مجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية.. من شابه أباهُ فما ظلم
تاريخ النشر: 10th, March 2024 GMT
تفاجأتُ من حجم الترحيب بقرار محكمة العدل الدولية، الصادر بتاريخ ٢٦ يناير ٢٠٢٤م في الشق المستعجل أو في التدابير المؤقتة (كإجراء فرعي مستعجل) من الدعوى التي تقدمت بها بتاريخ ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٣م حكومة جنوب إفريقيا ضد إسرائيل، والتي تتهمها فيها بانتهاك التزاماتها بموجب أحكام «اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها»، التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ ٩ ديسمبر ١٩٤٨م، ودخلت حيّز النفاذ بتاريخ ١٢ يناير ١٩٥١م، بعد الحصول على التصديقات العشرين اللازمة لذلك وفق المادة (١٣) من الاتفاقية، التي تعد بمثابة أول اتفاقية لحقوق الإنسان اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة.
فكما هو معلوم أن القضاء المستعجل أو التدابير العاجلة يكون القصد منها «منع ضرر مؤكد قد يتعذر تداركه أو إصلاحه». فجنوب إفريقيا قدمت للمحكمة مذكرة قانونية تتكون من ٨٤ صفحة تحوي عددًا كبيرًا من الأدلة والمعلومات، بالصوت وبالصورة، التي جُمعت من تقارير الأمم المتحدة، من خلال المقررين الخاصين لدى الأمم المتحدة ومفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، إضافةً إلى التوثيقات الصحفية الصادرة عن الإعلاميين الموجودين داخل قطاع غزة، بالإضافة إلى مصادر أخرى عديدة ذات مصداقية، تثبت بما لا يدع مجالًا للشك قيام حكومة وجيش الكيان الصهيوني بمجازر شنيعة تجاه الفلسطينيين في قطاع غزة، تشكل جريمة الإبادة الجماعية وفق المادة (٢) من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية. وكما هو معلوم في الدعاوى القضائية، فإن هذه الدعوى ستأخذ مسارين: الأول، هو المسار العادي للدعوى لاستصدار حكم قضائي بمخالفة إسرائيل للالتزامات المترتبة عليها بموجب الاتفاقية وهذا المسار سيأخذ مدة زمنية طويل قد تصل لسنوات. والمسار الثاني، وهو الإجراء المستعجل باتخاذ تدابير مؤقتة يأتي على رأسها وقف العدوان الحربي وأعمال الإبادة الجماعية التي ترتكبها الآلة العسكرية الصهيونية ضد الفلسطينيين المدنيين العُزل في قطاع غزة. فقررت المحكمة - في الشق المستعجل - أنه وفق المادة (٢) من الاتفاقية وكذلك المادة (٩) من الاتفاقية، أن لجنوب إفريقيا الحق في التقدم بمثل هذه الدعوى، باعتبارها دولة طرف في هذه الاتفاقية، وبالتالي لا يمكن قبول طلب إسرائيل برد الدعوى. كما أكدت المحكمة صلاحيتها باتخاذ إجراءات طارئة أو مؤقتة ضد إسرائيل، وقررت عددًا من التدابير المؤقتة، التي أرى أنها أقرب إلى «مواعظ أخلاقية» من كونها إجراءات قانونية.
ومنها أنه على إسرائيل وفق التزامها بموجب الاتفاقية، اتخاذ جميع الإجراءات لمنع وقوع الجرائم المذكورة بالمادة (٢) من الاتفاقية التي تنص على «أن الإبادة الجماعية تعني أي من الأفعال التالية، المرتكبة على قصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية، بصفتها هذه: (أ) قتل أعضاء من الجماعة. (ب) إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة. (ج) إخضاع الجماعة، عمدًا، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كليًا أو جزئيًا. (د). (هـ)». وأن على إسرائيل - وفق قرار المحكمة - أن تتأكد فورًا أن قواتها المسلحة لا ترتكب أية من الأفعال المذكورة بالمادة المشار إليها. كذلك على إسرائيل اتخاذ كل الإجراءات لمنع ومعاقبة ووقف كل أشكال التحريض على ارتكاب الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة. إضافة إلى اتخاذ إجراءات فورية لتوفير الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية الملحة للفلسطينيين في غزة.
واتخاذ تدابير فورية، لمنع تدمير الأدلة المتعلقة بمزاعم ارتكاب إبادة جماعية. وأخيرًا، طلبت المحكمة من إسرائيل أن ترفع تقرير -خلال شهر- حول كل هذه التدابير التي فرضتها عليها المحكمة.
وتجاهلت المحكمة أهم ما في هذا الشق المستعجل وهو «الأمر الفوري بوقف الحرب»، بالرغم من كل الأدلة والتصريحات لكبار مسؤولي الكيان الصهيوني وعلى رأسهم رئيس الوزراء، التي تحقق بوضوح جريمة الإبادة الجماعية، من خلال الحث علانية على إبادة الفلسطينيين ومنع كل متطلبات الحياة من غذاء وماء وكهرباء ووقود وسكن عنهم. وهذا ما تحقق بالفعل من خلال قتل عشرات الآلاف، أغلبهم من النساء والأطفال، وتدمير مساكنهم وتهجيرهم إلى أماكن غير آمنة. ويبدو أن المحكمة، -بموجب قرارها هذا- آثرت ألا تدخل في صدام مع الإدارة الأمريكية، على غرار ما حدث مع المحكمة الجنائية الدولية في حكمها الصادر بتاريخ ٥ فبراير ٢٠٢١م، والذي أكدت فيه ولايتها القضائية على كل ما يحدث في غزة وفلسطين بشكل عام. وكما هو متوقع، لم تلتزم إسرائيل بما صدر عن محكمة العدل الدولية من مواعظ كما أسلفت، واستمرت في مجازرها، بشراهة أكبر. بل أن رئيس وزراء الكيان الصهيوني صرح بكل تبجح، أن المحكمة لم تقرر وقف الحرب. وأنا في هذا الموقع لا أستغرب من هكذا قرار، فإذا كان مجلس الأمن المنوط به وفق المادة (٢٤) فقرة (١) من ميثاق الأمم المتحدة «حفظ السلم والأمن الدولي» لم يتمكن من إصدار قرار وقف لهذه الحرب والمجازر التي يرتكبها الكيان الصهيوني على مدار أشهر - بسبب الفيتو الأمريكي - بما يخالف المنطق، ويعرض السلم والأمن الدوليين للخطر ويؤكد بكل وضوح، أن القانون الدولي لا ينطبق على الكيان الصهيوني، وهذا ما انتهجته -كما يبدو- محكمة العدل الدولية.
فكما يقال من شابه أباه فما ظلم. ولا أجد في هذا الموقع أفضل توصيف مما ذكره البروفيسور كميل حبيب -عميد كلية الحقوق والعلوم السياسية والإدارية السابق في الجامعة اللبنانية-: «أعتذر من طلابي في الجامعة اللبنانية؛ لأنني كُنت متشددًا في تدريس مقررات القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني ومنظمة الأمم المتحدة. فبعد الجرائم الصهيونية في غزة لم يعد هناك حاجة لتدريس هذه المقررات، حقًا منطق القوة هو سيد العالم».
خالد بن عمر المرهون متخصص في القانون الدولي والشؤون السياسية.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: جریمة الإبادة الجماعیة الکیان الصهیونی الأمم المتحدة العدل الدولیة من الاتفاقیة وفق المادة قطاع غزة
إقرأ أيضاً:
واشنطن تحاصر الجزائر راعية البوليساريو : إمّا التفاوض.. أو التصنيف الإرهابي
زنقة 20 | الرباط
يقدم المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، “ستيفان دي ميستورا”، اليوم الإثنين ، تقريره أمام مجلس الأمن حول قضية الصحراء بعد جولات ماراطونية قام بها وهمت مختلف الدول المعنية بالملف.
و جاء التطور الأخير من واشنطن، التي جددت موقفها الاعترافي بسيادة المغرب على الصحراء ، لينسف جميع أحلام الإنفصاليين وراعيتهم الجزائر.
و بحسب تقارير، فإن الجزائر، التي تحافظ على موقفها الثابت في دعم الانفصاليين ، تجد نفسها في مواجهة تحديات إقليمية متعددة، سواء في ملف العلاقات مع جيرانها أو في التوترات المتصاعدة في منطقة الساحل، وهي منطقة بالغة التعقيد بالنسبة لجميع الأطراف المعنية.
أما “دي ميستورا”، فتشير التسريبات إلى أنه قد تم استدعاؤه من الخارجية الأمريكية لإبلاغه أن الحل الأمثل، وفقًا للموقف الأمريكي، هو الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، ويُنتظر من جميع الأطراف العمل على استئناف المفاوضات بشكل جاد لتحقيق التسوية النهائية لهذا النزاع الطويل الأمد.
في هذا السياق، يُتوقع أن يكون تقرير “دي ميستورا” أمام مجلس الأمن نقطة تحول في مسار القضية، وفق متابعين، حيث سيُبرز الاتجاه نحو الحلول الواقعية التي تركز على التوافق الإقليمي، بما يحقق الاستقرار في المنطقة.
تقارير كشفت عن ضغوط أمريكية مباشرة على الجزائر لدفع “البوليساريو” نحو التفاوض على أساس الحكم الذاتي ، أو تصنيف “البوليساريو” كتنظيم إرهابي وسحب الملف من يد الأمم المتحدة.
ووفق ذات التقارير، فإن التحالف الثلاثي المغربي الأمريكي الفرنسي يتحرك بقوة داخل مجلس الأمن، لإنهاء النزاع وفرض حل واقعي.
مصطفى سلمى الناشط الصحراوي و المعتقل السابق لدى جبهة البوليساريو قال أن مبادرة الحكم الذاتي التي تخلد الذكرى 18 لدخولها مجلس الأمن أصبحت اليوم أكثر من أي وقت مضى تكتسب شرعية وتأييدا دوليا متصاعدا خاصة من قبل الدول العظمى.
و كتب ولد سلمى في منشور له يقول : “في مثل هذا اليوم 13 أبريل من العام 2007، أعلن الأمين العام للامم المتحدة بان كي مون لاول مرة في تقريره عن الحالة في الصحراء الذي حمل رقم (S/2007/202) أنه توصل بنص المبادرة المغربية للحكم الذاتي، وأوصى مجلس الأمن بدعوة المغرب وجبهة البوليساريو للدخول في مفاوضات مباشرة ومن دون شروط مسبقة من أجل التوصل لحل ينهي النزاع.و من حينها و جبهة البوليساريو و من ورائها الجزائر تقول ان المبادرة المغربية ولدت ميتة.و في عامه الثامن عشر يبدو المقترح المغربي أكثر حياة من البوليساريو نفسها الجامدة فكرا و سلطة و مشروعا، و من الجزائر التي تصارع من أجل البقاء”.