موقع النيلين:
2024-10-03@19:49:29 GMT

الصديق الأمريكي اللدود

تاريخ النشر: 10th, March 2024 GMT


فى عام 1918 كان اسم الولايات المتحدة متداولًا على كل لسان فى مصر والبلاد العربية بمحبة وتقدير بعد إعلان الرئيس الأمريكى ويلسون مبادئه الأربعة عشر الشهيرة، والتى تضمن أحدها حق الشعوب فى تقرير مصيرها، هذه المبادئ علقت عليها حركات التحرر الوطنى آمالًا كبيرة فى نزع نير الاحتلال والاستعمار عن كاهلها، وبدء عصر جديد من التحرر والسيادة.


فى مصر آنذاك تم تشكيل وفد برئاسة سعد زغلول للسفر إلى باريس وحضور مؤتمر الصلح والمطالبة باستقلال مصر وفق مبادئ الرئيس ويلسون رئيس المؤتمر، إلا أن بريطانيا حالت دون ذلك، فكانت النتيجة تفجر ثورة 1919 التى تصدت لها بريطانيا بالقوة العسكرية، وفى تلك الآونة صُدمت الحركة الوطنية المصرية من موقف الرئيس ويلسون الذى اعترف بالحماية البريطانية على مصر.

الرئيس الأمريكى لم يتخاذل وحسب عن مساندة قضية الاستقلال المصرى، لكنه تبنى الكذبة التى أطلقها اللورد آرثر بلفور وزير خارجية بريطانيا آنذاك، والتى تزعم أن الثورة المصرية أعد لها وطنيون متطرفون هم عملاء ممولون من حزب ثورى فى تركيا ومن البلاشفة الروس، وأنهم يستغلون مبادئ ويلسون لتأجيج نيران حرب مقدسة ضد غير المسلمين.بعد ذلك بثلاثة عقود وفى عام 1947 كانت الولايات المتحدة فى مقدمة الدول التى أيدت قرار تقسيم فلسطين، ومارست نفوذها على العديد من الدول لتأييد القرار فى الأمم المتحدة، وهى الدولة الأولى التى اعترفت بإسرائيل، فكانت تلك هى لحظة تدشين الرعاية الأمريكية والدعم المطلق لإسرائيل على حساب الحقوق الفلسطينية والعربية.
رغم أن السنوات اللاحقة قد شهدت حضورًا أمريكيًا متصاعدًا فى الشرق الأوسط ارتباطًا بمصالح شركات النفط الأمريكية ثم بمصالح شركات السلاح التى وجدت فى المنطقة العربية مجالًا مربحًا لأعمالها، فإن السياسة الخارجية الأمريكية اعتبرت ذلك أمرًا واقعًا لا يستحق ترضية أو مراعاة منها للدول العربية التى تتشارك معها العلاقات والمصالح.
• • •

على ذلك النهج واصل الصديق الأمريكى سياساته علانية ودون مواربة فى الدعم المطلق لإسرائيل بإمدادات لا نهاية لها من السلاح والعتاد والتدريبات العسكرية المشتركة والبحوث العسكرية وتطوير الأسلحة، بالإضافة إلى دعم اقتصادى ومالى غير محدود بالهبات والمعونات والمساعدات.
أما الحماية والتغطية السياسية غير المحدودة فى المحافل والمنظمات الدولية فقد ترتب عليها تحرك إسرائيل دون ضابط أو اعتبار فتصول وتجول وتضرب وتدمر، وهى مطمئنة إلى أن الولايات المتحدة كفيلة بتغطيتها سياسيًا على مختلف الأصعدة، وليست الولايات المتحدة فقط بل حلفاؤها ومن يدور فى فلكها من الدول الغربية التى انتهجت وما زالت تنتهج ذات السياسة، وإن اختلفت صورها وأساليبها.

كثر فى المنطقة العربية باتوا ينظرون إلى الولايات المتحدة باعتبارها الصديق اللدود، هو صديق لكنه لا يسلك كصديق، هو شريك فى مجالات كبرى من العلاقات والمصالح لكنه لا يسلك كشريك.
دخل الصديق الأمريكى أزمة الخليج كشريك لتحرير الكويت، لكنه سرعان ما استغل الأمر لتدمير دولة عربية كبرى هى العراق، ولاحقا سار على ذات النهج مستغلا أحداث الربيع العربى الكاذب، ليؤجج نيران الاحتراب الداخلى فى سوريا، ويفرض حصارًا محكمًا عليها ويقيم القواعد العسكرية فيها، والأمثلة تمتد فى كل أنحاء المنطقة العربية، حيث يمكن العثور على بصمات الصديق الأمريكى على الكثير من الوقائع والأحداث.فى فلسطين وقبل أحداث غزة بوقت طويل، ومع مواصلة إسرائيل القضم المستمر البطىء دون هوادة للأراضى الفلسطينية فى الضفة الغربية والبناء المستمر للمستوطنات والتوسع فى المستوطنات القائمة، وإضفاء الشرعية على المناطق الاستيطانية، هددت الولايات المتحدة باستخدام حق النقض ضد قرار اقترحته دولة الإمارات بإدانة المستوطنات الإسرائيلية باعتبارها تمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولى.
وانتهى الأمر تحت التهديد الأمريكى باستخدام حق النقض (فيتو) بصدور بيان رئاسى رمزى لم يتضمن حتى الإشارة إلى عدم شرعية المستوطنات الإسرائيلية أو حتى مطالبة إسرائيل بوقف الأنشطة الاستيطانية، وعليه واصلت الحكومة الإسرائيلية بالمضى قدمًا فى التوسع والبناء الاستيطانى فى الأراضى الفلسطينية، وهى مطمئنة وآمنة إلى التغطية الأمريكية على أفعالها وممارستها.

بالأمس القريب وبالرغم من المذابح الوحشية التى ترتكبها إسرائيل فى قطاع غزة، والتى وصلت أعداد ضحاياها إلى ثلاثين ألف شهيد وشهيدة ومائة ألف شخص جريح ودمار شامل فى المبانى والمنازل، فإن الولايات المتحدة استخدمت حق النقض فى مجلس الأمن الدولى لإجهاض مشروع القرار المقدم من الجزائر للمطالبة بالوقف الفورى لإطلاق النار فى غزة لأسباب إنسانية، وحصل مشروع القرار على تأييد 13 عضوًا وامتناع المملكة المتحدة عن التصويت.
وكانت تلك هى المرة الثالثة التى تستخدم فيها الولايات المتحدة حق النقض فى مجلس الأمن لوقف صدور قرار دولى من مجلس الأمن بشأن العدوان الإسرائيلى الوحشى على قطاع غزة طوال الشهور الخمسة الماضية.
بذلك استخدمت الولايات المتحدة حق النقض 46 مرة ضد مشروعات قرارات فى مجلس الأمن تتعلق بإسرائيل من إجمالى 89 مرة استخدمت واشنطن فيها حق النقض فى مجلس الأمن منذ عام 1945، أى أن أكثر من نصف عدد المرات التى استخدمت فيها الولايات المتحدة حق النقض فى مجلس الأمن كان للدفاع عن إسرائيل وخدمة لها وتغطية على أفعالها.كتب كوفى عنان، الأمين العام السابق للأمم المتحدة، عن ذلك، مشيرًا إلى أن فشل الأمم المتحدة فى تحقيق سلام دائم فى الشرق الأوسط هو بمثابة جرح داخلى عميق للأمم المتحدة ومنظماتها، وأشار عنان إلى الدور الحمائى الذى تقوم به الولايات المتحدة لإسرائيل لحمايتها من المساءلة فى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، واعتبر ذلك سببًا رئيسيًا لهذا الفشل، وكتب عنان: «لقد استخدمت الولايات المتحدة حق النقض لحماية إسرائيل حتى من التدقيق والضغط الدوليين المعقولين، ما أدى إلى إصابة مجلس الأمن بالشلل وتعويقه عن القيام بدوره».
• • •
كثر فى جميع أنحاء العالم والمنطقة العربية يعجبون بالنموذج الأمريكى المشرق فى مجال العلوم والفنون والرياضة، لكنهم فى ذات الآونة يضعون العديد من علامات الاستفهام على السياسات الأمريكية، وعدم توازنها تجاه العديد من القضايا السياسية والاقتصادية والبيئية فى العالم، وحتى المبررات والذرائع والدوافع التى تقدمها الولايات المتحدة باتت لا تقنع أحدًا.يأسف كثر لكل ذلك، فالولايات المتحدة كقوة كبرى يمكنها أن تقدم الكثير والكثير للسلام والتنمية والازدهار والتقدم فى العالم، ويمكنها كقوة كبرى أن تصبح منارة للقيم النبيلة والمبادئ الإنسانية والحضارية، ويمكنها أن تكون أكثر مكانة بكثير مما هى عليه اليوم، لكنها للأسف تفعل العكس تمامًا.

ايمن النجراوي – الشروق نيوز

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: الولایات المتحدة حق النقض

إقرأ أيضاً:

تصرف غريب من مندوبة أمريكا في مجلس الأمن.. ومتابعون: عدم احترام للقامات

يعيش لبنان أسوأ كوابيسه في الفترة الحالية بسبب الهجمات التي ينفذها الاحتلال الإسرائيلي على الضاحية الجنوبية، واستهداف المدنيين خاصة الأطفال والنساء، ليجتمع ممثلو قادة العالم في مجلس الأمن لبحث قضيته، إلا أن ما فعلته مندوبة الولايات المتحدة الأمريكية خلال هذه الجلسة يشير إلى عدم رغبتهم في السلام، وأن كلماتهم مجرد شعارات فقط، ويرغبون في استمرار الحرب الوحشية.

استخدمت ليندا توماس جرينفيلد مندوبة أمريكا هاتفها في أثناء إلقاء أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة كلمته، خلال اجتماع ممثلي قادة العالم بمجلس الأمن، لبحث التصعيد في لبنان، ووقف الهجمات الإسرائيلية على لبنان، كنوع من التجاهل، ما أثار سخرية المتابعين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، واعتبروا تصرفها عدم احترام للقادة الموجودين.

مندوبة أميركا تستخدم هاتفها أثناء كلمة الأمين العام للأمم المتحدة في مجلس الأمن #أميركا #لبنان #قناة_العربية pic.twitter.com/NrVJ1FQ0LU

— العربية (@AlArabiya) October 2, 2024 تجاهلت مندوب أمريكا حديث «غوتيريش»

ووجه «غوتيريش» عبارات حادة واتهامات علنية إلى القوات الإسرائيلية، بسبب شنها ضربات جوية متواصلة على جميع المناطق في لبنان، وترويع المواطنين المدنيين خاصة النساء والأطفال، واشتدت الغارات الجوية على بيروت.

إسرائيل ترفض أي محاولة للتهدئة

وترفض إسرائيل أي محاولة للتهدئة، وتسعى إلى التدمير والخراب بشتى الطرق في لبنان، خاصة بعد رفضها اقتراح الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، بوقف إطلاق نار مؤقت يسمح بإعادة المفاوضات، وردت برفع حدة الضربات الموجهة إلى لبنان، والإيقاع بأكبر عدد من المواطنين، الذين وقعوا ضحايا حرب شنيعة، شنها كيان لا يعترف بالإنسانية، وفقًا لحديث «غوتيريش» بمجلس الأمن.

تعليقات الناس على تصرف مندوب أمريكا

وجاءت تعليقات رواد مواقع التواصل الاجتماعي، على فيديو تجاهل مندوبة أمريكا لحديث «غوتيريش» في مجلس الأمن، كالتالي: «ما فعلته ممثلة الولايات المتحدة الأمريكية يمثل عدم احترام القامات»، و«بردًا وسلامًا على فلسطين ولبنان»، و«ندعم فلسطين ولبنان».

مقالات مشابهة

  • الخارجية ترحّب ببيان أعضاء الدول العشرة المنتخبين في مجلس الأمن
  • مجلس الأمن في حال طوارئ خشية الجحيمفي الشرق الأوسط
  • السلطات الأمريكية: الخطر الإرهابي في الولايات المتحدة سيبقى عاليا في العام القادم
  • مجلس الأمن الدولي يدرس تبني وثائق جديدة حول لبنان
  • تصرف غريب من مندوبة أمريكا في مجلس الأمن.. ومتابعون: عدم احترام للقامات
  • العالم يتخلى عن بايدن ويتجاوزه.. مايكل هيرش: خطاب الرئيس الأمريكى حول النظام العالمى عكس فشل دبلوماسية واشنطن فى الشرق الأوسط
  • في مجلس الأمن..أمريكا تحذر إيران
  • تفاصيل جلسة مجلس الأمن الدولي بشأن لبنان
  • مراجع غيث: سياسة الصديق الكبير أسهمت في أزمة السيولة
  • بعد نفي انسحابها من جنوب لبنان.. ما هي قوات اليونيفيل؟