موقع النيلين:
2024-11-23@21:32:36 GMT

الصديق الأمريكي اللدود

تاريخ النشر: 10th, March 2024 GMT


فى عام 1918 كان اسم الولايات المتحدة متداولًا على كل لسان فى مصر والبلاد العربية بمحبة وتقدير بعد إعلان الرئيس الأمريكى ويلسون مبادئه الأربعة عشر الشهيرة، والتى تضمن أحدها حق الشعوب فى تقرير مصيرها، هذه المبادئ علقت عليها حركات التحرر الوطنى آمالًا كبيرة فى نزع نير الاحتلال والاستعمار عن كاهلها، وبدء عصر جديد من التحرر والسيادة.


فى مصر آنذاك تم تشكيل وفد برئاسة سعد زغلول للسفر إلى باريس وحضور مؤتمر الصلح والمطالبة باستقلال مصر وفق مبادئ الرئيس ويلسون رئيس المؤتمر، إلا أن بريطانيا حالت دون ذلك، فكانت النتيجة تفجر ثورة 1919 التى تصدت لها بريطانيا بالقوة العسكرية، وفى تلك الآونة صُدمت الحركة الوطنية المصرية من موقف الرئيس ويلسون الذى اعترف بالحماية البريطانية على مصر.

الرئيس الأمريكى لم يتخاذل وحسب عن مساندة قضية الاستقلال المصرى، لكنه تبنى الكذبة التى أطلقها اللورد آرثر بلفور وزير خارجية بريطانيا آنذاك، والتى تزعم أن الثورة المصرية أعد لها وطنيون متطرفون هم عملاء ممولون من حزب ثورى فى تركيا ومن البلاشفة الروس، وأنهم يستغلون مبادئ ويلسون لتأجيج نيران حرب مقدسة ضد غير المسلمين.بعد ذلك بثلاثة عقود وفى عام 1947 كانت الولايات المتحدة فى مقدمة الدول التى أيدت قرار تقسيم فلسطين، ومارست نفوذها على العديد من الدول لتأييد القرار فى الأمم المتحدة، وهى الدولة الأولى التى اعترفت بإسرائيل، فكانت تلك هى لحظة تدشين الرعاية الأمريكية والدعم المطلق لإسرائيل على حساب الحقوق الفلسطينية والعربية.
رغم أن السنوات اللاحقة قد شهدت حضورًا أمريكيًا متصاعدًا فى الشرق الأوسط ارتباطًا بمصالح شركات النفط الأمريكية ثم بمصالح شركات السلاح التى وجدت فى المنطقة العربية مجالًا مربحًا لأعمالها، فإن السياسة الخارجية الأمريكية اعتبرت ذلك أمرًا واقعًا لا يستحق ترضية أو مراعاة منها للدول العربية التى تتشارك معها العلاقات والمصالح.
• • •

على ذلك النهج واصل الصديق الأمريكى سياساته علانية ودون مواربة فى الدعم المطلق لإسرائيل بإمدادات لا نهاية لها من السلاح والعتاد والتدريبات العسكرية المشتركة والبحوث العسكرية وتطوير الأسلحة، بالإضافة إلى دعم اقتصادى ومالى غير محدود بالهبات والمعونات والمساعدات.
أما الحماية والتغطية السياسية غير المحدودة فى المحافل والمنظمات الدولية فقد ترتب عليها تحرك إسرائيل دون ضابط أو اعتبار فتصول وتجول وتضرب وتدمر، وهى مطمئنة إلى أن الولايات المتحدة كفيلة بتغطيتها سياسيًا على مختلف الأصعدة، وليست الولايات المتحدة فقط بل حلفاؤها ومن يدور فى فلكها من الدول الغربية التى انتهجت وما زالت تنتهج ذات السياسة، وإن اختلفت صورها وأساليبها.

كثر فى المنطقة العربية باتوا ينظرون إلى الولايات المتحدة باعتبارها الصديق اللدود، هو صديق لكنه لا يسلك كصديق، هو شريك فى مجالات كبرى من العلاقات والمصالح لكنه لا يسلك كشريك.
دخل الصديق الأمريكى أزمة الخليج كشريك لتحرير الكويت، لكنه سرعان ما استغل الأمر لتدمير دولة عربية كبرى هى العراق، ولاحقا سار على ذات النهج مستغلا أحداث الربيع العربى الكاذب، ليؤجج نيران الاحتراب الداخلى فى سوريا، ويفرض حصارًا محكمًا عليها ويقيم القواعد العسكرية فيها، والأمثلة تمتد فى كل أنحاء المنطقة العربية، حيث يمكن العثور على بصمات الصديق الأمريكى على الكثير من الوقائع والأحداث.فى فلسطين وقبل أحداث غزة بوقت طويل، ومع مواصلة إسرائيل القضم المستمر البطىء دون هوادة للأراضى الفلسطينية فى الضفة الغربية والبناء المستمر للمستوطنات والتوسع فى المستوطنات القائمة، وإضفاء الشرعية على المناطق الاستيطانية، هددت الولايات المتحدة باستخدام حق النقض ضد قرار اقترحته دولة الإمارات بإدانة المستوطنات الإسرائيلية باعتبارها تمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولى.
وانتهى الأمر تحت التهديد الأمريكى باستخدام حق النقض (فيتو) بصدور بيان رئاسى رمزى لم يتضمن حتى الإشارة إلى عدم شرعية المستوطنات الإسرائيلية أو حتى مطالبة إسرائيل بوقف الأنشطة الاستيطانية، وعليه واصلت الحكومة الإسرائيلية بالمضى قدمًا فى التوسع والبناء الاستيطانى فى الأراضى الفلسطينية، وهى مطمئنة وآمنة إلى التغطية الأمريكية على أفعالها وممارستها.

بالأمس القريب وبالرغم من المذابح الوحشية التى ترتكبها إسرائيل فى قطاع غزة، والتى وصلت أعداد ضحاياها إلى ثلاثين ألف شهيد وشهيدة ومائة ألف شخص جريح ودمار شامل فى المبانى والمنازل، فإن الولايات المتحدة استخدمت حق النقض فى مجلس الأمن الدولى لإجهاض مشروع القرار المقدم من الجزائر للمطالبة بالوقف الفورى لإطلاق النار فى غزة لأسباب إنسانية، وحصل مشروع القرار على تأييد 13 عضوًا وامتناع المملكة المتحدة عن التصويت.
وكانت تلك هى المرة الثالثة التى تستخدم فيها الولايات المتحدة حق النقض فى مجلس الأمن لوقف صدور قرار دولى من مجلس الأمن بشأن العدوان الإسرائيلى الوحشى على قطاع غزة طوال الشهور الخمسة الماضية.
بذلك استخدمت الولايات المتحدة حق النقض 46 مرة ضد مشروعات قرارات فى مجلس الأمن تتعلق بإسرائيل من إجمالى 89 مرة استخدمت واشنطن فيها حق النقض فى مجلس الأمن منذ عام 1945، أى أن أكثر من نصف عدد المرات التى استخدمت فيها الولايات المتحدة حق النقض فى مجلس الأمن كان للدفاع عن إسرائيل وخدمة لها وتغطية على أفعالها.كتب كوفى عنان، الأمين العام السابق للأمم المتحدة، عن ذلك، مشيرًا إلى أن فشل الأمم المتحدة فى تحقيق سلام دائم فى الشرق الأوسط هو بمثابة جرح داخلى عميق للأمم المتحدة ومنظماتها، وأشار عنان إلى الدور الحمائى الذى تقوم به الولايات المتحدة لإسرائيل لحمايتها من المساءلة فى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، واعتبر ذلك سببًا رئيسيًا لهذا الفشل، وكتب عنان: «لقد استخدمت الولايات المتحدة حق النقض لحماية إسرائيل حتى من التدقيق والضغط الدوليين المعقولين، ما أدى إلى إصابة مجلس الأمن بالشلل وتعويقه عن القيام بدوره».
• • •
كثر فى جميع أنحاء العالم والمنطقة العربية يعجبون بالنموذج الأمريكى المشرق فى مجال العلوم والفنون والرياضة، لكنهم فى ذات الآونة يضعون العديد من علامات الاستفهام على السياسات الأمريكية، وعدم توازنها تجاه العديد من القضايا السياسية والاقتصادية والبيئية فى العالم، وحتى المبررات والذرائع والدوافع التى تقدمها الولايات المتحدة باتت لا تقنع أحدًا.يأسف كثر لكل ذلك، فالولايات المتحدة كقوة كبرى يمكنها أن تقدم الكثير والكثير للسلام والتنمية والازدهار والتقدم فى العالم، ويمكنها كقوة كبرى أن تصبح منارة للقيم النبيلة والمبادئ الإنسانية والحضارية، ويمكنها أن تكون أكثر مكانة بكثير مما هى عليه اليوم، لكنها للأسف تفعل العكس تمامًا.

ايمن النجراوي – الشروق نيوز

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: الولایات المتحدة حق النقض

إقرأ أيضاً:

الإمارات تدعو لتقييد استخدام الفيتو في مجلس الأمن

طالبت دولة الإمارات العربية المتحدة، وضع أسس لتقييد استخدام حق النقض «الفيتو» في مجلس الأمن الدولي، مشيرةً إلى أنه وُضع لصون السلم والأمن الدوليين وليس لتجاهل إرادة المجتمع الدولي، ومؤكدةً أنه يجب عدم استخدام حق النقض بشكل غير مسؤول، خاصة في الصراعات التي تتطلب تدخلاً فورياً، بالإضافة إلى أن الاستخدام غير المسؤول يشكك في مصداقية مجلس الأمن.

 

وقالت الإمارات في بيان ألقته غسق شاهين، نائبة المندوب الدائم لدى الأمم المتحدة، خلال اجتماع للجمعية العامة حول استخدام حق النقض «الفيتو»: «إنه من المؤسف أن يعجز مجلس الأمن عن الوفاء بمسؤولياته في صون السلم والأمن الدوليين للمرة الثانية خلال أقل من أسبوع، وأن يخفق في إيجاد الحلول للأزمات التي يعاني منها العالم وإنهاء المعاناة الإنسانية للشعوب، حيث فشل المجلس في اعتماد قرار وقف إطلاق النار في غزة، كما فشل في اعتماد قرار لحماية المدنيين في السودان، إلى جانب إخفاقه في تبني قرارات مهمة حول مسائل أخرى تتعلق بعدم تسليح الفضاء، وأنظمة العقوبات»، مشيراً إلى أنه تم استخدام حق النقض 7 مرات في هذا العام وحده، بالإضافة إلى استخدام «النقض الصامت» خلال المفاوضات على مشاريع قرارات مجلس الأمن، مما حال من دون طرحها للتصويت.

 

استخدام حق النقض مكفول للأعضاء الدائمين بموجب الميثاق

وأضاف البيان أن الإمارات تدرك أن استخدام حق النقض مكفول للأعضاء الدائمين بموجب الميثاق، ولكن يجب ألا يتم استخدامه بشكل غير مسؤول، خاصة في الصراعات التي تتطلب التدخل الفوري من مجلس الأمن وتوظيف أدواته، خصوصاً في حالات إجماع المجلس على اعتماد قرارات مهمة.

وقال إن الاستخدام غير المسؤول لحق النقض قد يشكك في مصداقية مجلس الأمن ومنظومة الأمم المتحدة، خاصةً أن هذه الممارسات تناقض الأهداف التي أنشئت من أجلها هذه المنظمة، والمتمحورة حول إنقاذ الأجيال المقبلة من ويلات الحروب.

 

وقال البيان: «لا بد من وضع أسس لتقييد استخدام حق النقض، لا سيما في حالات الفظائع الجماعية، حيث إنه وُضع لدعم صون السلم والأمن الدوليين، وليس لتقويض القانون الدولي أو تجاهل إرادة المجتمع الدولي، كما ينبغي احترام رأي الأمين العام عندما يستند إلى المادة الـ 99 من ميثاق الأمم المتحدة كما جرى بالنسبة للحرب في غزة».

 

وأشار بيان الإمارات إلى أن المناقشة في مجلس الأمن أكدت أهمية دور الجمعية العامة واختصاصها في المسائل المتصلة بصون السلم والأمن الدوليين، في ظل عدم قدرة مجلس الأمن على القيام بمسؤوليته الرئيسة، حيث تلعب الجمعية العامة دوراً مهماً في عقد دورات استثنائية طارئة، إلى جانب الجلسات الخاصة بتبرير استخدام حق النقض وفقاً لقرار الجمعية العامة، والتي يجب تطويرها والبناء عليها بوصفها واحدة من الأدوات الحيوية للمساءلة.

وأشاد البيان بالمبادرة المهمة التي أطلقتها فرنسا والمكسيك بشأن تعطيل صلاحيات حق النقض في حالات الفظائع الجماعية، ومدونة قواعد السلوك المتعلقة بالإجراءات التي يتخذها مجلس الأمن ضد الإبادة الجماعية أو الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية أو جرائم الحرب، على النحو الذي وضعه فريق المساءلة والاتساق والشفافية، حيث تسهم مثل هذه المبادرات في ضمان عدم إعاقة تحرك المجتمع الدولي لمنع ارتكاب فظائع بحق الإنسانية والمدنيين العزل.

 

وقال: «لتعزيز مناقشاتنا في هذا البند، ينبغي أن تتضمن مقدمة التقرير السنوي المقدم من مجلس الأمن إلى الجمعية العامة تحليلاً لاستخدام حق النقض خلال الفترة المشمولة بالتقرير، ومقارنتها بالتقارير السابقة، وتخصيص جزءٍ مستقل لحق النقض إذا تم الأخذ به».

وفي ختام البيان، أكدت الإمارات أنه في ظل هذه المرحلة الحرجة التي يمر بها مجلس الأمن، بات العالم برمته يتطلع لقيام المجلس بدوره المنشود في صون الأمن والسلم الدوليين، كما أصبح من الضروري اتخاذ خطوات جادة نحو إصلاح مجلس الأمن، بما في ذلك إصلاح بند حق النقض.

وشددت على أهمية تعزيز فعالية العمل الجماعي في الاستجابة للأزمات، خاصة التي تعاني منها منطقتنا، بما في ذلك ضمان الامتثال للقوانين والأعراف الدولية.

 

 

مقالات مشابهة

  • الفيتو الأمريكي يقتل أبناء الشعب الفلسطيني
  • الإمارات تدعو لتقييد استخدام الفيتو في مجلس الأمن
  • الإمارات تدعو لتقييد “الفيتو” بمجلس الأمن وتعزيز المساءلة الدولية
  • الحوثيون يدينون الفيتو الأمريكي في مجلس الأمن لوقف العدوان على غزة
  • الجامعة العربية تستنكر "الفيتو" الأمريكي ضد وقف إطلاق النار في قطاع غزة
  • أبو الغيط يستنكر الفيتو الأمريكي لمنع وقف إطلاق النار في غزة
  • 49 فيتو أمريكي في مجلس الأمن ضد قرارات تخص الاحتلال
  • شاهد.. بيان جزائري ناري بعد الفيتو الأمريكي في مجلس الأمن
  • 49 فيتو أمريكي في مجلس الأمن ضد قرارات تخص الاحتلال.. غطاء دبلوماسي
  • كمال ماضي عن الفيتو الأمريكي: واشنطن تسيطر على مجلس الأمن |فيديو