هل تنجح روسيا بوقف مناقشات الكيماوي السوري بمجلس الأمن؟
تاريخ النشر: 10th, March 2024 GMT
خلال جلسة مجلس الأمن الدولي التي عقدت في الخامس من الشهر الجاري اعتبر ديمتري بوليانسكي نائب مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة أن مناقشة الملف الكيماوي السوري كل 3 أشهر "كاف جدا"، مشيرا إلى عدم تحقيق أي تقدم منذ فترة.
وفي السياق ذاته، اعتبر المندوب السوري قصي الضحاك أن الإصرار على مناقشة البرنامج الكيماوي السوري يشير إلى إمعان الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا في "نهجها القائم على توظيف هذا الملف كأداة سياسية للضغط على الحكومة السورية".
وأكد الضحاك أن النظام السوري أوفى بالتزاماته بتدمير مخزونه الكيماوي بالكامل، وداعيا المنظمة الدولية إلى إغلاق جميع القضايا العالقة المتعلقة بملف بلاده الكيماوي.
ليست هذه المرة الأولى التي تقدم فيها روسيا مثل هذا الطرح، فقد بدأت بالتركيز على إضعاف الملف الكيماوي السوري في مجلس الأمن منذ بدايات عام 2023.
وانتقدت حينها مناقشة الملف بشكل شهري، ثم عمدت خلال فترة رئاستها الدورية لجلسات مجلس الأمن في أبريل/نيسان 2023، إلى إسقاط الجلسة الخاصة بمناقشة الملف السوري من جدول أعمال المجلس.
نفي متواصل
بدأ توارد الأخبار والتقارير عن استخدام السلاح الكيماوي بسوريا في عام 2012، لكن النظام كان ينفي عن نفسه تهمة الضلوع باستخدام هذه الأسلحة، وكان ذلك بواسطة عدة أساليب، منها:
إنكار وقوع الهجمات الكيماوية من الأساس. اتهام أطراف أخرى ناشطة في الساحة السورية بتنفيذ هذه الهجمات؟ التشكيك في مهنية أو حيادية الجهات المسؤولة عن التحقيق. التشكيك بالأدلة أو الآليات التي يستند إليها في التحقيق. التأكيد المتواصل على تدمير جميع مخزونات الأسلحة الكيماوية ومرافق الإنتاج.بالإضافة إلى ما سبق، فقد اعتادت روسيا استخدام صلاحياتها ونفوذها في مجلس الأمن لعرقلة تشكيل لجان وبعثات التحقيق باستخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا، أو لتحديد صلاحية هذه اللجان بحيث يقصر عملها على دعاوى معينة أو الاكتفاء بإثبات الواقعة، دون تحديد المسؤولية أو استخدام الفيتو لمنع تجديد ولاية هذه البعثات واستمرارها في عملها.
ويمكن القول إن جهود النظام وحلفائه في تعطيل ملف الكيماوي السوري قد نجحت في عرقلة العديد من الخطوات وأخرت -وما زالت تؤخر إلى حد كبير- اتخاذ خطوات فعالة في جانب محاسبة المسؤولين عن ارتكاب هذا النوع من الجرائم في سوريا.
تشكيل فريق للتحقيق
شهد عام 2018 تطورا مهما في مسار ملف الكيماوي السوري، حيث حفّز حادث استخدام الأسلحة الكيماوية في منطقة دوما بريف دمشق في 7 أبريل/نيسان 2018 المجتمع الدولي على بذل جهود أكثر جدية لمحاسبة مرتكبي هذه الهجمات في سوريا.
وأسفر ذلك في النهاية عن قرار "معالجة التهديد الناجم عن استخدام الأسلحة الكيماوية"، في يونيو/حزيران 2018، الذي أقره مؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية حظر الأسلحة الكيماوية، بأغلبية الثلثين.
وبموجب ذلك أنشأت الأمانة الفنية لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية فريق التحقيق وتحديد الهوية، الذي باشر تحقيقاته في يونيو/حزيران 2019، بهدف تحديد الأفراد أو الكيانات الضالعة بشكل مباشر أو غير مباشر في استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا، أي أن صلاحيات هذا الفريق لا تقتصر على إثبات حدوث واقعة استخدام السلاح الكيماوي بل تتعداها إلى تحديد الطرف المسؤول.
وتكمن النقطة المهمة في تشكيل وصلاحيات عمل فريق التحقيق ليس فقط في نوعية الصلاحيات التي يتمتع بها بل أيضا في عدم ارتباط مهمته بمدة زمنية محددة تقتضي الرجوع إلى مجلس الأمن لتجديد ولايته، وبذلك لم تعد لروسيا صلاحية استخدام حق النقض الفيتو لمنع تجديد ولاية هذه البعثات.
وتم تشكيل فريق التحقيق ليكون تابعا لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، وللعمل على حوادث تم الإبلاغ فيها عن استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا، وتنتهي مهمته بانتهاء التحقيق في إثبات هذه الحوادث وتحديد المسؤول عنها.
وأصدر الفريق 4 تقارير رئيسية عرض فيها نتائج تحقيقاته حول استخدام السلاح الكيماوي في اللطامنة/ في ريف حماة في مارس/آذار 2017 وسراقب بريف إدلب في فبراير/شباط 2018، وفي دوما بريف دمشق في أبريل/نيسان 2018، ومارع في ريف حلب بسبتمبر/أيلول 2015.
واتهمت التقارير بشكل صريح النظام بالمسؤولية عن استخدام السلاح الكيماوي في كل الحالات التي حققت فيها عدا حالة واحدة اتهمت فيها تنظيم الدولة الإسلامية وكانت في مارع، ويتم العمل حاليًا على استكمال التحقيقات في عدة حالات متبقية.
نهج روسي جديد
فوّتت هذه الآلية في التعامل مع ملف الكيماوي السوري الفرصة على النظام وحلفائه لاستخدام أدواتهم المعتادة لعرقلة جهود التحقيق، لكن ذلك دفعهم لاتباع نهج جديد بدأ في عام 2023، في محاولة تعطيل هذا الملف عبر إثارة الجدل حول حاجة مجلس الأمن لعقد جلسات شهرية لمناقشته.
وتبع ذلك تكثيف الجهود من أجل إسقاط جلسة مناقشة الكيماوي السوري من جدول أعمال مجلس الأمن، والدعوة لإغلاق هذا الملف بشكل نهائي.
ويشارك في هذا التوجه إضافة للنظام السوري روسيا والصين والإمارات التي صرحت في يناير/كانون الثاني 2023 على لسان مندوبتها في الأمم المتحدة أن "الملف الكيماوي في سوريا من أكثر الملفات المسيّسة في مجلس الأمن".
ولدى رئاستها الدورية لجلسات مجلس الأمن في يونيو/حزيران 2023، أسقطت الإمارات الجلسة المخصصة لمناقشة ملف الأسلحة الكيماوية من أجندات اجتماعات مجلس الأمن الشهرية، واكتفت بإدراج الجلسة المخصصة لمناقشة القضايا السياسية والإنسانية.
تقدم التحقيقاتيوجد حاليا 3 بعثات حظر الأسلحة الكيميائية تتمتع بولاية نشطة للعمل على قضايا التحقق من الأسلحة الكيميائية، وهي الباقية من عدة فرق وهيئات تم تشكيلها على مدار السنوات الماضية.
ويقوم مجلس الأمن بمناقشة تقارير هذه البعثات بشكل دوري في جلسات مخصصة لهذا الغرض ضمن أجندة اجتماعاته الشهرية، إلى جانب جلسات أخرى تتعلق بالوضع الإنساني والوضع السياسي في سوريا.
ورغم مزاعم روسيا بعدم وجود تقدم في هذا الملف فإن تقارير البعثات الدولية أظهرت تحقيق تقدم ملموس خلال الفترة الماضية بالتحقيق باستخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا في عشرات الحالات.
وفي الوقت الذي يسعى فيه النظام وحلفاؤه إلى "تبريد" ملف الكيماوي في مجلس الأمن والأوساط الدولية، وصولاً إلى إغلاقه بشكل نهائي، فإن الأدلة التي تخلص إليها تقارير اللجان الدولية لا تنفك تتعاضد ضد النظام، معتبرة إياه المسؤول الأول عن استخدام هذه الأسلحة خلال السنوات الماضية من الحرب في سوريا،
تعهدات النظام
ومما يزيد من تعقيد الأمور بالنسبة للنظام، أن العديد من مزاعم الهجمات بالأسلحة الكيماوية التي تم إثبات أو ترجّح وقوعها بالفعل، من خلال تحقيقات البعثات الدولية أو المنظمات الإنسانية أو مراكز البحوث، تم ارتكابها ما بعد 2014، أي بعد إعلان النظام وتعهده بالإبلاغ عن كل مخزونه من السلاح الكيماوي وتدميره.
وهذا يعني أن النظام لم يكن صادقا في الإبلاغ عن حجم مخزونه من السلاح الكيماوي وأنه استمر في استخدام هذا السلاح حتى بعد انضمام سوريا إلى اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية في أكتوبر/تشرين الأول 2013، والإعلان عن تدمير كامل مخزونه في 2014، وهو ما تشير إليه إحاطات وتقارير اللجان الدولية الشهرية التي تشكو من تعذر الوصول إلى المناطق التي تريد التحقيق فيها أو امتناع النظام عن استقبال هذه البعثات والتعاون معها أو عدم الدقة في الكشف عن مخزونه من الأسلحة الكيميائية وتدميرها.
ومع تكشف المزيد من الحقائق بخصوص استخدام الكيماوي في سوريا واستمرار اللجان الدولية في التحقيق في المزيد من الوقائع المتعلقة بهذا الملف سواء منها التحقيقات التي ترمي لإثبات استخدام الأسلحة الكيميائية من عدمه أو تلك التي تتعدى ذلك إلى محاولة تحديد المسؤول عن تنفيذ هذه الهجمات، فإن النظام والدول الداعمة له وخصوصا روسيا والصين ستستمر في محاولة تضعيف هذا الملف.
ومن المرجح أن تستمر باستخدام نفوذها وصلاحياتها في مجلس الأمن لتعطيل الإجراءات التي يمكن أن يتم اتخاذها بناء على نتائج التحقيق في هذا الملف، مما يرشح ملف السلاح الكيماوي في سوريا لمزيد من التجاذبات على المستوى الدولي في الفترة المقبلة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات حظر الأسلحة الکیمیائیة فی مجلس الأمن الکیماوی فی هذه البعثات عن استخدام التحقیق فی هذا الملف فی سوریا
إقرأ أيضاً:
الاقتصاد السوري يحتاج إلى نصف قرن لاستعادة عافيته بعد الحرب التي دمرته
كشفت الأمم المتحدة، أن الاقتصاد السوري بحاجة لـ55 عاما للعودة إلى المستوى الذي كان عليه في 2010 قبل اندلاع النزاع، إذا ما واصل النمو بالوتيرة الحالية، مناشدة الأسرة الدولية الاستثمار بقوة في هذا البلد لتسريع عجلة النمو.
وقال أخيم شتاينر، رئيس برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، في تقرير إنه « بالإضافة إلى مساعدات إنسانية فورية، يتطلب تعافي سوريا استثمارات طويلة الأجل للتنمية، من أجل بناء استقرار اقتصادي واجتماعي لشعبها ».
وشدد المسؤول الأممي خصوصا على أهمية « استعادة الانتاجية من أجل خلق وظائف والحد من الفقر، وتنشيط الزراعة لتحقيق الأمن الغذائي، وإعادة بناء البنى الأساسية للخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم والطاقة ».
وفي إطار سلسلة دراسات أجراها لتقييم الأوضاع في سوريا بعد إسقاط الرئيس بشار الأسد في ديسمبر، قدم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، الخميس، ثلاثة سيناريوهات للمستقبل الاجتماعي والاقتصادي للبلاد.
وبحسب معدل النمو الحالي (حوالي 1,3% سنويا بين عامي 2018 و2024)، فإن « الاقتصاد السوري لن يعود قبل عام 2080 إلى الناتج المحلي الإجمالي الذي كان عليه قبل الحرب ».
وسلطت هذه التوقعات « الصارخة » الضوء على الحاجة الملحة لتسريع عجلة النمو في سوريا.
وما يزيد من الضرورة الملحة لإيجاد حلول سريعة للوضع الراهن، هو أنه بعد 14 عاما من النزاع، يعاني 9 من كل 10 سوريين من الفقر، وربع السكان هم اليوم عاطلون عن العمل، والناتج المحلي الإجمالي السوري هو اليوم أقل من نصف ما كان عليه في 2011، وفقا للتقرير.
وتراجع مؤشر التنمية البشرية الذي يأخذ في الاعتبار متوسط العمر المتوقع ومستويي التعليم والمعيشة إلى أقل مما كان عليه في 1990 (أول مرة تم قياسه فيها)، مما يعني أن الحرب محت أكثر من ثلاثين عاما من التنمية.
وفي هذا السياق، نظر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى وتيرة النمو اللازمة لعودة الناتج المحلي الإجمالي إلى المستوى الذي كان عليه قبل الحرب، وكذلك إلى الوتيرة اللازمة لبلوغه المستوى الذي كان يمكن للبلاد أن تبلغه لو لم تندلع فيها الحرب.
وفي السيناريو الأكثر « واقعية » والذي يتلخص في العودة إلى الناتج المحلي الإجمالي لعام 2010 فقط، فإن الأمر يتطلب نموا سنويا بنسبة 7,6% لمدة عشر سنوات، أي ستة أضعاف المعدل الحالي، أو نموا سنويا بنسبة 5% لمدة 15 عاما، أو بنسبة 3,7% لمدة عشرين عاما، وفقا لهذه التوقعات.
أما في السيناريو الطموح، أي بلوغ الناتج المحلي الإجمالي المستوى الذي كان يفترض أن يصل إليه لو لم تندلع الحرب، فيتطلب الأمر معدل نمو بنسبة 21.6% سنويا لمدة 10 سنوات، أو 13.9% لمدة 15 عاما، أو 10.3% لمدة 20 عاما.
وقال عبد الله الدردري، مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في الدول العربية، إنه لا يمكن سوى لـ »استراتيجية شاملة » تتضمن خصوصا إصلاح الحكم وإعادة بناء البنى التحتية في البلاد أن تتيح لسوريا « استعادة السيطرة على مستقبلها » و »تقليل اعتمادها على المساعدات الخارجية ».
كلمات دلالية الاقتصاد الامم المتحدة التنمية الحرب تقرير سوريا