين ممنهجة وموسعة من عناصر نظام البشير، الذين يرفضون إيقاف الحرب، ويعملون لاستمرارها".
لكن الزاكي عبد المنعم يرى أن "قادة الجيش يملكون رأيا موحدا، يدعو لخروج قوات الدعم السريع من الأعيان المدنية ومن منازل المواطنين".
وقلل الخبير الاستراتيجي من أهمية الأحاديث التي تشير إلى "سيطرة قادة نظام البشير على مفاصل القرار داخل الجيش".
ولفت إلى أن "قادة نظام البشير لم يستطعوا السيطرة على قرار الجيش حينما كانوا حكاما للسودان. ومعلوم أن الجيش انحاز إلى المتظاهرين وأطاح البشير، وهذه حقيقة تقدح في أي اتهام يتحدث عن سيطرة نظام البشير على الجيش حاليا".
وأضاف "لا توجد خلافات أو انقسام في مواقف قادة الجيش، والجميع يتمسكون بتنفيذ اتفاق جدة، كشرط لإنجاح الهدنة".
في أبريل 2019 أعلن وزير الدفاع السوداني وقتها، عوض ابنعوف، انحياز الجيش إلى مطالب المتظاهرين الذين نفذوا اعتصماما أمام قيادته العامة، وتلا بيانا أطاح البشير.
دعوات لحكم ذاتي وتحذير من "انفصال".. الجزيرة تتحرك بمواجهة الدعم السريع على نحوٍ، عدّه مراقبون أنه "يتقاطع مع النزعة القومية التي عُرفت بها ولاية الجزيرة بوسط السودان"، تصاعدت دعوات بصورة مكثفة إلى "ضرورة تكوين قوة عسكرية شعبية، تعمل على طرد قوات الدعم السريع، ثم تخطط لحكم الولاية ذاتيا".من جانبه، أشار إبراهيم المبارك، إلى أن "موقف قادة الجيش يبدو موحدا، حينما يتحدثون عن المعارك وعن خيار الحسم العسكري، لكن مواقفهم تتباعد نوعا ما حينما يكون الحديث عن التفاوض، أو العملية السياسية".
وأضاف "لأول مرة منذ اندلاع الحرب يصدر بيان منفصل من مساعد القائد العام للجيش، ياسر العطا، مع أن البيانات تصدر دائما من الناطق باسم الجيش، أو من مكتب الإعلام بمجلس السيادة".
ولفت إلى أن "البرهان أعطي موافقة مبدئية مشروطة عن الهدنة التي دعا لها مجلس الأمن، بحسب ما أكده مندوب السودان لدى الأمم المتحدة، بينما أظهر العطا موقفا رافضا بالكلية، ما يُفهم منه وجود تباين في مواقف الرجلين".
وكان مندوب السودان لدى الأمم المتحدة، الحارث إدريس، قال إن "قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، أكد عبر رسالة رسمية موافقته على دعوة أطلقها الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش لوقف القتال خلال شهر رمضان".
وقال إدريس، خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي، الخميس، إن "البرهان تمسك بإلزام قوات الدعم السريع بتنفيذ اتفاق جدة، بخصوص خروج الدعم السريع من منازل المواطنين ومن الأعيان المدنية".
وفي أحدث تحرك أميركي بالشأن السوداني، باشر مبعوث الولايات المتحدة إلى السودان، توم بيرييلو، مهامه رسميا، وقال إنه "سيلتقي مع لجان الاستجابة الطارئة ولجان الشباب والمرأة في السودان في إطار الجهود لإحلال السلام بالبلاد".
وفي مقابلة مع قناة الحرة أوضح المبعوث الأميركي أن "على جميع الأطراف السودانية الالتزام بمحادثات السلام، مشيرا إلى التطلع إلى رجوع أطراف النزاع لمبادرة منبر جدة".
ووفق أرقام الأمم المتحدة، أدى الصراع بين الجيش والدعم السريع إلى مقتل أكثر من 12 ألف شخص، وأجبر أكثر من 7 ملايين على الفرار من منازلهم، بينهم 1.5 مليون لجأوا إلى تشاد ومصر وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان وإثيوبيا.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: قوات الدعم السریع وقف إطلاق النار خلال شهر رمضان الأمم المتحدة للأمم المتحدة نظام البشیر مجلس الأمن فی السودان قادة الجیش اتفاق جدة قادة نظام إلى أن
إقرأ أيضاً:
كنداكة الثورة السودانية تتحدث عن الثورة والانقلاب وانتهاكات الدعم السريع
وتعود كلمة "كنداكة" إلى العهد الكوشي أو ما يعرف بالحضارة النوبية، وهي تعني الملكة أو السيدة الأولى، لكن آلاء صلاح، قالت لبودكاست "ملهمات" إن الكلمة تعني "المقاتلة" أو بمعنى آخر "الأيقونة".
ويمكن القول إن كنداكة الثورة السودانية ليست جديدة على النضال السياسي، فقد شاركت جدتها في حراك 1964، الذي أنهى حكم الفريق إبراهيم عبود، وشاركت والدتها في انتفاضة 1985، التي أطاح الجيش على إثرها بحكم جعفر النميري، فيما شاركت أختها في انتفاضة الطلاب عام 2013 التي خرجت ضد قرار رفع الدعم الحكومي عن الوقود.
وبسبب مشاركتها في الثورة على عمر البشير، فقدت آلاء دراستها بعدما تم فصلها من الجامعة، لكنها التحقت بإحدى الجامعات البريطانية بعد حرمانها من الالتحاق بجامعة محلية.
وظلت آلاء في السودان حتى انقلاب أكتوبر/تشرين الأول 2021، حيث غادرت خشية التعرض للاعتقال كما حدث لكثيرين ممن شاركوا في الثورة على البشير، وفق قولها.
وتعرضت لتهديد مباشر من قوات الدعم السريع، وتلقت اتصالا من مدير مكتب قائد هذه القوات محمد حمدان دقلو (حميدتي) الذي طلب منها لقاء سريًّا، لكنها رفضت ذلك بسبب مسؤوليته عن قتل الثوار في اعتصام القيادة العامة وحرقهم واغتصاب بعضهم، حسب قولها.
إعلان
السفر لبريطانيا
بعد ذلك، أصبح تهديد الدعم السريع للشابة صريحا، وقد ذهبوا إلى بيتها أكثر من مرة وحاولوا ترهيب عائلتها جراء رفضها مقابلة حميدتي، الذي قالت إنه كان يحاول الضغط على رموز الثورة لدعم انقلاب أكتوبر/تشرين الأول 2021، ووصفه بأنه "تصحيح للمسار".
وعندما توجهت قوات الدعم السريع لبيتها قبل انقلاب 2021 بـ3 أيام، قررت آلاء الاختباء عند بعض أقربائها حتى تمكنت من السفر إلى بريطانيا التي كانت ستسافر لها بعد أيام من الانقلاب على كل حال لإكمال دراستها، كما قالت.
وبعد 5 سنوات من الإطاحة بحكم عمر البشير، وما آلت إليه أوضاع السودان، لا تريد صلاح القول إنها تشعر بخيبة أمل، لأن هذا الأمل هو الذي ساعدهم على تحقيق بعض أهداف الثورة -كما تقول- لكنها تعترف بأنها ليست سعيدة بينما السودان يعيش حالة من القتل والاغتصاب والانتهاكات التي لا تتوقف، وفق تعبيرها.
وشاركت المرأة بشكل كبير بالثورة على نظام البشير في ديسمبر/كانون الأول 2018، رغم القيود الكبيرة التي كانت مفروضة عليها في ذلك الوقت، وكانت كل واحدة منهن تقوم بما تجيد القيام به سواء كان التصوير أو مخاطبة الجماهير أو الرأي العام أو إسعاف الجرحى أو إعداد الطعام والشراب، كما تقول صلاح.
وبعد أن كان السودانيون يحلمون بالديمقراطية وتداول السلطة، "أصبحوا اليوم يعيشون قمعا وتهجيرا وانتهاكات واسعة لحقوق الإنسان على يد قوات الدعم السريع التي تقاتل منذ عامين ضد قوات الجيش"، حسب كنداكة الثورة.
وإلى جانب الانتهاكات، يعيش السودانيون مجاعة فعلية وتراجعا حادا في الخدمات الصحية وقتلا خارج القانون فيما توزع "شباب الثورة" بين جائع ونازح وهارب، حسب وصف صلاح.
أما من نجحوا في الخروج إلى دول أكثر أمنا، تضيف صلاح، فيعملون على توثيق ما يتعرض له الناس من انتهاكات وجرائم وتعريف العالم بها من خلال مواقع التواصل، لكنّ مَن هم بالداخل يجدون صعوبة كبيرة في إيصال ما يتم توثيقه للخارج بسبب توقف الإنترنت.
إعلانبيد أنه في ظل حالة الفقر المدقع والحاجة الشديدة وانهيار الخدمات وتفشي الخوف، أصبحت غالبية النشطاء مشغولين بعائلاتهم وجيرانهم وزملائهم أكثر من انشغالهم بمحاولة إحياء الثورة التي لم تعد سهلة أبدا في ظل ما وصلت إليه البلاد من استحكام للقوة، برأي صلاح.
ومع ذلك، فإن الشباب قادرون على إحداث التغيير لكنهم بحاجة للحد الأدنى من الظروف التي قد تساعد على تحويل مسار البلاد من الحرب إلى السلم الأهلي، وهو مسار تقول صلاح إنه "صعب جدا".
24/12/2024