جريدة الرؤية العمانية:
2025-04-22@02:07:05 GMT

"لا تناطح ثورًا.. ولا تسابق ضأنة"

تاريخ النشر: 10th, March 2024 GMT

'لا تناطح ثورًا.. ولا تسابق ضأنة'

 

علي بن سالم كفيتان

خرجتُ بعد صلاة المغرب من جامع الشيخ عمر بن حفيظ الرواس في قلب صلالة الجديدة، لأجد بقية من حكماء ظفار الأولين، رجال يلتئمون في صحن المسجد بين المغرب والعشاء على الدكة الخارجية بمسابحهم اللامعة بالنور، وهيبة وجوههم، ووقارهم الطاغي.

عرفتُ أحدهم فجذبتني خطاي إلى تلك الحلقة المهيبة، سلّمتُ كعادتنا في ظفار قام الجميع، مررتُ أمامهم وأنا استحضر بقية ما سمعته عن مشايخ ظفار ووجهائها، حتى استقر بي الجلوس عند الشيخ الذي أعرفه ويعرفني، فقد كانت لنا صحبة عمل لسنوات، فخبِرته وخبرني، ولا زلنا نحتفظ بذات المودة، رغم جفاء الوصال بيننا.

ففي غالب الأحيان نلتقي في عُرس أو عزاء، ويعاتبني هو وأنا كعادتي استسلم لتقصيري، وهو كعادته يعفو ويصفح. كنت أنوي السلام والمغادرة، لكن الجلسة لا تفوَّت، والأسماء الحاضرة قد لا تجتمع هنا مرة أخرى؛ فحسب الظاهر لي أنه كان حضورًا على هامش مناسبة اجتماعية، وبحكم ما أسمع عن دهاء القوم وحنكتهم في الحياة، جلستُ لاستمع لشيء من حديث الرجال، الذين كنتُ أسمعُ عنهم ولم يجمعني القدر بهم، ودعَّم الموقف إلحاح مُضيِّفِي بينهم، فاستمعتُ وأنصتُّ لحديثٍ من زمنٍ ليس زماننا، لكنه ساهم في صنع واقعنا بكل تأكيد.

الحكمةُ وُلِدَتْ هنا، والهدوء والرزانة نبتتْ مع هؤلاء الرجال، منذ نعومة أظفارهم. حديث هادئ من طرفِ الجلسة، الكلُ يُنصِتُ ولا أحدَ يُقاطع ذلك المتحدث رغم إطالته، ومن ثم يسود صمت رهيب بعد انتهاء حديثه المسهب. من الذي سوف يكون التالي؟ لا أعرف، لكنني رأيتُ شيخًا وقورًا يستأذنُ للحديث، ومن ثم يسترسل حتى يُتِمُ. وهكذا كانت الجلسة عبارة عن تدريب على أصول مجالس الرجال، لا نفاق هنا، ولا نميمة؛ بل كلام عن الزُهد والحكمة، وبعض الأحاديث الشيِّقة عن السلف الصالح في ظفار. وقد كنتُ مدينًا لهم بذِكْر مناقب رجلٍ يقرُب لي، وهذه عادة حميدة في ظفار، فإن حضرتَ قومًا من هذا الطراز، يرحبون بك بأجمل ما تحب من أسماء، ولا يجدون حرجًا في ذكر مناقب أهلك وفضائلهم.

وفي خِضَمِّ تلك الجلسة العامرة، أطلق أحدهم هذا المثل الظفاري الدارج "لا تناطح ثورًا ولا تسابق ضأنًا"، وكانت فرصة ثمينة لتفسير المعني. فحسب ما يبدو الحديث، كان عن التعامل مع المراحل والشخوص، ومتى يمكن الدخول في الأمر، ومتى يُترك؛ فمناطحة الثور مهلكة، لذلك وجب البعد عنه قدر المستطاع؛ لأن مطرقة رأسه قوية، والتعامل معه وخاصةً أثناء هيجانه يكون صعبًا للغاية، بحكم مقدار القوة التي يمتلكها، مقابل مقدار قليل من العقل، فيُصبح مشروعَ قاتلٍ مع سبق الإصرار والترصد، فأوجبت الحكمة تهدأته، والبُعد عن رفساته ونطحاته، بينما سيكون نصيب من دخل في سباق الضأنة أحد الأمرين؛ إما أن يسبقها فيقال سبق ضأنة، أو أن تسبقه هي؛ فيقال سبقته ضأنة! وكلا الأمرين فيهما مسبة؛ فالأحرى بالعاقل ترك هذا النوع من السباقات.

أُذِّن للعشاء وافترقنا قبل اكتمال حديث هذه الثلة من حكماء ظفار ودهاتها، والكلام كان في مضمونه أدبيًا بحتًا، لا يعدو تفسير مثل ظفاري دارج لطالما استخدمه العقلاء للنجاة من مغبة نطحات الثيران وسباق الضأنة الذي أصبح معتادًا في هذا الزمن. تمنَّيتُ أن يقيم والي صلالة برزة يجتمع فيها مع ما تبقى من هؤلاء الرجال مرة أو مرتين في الأسبوع، ويحضرها المحافظ ورئيس البلدية وكبار المسؤولين، ومن أرد من الناس؛ لكي تستمع الأجيال الى حديثٍ لا يُمَل، ورجال صنعتهم الأيام؛ فهم شيوخ عندما يُنادى للمشيخة، وهم يد السخاء والكرم عندما ينتخى العطاء في أبواب الخير، وهم أهل الدهاء والحكمة، عندما تلتأم الحجرة (البرزة) كل هذا الإرث الإنساني الخالد لا زالت بقاياه بيننا، ونحن في أمسِّ الحاجة اليه اليوم قبل غدٍ؛ فالهروب الى الامام لن يُنجينا من منحنيات الطريق وحفرِهِ العميقة، كما إن الاستماع للناس والحوار معهم يُوَلِّد المعرفة، ويساهم في بناء فهمٍ مشتركٍ للواقع؛ حيث لا يمكننا الذهاب بعيدًا إذا مسحنا ما كتبناه بالأمس، لنعيد كتابته اليوم، بأقلامٍ بلا حبرٍ.

حفظ الله بلادي.

****************

هذا اللقاء جرى مُصادفةً قبل عدة أعوام، وأعتقد أننا اليوم فقدنا عددًا من هذه القامات العُمانية الخالدة الذكر.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الأحساء.. تدخل طبي حديث يحسن جودة حياة الأطفال ذوي العيوب الخلقية

استقبل مستشفى الولادة والأطفال أحد مكونات تجمع الأحساء الصحي طفلة تعاني من أحد العيوب الخلقية؛ وهي حالة عدم تكوّن فتحة الشرج المعروفة باسم الإمساك الخلقي، والتي تعد من التحديات الكبرى التي تواجه الأطفال منذ مراحلهم الأولى، حيث تؤثر بشكل عميق على حياتهم الصحية والنفسية، وتتطلب تدخلاً طبيًا عاجلاً لضمان حياة طبيعية للطفل.
وواجهت أسرة الطفلة تحديات كبيرة في التكيف مع حالتها، نتيجة الآلام المتكررة والاضطرابات الهضمية المزمنة، والصعوبات الكبيرة التي تعاني منها في عملية الإخراج واحتياجها لوسائل بديلة منذ الأيام الأولى مثل فغر القولون، مما أثر على نموها وتفاعلها الاجتماعي، كما كانت بحاجة لرعاية طبية مستمرة وعمليات جراحية متكررة لتحسين وضعها الصحي.
أخبار متعلقة زراعة شتلات وحملات وورش.. تفاصيل فعاليات "بيئتنا كنز" في الشرقيةالشرقية.. القبض على شخصين لترويجهما مادة "الشبو" المخدرةوبعرض الحالة على الفريق الطبي المختص، أوصى بإجراء عملية Malone، وهي تقنية جراحية تهدف إلى تحسين التحكم في الإخراج عبر إنشاء قناة صناعية في الزائدة الدودية أو جزء من الأمعاء الدقيقة، تتيح إجراء حقن شرجي منتظم يساعد على تفريغ الأمعاء بشكل فعّال.التدخل الطبي الحديثونجحت العملية في تغيير حياة الطفلة، حيث بدأت تستعيد حياتها الطبيعية تدريجيًا، وأصبحت قادرة على التحكم في عملية الإخراج بشكل منتظم، مما قلل من المشكلات الصحية السابقة ورفع مستوى ثقتها بنفسها.
كما تحسنت حالتها النفسية بشكل ملحوظ، وعادت للاندماج مع أقرانها وممارسة حياتها دون الحاجة للحفاضات أو القلق المستمر.
وتعد هذه الحالة مثالاً حياً على أهمية التدخل الطبي الحديث ودوره في تحسين جودة حياة الأطفال الذين يولدون بعيوب خلقية؛ ومع التقدم الطبي، أصبحت هناك حلول مبتكرة تهدف إلى تقديم الأمل لأفراد العائلات التي تواجه مثل هذه التحديات.

مقالات مشابهة

  • مفتي الجمهورية يكتب: عَرَضٌ يَزُولُ وَيَبْقَى الإِمَام الطيب
  • انخفاض حاد في أعداد المهاجرين إلى اليمن خلال مارس
  • "الحقّ علينا" تعيد وهج الرومانسية بصوت عاصي الحلاني... وتتصدر حديث الجمهور بوجعها الدافئ
  • فرصة مهمة لتعزيز العلاقات.. ملفات التجارة تترأس حديث نائب ترامب خلال زيارته للهند
  • الأحساء.. تدخل طبي حديث يحسن جودة حياة الأطفال ذوي العيوب الخلقية
  • ضبط 3 يمنيين بحوزتهم مبالغ مالية عبر منفذ صرفيت
  • وفيات يوم السبت الموافق 19 ابريل 2025
  • دراسة: النساء يتمتعن بقدرة سمعية أعلى من الرجال.. فيديو
  • الدعاوي ساهلة والكلام ساهل لكن ساعة الجد بثبتو الرجال
  • شديدة السمّية.. تسجيل أول ظهور لأفعى "الصّل الأسود" في السلطنة