يترقب العالم العربي الرؤية الشرعية لهلال شهر رمضان مساء اليوم الأحد الموافق 29 شعبان 1445هـ/ 10 مارس/نيسان 2024 م، وسط استعدادات رسمية وشعبية لاستقبال الشهر المعظم. وتنوعت الاستعدادات لاستقبال هذا الضيف العزيز بالدول العربية بين جهود رسمية لتجهيز المساجد لأداء صلاتي التراويح والتهجد، وأعمال خيرية وشعبية.

رؤية هلال رمضان

وتشهد دول عربية وإسلامية عدة مساء اليوم استطلاع وتحري رؤية هلال رمضان، وفق بيانات رسمية صدرت الجمعة والسبت من عدة دول عربية، حيث أعلنتها كل من: المحكمة العليا السعودية، لجنة رؤية الهلال بوزارة الأوقاف القطرية، دار الإفتاء المصرية، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالبحرين، لجنة تحري الرؤية بالإمارات. كما أعلن استطلاع هلال رمضان مساء اليوم كل من مفتي الأردن أحمد الحسنات، لجنة استطلاع رؤية هلال رمضان بسلطنة عمان، هيئة الرؤية الشرعية بالكويت.

صلاة الجمعة الرابعة من رمضان 1444في المسجد الأقصى بالمدينة المقدسة وسط قيود إسرائيلية (الأناضول-أرشيفية) استعدادات دينية واسعة بالقدس

كما أعلنت دائرة أوقاف القدس وشؤون المسجد الأقصى بالمدينة المقدسة أنها أنهت استعداداتها لاستقبال المصلين خلال شهر رمضان.

ومن ضمن الاستعدادات التي أعلنها مدير الدائرة الشيخ عزام الخطيب في بيان "برنامج الإمامة اليومي لصلاتي العشاء والتراويح، برنامج الخطابة والإمامة وتلاوة القرآن الكريم لصلاة الجمعة، برامج تلاوة القرآن الكريم، دروس العلم الشرعي طيلة أيام شهر رمضان وأيام الجمع في رحاب المسجد الأقصى المبارك".

ويخضع المسجد الأقصى -منذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023- لحصار إسرائيلي مشدد، وقيود على دخول المصلين إليه، وسط تلويح إسرائيلي بتقييد أعداد المصلين فيه خلال رمضان.

وفي السعودية، أعلن رئيس الشؤون الدينية بالمسجد الحرام والمسجد النبوي الشيخ عبد الرحمن السديس -في بيان الخميس- جدول صلاتي التراويح والتهجد بالمسجدين الشريفين، حيث يؤم فيها مشاهير المشايخ منهم السديس وماهر المعيقلي وياسر الدوسري وبندر بليله.

وفي قطر، أكدت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية -الخميس- إقامة صلاتي التراويح والقيام بمختلف مساجد الدولة، مشيرة إلى أن هناك ختمة للقرآن الكريم كاملا في صلاتي التراويح والقيام بجامع الإمام محمد بن عبد الوهاب بالدوحة.

وفي الإمارات والكويت، أنهت مساجد ومصليات البلاد استعدادها لإقامة صلاة التراويح خلال رمضان، كما ستؤدى صلاة التراويح في مساجد الأردن، وفق ما نقله إعلام محلي، الأربعاء الماضي.

مأساة غزة تلقي بظلالها على تحضيرات الأردنيين

وعلى وقع حرب إسرائيلية مستعرة منذ أكثر من 155 يوماً في غزة، يتجهّز الأردنيون لشهر رمضان المبارك، وسط مشاهد قتل ودمار، عكّرت صفو تحضيرات سنوية اعتادوا عليها.

وكغيرهم من شعوب العالم الإسلامي، ينتظر الأردنيون حلول الشهر الكريم، وعادة ما يستبقونه بارتياد الأسواق للتزوّد بالسلع الأساسية التي يحتاجونها فيه، إلا أن ما يحدث في غزة بدّل الحال.

من جانبه، قال الأكاديمي والباحث في علم الاجتماع حسين خزاعي إن "ما يحدث عبارة عن رسالة تضامنية شعورية بأن المواطن جزء من غزة، والمواطن الأردني يفترض نفسه يعيش ويتعايش مع ظروف الغزيين".

وبين أن المواطنين الأردنيين يتجاهلون التحضيرات من كل الجوانب "خاصة وهم يشاهدون صعوبة الظروف لأهل غزة الذين لا يجدون لا طعام ولا ماء ولا دواء".

وأوضح "حالة الإحباط والقلق والتوتر والألم للمصير المجهول لما يحدث، والكل يتساءل عن موعد نهاية هذه الغطرسة. المجتمع الأردني يرى نفسه عاجزاً عن صد ومواجهة الحرب على أشقائه في غزة، ولا يستطيع تقديم أية خدمة سوى بهذا التضامن، وإرسال رسالة بأننا نجوع معكم حتى لو توفر لنا الطعام".

وحتى نهاية يناير/كانون الثاني، ارتفعت أسعار الغذاء بالمملكة للشهر السابع على التوالي، وبلغت نسبتها الأخيرة 3%، وفق تقرير الأمن الغذائي الشهري الصادر عن البنك الدولي مؤخرا.

لبنان.. زينة خجول وسط أزمة اقتصادية

أما في لبنان، فتراجع الاهتمام بزينة رمضان في عدة مدن رئيسية، في ظل الأوضاع التي تمر بها البلاد، وتزامنا مع استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.

لكن بعض اللبنانيين أبى إلا أن يستقبل الشهر الفضيل ولو بزينة خجول، وبطريقة مختلفة عن الأعوام الماضية، بسبب تفاقم الأزمات المالية والاقتصادية بالبلاد، إضافة إلى الحرب جنوب البلاد وقطاع غزة.

ويحظى شهر رمضان بأهمية خاصة لدى المسلمين في لبنان، لكن مظاهر تزيين الشوارع والأماكن العامة احتفالاً بدخول شهر الصوم تراجعت منذ العام 2020 مع دخول البلاد في أزمة اقتصادية طاحنة منذ الربع الأخير من 2019، فاقمتها الحرب على قطاع غزة والتوترات جنوبي البلاد مع إسرائيل.

شوارع صيدا وساحاتها تزدان عادة بالألوان وتتنوع الفعاليات الرمضانية فيها (الأناضول-أرشيفية)

وقبل أيام من بدء رمضان، تداعى بعض أصحاب المحال التجارية والجمعيات الأهلية إلى وضع الزينة وتعليق الفوانيس والإضاءة بأشكال مختلفة تنطلق من روحية الشهر الكريم.

ولدى التجول في شوارع وأزقة طرابلس (شمال) والعاصمة بيروت (وسط) يلاحظ اقتصار الزينة والإضاءة على بعض الأماكن والشوارع الرئيسية في المدنيتين.

وفي بيروت، اقتصرت الزينة على الوسط التجاري، حيث أقيمت قرية رمضانية ووضعت الزينة على كافة المساجد والساحات القريبة منها، كما انتشرت الزينة في بعض الشوارع في الطريق الجديدة ومار الياس وبربور وغيرها.

وفي طرابلس، اقتصرت الزينة على عدد قليل من الأماكن مثل شارع رياض الصلح في طريق الميناء، وشارع الأندلس ودوار مرج الزهور في أبي سمرا وساحة المدينة الرئيسية.

ومن جانبها تقول ياسمين الغمراوي رئيسة جمعية "للخير أنا وأنت" الأهلية "نحن نستقبل رمضان وقد قررنا رغم الظروف الصعبة التي تمر فيها المنطقة، وخصوصا ما يحصل في غزة وجنوب لبنان، أن ننشر الفرحة بالزينة".

وأضافت أن طرابلس في السابق كانت تزين كل شوارعها "وكل أهل المدينة يحتفلون باستقبال الشهر، ولكن هذا العام الزينة خجولة.. نشعر مع أهلنا في غزة".

ولفتت إلى أن الوضع الاقتصادي في لبنان لا يساعد أن تتوسع الزينة كما السنوات السابقة "والجمعية قامت بهذه المبادرة لكي لا تدع الشهر يمر من دون زينة، ولو بشارع واحد.. لنبعث برسالة نعم لاستقبال رمضان ببهجة".

بدوره، أوضح رشيد نصر الدين الصايغ أن بلدية طرابلس كانت تزين المرافق العامة كل عام، ولكن هذا العام لم تقدم على ذلك بسبب الأزمة الاقتصادية.

وأضاف "بادرنا أنا وأصدقائي من أبناء الحي (الميناء) بتزيين جزء من المرافق.. أحببنا نشر الفرح والسرور على وجوه أبناء المنطقة لاستقبال شهر رمضان ونجعلهم يشعرون أن لهذا الشهر ميزة خاصة".

ويعاني اللبنانيون منذ 2019 أزمة اقتصادية غير مسبوقة أدت إلى انهيار قياسي بقيمة العملة المحلية مقابل الدولار (من 1500 ليرة/دولار إلى 90 ألف ليرة حالياً) فضلا عن شح بالوقود والأدوية، وانهيار قدرتهم الشرائية.

حرب اليمن في عامها العاشر

أما في اليمن، فبعد نحو 10 سنوات من حرب انطلقت بعد سيطرة جماعة "الحوثي" على العاصمة صنعاء في سبتمبر/أيلول 2014، يستقبل اليمنيون شهر رمضان في ظروف معيشية صعبة أثرت على فرحتهم باستقبال شهر الرحمة والمغفرة.

ويقول المواطن عبد الله ناصر "نستقبل رمضاننا العاشر ونحن نعيش أسوأ أوضاع معيشية في العالم، فلم نعد نملك قوتنا اليومي بسبب الحرب، لم نشتر أي شيء من متطلبات شهر رمضان، فنحن لا نملك المال".

ويعد ناصر واحدا من ملايين اليمنيين الذين يواجهون واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية والاقتصادية بالعالم، جراء تداعيات الحرب، وتشير التقديرات إلى أن 17.6 ملايين شخص (من أصل 35 مليونا) يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد عام 2024، وفق تقرير صادر في فبراير/شباط الماضي عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا".

ويستقبل اليمنيون رمضانهم العاشر دون أفق لحل الصراع في البلاد، إضافة لاستمرار تدهور العملة المحلية وارتفاع حاد في الأسعار، حيث اقترب سعر صرف الدولار الواحد من 1700 ريال، مرتفعا من ألف ريال فقط عقب تشكيل مجلس القيادة الرئاسي في أبريل/نيسان 2022.

السودانيون يقبلون على تناول مشروب "الحلو مر" في رمضان (الجزيرة) سودانيون يستقبلون رمضان بـ"سلة غذاء" فارغة

أما السودانيون، فاعتادوا على مر السنيين أجواء خاصة تسبق حلول شهر رمضان، حيث تطالعك رائحة صناعة المشروب الشعبي الشهير "الحلو مر" المنتشرة في الأحياء السكنية في المدن والقرى.

غير أن تلك الأجواء ستتلاشى خلال شهر الصوم هذا العام، بسبب الحرب التي حرمت السودانيين من بهجة شهر الصيام، فرائحة البارود والنار غطت على رائحة "الحلو مر" والنزوح هو العنوان العريض بدلا من التجمع على موائد رمضان.

واختلفت الاستعدادات لرمضان هذا العام مع استمرار الحرب -والتي تتواصل منذ 15 أبريل/نيسان 2023- في عدة مناطق البلاد، فانعدام السلع والمواد الغذائية وارتفاع أسعارها وصعوبة الحصول عليها هو المعلم الأبرز وحديث الساعة بين المواطنين الذين يتطلعون لإنهاء الحرب.

كما يحل رمضان هذا العام على السودان، في ظل وجود أكثر من 6 ملايين نازح في دور الإيواء في المدارس والجامعات بمناطق مختلفة، ويعتمدون على مساعدات إغاثية لا تصلهم غالبا بسبب القتال.

وزاد من تفاقم الأوضاع غياب تطبيق البنوك لتحويل الأموال بسبب انقطاع الاتصالات لأسابيع بالخرطوم ومنطقة الجزيرة، وكذلك ضعف الاتصالات بالولايات الأخرى لأن معظم الموجودين بهذه المناطق يعتمدون على مساعدات مالية من الأهل والأصدقاء. وللتغلب على هذه المعضلة، ظهرت مبادرات بين السودانيين بالخارج لجمع الأموال لإعداد سلال رمضانية تعين الموجودين داخل البلاد.

وبحسب الإحصائيات الأممية فإن حوالي 25 مليون سوداني يحتاجون إلى مساعدات إنسانية عاجلة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات صلاتی التراویح المسجد الأقصى هلال رمضان شهر رمضان هذا العام فی غزة

إقرأ أيضاً:

الأمم المتحدة: دق ناقوس الخطر والقيام بالمسؤولية

بقلم: د. محمد حمد مفرح

من الحقائق المعلومة لكل متابع لمجريات الأحداث في السودان في ظل الحرب الجارية أن الأوضاع بالبلاد قد بلغت مدى بعيدا من التدهور الذي يرقى الى مستوى الكارثة الحقيقية. فالواقع الناتج عن افرازات الحرب و استمرارها و اتساع نطاقها، و الذي ظل يأخذ في التدهور بوتيرة متسارعة و متصاعدة طبع الحياة الاجتماعية و غيرها بالبؤس و التردي كما قلب حياة المواطن في اغلب أنحاء البلاد رأسا على عقب، جراء تمدد الحرب و بروز فظاعاتها المتعددة بصورة غير مسبوقة. و بعيدا عن الاسهاب التفصيلي في وصف هذا الوضع المعلوم يمكن القول، عموما، أن ذروة هذه التداعيات تتمثل في ما حدث مؤخرا بشرق ولاية الجزيرة بوسط السودان و بالذات بمدينة الهلالية التي شهدت قتلا جماعيا Mass killing مروعا وسط المواطنين قامت به قوات الدعم السريع، وفقا للاخبار المتواترة. و قد سبقت ذلك أحداث عنف بمدينة الفاشر ادت الى قتل اعداد كبيرة من المواطنين جراء ضراوة القتال. كما شهدت عدد من قرى و مدن كردفان و سنار بالإضافة الى الخرطوم و غيرها قتال راحت ضحيته انفس عزيزة. و من المعلوم ان مسلسل العنف لا يزال قائما مخلفا اعداد لا تحصى من الضحايا.
اما على صعيد افرازات الحرب الاخرى بهذه المناطق فقد تمثلت في الأعداد الكبيرة من الجرحى و انتشار المجاعة و الخوف و الهلع بالإضافة إلى تأثر البنية التحتية و خلافه. و بالطبع لا تحتاج هذه الافرازات الى أدلة او براهين لتأكيد حقيقتها كونها غدت واقعا يحدث عن نفسه. و ليس ثمة من شك في أن نظرة واحدة إلى واقع البلاد في ظل هذه الحرب كافية بأن تؤكد هذا الواقع التراجيدي Tragic reality.
ثمة أمر آخر ظل يعمل على مضاعفة مأساة البلاد و تعقيد الوضع اكثر يتمثل في تنامي خطاب الكراهية في المجتمع السوداني بالإضافة الى الاصطفاف الجهوي و القبلي السافر ثم ما سمى بقانون الوجوه الغريبة الذي تم سنه في بعض الولايات بشمال السودان على نحو بغيض زاد الأمر ضغثا على ابالة. و قد أدى هذا القانون الشائن الى أخذ الناس بالشبهات و اتهامهم زورا و بهتانا بتهمة الانتماء الى الدعم السريع بل و الحكم عليهم بأحكام مغلظة غاية في الاجحاف. و ليس أدل على ذلك من التهم التي طالت البعض بموجب هذا (القانون) و آخرها الحكم على الطالب احمد عبد الهادي سليمان الذي قدم من مدينة الخوي بغرب كردفان الى مدينة دنقلا للجلوس لامتحان الشهادة السودانية هناك، الحكم عليه بالسجن خمس سنوات بتهمة الانتماء للدعم السريع دون دليل او بينات او حيثيات يعول عليها و ذلك رغم توافر الأدلة التي أكدت انه قادم للجلوس للامتحان ليس الا !!!.
و مما يجدر تأكيده ان افرازات الحرب سالفة الاستعراض تفاقم معاناة المواطن كما تضع وحدة السودان على المحك.
من جانب اخر فانه، و نظرا لعدم وجود ضوء في اخر النفق يبشر بايقاف الحرب في ظل مواصلة طرفيها للقتال غير مباليين بكل تداعياتها الاخذة في التفاقم، و بالذات الجيش الذي رفض كل مبادرات إيقاف الحرب، نظرا لذلك يتعين على الأمم المتحدة أن تقوم بدورها في التدخل في السودان بموجب الفصل السابع و الذي يعد الوسيلة الوحيدة المتاحة حاليا لاجبار طرفي الحرب على وقفها. هذه الخطوة مطلوبة بشدة من اجل افساح المجال لوقف القتل المروع و وضع حد لنزيف الدم علاوة على تقديم العون الانساني Humanitarian aid للمواطنين مع تهبئة الظروف لاعادة اعمار البلاد و بدء العملية السياسية التي تفضي الى حكومة مدنية. و تعد هذه المطلوبات جد ضرورية لتفكيك ازمة البلاد غير المسبوقة.
و من الضروري بمكان اجراء العدالة الانتقالية Transitional Justice و التي تتم عادة في ظروف ما بعد الحرب و الانتقال الديموقراطي، حيث تشمل سلسلة من الإجراءات منها الاعتراف بالجرائم و العفو فضلا عن المحاكمات القانونية و التعويضات المختلفة و خلافها. و يمكن الاستفادة، في هذا الصدد، من تجارب مماثلة لدول أخرى.
من جهة ثانية يمكن ان يتطلب الامر الحاجة لقيام مجلس الامن بانشاء محكمة دولية خاصة بالسودان من اجل القيام بالمحاكمات اللازمة لكل الجرائم التي ارتكبت في هذه الحرب و قبلها بما فيها الجرائم التي ارتكبت في عهد الانقاذ و التي لا تسقط بالتقادم. و يمكن أن تكون هذه المحكمة على غرار المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة و التي قام بانشاىها مجلس الأمن في العام ١٩٩٣م بعد بداية حرب البوسنة او المحكمة الجنائية الدولية لرواتدا التي أنشأت قي العام ١٩٩٤م لمحاكمة مجرمي الحرب برواندا.
و أود، هنا، ان أشير الى حقيقة مفادها ان الأمين العام للامم المتحدة، انطونيو غوتيريش، صرح مؤخرا بأن ظروف المنظمة لا تسمح لها حاليا بنشر قوات بالسودان، و اكتفى بتكرار مناشدة طرفي الحرب بايقافها مراعاة لظروف المدنيين الذي تضرروا كثيرا من الحرب.
و مع ذلك فقد رشحت مؤخرا اخبار تفيد بأن الأمم المتحدة بصدد نشر قوات في بعض المدن السودانية للفصل بين طرفي القتال و حماية المدنيين. كما أن المقترح الذي تقدم به مؤخرا الدكتور عبد الله حمدوك رئيس الوزراء السابق و رئيس (تقدم) و القاضي بانشاء مناطق امنة Safe Areas للمدنيين بالسودان يمنع فيها الطيران، و تتم حمايتهم من تعديات طرفي الحرب، يمكن، أي المقترح، ان يتم تطبيقه للتخفيف من المعاناة الانسانية.
و من المعلوم ان الامم المتحدة غالبا ما تواجه ظروفا مالية لا تمكنها من القيام بدورها في ظروف الحرب، غير ان هذا لا يعفيها من القيام بمسؤوليتها تجاه السودان من خلال انشاء صندوق مالي Financial Fund من اجل الاسهام المالي في التدخل في السودان بموجب الفصل السابع و ذلك من اجل انقاذ البلاد، بناء على تهديد هذه الحرب للسلم و الامن الدوليين، باعتبار ان الحفاظ عليهما يعد المهمة الأساسية للامم المتحدة.
و مما يجدر تأكيده أنه بقدر ما تفتقت عبقرية فقهاء القانون الدولي و خاصة مع بداية القرن التاسع عشر عن وضع قواعد قانون دولي كافية لحماية المدنيين و غيرهم أثناء الحرب و صيانة حقوق الانسان فضلا عن محاكمة مجرمي الحرب و الحفاظ على السلم و الامن الدوليين، بقدر ما تفتقت عن ذلك فان (السياسة) ظلت تعمل على تعويق انفاذ قواعد القانون الدولي و تطبيقها على الأرض. و تندرج هذه القواعد القانونية في القانون الدولي الانساني المسمى أيضا قانون الحرب و قانون جنيف و قانون النزاعات المسلحة، كما تندرج في القانون الدولي لحقوق الانسان و الذي شهد بحق تطور نوعي و شامل و غير مسبوق، و ايضا القانون الجنائي الدولي المناط به محاكمة مجرمي الحرب على جرائمهم المتمثلة في جرائم الابادة الجماعية و جرائم ضد الانسانية و جرائم الحرب و جريمة العدوان.
و قد تمت سابقا محاكمة النازيين لارتكابهم جرائم حرب واسعة النطاق في الحرب العالمية الثانية.
و بالرغم من كفاية و فاعلية هذه القوانين الا أن التقاطعات السياسية في الساحة الدولية و عدم توافر الارادة من قبل الدول الكبرى و بالذات الدول دائمة العضوية بمجلس الامن، في المساهمة في تمويل الامم المتحدة، لاسباب سياسية تتماهى مع مصالحها، تعمل، أي التقاطعات السياسية، على الحيلولة دون قيام هذه المنظمة بمسؤولياتها على الدوام. و من المعلوم أن هذه الدول تسهم بالنصيب الاكبر في التمويل وقتما تتوافر لها الارادة.
و في ظل هذا الوضع تواجه قيام الامم المتحدة بدورها تجاه السودان في هذا الظرف العصيب تحديات ربما تجعل من المتعذر عليها النهوض بمسؤوليتها، مما يفاقم من ازمة البلاد الحالية.
و تبعا لذلك فان هنالك حاجة ماسة لقيام (تقدم) بكل ما يمكنها القيام به من اجل دفع الامم المتحدة للنهوض بمسؤولياتها تجاه السودان في هذا الظرف التاريخي العصيب.
و من الضروري بمكان استمرار زخم حراك (تقدم) الحالي بهدف وضع حد لمعاناة المواطنين و من ثم تهيئة الظروف لتطبيق الخطوات انفة الذكر و التي يتوقف عليها انقاذ البلاد من التفكك.

mohammedhamad11960@gmail.com

   

مقالات مشابهة

  • محافظ سوهاج يؤدي صلاة الجمعة بمسجد "الشبان المسلمين".. ويقوم بجولة ميدانية بأخميم
  • فلكيا.. موعد أول أيام شهر رمضان 2025
  • هل ذهب الزينة المكسور عليه زكاة؟ دار الإفتاء تجيب
  • موعد شهر رمضان 2025.. وفضائل وأهمية الشهر الكريم
  • «غرف الإمارات» يبحث تعزيز العلاقات الاقتصادية مع الفلبين
  • الصين تواجه موجة جرائم عنف نادرة في ظل الصعوبات الاقتصادية
  • الغردقة تستعد لاستقبال الموسم السياحي الشتوي وسط توقعات بازدهار غير مسبوق لعام 2025
  • الأمم المتحدة: دق ناقوس الخطر والقيام بالمسؤولية
  • حسم التمديد قبل نهاية الشهر وهذا موقف التيار
  • 50 دولة تشارك بالمهرجان السينمائي الطلابي في موسكو