تفاجأتُ من حجم الترحيب بقرار محكمة العدل الدولية، الصادر بتاريخ ٢٦ يناير ٢٠٢٤م في الشق المستعجل أو في التدابير المؤقتة (كإجراء فرعي مستعجل) من الدعوى التي تقدمت بها بتاريخ ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٣م حكومة جنوب إفريقيا ضد إسرائيل، والتي تتهمها فيها بانتهاك التزاماتها بموجب أحكام «اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها»، التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ ٩ ديسمبر ١٩٤٨م، ودخلت حيّز النفاذ بتاريخ ١٢ يناير ١٩٥١م، بعد الحصول على التصديقات العشرين اللازمة لذلك وفق المادة (١٣) من الاتفاقية، التي تعد بمثابة أول اتفاقية لحقوق الإنسان اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة.

فكما هو معلوم أن القضاء المستعجل أو التدابير العاجلة يكون القصد منها «منع ضرر مؤكد قد يتعذر تداركه أو إصلاحه». فجنوب إفريقيا قدمت للمحكمة مذكرة قانونية تتكون من ٨٤ صفحة تحوي عددًا كبيرًا من الأدلة والمعلومات، بالصوت وبالصورة، التي جُمعت من تقارير الأمم المتحدة، من خلال المقررين الخاصين لدى الأمم المتحدة ومفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، إضافةً إلى التوثيقات الصحفية الصادرة عن الإعلاميين الموجودين داخل قطاع غزة، بالإضافة إلى مصادر أخرى عديدة ذات مصداقية، تثبت بما لا يدع مجالًا للشك قيام حكومة وجيش الكيان الصهيوني بمجازر شنيعة تجاه الفلسطينيين في قطاع غزة، تشكل جريمة الإبادة الجماعية وفق المادة (٢) من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية. وكما هو معلوم في الدعاوى القضائية، فإن هذه الدعوى ستأخذ مسارين: الأول، هو المسار العادي للدعوى لاستصدار حكم قضائي بمخالفة إسرائيل للالتزامات المترتبة عليها بموجب الاتفاقية وهذا المسار سيأخذ مدة زمنية طويل قد تصل لسنوات. والمسار الثاني، وهو الإجراء المستعجل باتخاذ تدابير مؤقتة يأتي على رأسها وقف العدوان الحربي وأعمال الإبادة الجماعية التي ترتكبها الآلة العسكرية الصهيونية ضد الفلسطينيين المدنيين العُزل في قطاع غزة. فقررت المحكمة - في الشق المستعجل - أنه وفق المادة (٢) من الاتفاقية وكذلك المادة (٩) من الاتفاقية، أن لجنوب إفريقيا الحق في التقدم بمثل هذه الدعوى، باعتبارها دولة طرف في هذه الاتفاقية، وبالتالي لا يمكن قبول طلب إسرائيل برد الدعوى. كما أكدت المحكمة صلاحيتها باتخاذ إجراءات طارئة أو مؤقتة ضد إسرائيل، وقررت عددًا من التدابير المؤقتة، التي أرى أنها أقرب إلى «مواعظ أخلاقية» من كونها إجراءات قانونية.

ومنها أنه على إسرائيل وفق التزامها بموجب الاتفاقية، اتخاذ جميع الإجراءات لمنع وقوع الجرائم المذكورة بالمادة (٢) من الاتفاقية التي تنص على «أن الإبادة الجماعية تعني أي من الأفعال التالية، المرتكبة على قصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية، بصفتها هذه: (أ) قتل أعضاء من الجماعة. (ب) إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة. (ج) إخضاع الجماعة، عمدًا، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كليًا أو جزئيًا. (د). (هـ)». وأن على إسرائيل - وفق قرار المحكمة - أن تتأكد فورًا أن قواتها المسلحة لا ترتكب أية من الأفعال المذكورة بالمادة المشار إليها. كذلك على إسرائيل اتخاذ كل الإجراءات لمنع ومعاقبة ووقف كل أشكال التحريض على ارتكاب الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة. إضافة إلى اتخاذ إجراءات فورية لتوفير الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية الملحة للفلسطينيين في غزة.

واتخاذ تدابير فورية، لمنع تدمير الأدلة المتعلقة بمزاعم ارتكاب إبادة جماعية. وأخيرًا، طلبت المحكمة من إسرائيل أن ترفع تقرير -خلال شهر- حول كل هذه التدابير التي فرضتها عليها المحكمة.

وتجاهلت المحكمة أهم ما في هذا الشق المستعجل وهو «الأمر الفوري بوقف الحرب»، بالرغم من كل الأدلة والتصريحات لكبار مسؤولي الكيان الصهيوني وعلى رأسهم رئيس الوزراء، التي تحقق بوضوح جريمة الإبادة الجماعية، من خلال الحث علانية على إبادة الفلسطينيين ومنع كل متطلبات الحياة من غذاء وماء وكهرباء ووقود وسكن عنهم. وهذا ما تحقق بالفعل من خلال قتل عشرات الآلاف، أغلبهم من النساء والأطفال، وتدمير مساكنهم وتهجيرهم إلى أماكن غير آمنة. ويبدو أن المحكمة، -بموجب قرارها هذا- آثرت ألا تدخل في صدام مع الإدارة الأمريكية، على غرار ما حدث مع المحكمة الجنائية الدولية في حكمها الصادر بتاريخ ٥ فبراير ٢٠٢١م، والذي أكدت فيه ولايتها القضائية على كل ما يحدث في غزة وفلسطين بشكل عام. وكما هو متوقع، لم تلتزم إسرائيل بما صدر عن محكمة العدل الدولية من مواعظ كما أسلفت، واستمرت في مجازرها، بشراهة أكبر. بل أن رئيس وزراء الكيان الصهيوني صرح بكل تبجح، أن المحكمة لم تقرر وقف الحرب. وأنا في هذا الموقع لا أستغرب من هكذا قرار، فإذا كان مجلس الأمن المنوط به وفق المادة (٢٤) فقرة (١) من ميثاق الأمم المتحدة «حفظ السلم والأمن الدولي» لم يتمكن من إصدار قرار وقف لهذه الحرب والمجازر التي يرتكبها الكيان الصهيوني على مدار أشهر - بسبب الفيتو الأمريكي - بما يخالف المنطق، ويعرض السلم والأمن الدوليين للخطر ويؤكد بكل وضوح، أن القانون الدولي لا ينطبق على الكيان الصهيوني، وهذا ما انتهجته -كما يبدو- محكمة العدل الدولية.

فكما يقال من شابه أباه فما ظلم. ولا أجد في هذا الموقع أفضل توصيف مما ذكره البروفيسور كميل حبيب -عميد كلية الحقوق والعلوم السياسية والإدارية السابق في الجامعة اللبنانية-: «أعتذر من طلابي في الجامعة اللبنانية؛ لأنني كُنت متشددًا في تدريس مقررات القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني ومنظمة الأمم المتحدة. فبعد الجرائم الصهيونية في غزة لم يعد هناك حاجة لتدريس هذه المقررات، حقًا منطق القوة هو سيد العالم».

خالد بن عمر المرهون متخصص في القانون الدولي والشؤون السياسية.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: جریمة الإبادة الجماعیة الکیان الصهیونی الأمم المتحدة العدل الدولیة من الاتفاقیة وفق المادة قطاع غزة

إقرأ أيضاً:

لليوم الـ 272 .. إسرائيل تواصل حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة

جريمة الإبادة الجماعية والحرب العدوانية التدميرية التي تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، تتواصل لليوم الـ 272 تواليًا، تزامنًا مع عمليات قصف جوي ومدفعي مُكثف يطال مختلف أنحاء القطاع.

 

عضو المكتب السياسي لحماس : الحركة تتبادل الأفكار لوقف الحرب وانسحاب غزة الصفدي ونظيره الأمريكي يُناقشان سبل وقف الحرب على غزة

وتستمر العمليات البرية الإسرائيلية على حي الشجاعية شرق مدينة غزة، لليوم الثامن على التوالي، وسط قصف عنيف جدًّا من طائرات الاحتلال الحربية.

 

وتتحاصر عدد من العائلات في شرق الشجاعية، إضافةً إلى قصف عدد من المنازل المأهولة بالسكان، دون أي جهة إنقاذ تستطيع الوصول إلى هذه المناطق.

 

وارتفعت حصيلة العدوان العسكري الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة حتى مساء أمس الأربعاء، إلى 37 ألفًا و953 شهيدًا، إلى جانب 87 ألفًا و266 إصابة بجراح متفاوتة؛ بينها خطيرة وخطيرة جدًا.

 

آخر التطورات الميدانية..

 

استشهاد 5 فلسطينيين من عائلة "بنات" في قصفٍ إسرائيلي استهدف شقة سكنية عند مفترق الشعبية وسط مدينة غزة.

 

والشهداء الخمسة هم: كمال عوض بنات، ونجله عبد السلام، وبناته رغد وهداية وراما، في حين لا تزال ابنته روعة مفقودة.

 

وقصفت طائرات الاحتلال شقة سكنية، الليلة الماضية، لمنزل عائلة "الكويفي" في شارع النفق بمدينة غزة؛ أسفر عن ارتقاء 4 شهداء.

 

وانتشلت طواقم الدفاع المدني، 4 شهداء وعدد من الإصابات، من تحت أنقاض شقة سكنية لعائلة "الغفري" في عمارة سعد بمنطقة المشاهرة في شارع النفق بحي التفاح شرق مدينة غزة.

 

وقصف طيران الاحتلال أرضًا زراعية في منطقة الزرقا شرق بركة الشيخ رضوان شمال مدينة غزة، كما شنّ غارات على حي الشجاعية شرق المدينة.

 

وواصلت مدفعية الاحتلال القصف وإطلاق قنابل دخانية على حي الشجاعية شرق مدينة غزة. تزامنًا مع غارة في محيط مفترق الشجاعية.

 

وتوغلت آليات الاحتلال بشكل محدود شرق مخيم جباليا، وأجرت عمليات تجريف قبل أن تنسحب مخلفة دمارًا واسعًا في الأراضي الزراعية ضمن عمل جيش الاحتلال على تهيئة منطقة عازلة شرقي القطاع بمحاذاة الجدار الفاصل بين القطاع والغلاف.

 

وشنّ طيران الاحتلال الحربي غارة على مخيم النصيرات، بينما أطلق الطيران المروحي النار شرق مخيم البريج وسط قطاع غزة.

 

ونقل مراسل "وكالة سند للأنباء" عن سكان محليين أن عدة شهداء وإصابات ارتقوا بقصف إسرائيلي استهدف شقة سكنية في عمارة الوادية بشارع الزهور بمخيم النصيرات وسط قطاع غزة.

 

 

مقالات مشابهة

  • وصول 13 طبيبا جزائريا إلى غزة .. هذه شهاداتهم (شاهد)
  • الجامعة العربية تطالب مجلس الأمن بالتدخل لوقف الإبادة في غزة
  • تحركٌ عربي لتجميد مشاركة إسرائيل في الجمعية العامة للأمم المتحدة
  • أدانت الاعتداءات الإسرائيلية على سورية… الجامعة العربية تطالب بوقف حرب الإبادة في غزة
  • اليمن تترأس اجتماعا طارئا في الجامعة العربية خرج بعدة قرارات
  • انطلاق أعمال الاجتماع الطارئ للجامعة العربية لبحث سياسة مواجهة جرائم الاحتلال
  • انطلاق أعمال الاجتماع الطارئ للجامعة العربية لبحث جرائم الاحتلال
  • حكومة حزب العمال على خطى دعم الإبادة أم دعم وقفها؟
  • من الأعمال التجسسية إلى التسليح.. بريطانيا ضالعة في الإبادة الجماعية بغزة
  • لليوم الـ 272 .. إسرائيل تواصل حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة