لجريدة عمان:
2025-03-18@07:43:21 GMT

الصارمي: شاعر الحماسة والفتوحات

تاريخ النشر: 10th, March 2024 GMT

الصارمي: شاعر الحماسة والفتوحات

بعد أن ذكرنا جملة من رواد الأدب العماني في العصور القديمة والوسيطة، نأتي إلى ذكر روّاد الأدب العماني في عصر اليعاربة والبوسعيد.

كان قيام دولة اليعاربة مدفوعًا بتأييد العلماء، والصحوة الدينية، كما كان مصحوبًا بالتوسُّع العماني والصراع العسكري مع البرتغاليين، حتى غدا الأسطول العماني واحدا من أقوى أساطيل العالم، وعليه سنجد معظم أدب هذا العصر يدور حول هذين المحورين علاقة العلماء بالسلطة لنجد الأدب مصطبغًا بالصبغة الدينية، كما نجده في مدح الأئمة الفاتحين ووصف معاركهم، بل أغلب الشعراء من المشاركين في الفتوحات أو الولاة أو الأئمة أنفسهم.

ويبدو أن العلماء والناس اشتغلوا في هذا العصر بالفتوحات، فقلّ الإنتاج العلمي والأدبي النوعي، فنجد أكثر الإنتاج العلمي تقليديًا دون ابتكار أو إبداع، كما نجد ذات الحال في الأدب، فالشعر يغلب عليه التكلّف والصنعة الزخرفية والخيال السطحي والمعاني المستهلكة والعاطفة الفاترة، وأغلب الشعراء علماء أو قادة فاتحون،كان همُّهم إما النصح الديني أو وصف المعارك، وقد حملوا معهم إرث بني نبهان، غير أنهم بالغوا في البديع، وبعدوا عن الغزل الفاضح، ونلحظ في شعرهم الحماس الديني والوطني مع بلوغ الدولة أوج قوتها، ووصف المعارك مع البرتغاليين وحماسة الجيش العماني، ومنهم الصارمي.

سكن محمد بن مسعود الصارمي بلدة إمطي من أعمال إزكي. وتقلّد في عهد الإمام سلطان بن سيف اليعربي الأول منصب الوالي على مسقط، وقاد بعض جيوشه وهو الفاتح لبلدة "بته"، إحدى بلدان شرق إفريقيا. وقد حقق انتصارات على العدو البرتغالي في كثير من المعارك، وإضافة إلى تضلعه بالفقه والقيادة العسكرية كان لغويًا كما توضّح أرجوزته في علم الصرف. وقد نظم قصيدة حائية في مسيره إلى "بته" وانتصاره، أوردها السالمي في التحفة، والقصيدة كما صفها الدكتور محمد الحجري بأنها "فريدة في بنيتها ومضمونها، فقد نظمها على قافية حائية ساكنة، تظهر فيها جليا سهولة اللغة، ذات إيقاع يناسب حركة الوقف، وجعل مطلعها ملائما لغرضها رغم غزليته ورقته، فذكر وداع نسائه وأحبائه وهو يغادر إلى الحرب، فيما يشبه القصة منذ تحركه وحتى بلوغه أرض العدو لأداء مهمته، وكأنها تقرير حربي أراد له أن يكون شعرا"، فيقول:

كشفن عن تلك الوجوه الصباحْ

إذ زمّتِ العيس ليوم المراحْ

وجئن يختلن يعاتبنني

يبسمن عن درٍّ كلون الأقاحْ

خامرهن الشك في عزمتي

فقلن جَدٌّ منك أم ذا مزاحْ

حتى إذا ما قربت ناقتي

نحو رحيلي واحتملتُ السلاح

صافحنني بكما بلا منطق

مني ومنهن وكنا فصاح

أسبلن دمعًا هاملًا هاطلا

إذ صرت في عزم النوى باتضاح

من عبرة حلّت بنا لم تزل

ما بيننا تذري الدموع السفاح

حتى إذا ما صرت في مركبي

وحث بي حادى المطايا وصاح

أدبرن على خائبات الرجا

وقلن ودعن القلوب القراح

لا تجزعي يوم الهوى خلتي

لكل ليل مدلهم صباح

وكل حي غائب آيب

لو طول الغيبة والانتزاح

وكما أسلفنا قال الصارمي هذه القصيدة في مسيره إلى (بته) في إفريقيا وذكر فتوحها. ونلاحظ أنه ابتدأ النص في وصف وداع أحبته، فنراه يصف لحظات وداع أحبته يوم رحيله (لتحرير بته)، فقد كشفن وجوههن وعاتبنه على عزمه الرحيل، وهن لا يزلن غير موقنات أنه سيرحل، حتى إذا قرّب ناقته وحمل سلاحه، صافحنه دون كلام ودموعهن سواكب، وحين ركب ناقته عدن خائبات حزينات، ليقول لهن لكل ليل صباح ولكل غائب عودة. ثم ذكر شوقه إلى عمان، فمما يزيد ألمه بعد حزن أهله لفراقه، شوقه لوطنه، وشدة حنينه إليه، وخصوصا سيما وسمد الشأن، ويتمنى أن تحمل الريح بعضا من روائحها. فقال:

فصرت مسلوب الحشى ذا أسى

من أجل هجر كل خود رداح

يزيد ما بي واشتياقي إذا

ما بدا برق نحو سيما ولاح

أو (إن) تذكرت ديارا زهت

من سمد الشأن وتلك البطاح

أو ساق لي يومًا نسيم الصبا

من روضها نشر الخزامى وفاح

ليلج إلى تشجيع جنده وتقديم النصح لهم، فهم قد وصلوا "بته" ضحى، فقال لجنده: لا تحزنوا فالله معنا، واصبروا، واعلموا أن الموت حق وخير الموت الموت في معركة. فيقول:

أطوى الفلا واليم في فيلق

يطفئ ضوء الشمس والجو صاح

حتى أتينا بته بالضحى

ثم نزلناها بأرض براح

فقلت لأصحابي لا تحزنوا

من عنده الله فلا يستباح

اصطنعوا الصبر ولا تجبنوا

عند الوغى فالجبن لؤم صراح

ثم اعلموا لا بد للمرء من

موت وبالهندي فيه الفلاح

ثم ذكر الانتصار وهزيمة الأعداء، حين عمل الجند بوصيته، واقتحموا المدينة، واشتدت الحرب، فهزموا الإفرنج وتركوهم قتلى، وهرب الباقون.

فامتثلوا الأمر ولا قصروا

وجردوا أسيافهم والرماح

فاقتحموا السور كأسد الفلا

واشتدت الحرب وضرب الصفاح

كأنما القتلى بأرجائها

من فئة الإفرنج صرعى طراح

كأنهم أعجاز نخل بها

منقعر من عاصفات الرياح

فانهزم الإفرنج من بته

بالذل والخزي وبالافتضاح

بعدا لهم بعدا وسحقا لهم

من قوم سوء ووجوه قباح

ليمدح الإمام سلطان بن سيف، فكل ذلك بسبب عزيمة الإمام سلطان بن سيف، ملك ملوك الأرض الذين لهم الفخر بتقبيل قدميه، العادل، ويختم النص بالدعاء له ولأبنائه بطول البقاء.

بعزم سلطان بن سيف الذي

أباد أهل الكفر يوم الكفاح

مليك ملوك الأرض أن قبلوا

أقدامه فخر لهم وامتداح

هو الإمام العدل في دينه

وملكه لا يسع غير الصلاح

أدامه الله وشبليه ما

دام مدى الدهر المسا والصباح

ونلاحظ أن غرض النص الغزل والحنين والوصف والمدح، كما يلمس المتلقي ضعف العبارة وشيئا من ركاكة الأسلوب، ونرى أن الشاعر لم يستطع تصوير عاطفة الحب تصويرا صادقا لا مع أهله ولا وطنه. كما جاء تصويره للحرب فاترا ضعيفا. ولعله إنما كان يريد أن يشغل نفسه بالشعر في غربته.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: سلطان بن سیف

إقرأ أيضاً:

الأم أيقونة الإبداع ومصدر الإلهام للأدباء

الأم في الأدب العربي تمثل أيقونة الإبداع ومصدر الإلهام للأدباء، ونحن على مشارف احتفالات الوطن العربي بيوم الأم الذي يصادف في 21 مارس (آذار) من كل عام، بهذه المناسبة الجميلة يناقش موقع 24 حضور الأم في الأدب الحديث.

عيون الأمهات حصن الأدباء

ويرى الأدباء أنهم يتامى بالمعنى الاجتماعي والنفسي، ويحتاجون دائماً عيون الأمهات ليحصّنوا ذواتهم، في زمن تتعرّض فيه الذات البشرية للتشويه، وذات المبدع للصراع، أما في الشعر فالأم هي المحرّك الجيني للشعراء.
وعن حضور الأم في الأدب الحديث يقول الناقد والأكاديمي بجامعة الإمارات الدكتور شعبان بدير: "الأم في الأدب العربي تمثل أيقونة الإبداع ومصدر الإلهام للأدباء، حيث تجسد الحنان والتضحية والقيم النبيلة، استوحى منها الشعراء والكتاب رمزية عميقة تعبر عن الحب المطلق، والانتماء، والعطاء غير المشروط، ظهرت الأم في الشعر العربي القديم كمصدر للحكمة، بينما في الأدب الحديث أصبحت رمزاً للوطن والانتماء والهوية، ويعد شاعر النيل "حافظ إبراهيم" من أوائل الشعراء الذين ركّزوا على دور الأم في بناء المجتمع، وأبرز من سلطوا الضوء على مكانتها في العصر الحديث، كما في أبياته الخالدة:
الأُمُّ مَدرَسَةٌ إِذا أَعدَدتَها
أَعدَدتَ شَعباً طَيِّبَ الأَعراقِ
واحتلت الأم في ديوان أمير الشعراء "أحمد شوقي" مكانة رفيعة، حيث صورها رمزاً للحب والحنان والتضحية، ففي العديد من قصائده، أشار إلى دورها في التربية وبناء الأجيال، متأثراً برؤيته الإصلاحية للمجتمع، ومن أبرز ما قاله عن الأم:
ولم أر للخلائق من مَحَلّ
يهذّبها كحِضن الأمهات
فيعكس تقديراً كبيراً للأم، مؤكداً أنها الأساس في غرس القيم والأخلاق، وأن تأثيرها يمتد ليشمل صلاح المجتمع كله، وها هو الشاعر التُّونسي "أبو القاسم الشّابي" يرسم صورة مشرقة للأم من خلال توظيف الخيال البديع، إذ يجعل من حضنها "حرماً سماويّ الجمال مقدساً"، فيرتقي بعاطفتها إلى مرتبة القداسة والطهر، يقول:
الأمُ تلثم طفلها وتضمه
 حرمٌ سماويّ الجمال مُقدس
 وبلغت الأم كذلك في شعر "نزار قبّاني" درجة "القدّيسين"، يقول:
صباح الخير يا قدّيستي الحلوه
مضى عامان يا أمي على الولد الذي أبحر
فيصوغ صورة للأم بقدسية مترفعة، حيث يناديها "قدِّيستي الحلوة"، فيضفي عليها طهر الملائكة وصفاء الروح، جاعلاً من حبها ملاذاً سماويّاً لا تبلغه يد النسيان".

ويضيف الدكتور بدير: "تحتل الأم مكانة محورية في العديد من الأعمال الروائية العالمية والعربية، حيث تجسد رمز الحنان، والتضحية، والقوة، وأحياناً المعاناة، ففي الروايات العالمية، نشير إلى أهم عمل روائي احتفى بالأم في صورتها الاستعارية الراقية، وهي رواية "الأم" لمكسيم غوركي التي تصور الأم كرمز للنضال والوعي الثوري، أما في الأدب العربي، تتنوع صورة الأم بين الحنان والتضحية والصراع، ما يعكس عمق دورها الإنساني والاجتماعي في الأدب، كما تجلى في العديد من روايات نجيب محفوظ، مثل "بداية ونهاية"، الذي جسّد دور الأم كركيزة للأسرة رغم المعاناة، وكذلك دور "أمينة" في ثلاثيته التي خلّد فيها الأم المصرية المثالية المعروفة بالصبر والمحافظة على تماسك أسرتها رغم النزعة الاستبدادية لزوجها.
وصور خيري شلبي الأم في رواية "الوتد" في شخصية الحاجة (فاطمة تعلبة)، التي تمثل دعامة صلبة للعائلة، تماماً كما يرمز إليه عنوان الرواية، يصورها الكاتب كأم قوية، متماسكة، وصاحبة سلطة معنوية، حيث تتحكم -بحكمة ودهاء- في شؤون أسرتها، محافظةً على تماسكها في وجه التغيرات الاجتماعية والاقتصادية.
وفي ثلاثية الكاتب الجزائري "محمد ديب"، تتجلى صورة الأم كرمز للمعاناة والصبر والقوة والنضال في مواجهة قسوة الاستعمار والفقر، كذلك هي مصدر الحنان والأمان في عالم مليء بالحرمان.
وهكذا تبقى صورة الأم في الأدب العربي الحديث رمزاً خالداً للحنان والتضحية والصمود، تتجسد في شخصيات تجمع بين العاطفة والقوة، ومع تطور السرد الروائي، أصبحت الأم أكثر حضوراً كفاعل أساسي يعكس تحولات المجتمع، مما يؤكد مكانتها الملهمة في الإبداع الأدبي".

 وفي ذات السياق، يقول الأديب أنور الخطيب: "الأم هي نبض الحياة ولازمة الإبداع، وتكاد لا تخلو رواية أو قصيدة في الأدب الحديث من الأم، لأسباب كثيرة أولها أن أي عمل أدبي – روائي على وجه الدقة- لا يستقيم إلا بوجود شخصية الأم، مباشرة أو رمزاً أو تأويلاً، وثانيها، وهذا جانب سيكولوجي، أن الأدباء يتامى بالمعنى الاجتماعي والنفسي، ويحتاجون دائماً عيون الأمهات ليحصّنوا ذواتهم، في زمن تتعرّض في الذات البشرية للتشويه، وذات المبدع للصراع، أما في الشعر فالأم هي المحرّك الجيني للشعراء، وغالبا ما ينتقل الشعر من الخال وليس العم، وهذا ينطبق عليّ، إضافة إلى ذلك، وفي السياق ذاته، فإن الشاعر يبحث عن أمه في حبيبته، فأي مناجاة أو وصف أو مخاطبة تكون الأم هي المنطلق، وأنا هنا لا أتحدث عن عقدة أوديب".
وعن حضور الأم في أعماله الأدبية، يضيف الخطيب: "لا أختلف كثيراً عن توصيفي السابق وقد أزيد، أجمل قصائدي كانت عن الأم، ولا أحتاج إلى مناسبة لأكتب لها، وكما قلت، المبدعون يتامى وإن كانت الأمهات على قيد الحياة، وأنا كنت يتيما وتضاعف يتمي كأديب وإنسان بعد رحيل أمي، ولا أحد يملأ مكانها:
أمي.. كانت تعدّنا كل يوم مرتين/ مرةً في الصباح وأخرى في المساء/ بعد سبعين عاماً من الهباء/ لم يعد في البيت إلاّ حفنة من هواء/ وصوتها يمشي على عكازتين. أمي أنقذتني أكثر من مرة حين كنت (أعلَقُ) في أثناء كتابتي لرواياتي، أنقذتني في رواية "فتنة كارنيليان" حين كنا نتواصل يومياً لأطمئن عليها خلال حرب 2006 في لبنان، فأصبحتْ عصب الرواية، واستشرتها في النهاية واعتمدت رأيها التي تركتها مفتوحة لحساسية القرار، وأنقذتني مرة ثانية في روايتي الأخيرة "ناي على جسد"، حين استحضرت الأم ووجدت حضورها أكثر من ضروري في الرواية، بمعناها البيولوجي والأسطوري، فهي التي كان الروائي يلجأ إليها كلّما تأزّمت الأحداث وتمرّدت الشخوص، وهي التي كانت تنصت للجميع، بحضورها وغيابها وهذه هي الأم، في الرواية أو الحياة".

مقالات مشابهة

  • سلطان بن أحمد القاسمي يشهد افتتاح معرض “روائع الفنون من متحف الشارقة للحضارة الإسلامية” في المتحف الوطني العماني
  • منافسات الشطرنج تضيف الحماسة لأجواء مهرجان “رمضان زمان” في أملج
  • صنع الله إبراهيم.. صوت الأدب المتمرد والمقاوم
  • الأم أيقونة الإبداع ومصدر الإلهام للأدباء
  • البنك الوطني العماني يطلق حملة "شهر العطاء" لدعم المجتمع
  • مذكرة تفاهم بين "البنك الوطني العماني" و"إنجاز عمان" لتمكين الشباب
  • د. نزار قبيلات يكتب: «فوات الأوان».. توسّل النصوص وتفلّت الإجابات
  • بول فون هايس .. لماذا فاز بجائزة نوبل في الأدب؟
  • شاهر السرحاني شاعر الحكمة يتخطى المليون على تيك توك
  • شاعر شهير يفجر مفاجأة: لهذا السبب لا يتعاون مع عمرو دياب!