من سوء حظ أمتنا أن مصائبها لا تأتي فرادى منذ عقود، وكأن من يقف خلف مآسيها المتكررة والمتعددة لا يريد أن تتركز جهود الحل في قُطر واحد يعاني أزمة فينجو منها، وإنما يمعن في استغلال تشابك الملفات والحدود والتاريخ، ليقفز بالمشكلات من بلد إلى آخر.
ولذلك، فإن من سوء حظ القلب العربي أن يتمزق بين أكثر من مأساة في وقت واحد، وأن يتعلم كيف يتنقل بين أولويات الأسى والتعاطف، فلا يكاد يتفاءل بانفراجة هنا حتى تأتيه صدمة من هناك.
لم تفلح صرخات الشعوب ولا تحركات دول عربية في وقاية غزة من شبح الجوع الذي يحاصر أبناءها، فقتل بعضهم، ومنهم من ينتظر، للأسف، نهاية مماثلة، رغم كل التحذيرات. وبجانب ذلك، ظهر الشبح نفسه في السودان، وأطلت التحذيرات نفسها من الداخل والخارج، غير أن تفاصيل مأساته تمضي على وتيرتها بغير حل قريب.
لن نتحدث عن دول أخرى مأزومة أو متأثرة بشكل أو بآخر بما يجري في المنطقة ويعاني أبناؤها صعوبات في سبيل توفير القوت اليومي، فالمقارنة بما يجري في غزة والسودان تجعل الانشغال بهما أكبر وتزيد مساحة التمني من ألّا يتسلل شبح الجوع منهما، وقد أصبح عربياً بامتياز، إلى جوارهما ويطارد ملايين أخرى، وأن يفقه من يسيّرون أمور معظم دولنا أن لا أحد بعيد عن الخطر، وأن سوء التقدير والاحتراب الداخلي يدفع ثمنهما الشعوب أولاً.
تختلف الظروف في غزة عنها بالسودان، لكن النتيجة واحدة: في الأولى يهدد الجوع أكثر من مليوني إنسان، ويطارد في الثانية أكثر من 25 مليوناً، وكل المحاولات الصادقة لتوفير ما ينجّي من المأساتين تصطدم بغوايات السياسة وتعقيدات العلاقات الدولية.
كانت الأزمة في السودان تشكو تراجعاً في الاهتمام بها، مقارنة بنظيرتها في غزة، غير أن الجوع جاء ليضعها مجدداً في قلب الجانب المأساوي من المشهد في المنطقة الموشكة على صيام معروف المدة، لكنه عند أهل غزة والسودان مفتوح وقاتل.
لعب النزق برأس من أشعلوا النار في غزة، فوصلت النتائج إلى هذا الحد، وأعمت المصالح الضيقة الأطراف الفاعلة في مشهد السودان، فأصبح نصف سكان «سلة الغذاء العربي» في قبضة الجوع بعد ويلات النزوح واللجوء والتشرد والمرض والموت والحسرة على وطن يتمزق.
بلد كان مهيّأً لأن يطعم مليار إنسان إذا أحسن استثمار خيراته يوشك أن يصبح بطل أكبر أزمة جوع في العالم، وهو رقم قياسي مسبوق في دارفور قبل عشرين عاماً وقابل للتجدد، وستكون وطأته هذه المرة أكبر، فمعطيات التعامل الدولي مع الأزمة الأولى ليست نفسها الآن.
التقارير الدولية لا يتجاوز تأثيرها في غزة والسودان، حتى الآن، التحذير، فمساحات الجوع أسرع انتشاراً، ونتائجه أشد وقعاً، بينما الجهود المبذولة لمحاصرته تستلزم وقتاً لتؤتي أكلها. ولا أحد يعرف كم نفساً يجب أن تزهق لتنتهي المأساتان.
وليد عثمان – صحيفة الخليج
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: فی غزة
إقرأ أيضاً:
السودان يعلن انسحابه من نظام مراقبة الجوع عشية تقريرعن المجاعة
الخرطوم - الحكومة السودانية تعلق مشاركتها في نظام مراقبة الجوع العالمي، عشيىة صدور تقرير من المتوقع أن يظهر انتشار المجاعة في أنحاء البلاد، وهي خطوة من المرجح أن تقوض الجهود الرامية إلى معالجة واحدة من أكبر أزمات الجوع في العالم، بحسب سبوتنيك.
وفي رسالة بتاريخ 23 ديسمبر (كانون الأول)، قال وزير الزراعة بالحكومة السودانية إنها علقت مشاركتها في نظام التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي. واتهمت الرسالة التصنيف المرحلي "بإصدار تقارير غير موثوقة تقوض سيادة السودان وكرامته".
ومن المتوقع أن ينشر التصنيف، اليوم الثلاثاء، تقريرا يفيد بأن المجاعة انتشرت في خمس مناطق في السودان وقد تمتد إلى 10 مناطق بحلول مايو (أيار).
وجاء في الوثيقة أطلعت عليها "رويترز" "يمثل هذا تفاقما وانتشارا لم يحدثا من قبل لأزمة الغذاء والتغذية، نتيجة الصراع المدمر وضعف وصول المساعدات الإنسانية".
ورفض المتحدث باسم التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي ومقره في روما عن التعليق.
وقال رئيس منظمة غير حكومية تعمل في السودان، طلب عدم الكشف عن هويته، إن الانسحاب من نظام التصنيف المرحلي قد يقوض الجهود الإنسانية لمساعدة ملايين السودانيين الذين يعانون من الجوع الشديد.
وأضاف: "الانسحاب من نظام التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي لن يغير من واقع الجوع على الأرض، لكنه يحرم المجتمع الدولي من بوصلته في التعامل مع أزمة الجوع في السودان، وبدون تحليل مستقل، فإننا نتحرك بلا رؤية في عاصفة انعدام الأمن الغذائي هذه".
ولم يستجب دبلوماسي في بعثة السودان لدى الأمم المتحدة في نيويورك حتى الآن لطلب التعليق على خطوة تعليق المشاركة في التصنيف.
يعد التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي هيئة مستقلة تمولها دول غربية وتشرف عليها 19 منظمة إنسانية كبيرة ومؤسسة حكومية دولية. وهو محور رئيسي في النظام العالمي الواسع لمراقبة وتخفيف الجوع، وهو مصمم لدق ناقوس الخطر بشأن تطور أزمات الغذاء حتى تتمكن المنظمات من الاستجابة ومنع المجاعة والمجاعة الجماعية.
Your browser does not support the video tag.