"لا تناطح ثورًا.. ولا تسابق ضأنًا"
تاريخ النشر: 10th, March 2024 GMT
علي بن سالم كفيتان
خرجتُ بعد صلاة المغرب من جامع الشيخ عمر بن حفيظ الرواس في قلب صلالة الجديدة، لأجد بقية من حكماء ظفار الأولين، رجال يلتئمون في صحن المسجد بين المغرب والعشاء على الدكة الخارجية بمسابحهم اللامعة بالنور، وهيبة وجوههم، ووقارهم الطاغي.
عرفتُ أحدهم فجذبتني خطاي إلى تلك الحلقة المهيبة، سلّمتُ كعادتنا في ظفار قام الجميع، مررتُ أمامهم وأنا استحضر بقية ما سمعته عن مشايخ ظفار ووجهائها، حتى استقر بي الجلوس عند الشيخ الذي أعرفه ويعرفني، فقد كانت لنا صحبة عمل لسنوات، فخبِرته وخبرني، ولا زلنا نحتفظ بذات المودة، رغم جفاء الوصال بيننا.
الحكمةُ وُلِدَتْ هنا، والهدوء والرزانة نبتتْ مع هؤلاء الرجال، منذ نعومة أظفارهم. حديث هادئ من طرفِ الجلسة، الكلُ يُنصِتُ ولا أحدَ يُقاطع ذلك المتحدث رغم إطالته، ومن ثم يسود صمت رهيب بعد انتهاء حديثه المسهب. من الذي سوف يكون التالي؟ لا أعرف، لكنني رأيتُ شيخًا وقورًا يستأذنُ للحديث، ومن ثم يسترسل حتى يُتِمُ. وهكذا كانت الجلسة عبارة عن تدريب على أصول مجالس الرجال، لا نفاق هنا، ولا نميمة؛ بل كلام عن الزُهد والحكمة، وبعض الأحاديث الشيِّقة عن السلف الصالح في ظفار. وقد كنتُ مدينًا لهم بذِكْر مناقب رجلٍ يقرُب لي، وهذه عادة حميدة في ظفار، فإن حضرتَ قومًا من هذا الطراز، يرحبون بك بأجمل ما تحب من أسماء، ولا يجدون حرجًا في ذكر مناقب أهلك وفضائلهم.
وفي خِضَمِّ تلك الجلسة العامرة، أطلق أحدهم هذا المثل الظفاري الدارج "لا تناطح ثورًا ولا تسابق ضأنًا"، وكانت فرصة ثمينة لتفسير المعني. فحسب ما يبدو الحديث، كان عن التعامل مع المراحل والشخوص، ومتى يمكن الدخول في الأمر، ومتى يُترك؛ فمناطحة الثور مهلكة، لذلك وجب البعد عنه قدر المستطاع؛ لأن مطرقة رأسه قوية، والتعامل معه وخاصةً أثناء هيجانه يكون صعبًا للغاية، بحكم مقدار القوة التي يمتلكها، مقابل مقدار قليل من العقل، فيُصبح مشروعَ قاتلٍ مع سبق الإصرار والترصد، فأوجبت الحكمة تهدأته، والبُعد عن رفساته ونطحاته، بينما سيكون نصيب من دخل في سباق الضأنة أحد الأمرين؛ إما أن يسبقها فيقال سبق ضأنة، أو أن تسبقه هي؛ فيقال سبقته ضأنة! وكلا الأمرين فيهما مسبة؛ فالأحرى بالعاقل ترك هذا النوع من السباقات.
أُذِّن للعشاء وافترقنا قبل اكتمال حديث هذه الثلة من حكماء ظفار ودهاتها، والكلام كان في مضمونه أدبيًا بحتًا، لا يعدو تفسير مثل ظفاري دارج لطالما استخدمه العقلاء للنجاة من مغبة نطحات الثيران وسباق الضأن الذي اصبح معتادًا في هذا الزمن. تمنَّيتُ أن يقيم والي صلالة برزة يجتمع فيها مع ما تبقى من هؤلاء الرجال مرة أو مرتين في الأسبوع، ويحضرها المحافظ ورئيس البلدية وكبار المسؤولين، ومن أرد من الناس؛ لكي تستمع الأجيال الى حديثٍ لا يُمَل، ورجال صنعتهم الأيام؛ فهم شيوخ عندما يُنادى للمشيخة، وهم يد السخاء والكرم عندما ينتخى العطاء في أبواب الخير، وهم أهل الدهاء والحكمة، عندما تلتأم الحجرة (البرزة) كل هذا الإرث الإنساني الخالد لا زالت بقاياه بيننا، ونحن في أمسِّ الحاجة اليه اليوم قبل غدٍ؛ فالهروب الى الامام لن يُنجينا من منحنيات الطريق وحفرِهِ العميقة، كما إن الاستماع للناس والحوار معهم يُوَلِّد المعرفة، ويساهم في بناء فهمٍ مشتركٍ للواقع؛ حيث لا يمكننا الذهاب بعيدًا إذا مسحنا ما كتبناه بالأمس، لنعيد كتابته اليوم، بأقلامٍ بلا حبرٍ.
حفظ الله بلادي.
****************
هذا اللقاء جرى مُصادفةً قبل عدة أعوام، وأعتقد أننا اليوم فقدنا عددًا من هذه القامات العُمانية الخالدة الذكر.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
بملايين الدولارات.. قرار بشأن تعويض عراقيين عُذبوا في سجن أبو غريب
بغداد اليوم - متابعات
كشف محامون، أن هيئة محلفين أمريكية قضت اليوم الثلاثاء (12 تشرين الثاني 2024)، بدفع 42 مليون دولار تعويضاً لعراقيين عُذبوا في سجن أبو غريب .
وبحسب ما نقلت "فرانس برس"، وتابعته "بغداد اليوم": "أمرت هيئة محلفين فدرالية متعاقدا مع وزارة الدفاع الأمريكية بدفع مبلغ 42 مليون دولار لثلاثة عراقيين تعرضوا للتعذيب في سجن أبو غريب، بحسب ما أفاد فريق الدفاع عنهم".
وخلصت الهيئة إلى أن المتعاقد( CACI Premier Technology) ضالع في تعذيب الرجال الثلاثة في السجن عامي 2003 و2004، وفق ما أفاد مركز الحقوق الدستورية.
وتزامنًا مع مرور عشرين عامًا على الغزو الأمريكي للعراق، توالت تقارير حقوقية سابقة منتقدةً تجاهل الولايات المتحدة لحقوق المعتقلين الذين تعرّضوا لانتهاكات في سجن أبو غريب.
وذكرت صحيفة "الغارديان" البريطانية في تقرير نشرته مؤخراً، أنه "بالرغم من مرور عشرين عامًا على غزو العراق، فإنه لم يتم تعويض ضحايا الانتهاكات والتعذيب على أيدي القوات الأمريكية بعد".
وبحسب تقرير للجنة الدولية للصليب الأحمر، فقد احتجزت الولايات المتحدة آلاف الرجال والنساء والأطفال في سجن أبو غريب، وقُدر أن ما بين 70 و 90% من المعتقلين، في عام 2003، تم اعتقالهم عن طريق الخطأ.
المصدر: فرانس برس