أزمات وعنف و4 مواعيد انتخابية بشهرين.. هل استعادت السنغال عافيتها الديمقراطية؟
تاريخ النشر: 10th, March 2024 GMT
سقطت ورقة التأجيل، وبدأت الحملة الانتخابية، وأصبح لزاما على الرئيس السنغالي ماكي سال أن يحزم حقائب الرحيل من القصر الذي أقام فيه طيلة 12 سنة، لا بد مما لا بد منه، خصوصا بعد أن أخفق في إقرار التأجيل، ووقف له المجلس الدستوري بالمرصاد، ناسفا مقتضيات خطاب لم يرد له أن يكون موعظة مودع فجعلته القوى السياسية المعارضة، وفقهاء القانون الدستوري خطبة وداع.
ومع تسارع الأيام إلى الأجل الذي حدد لإجراء الانتخابات في 24 مارس/آذار الحالي، فإن السنغال تسارع أيضا في استعادة عافيتها الديمقراطية، بعد أزيد من سنتين من التعثر والصراع والأزمات التي فتحها فوز المعارضة، في أهم مدن البلاد، خلال الانتخابات التي جرت في مطلع عام 2022، وعلى إثرها أصبحت قوة برلمانية منافسة ومؤثرة.
كان الشارع السنغالي خلال السنتين المنصرمتين يمور بالصخب، فيما كانت كرات اللهب تترامى بين زعيم المعارضة الأقوى عثمان سونكو، وحلف السلطة بقيادة سال، وبين ذينك الاسمين الكبيرين، تتعدد العناوين الأخرى لمشهد بالغ التأزم في بلاد "الاستثناء الديمقراطي" في أفريقيا.
مع بداية إبريل/نيسان، سيكون للسنغال رئيس جديد، غير ماكي سال، الذي تؤرقه المغادرة وفق خصومه، ويضعف -كما يرى مراقبون سنغاليون- رهانه على خليفته الوزير الأول السنغالي، أمادو با، الذي تتجمع لمواجهته قوى معارضة نوعية، تعتبر نهاية حكم سال بداية آمال لها، وفيما تفرغ أمادو با لحملته الانتخابية، تولى خلافته وزير الداخلية صديقي كابا الوزارة الأولى لإدارة حكومة تنتهي مأموريتها مع تسليم الرئاسة للمنتخب الجديد.
ويبدو الجدل القانوني الآن ضيق الهامش، ويتعلق أساسا بموعد الدورة الثانية للانتخابات، حيث اقترح الرئيس سال أن تنظم قبل انتهاء فترته في الثاني من أبريل/نيسان القادم، فيما لا يرى المجلس الدستوري ضررا في إقامتها بعد ذلك، ما دامت الأولى قد أقيمت في فترة الرئيس المنتهية ولايته.
ويتوقع الكثيرون أن البلاد تجاوزت بسلام أسوأ ما في الأزمة السياسية التي كادت تعصف باستقرارها، ودخلت في أجواء "احتفالية"، مع بدء 19 مرشحا حملاتهم الانتخابية مع شعور يتملك العديد منهم بانتصار ديمقراطي بعد تجاوز معركة التأجيل على أمل أن يتوج بفوز انتخابي.
لم يمر الشهران المنصرمان بهدوء في السنغال، مثل العامين السابقين، كانت الـ60 يوما المنصرمة حافلة بالمتغيرات، وخصوصا فيما يتعلق بالآجال النهائية للانتخابات، والتي تدحرجت 4 مرات ككرة لهب شديدة الاشتعال، قبل أن يتمكن المجلس الدستوري من إقرارها في 24 مارس/آذار الحالي، وجاءت المواعيد المتدحرجة على النحو التالي:
الموعد الدستوري في 25 فبراير/شباط 2024: وهو الموعد الأصلي المتفق عليه سلفا، قبل أن ينفض بساطه الرئيس ماكي سال ويعلن عن تأجيل الانتخابات إلى نهاية العام الحالي، وهو ما أدى لانتفاض القوى السياسية والقانونية في وجهه، وإرغامه على العودة إلى تحسس حقائبه من جديد، والتجهز لحملها خارج القصر الرئاسي. التمديد إلى نهاية السنة: في الخامس والعشرين من الشهر الأخير من السنة، وهو المقترح الذي رأت فيه المعارضة انقلابا على الدستور والعملية الديمقراطية، قبل أن يقره البرلمان الذي تسيطر عليه أغلبية نسبية موالية للرئيس ماكي سال، ولكن المجلس الدستوري رفض ذلك الموعدة بقوة، وفرض العودة إلى جادة الدستور. الأجل المتردد: والذي استقر أخيرا على موعد 24 مارس/آذار 2024، وذلك بعد أن اقترح موعد آخر، هو 31 من مارس/آذار الحالي، لترسو سفينة الرئاسيات أخيرا بعد طول ترنح على الرابع والعشرين، منطلقا لدخول السنغال مرحلة ما بعد ماكي سال، الذي حاول ترميم نهاية حكمه بعد هزة، محاولا التمديد بإجراء حوار وطني سريع، انتهى إلى إقرار عفو شبه شامل عن الجرائم والأخطاء ذات البعد السياسي، وهو ما يمثل "عربون وداع إيجابي" من الرئيس سال لأغلب خصومه السياسيين، أو على الأقل لرسم ملامح إيجابية لرئيس مغادر، لم يجد الوقت الكافي لرسم الطريق الكامل لمن سيخلفه. سنتان من الصراع.. أزمات وعنفمع اكتمال إجراء الانتخابات الرئاسية في دورتها الثانية المفترضة في أبريل/نيسان القادم، سيبدأ وضع جديد، ويتوقع على نطاق واسع أن تكون السنغال قد استعادت كثيرا من عافيتها السياسية، وبدأت أولويات جديدة للرئيس المنتخب، خصوصا أن التنافس على أشده، وحظوظ مرشح السلطة تتناقص بشكل كبير، وسط أحاديث متزايدة عن تراجع سال عن الرهان على خليفته المفترض.
ورغم ما توجه المعارضة من تهم للرئيس فإنها لا تصفه بالغباء وقلة الحيلة، حيث تملك طيلة تاريخه السياسي حسا سياسيا استثنائيا، جعله يتقدم على الجميع بخطوة في أحيان كثيرة، ومكنه من الصعود المتدرج إلى أعلى هرم السلطة في البلاد.
ويعني ذلك أن قوى المعارضة ستحتاط أكثر من مرة لمواجهته، وتعد العدة عبر كثير من التحالفات لهزيمة خلفه، ويذهب مراقبون للمشهد السياسي في السنغال إلى القول إن سال قد يكون داعما بشكل استثنائي أو عبر خطة بديلة لأحد المرشحين المحسوبين على الطيف المعارض، بعد أن أخفق في تقديم مرشح جذاب، وقد تكون آخر الأوراق التي سيلعبها الرئيس لترتيب مشهد ما بعد رحيله عن السلطة.
ارتبطت بالرئيس سال بعض أوجه الحداثة والعمران الجديد في السنغال، وخصوصا الطرق والجسور والقطار السريع، غير أن السنوات الـ3 الأخيرة من مأموريته الثانية كانت هي الأخرى قطارا سريعا مندفعا نحو أزمة سياسية تفاقمت بشكل غير معهود في بلد اكتسب صيته من تفرده واستثنائيته الديمقراطية في منطقة يعصف الصراع السياسي بأمنها، وتحول الانقلابات استقرارها الهش إلى اضطرابات متواصلة.
ومنذ العام 2021 شهدت البلاد أعمال شغب وعنف شديد، بين الشرطة وأنصار السياسي المعارض عثمان سونكو، كما تمددت ألسنة اللهب والعنف أيضا خلال فبراير/شباط من السنة الحالية بعد قرار الرئيس تأجيل الانتخابات.
وفي المجمل سقط عشرات القتلى خلال دورات الاحتكاك بين الشرطة والمتظاهرين، أربى على الـ60 قتيلا، فيما وصل عدد الجرحى إلى المئات، كما استقبلت السجون أيضا مئات من المحسوبين على المعارضة.
ولم يشفع لسونكو حلوله في المرتبة الثالثة في انتخابات 2019، ليمكنه من الترشح لرئاسيات 2024، حيث حالت دون ذلك قيود متعددة، منها حل حزبه "الوطنيون من أجل العمل والأخلاق والأخوة" المعروف اختصارا بـ"باستيف"، وإدانته بحكم قضائي.
ومن غير المستبعد استفادة سونكو من العفو العام الذي أعلنه الرئيس ماكي سال، وهو نفس الحكم المتوقع أيضا مع خليفة سونكو ومرشحه للرئاسيات باسيرو ديوماي فاي.
أبرز المرشحينولا يبدو المشهد السياسي في السنغال بالغ الوضوح، بل أكثر من ذلك يبدو الانتظار سيد الموقف، والساحة حبلى بمتغيرات عديدة، ومن الصعب التكهن باسم الرئيس القادم، رغم أن عدة مؤشرات تحصر جدية التنافس في الأسماء التالية:
مرشح التحالف الحاكم أمادو با: وكان يشغل منصب الوزير الأول في البلاد، قبل أن يستقيل قبل أيام، للتفرغ لحملته الانتخابية، وينحدر با من قومية الفلان التي تنتشر في شمال البلاد، وينتمي لها الرئيس سال، وهي القومية الثانية في السنغال، بعد الوولوف.ومن أبرز نقاط قوته التي تعزز حظوظه، ما يتمتع به من دعم معلن من قوى الأغلبية، إضافة إلى ما يملكه الحزب الحاكم من ثقل انتخابي، عزز منه تفتيت قوة المعارضة، بعد منع سونكو من الترشح.
كما يتمتع الرجل بكفاءة فنية وإدارية تعززت خلال فترتي حكم الرئيس سال، التي شغل فيها عدة مناصب وزارية، توجها بتولي رئاسة الوزراء (أو ما يعرف محليا بمنصب الوزير الأول).
غير أن المرشح با يواجه عراقيل متعددة منها:
– تذمر عدد من قادة الحزب الحاكم من ترشيحه.
– "تردد" موقف الرئيس سال وما يشاع من "خلافات" بين الرجلين، وهو أمر لا يمكن الجزم به، ولكنه يتردد بقوة في أوساط النخبة السياسية السنغالية، ولا تنقصه المؤشرات المعززة له.
– صعوبة التأثير في قناعات القوى المعارضة للنظام.
إدريسا سيك: وهو وزير أول سابق، (بين عامي 2002، و2004) ورئيس حزب "ريومي" (الوطن باللهجة الولفية)، ويملك هذا السياسي البالغ من العمر 64 عاما أوراق قوة متعددة، منها خبرته السياسية والإدارية والأكاديمية، وتجربته الطويلة في مراكز تنفيذية متعددة، زيادة على علاقاته القوية وخصوصا مع فرنسا، حيث يعتبر أحد رهاناتها المتوقعة في الرئاسيات القادمة، يضاف إلى ذلك قوته الشعبية عبر حزبه رومي، الذي منحه الرتبة الثانية في انتخابات 2019 بعد الرئيس ماكي صال، يضاف إلى ذلك علاقاته مع بعض الطرق الصوفية، وعمق علاقاته مع الأغلبية، مما قد يجعله رهانا أيضا لدى المغاضبين أو غير المقتنعين بمرشح الحزب الحاكم.وكان ديوماي فاي قد ألقي به في السجن قبل نحو عام بتهمة التشهير وإهانة قاض في منشور له على مواقع التواصل الاجتماعي.
وإلى جانب هؤلاء فإن أصوات أنصار المرشحين المستبعدين من السباق وخصوصا عثمان سونكو (في حال لم يتمكن مرشحه باسيرو ديوماي فاي من العبور في الجولة الأولى)، وواد، سيكونان عنصرا مؤثرا في صناعة المشهد الرئاسي، مشكّلة متغيرا قادرا بقوة على حسم الجولة الثانية، ينضاف إلى ذلك اتجاه المرجعيات الدينية وخصوصا المريدية ذات التأثير القوي في الشارع السنغالي.
وبين مختلف هذه المتغيرات، تبدو السنغال على مسار جديد، من العودة إلى قيمها الديمقراطية التي كانت أبرز عاصم لها من الانزلاق إلى الصبغة الأفريقية العريقة في استلام الحكم أو مغادرته.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات المجلس الدستوری الوزیر الأول عثمان سونکو فی السنغال الرئیس سال مارس آذار ماکی سال قبل أن بعد أن
إقرأ أيضاً:
السنغال بلد الثقافة والتصوف ومحاربة الاستعمار
ويقول سعيد باه إن دخول الإسلام إلى حوض السنغال كان في النصف الثاني من القرن الهجري الأول، بخلاف ما يروج البعض بأن المرابطين هم من أدخلوا الإسلام إلى المنطقة.
ولم يرتبط دخول الإسلام إلى المنطقة بحدث تاريخي، بل كان عن طريق تسلل تجار يحملون ثقافة وهوية إسلامية إلى المنطقة التي كانت جاذبة اقتصاديا لغناها بالذهب وبثروات أخرى، حيث تأثر أهل المنطقة وأعجبوا بهؤلاء التجار فأسلموا فرادى في البداية ثم انتشر الإسلام بعد ذلك.
وقامت مملكة التكرور -التي يرجح سعيد باه أن اسم السنغال مأخوذا منها- والإسلام على مشارف المنطقة، وقال إن ممالك أخرى كانت موجودة في المنطقة، ومثلا السنغال كانت جزءا من مملكة مالي الإسلامية ومن غانا الكبيرة.
وتتميز السنغال بتعدد الإثنيات والقبائل والتشكيلات الاجتماعية مثل باقي الدول الأفريقية، لكنها ليست معقدة، فمثلا في السنغال هناك نحو 22 مكونا اجتماعيا، في حين في بوركينا فاسو يقدر عدد المكونات الاجتماعية بـ60 مكونا.
الطرق الصوفيةوفي السياق ذاته، يكشف الباحث في التاريخ والفكر والسياسة أن التصوف دخل المنطقة انطلاقا من الجزائر وعبر موريتانيا مع محمد بن عبد الكريم بن محمد المغيلي الذي كان له تأثير كبير جدا على المستويين الديني والسياسي.
إعلانوانتشرت "الطريقة القادرية" في المنطقة، وكانت محركا حتى للجهاد، وجاءت لاحقا "الطريقة التيجانية".
وكان التصوف في المنطقة يقوم على 4 أعمدة، هي: الجهاد من أجل تمكين الإسلام، والتعليم ونشر المعرفة في أوساط الناس، والتربية وصقل أرواح الأتباع، والدعوة العامة، وهي أعمدة يقول ضيف "حكاية أفريقية من بودكاست "أثير" إن الاستعمار الفرنسي قضى عليها.
وعن خصائص "الطريقة المريدية" -التي تعتبر من المحركات الأساسية في السنغال- يوضح سعيد باه أن مؤسس هذه الطريقة هو الشيخ أحمد بامبا، وهو عالم متمكن وكان زاهدا ورفض الخضوع للاحتلال الأجنبي، ليكون مصيره النفي إلى الغابون ثم موريتانيا ثم نفي مرة أخرى، وبعد عودته تعرض للحصار في بيته حتى وفاته وهو في الإقامة الجبرية.
ومن خلال المعركة التي خاضها مع الاحتلال الأجنبي استطاع الشيخ بامبا أن يكوّن قاعدة صوفية متماسكة كما يقول سعيد باه الذي يروي أن الشيخ كان يدعو القبائل التي كان يستهدفها التنصير إلى الدخول في الإسلام حتى تقول للاستعمار إنها تؤمن بالله عز وجل.
وعندما سئل الشيخ بامبا: كيف يدخلون في الإسلام وهم لا يصلّون ولا يصومون؟ قال "سيأتي من يعلمهم الصلاة، أنا ما عندي وقت".
وحسب الباحث في التاريخ والفكر والسياسة، فإن "الطريقة التيجانية" لا تزال مسيطرة في المجتمع السنغالي، و"الطريقة المريدية" مسيطرة من حيث الحيوية، أما "الطريقة القادرية" فأصبحت في وضع ضيق.
ومن جهة أخرى، يعتبر أن دخول المستعمرين إلى السنغال لا يختلف عن دخولهم إلى أماكن أخرى من العالم الإسلامي، فقد بدأ الاستعمار البرتغالي في القرن الـ15 الميلادي، ثم تبعهم الهولنديون، ثم البريطانيون، ثم الفرنسيون الذين وصلوا إلى السنغال في حدود 1622.
ويؤكد سعيد باه أن الاستعمار الفرنسي وجد الشعب السنغالي متعلما، فقد كان هناك علماء وكتب، أما التعليم الذي كان ينشره الاستعمار فكان من أجل خدمة المشروع الاستعماري.
إعلان 20/4/2025