أكاديمي فرنسي يتنبأ بهزيمة الغرب
تاريخ النشر: 10th, March 2024 GMT
ترجمة: أحمد شافعي
في خطاب حالة الاتحاد يوم الخميس الماضي قال الرئيس بايدن: «لو أن في هذه القاعة من يتصورون أن بوتين سوف يتوقف عند أوكرانيا، فإنني أؤكد أنه لن يفعل». وأضاف في معرض ترحيبه بأولف كريسترسون، رئيس وزراء السويد، أحدث عضو في حلف شمال الأطلسي، قائلا: إن «أوروبا في خطر». لكن الرئيس بايدن قال أيضا إنه يبقى «مصرا» على أن الجنود الأمريكيين لن يكونوا لازمين للدفاع عن أوروبا.
وهذه مشكلة. فالأوروبيون، شأن الأمريكيين، آخذون في الضجر من الحرب. ويزدادون تشككا في أوكرانيا سوف تنتصر فيها. لكن لعل الأمر الأهم هو أنهم لا يثقون في أن الولايات المتحدة ـ التي لم تفعل الكثير في هذه الحرب لتبديد الشكوك حول دوافعها وكفاءتها مما تكون خلال حربها في العراق قبل عقدين من الزمن. لكن على الرغم من تصور الأمريكيين في بعض الأحيان لتفردهم بالاستقطاب، فإن لدى المجتمعات الغربية جميعا نسخة من هذا الاستقطاب. إذ أن «النخب» في أوروبا ترى أن الناتو يخوض حربا من أجل صد الغزو الروسي. لكن ما يراه «الشعبويون» هو أن النخب الأمريكية تخوض حربا للانتصار على تحدٍّ لهيمنتهم، بغض النظر عن الأضرار الجانبية.
القيادة الأمريكية تفشل: هذه هي حجة كتاب جديد يوشك منذ يناير أن يحتل قمة قوائم أكثر الكتب مبيعا في فرنسا. عنوانه «هزيمة الغرب»، ومؤلفه إيمانويل تود مؤرخ وعالم أنثروبولوجيا مرموق استخلص في كتاب صدر له سنة 1976 بعنوان «السقوط الأخير» إحصاءات وفيات الأطفال الرضع للتنبؤ بأن الاتحاد السوفييتي في طريقه إلى الانهيار.
منذ ذلك الحين، يكتب تود عن الأحداث الجارية كتابة تؤخذ في أوروبا مأخذ النبوءات. صدر له في عام 2002 كتاب «ما بعد الإمبراطورية» متنبئا بـ«انهيار النظام الأمريكي» في ذروة التماسك الوطني بعد الحادي عشر من سبتمبر وقبل كارثة حرب العراق التي عارضها تود معارضة شرسة. هو كاتب أنجلوفوني (حاصل على الدكتوراه من كمبريدج) ومحب للثقافة الإنجليزية (في مستهل حياته المهنية على الأقل)، لكنه مضى فتحرر من أوهامه عن الولايات المتحدة حتى وصل إلى مناهضتها. ينتقد تود التدخل الأمريكي في أوكرانيا، لكن حجته في ذلك ليست الحجة التاريخية المألوفة الآن التي احتج بها أستاذ العلوم السياسة المعارض جون ميرشايمر. يثير تود ـ شأن ميرشايمر ـ أسئلة حول حماسة توسع الناتو في ظل الرئيسين بيل كلينتن وجورج دبليو بوش، وأيديولوجية نشر الديمقراطية التي قال بها المحافظون الجدد، وشيطنة روسيا على المستوى الرسمي. لكن تشككه في تدخل الولايات المتحدة في أوكرانيا أعمق من ذلك، إذ يعتقد أن الإمبريالية الأمريكية لم تعرض بقية العالم للخطر وحسب لكنها نالت أيضا من الشخصية الأمريكية. في حوارات على مدار العام الماضي، ذهب تود إلى أن الغربيين يركزون أكثر مما ينبغي على مفاجأة واحدة في الحرب هي قدرة أوكرانيا على تحدي الجيش الروسي برغم ضخامة حجمه. لكن هناك مفاجأة ثانية لم تلق حقها من التقدير، وهي قدرة روسيا على تحدي العقوبات والمصادرات التي سعت بها الولايات المتحدة إلى تدمير الاقتصاد الروسي. وحتى مع اتباع حلفائها الغربيين لها ظلت الولايات المتحدة تفتقر إلى النفوذ اللازم لإبقاء لاعبي العالم الاقتصاديين الجدد الضخام ملتزمين بالصف. فالهند استغلت رخص أسعار الطاقة الروسية. والصين قدمت لروسيا السلع والمكونات الإلكترونية الخاضعة للعقوبات.
ثم أثبتت قاعدة التصنيع في الولايات المتحدة والدول الأوروبية الحليفة أنها غير كافية لإمداد أوكرانيا بالمواد (العسكرية خاصة) اللازمة للثبات في الحرب ناهيكم عن الفوز فيها. ولم يعد لدى الولايات المتحدة السبل اللازمة للوفاء بوعودها في السياسة الخارجية. وثمة من ينتظرون هذه اللحظة منذ بعض الوقت، وليسوا جميعا بعيدين عن أروقة السلطة بُعد تود. فقد ذكر الرئيس بايدن في سيرته الصادرة سنة 2017 أن الرئيس باراك أوباما كان يحذره من «الإفراط في تقديم الوعود للحكومة الأوكرانية». والآن نرى السبب. يخلص تود إلى أن هبوط الأمريكيين المتهور في الاقتصاد العالمي كان خطأ. وبعض أجزاء حجته مألوف من خلال مؤلفين آخرين: فالولايات المتحدة تنتج من السيارات ومن القمح أقل مما كانت تنتج في الثمانينيات. ولكن أجزاء أخرى في حجته تتعلق بتحولات ثقافية أبعد مدى وأكبر عمقا وترتبط ارتباطا دائما بالرخاء. وقد درجنا على أن نسميها الانحطاط. ففي مجتمع متقدم رفيع التعليم كمجتمعنا، يطمح الكثير للغاية من الناس ـ حسبما يرى تود ـ إلى عمل يتعلق بالإدارة والرئاسة على المحيطين. فهم يريدون أن يكونوا ساسة وفنانين ومديرين. وهذا لا يوجب دائما تعلم أمور على قدر كبير من التعقيد. «وعلى المدى البعيد، أحدث تقدم التعليم انحدارا تعليميا» كما يكتب تود «وذلك لأنه أفضى إلى اختفاء القيم التي تدعم التعليم». يقدّر تود أن الولايات المتحدة تنتج مهندسين أقل من روسيا، لا قياسا إلى عدد السكان بل وفقا للأرقام المطلقة. وهي تمر «باستنزاف عقول داخلي»، إذ ينجرف شبابها من الوظائف عالية المهارات ذات القيمة المضافة إلى القانون والتمويل ومختلف الوظائف التي تنقل القيمة وحسب داخل الاقتصاد بل وقد تدمرها في بعض الأحيان. (ويدعونا إلى تأمل ويلات صناعة الأفيون على سبيل المثال).
ومثلما يرى تود الأمر، فإن قراء الغرب بأن يوكل قاعدته الصناعية إلى غيره يتجاوز كونه سياسة رديئة، إلى كونه دليلا على مشروع لاستغلال بقية العالم. ولكن تحقيق الأرباح ليس الأمر الوحيد الذي تفعله أمريكا في العالم، فهي أيضا تنشر نظام قيم ليبرالية كثيرا ما توصف بأنها حقوق مطلقة للإنسان. وينبه تود ـ وهو عالم في أنثروبولوجيا العائلات ـ إلى أن كثيرا من القيم التي ينشرها الأمريكيون في العالم أقل إطلاقا وعمومية مما يتصور الأمريكيون. فهياكل الأسر الأنجلوأمريكية على سبيل المثال أقل نزوعا إلى البطريركية منها في أي مكان آخر في العالم. كما أن الولايات المتحدة تبنت في طور تحديثها نموذجا للجنس والجندر لا يتوافق جيدا مع الثقافات التقليدية (كالهندية مثلا) والبني الحديثة الأميل إلى البطريركية (كالروسي مثلا).
وليس تود بالأخلاقي. لكنه يصر أن الثقافات التقليدية لديها خوف كبير من نزعات الغرب التقدمية وقد تقاوم التحالف في السياسة الخارجية مع من يتبنونها. وبالمثل، خلال الحرب الباردة، تسبب تبني الاتحاد السوفييتي رسميا للإلحاد في إفساد علاقاته بشعوب كثيرة كان يمكن لولا ذلك أن تكون في أتم الاستعداد لتقبل الشيوعية.
يؤمن تود بأن بعض قيمنا «سلبية للغاية». ويدلّل على أن الغرب لا يقيم وزنا لحياة صغاره. فمعدل وفيات الأطفال، أي المقياس الدال الذي أدى إلى نبوءة انهيار الاتحاد السوفييتي قبل نصف قرن، أعلى في أمريكا بايدن (إذ يبلغ 5.4 لكل ألف نسمة) منه في روسيا بوتين، ويبلغ ثلاثة أمثال نظيره في يابان رئيس الوزراء فوميو كيشيدا. وفي حين أن تود، مرة أخرى، لا يصدر أحكاما على الأمور الجنسية، فهو يصدرها على الأمور الفكرية. فيذهله عند كل منعطف في حرب أوكرانيا العجز عن التمييز بين الحقائق والآمال. فالأمل الأمريكي في بدايات الحرب في أن الصين قد تتعاون في نظام العقوبات المفروضة على روسيا فتساعد من ثم في صقل سلاح الولايات المتحدة الذي قد يوجه ذات يوم إلى الصين نفسها، يشكل في نظر تود ضربا من «الهذيان». ولسوف يجد دارسو حرب فيتنام في كتاب توم الكثير مما يذكرهم بالمؤرخ لورين باريتز وكتابه الكلاسيكي الصادر سنة 1985 بعنوان «نتائج عكسية» الذي اعتمد على الثقافة الرائجة، والميثولوجيا الوطنية، ونظرية الإدارة في تفسير ما أدى بالولايات المتحدة إلى فقدان الاتجاه في فيتنام. خلص باريتز إلى «أننا نحن الخطأ الذي وقع في فيتنام». ولو كان ليندن جونسن تمكن من فرض إرادته على الفيتناميين حسبما رأي باريتز «لكانت ثقافة قد تحطمت عن بكرة أبيها بسبب طيبة القلب الأمريكي». إن المرأ يقرأ طيلة الوقت أبحاثا تقول إن فلاديمير بوتين خطر على النظام الغربي. ربما. لكن الخطر الأكبر على النظام الغربي هو غطرسة من يديرونه. إن خوض حرب قائمة على قيم يقتضي أن تكون القيم جيدة. وأقل ما يقتضيه هو الاتفاق على القيم الجاري نشرها، والولايات المتحدة أبعد اليوم عن هذا الاتفاق مما كانت عليه في أي وقت من تاريخها، بل هي أبعد حتى مما كانت في عشية الحرب الباردة. ويبدو في بعض الأوقات أنه لا وجود لمبادئ وطنية، ولكنها فقط مبادئ حزبية، إذ أن كل طرف على قناعة بأن الطرف الآخر لا يحاول إدارة الحكم فقط وإنما أن يستولي على الدولة. وإلى حين أن ينشأ شيء من الإجماع، فإن الرئيس بايدن ليس بالممثل الصالح لبلده في تقديمه بلدا ثابتا متحدا بما يكفي للالتزام بأي شيء. وهذا ما يتعلمه الأوكرانيون بتكلفة باهظة.
كريستوفر كالدويل كاتب رأي مساهم ومؤلف كتاب «عصر الاستحقاق: أمريكا منذ الستينيات».
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة الرئیس بایدن
إقرأ أيضاً:
«الدوما الروسي» يلوح بخيار استهداف عسكري مباشر ضد الغرب لدعم أوكرانيا بأسلحة متطورة
قال مجلس الدوما الروسي، إن موسكو لديها الحق في ضرب الأهداف العسكرية للدول الغربية التي تمد أوكرانيا بأسلحة بعيدة المدى، وفقا لما أفادت به قناة «القاهرة الإخبارية» في خبر عاجل، منذ قليل.
وكان الرئيس الأمريكى جو بايدن، قد وافق على طلب تقدمت به كييف مراراً وعلى مدى أشهر، للسماح باستخدام نظامي «ستورم شادو» البريطاني و«أتاكمس» الأميركي لضرب أهداف داخل الأراضي الروسية.
وتبلغ هذه الصواريخ مداها الأقصى مئات الكيلومترات، يمكن لأوكرانيا من خلالها ضرب مواقع لوجستية للقوات الروسية ومطارات تقلع منها قاذفاتها لضرب الأراضي الأوكرانية.
اقرأ أيضاً«بداية حرب عالمية ثالثة».. بايدن يورط الرئيس الأمريكي الجديد في مواجهة مع روسيا
الذهب يرتفع لأعلى مستوى في أسبوعين وسط التصعيد بين روسيا وأوكرانيا
بوتين: روسيا ضربت منشأة صناعية عسكرية أوكرانية ردا على استخدام الصواريخ الغربية