خلال جلسة مجلس الأمن الدولي التي عقدت في الخامس من الشهر الجاري اعتبر ديمتري بوليانسكي نائب مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة أن مناقشة الملف الكيماوي السوري كل 3 أشهر "كاف جدا"، مشيرا إلى عدم تحقيق أي تقدم منذ فترة.

وفي السياق ذاته، اعتبر المندوب السوري قصي الضحاك أن الإصرار على مناقشة البرنامج الكيماوي السوري يشير إلى إمعان الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا في "نهجها القائم على توظيف هذا الملف كأداة سياسية للضغط على الحكومة السورية".

وأكد الضحاك أن النظام السوري أوفى بالتزاماته بتدمير مخزونه الكيماوي بالكامل، وداعيا المنظمة الدولية إلى إغلاق جميع القضايا العالقة المتعلقة بملف بلاده الكيماوي.

ليست هذه المرة الأولى التي تقدم فيها روسيا مثل هذا الطرح، فقد بدأت بالتركيز على إضعاف الملف الكيماوي السوري في مجلس الأمن منذ بدايات عام 2023.

وانتقدت حينها مناقشة الملف بشكل شهري، ثم عمدت خلال فترة رئاستها الدورية لجلسات مجلس الأمن في أبريل/نيسان 2023، إلى إسقاط الجلسة الخاصة بمناقشة الملف السوري من جدول أعمال المجلس.

نفي متواصل

بدأ توارد الأخبار والتقارير عن استخدام السلاح الكيماوي بسوريا في عام 2012، لكن النظام كان ينفي عن نفسه تهمة الضلوع باستخدام هذه الأسلحة، وكان ذلك بواسطة عدة أساليب، منها:

إنكار وقوع الهجمات الكيماوية من الأساس. اتهام أطراف أخرى ناشطة في الساحة السورية بتنفيذ هذه الهجمات؟ التشكيك في مهنية أو حيادية الجهات المسؤولة عن التحقيق. التشكيك بالأدلة أو الآليات التي يستند إليها في التحقيق. التأكيد المتواصل على تدمير جميع مخزونات الأسلحة الكيماوية ومرافق الإنتاج.

بالإضافة إلى ما سبق، فقد اعتادت روسيا استخدام صلاحياتها ونفوذها في مجلس الأمن لعرقلة تشكيل لجان وبعثات التحقيق باستخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا، أو لتحديد صلاحية هذه اللجان بحيث يقصر عملها على دعاوى معينة أو الاكتفاء بإثبات الواقعة، دون تحديد المسؤولية أو استخدام الفيتو لمنع تجديد ولاية هذه البعثات واستمرارها في عملها.

ويمكن القول إن جهود النظام وحلفائه في تعطيل ملف الكيماوي السوري قد نجحت في عرقلة العديد من الخطوات وأخرت -وما زالت تؤخر إلى حد كبير- اتخاذ خطوات فعالة في جانب محاسبة المسؤولين عن ارتكاب هذا النوع من الجرائم في سوريا.

تشكيل فريق للتحقيق

شهد عام 2018 تطورا مهما في مسار ملف الكيماوي السوري، حيث حفّز حادث استخدام الأسلحة الكيماوية في منطقة دوما بريف دمشق في 7 أبريل/نيسان 2018 المجتمع الدولي على بذل جهود أكثر جدية لمحاسبة مرتكبي هذه الهجمات في سوريا.

وأسفر ذلك في النهاية عن قرار "معالجة التهديد الناجم عن استخدام الأسلحة الكيماوية"، في يونيو/حزيران 2018، الذي أقره مؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية حظر الأسلحة الكيماوية، بأغلبية الثلثين.

وبموجب ذلك أنشأت الأمانة الفنية لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية فريق التحقيق وتحديد الهوية، الذي باشر تحقيقاته في يونيو/حزيران 2019، بهدف تحديد الأفراد أو الكيانات الضالعة بشكل مباشر أو غير مباشر في استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا، أي أن صلاحيات هذا الفريق لا تقتصر على إثبات حدوث واقعة استخدام السلاح الكيماوي بل تتعداها إلى تحديد الطرف المسؤول.

وتكمن النقطة المهمة في تشكيل وصلاحيات عمل فريق التحقيق ليس فقط في نوعية الصلاحيات التي يتمتع بها بل أيضا في عدم ارتباط مهمته بمدة زمنية محددة تقتضي الرجوع إلى مجلس الأمن لتجديد ولايته، وبذلك لم تعد لروسيا صلاحية استخدام حق النقض الفيتو لمنع تجديد ولاية هذه البعثات.

وتم تشكيل فريق التحقيق ليكون تابعا لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، وللعمل على حوادث تم الإبلاغ فيها عن استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا، وتنتهي مهمته بانتهاء التحقيق في إثبات هذه الحوادث وتحديد المسؤول عنها.

وأصدر الفريق 4 تقارير رئيسية عرض فيها نتائج تحقيقاته حول استخدام السلاح الكيماوي في اللطامنة/ في ريف حماة في مارس/آذار 2017 وسراقب بريف إدلب في فبراير/شباط 2018، وفي دوما بريف دمشق في أبريل/نيسان 2018، ومارع في ريف حلب بسبتمبر/أيلول 2015.

واتهمت التقارير بشكل صريح النظام بالمسؤولية عن استخدام السلاح الكيماوي في كل الحالات التي حققت فيها عدا حالة واحدة اتهمت فيها تنظيم الدولة الإسلامية وكانت في مارع، ويتم العمل حاليًا على استكمال التحقيقات في عدة حالات متبقية.

نهج روسي جديد

فوّتت هذه الآلية في التعامل مع ملف الكيماوي السوري الفرصة على النظام وحلفائه لاستخدام أدواتهم المعتادة لعرقلة جهود التحقيق، لكن ذلك دفعهم لاتباع نهج جديد بدأ في عام 2023، في محاولة تعطيل هذا الملف عبر إثارة الجدل حول حاجة مجلس الأمن لعقد جلسات شهرية لمناقشته.

وتبع ذلك تكثيف الجهود من أجل إسقاط جلسة مناقشة الكيماوي السوري من جدول أعمال مجلس الأمن، والدعوة لإغلاق هذا الملف بشكل نهائي.

ويشارك في هذا التوجه إضافة للنظام السوري روسيا والصين والإمارات التي صرحت في يناير/كانون الثاني 2023 على لسان مندوبتها في الأمم المتحدة أن "الملف الكيماوي في سوريا من أكثر الملفات المسيّسة في مجلس الأمن".

ولدى رئاستها الدورية لجلسات مجلس الأمن في يونيو/حزيران 2023، أسقطت الإمارات الجلسة المخصصة لمناقشة ملف الأسلحة الكيماوية من أجندات اجتماعات مجلس الأمن الشهرية، واكتفت بإدراج الجلسة المخصصة لمناقشة القضايا السياسية والإنسانية.

تقدم التحقيقات

يوجد حاليا 3 بعثات حظر الأسلحة الكيميائية تتمتع بولاية نشطة للعمل على قضايا التحقق من الأسلحة الكيميائية، وهي الباقية من عدة فرق وهيئات تم تشكيلها على مدار السنوات الماضية.

ويقوم مجلس الأمن بمناقشة تقارير هذه البعثات بشكل دوري في جلسات مخصصة لهذا الغرض ضمن أجندة اجتماعاته الشهرية، إلى جانب جلسات أخرى تتعلق بالوضع الإنساني والوضع السياسي في سوريا.

ورغم مزاعم روسيا بعدم وجود تقدم في هذا الملف فإن تقارير البعثات الدولية أظهرت تحقيق تقدم ملموس خلال الفترة الماضية بالتحقيق باستخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا في عشرات الحالات.

وفي الوقت الذي يسعى فيه النظام وحلفاؤه إلى "تبريد" ملف الكيماوي في مجلس الأمن والأوساط الدولية، وصولاً إلى إغلاقه بشكل نهائي، فإن الأدلة التي تخلص إليها تقارير اللجان الدولية لا تنفك تتعاضد ضد النظام، معتبرة إياه المسؤول الأول عن استخدام هذه الأسلحة خلال السنوات الماضية من الحرب في سوريا،

تعهدات النظام

ومما يزيد من تعقيد الأمور بالنسبة للنظام، أن العديد من مزاعم الهجمات بالأسلحة الكيماوية التي تم إثبات أو ترجّح وقوعها بالفعل، من خلال تحقيقات البعثات الدولية أو المنظمات الإنسانية أو مراكز البحوث، تم ارتكابها ما بعد 2014، أي بعد إعلان النظام وتعهده بالإبلاغ عن كل مخزونه من السلاح الكيماوي وتدميره.

وهذا يعني أن النظام لم يكن صادقا في الإبلاغ عن حجم مخزونه من السلاح الكيماوي وأنه استمر في استخدام هذا السلاح حتى بعد انضمام سوريا إلى اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية في أكتوبر/تشرين الأول 2013، والإعلان عن تدمير كامل مخزونه في 2014، وهو ما تشير إليه إحاطات وتقارير اللجان الدولية الشهرية التي تشكو من تعذر الوصول إلى المناطق التي تريد التحقيق فيها أو امتناع النظام عن استقبال هذه البعثات والتعاون معها أو عدم الدقة في الكشف عن مخزونه من الأسلحة الكيميائية وتدميرها.

ومع تكشف المزيد من الحقائق بخصوص استخدام الكيماوي في سوريا واستمرار اللجان الدولية في التحقيق في المزيد من الوقائع المتعلقة بهذا الملف سواء منها التحقيقات التي ترمي لإثبات استخدام الأسلحة الكيميائية من عدمه أو تلك التي تتعدى ذلك إلى محاولة تحديد المسؤول عن تنفيذ هذه الهجمات، فإن النظام والدول الداعمة له وخصوصا روسيا والصين ستستمر في محاولة تضعيف هذا الملف.

ومن المرجح أن تستمر باستخدام نفوذها وصلاحياتها في مجلس الأمن لتعطيل الإجراءات التي يمكن أن يتم اتخاذها بناء على نتائج التحقيق في هذا الملف، مما يرشح ملف السلاح الكيماوي في سوريا لمزيد من التجاذبات على المستوى الدولي في الفترة المقبلة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات حظر الأسلحة الکیمیائیة فی مجلس الأمن الکیماوی فی هذه البعثات عن استخدام التحقیق فی هذا الملف فی سوریا

إقرأ أيضاً:

"الجارديان": بايدن يدعو الصين لإقناع كوريا الشمالية بوقف التعاون مع روسيا

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

سلط مقال نشرته صحيفة "الجارديان" البريطانية الضوء على دعوة الرئيس الأمريكي جو بايدن لنظيره الصيني تشي جين بينج لإقناع كوريا الشمالية بوقف التعاون العسكري مع روسيا تجنبا لتصعيد الصراع في أوكرانيا.
وأوضحت الصحيفة، في مقال للكاتبة كريستين كيرني، أن دعوة الرئيس الأمريكي لنظيره الصيني جاءت خلال لقاءهما أمس السبت على هامش أعمال قمة التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ (أبيك) في بيرو قبل مغادرة الرئيس الأمريكي البيت الأبيض في يناير القادم وتولي الرئيس دونالد ترامب منصبه كرئيس للولايات المتحدة.
وأشار المقال إلى أن بايدن طالب الجانب الصيني بالسعي لمنع اتخاذ كوريا الشمالية أي خطوات قد تؤدي إلى تصعيد الصراع بين القوات الروسية والأوكرانية والذي اندلع في فبراير عام 2022.
ولفت المقال إلى أن تلك الدعوة من جانب واشنطن تأتي في أعقاب أنباء تشير إلى قيام كوريا الشمالية بنشر عدة آلاف من الجنود في روسيا تمهيدا للاشتراك في حرب أوكرانيا ضمن صفوف القوات الروسية، موضحا أن تلك الخطوة من جانب بيونج يانج أثارت مخاوف الولايات المتحدة والصين والدول الأوروبية.
وأشار المقال إلى تصريحات مستشار الأمن القومي الأمريكي جاك سوليفان التي يؤكد فيها أن موقف الصين من حرب أوكرانيا هو العمل على تجنب التصعيد أو توسيع نطاقه بينما انخراط قوات من كوريا الشمالية للقتال في صفوف القوات الروسية يتعارض مع ذلك التوجه الصيني.
وفي سياق متصل، أشار المقال إلى وصول وزير خارجية اليابان تاكيشي إيواإيا إلى العاصمة الأوكرانية كييف أمس السبت لعقد مباحثات مع نظيره الأوكراني أندريه سيبيها حول اشتراك قوات من كوريا الشمالية في الحرب مع الجانب الروسي.
ويلفت المقال إلى تحذير وزير الخارجية الياباني من أن انخراط قوات من كوريا الشمالية في الحرب إلى جانب روسيا سوف يكون له عواقب وخيمة تؤدى إلى زعزعة الاستقرار في منطقة شرق آسيا.
وأوضح المقال في الختام أن مجموعة الدول الصناعية السبع أكدوا في بيان مشترك أمس السبت موقفهم الداعم والمساند لأوكرانيا في حربها مع روسيا، كما أكدوا التزامهم بفرض المزيد من العقوبات على موسكو جراء العملية العسكرية الخاصة التي شنتها في أوكرانيا عام 2022.
 

مقالات مشابهة

  • "الجارديان": بايدن يدعو الصين لإقناع كوريا الشمالية بوقف التعاون مع روسيا
  • بايدن وشي يتفقان على عدم ترك استخدام الأسلحة النووية لسيطرة الذكاء الاصطناعي
  • «بايدن» و«شي»: التحكم بالسلاح النووي للبشر وليس للذكاء الاصطناعي
  • اتفاق «أمريكي صيني» لتقييد الذكاء الاصطناعي في استخدام الأسلحة النووية
  • عيدروس الزبيدي يلتقي مسؤولاً روسياً ويتحدث عن فتح سفارة موسكو في العاصمة عدن
  • ديمقراطيون بمجلس الشيوخ يدعون إلى التحقيق في احتمال تواصل ماسك مع روسيا
  • ديمقراطيان بمجلس الشيوخ يدعوان للتحقيق باتصالات ماسك مع روسيا
  • الاحتلال يهدد بمهاجمة أي محاولة لنقل الأسلحة لحزب الله عبر سوريا
  • الاحتلال: سنهاجم أي محاولة لتهريب الأسلحة إلى لبنان من سوريا
  • إسرائيل: سنهاجم أي محاولة لتهريب الأسلحة لحزب الله من سوريا